تجربة الرِّيف لمسرحيَّة “السَّرير” تحمل المعاصرة في الرُّؤية وتزدهي بالتَّطوير/ علي باقر (مملكة البحرين)
نجح مسرح الريف في دعم الشباب بأن هيأ لهم خشبة المسرح من أجل إثبات ذاتهم تمثيلا وتأليفاً وإخراجاً لتحريك الجمود ، وقد وفِّق مسرح الريف في عرض تجرببته المسرحية ” السرير ” في مساء يومي الخميس و الجمعة 23 و 24 من ديسمبر 2021 بواقع عرضين في كل مساء حتى يشاهد التجربة عدد أكبر من المدعوين نتيجة تحديد نصاب العرض بثلاثين متفرجاً في العرض الواحد نتيجة الأخذ بتوصيات الفريق الطبي للمزيد من الاحترازات الطبية من أجل الوقاية من فيروس كرونا وتحوراته التي لازالت تعصف بالبشرية في العالم .
وحول التجربة المسرحية التي قادها الفنان الشاب أحمد بن على تأليفاً وتمثيل و إخراجاً مع زملائه الفنانين صادق الغدير على محسن الكاظم و صادق عبد الرضا الذي وقف أيضا مع المخرج مساعداً له وعاصفاً ذهنياً لما يتمتع به من خبرة.
ورغم أنهم جميعاً حديثو العهد بالتجارب المسرحية إلا أنهم أثبتوا أنفسهم في تقديم العرض المسرحي القصير”السرير” بتحدٍ لذواتهم ليظهروا تجربتهم إلى النور بعد تدريبات مضنية خاضوها مدة ثلاثة شهور تقريباً.
تجربة ” السرير” تحمل المعاصرة في الرؤية وصورها المشهدية بعيدة كل البعد عن المسرح التقليدي ، ولكنها ستتجمَّل أكثر بالتطوير ، فقد اهتمت بتسليط الضوء على قضايا مجتمعية عدة ترتبط بفكرة واحدة أن الإنسان المعاصر مريض في ظل العولمة ، تتلبِّسه المشكلات وهو عاجز عن حلِّها، وقد بات التشافي من تلك الأمراض و المشكلات والنجاة أمراً مستحيلاً. وقد نجح الممثلون أحمد بن على و صادق الغدير و على محسن في التنقل بين القضايا المختلفة على الطريقة البرختية التي تولي اهتماماً بالمتفرج الذي من أجله تكتب المسرحية ، فهو يعدُّ المحفز المهم في إظهار العرض المسرحي لكي تجره ذهنياً إلى التفكير في واقعه المحبط. وعادةً ما يكتب النص بقضايا تحمل الدَّهشة و الغرابة لتثير التأمل والتفكير في آن واحد بأسلوب تغريبي بحسب المدرسة البرختية ، وقد تمزج المسرحية بين التسلية والوعظ بأسلوب ساخر كوميدي، ويمكن أن تكون مشاهد المسرحية متفرقة لاتقف على زمن واحد و إنما ازمنة مختلفة.
مسرحية “السرير” ظهرت وقد تكون صدفة بهذا اللون الحداثي المعاصر ، فأرى أن الفنانين دخلوا في دهاليز هذه المدرسة نوعاً ما بدون أن تكون لهم خبرةٌ ودراسةٌ عميقة فيها ، وأنا متأكد أن التجارب المسرحية بفضل لجنة فنية متابعة وواعية تعصف في أذهانهم بأساليب محببة ستعلمهم الكثير عن التجارب الإخراجية والتمثيلية تبدأ من اختيار المخرج لنوعية النص المسرحيو حكمه عليه وتحمسه له ، فلا بد أن تتشكل لديه عند الإعجاب بالنَّصلما يحمل من قضايا مهمة نوعية المدرسة المسرحية التي يتأطر النَّص المسرحي بهاو بالتالي لابد أن يقرأ المخرج عن هذه المدرسة ليباشر إخراج المشاهد وفق النظرية و الأسس التي تميزها عن سواها. لذا أقول أن الخبرات التراكمية والتجريب و خبرات الأساتذة المسرحيين ستقود الشباب المحب للمسرح والمخلص له إلى البحث في طرق الإخراج المختلفة ليتمكنوا من تقديم عرض متماسك البنية وممتع ومؤثر في الجمهور.
ومن خلال متابعتي أجد أن صورة مشهدية بليغة التي شدتني بشكل تمثيلي جميل وصامت أوكثر تأثير على المتفرج أظهرت كل الهواجس المخيفة التي تتلخص حولها كل أزمات التي يعيشها الممثلون الثلاثة المرضى أبطال المسرحية منذ ولادتهم حتي مماتهم ، فقد وفق المخرج أحمد بن علي بدخول الممثل صادق عبدالرضا بدور صامت يلبس لباس غريباً أقرب إلى المتصدين لفيروس الكرونا من الجيش الأبيض في العالم بقناع يخفي معالم وجهه ويتحرك إلى الخشبة وسط الجمهور الظلمة بخطى مخيفة بطيئة متربصة و كأنما هذا المشهد يدلل على أنهم هم الضحايا في بداية العرض و نهايته ، ويدخل المسرح ليسحب الأكفان من وسط المسرح إلى الخارج وسط الجمهور بتلك الخطوات البطيئة المتربصة . هذا المشهد بليغ في تأويلاته أننا عاجزون في فهم ما يدور حولنا من أزمات و مشكلات وقد أوصلتنا إلى اليأسمن إيجاد حلول لها ، لذا فمصيرنا الحتمي الموت دون بارقة أمل للنجاة ، هذا المشهد مفتوح التأويل في الدلالة لا يمكن تحديده لجهة سوى أن مصائرنا كلها في قبضة العولمة التي دخلت إلى عوالمنا الإنسانية.
كما وفق المخرج أيضا في تجسيد دور الممرضة بصوت ” ربورتي ” ساخر وكوميدي ليس له مكان محدد تخاطب مجموعة الممثلين المرضى ، بل وتزيد في أزماتهم مع بعضهم بدل أن ترشدهم إلى الخلاص من تلك القيود المفروضة عليهم ، لذا نجد تجاوبها معهم بأوامر السَّاخرة و تهكمية. هذا الصوت الربورتي الذي تفاعلنا معه دفعنا إلى تأويل بليغ أيضا أن البشرية تبقى عاجزة أيضاً عن تحديد الجهة المهمنة التي نعيش تحت رحمتها. وهنا يتسائل ربما الكثير ما علاقة العنوان مسرحية ” بالسرير” ؟!
أجد أن العنوان اختير بعناية، فهو يتضمن فكرة المسرحية وأزماتها بشكل غير مباشر ، وبذلك سنبقى مرضى متأزمين نفسياُ بسبب الضغوط التي تقيدنا حتي الموت.
الممثلون اجتهدوا كثيراً في إبراز حالتهم النفسية و لكن لم يشبعوا تلك المشاهد ويتعمقوا فيها لتصل إلى الجمهور بتمثيلهم ويرجع ذلك إلى اختيارهم قضايا كثيرة تحتاج إلى تجسيد متنوع في الشكل وطبقات الصوت لتصوير نماذج من المجتمع ذكورا و إناثاً ، شيوخاً أو شباباً وكهول.
بعد انتهاء العرض الرائع بما تحقق التقيتُ بالفنان محمد الحجيري رئيس لجنة المشاريع الفنية بالمسرح الذي استطاع أن يُصهر بريق الشباب المتحمس العاشق لخشبة المسرح ووهجها الفنِّي إلى مختبر لجنته التطويرية الفنية من خلال إعطاء الشباب الفرص لإثبات أنفسهم و تقييم وتقويم عروضهم الفنية تحت مسمى ” التجارب الفنية المسرحية ” فذكر لي ” أن تجربة الشَّباب تأتي ضمن حلقة تجارب بدأ فيها مسرح الرِّيف من فترة طويلة ، ولكن الطموح لدى اللجنة في موسم 2021م أن تأخد التَّجارب بُعْداً كوميدياً بشكل كامل ، ومع ذلك جاءت تجربة الشباب ناضجة المضمون ولها مذاق خاص ، فقد تشكَّلت بالكوميديا السَّوداء، ولذا استوجب على أعضاء اللجنة تطوير هذا العرض مختبرياً ليتحول إلى عرض مسرحي متكامل في المرحلة القادمة لكي تشاهده شريحة أكبرمن المجتمع البحريني . وأردف قائلاً: ” أن هذا لا يمكن أن يكون إلاَّ بإدراك القائمين على التجربة وأهمية التطوير ، وعيلهم أن يطوروا من ذاتهم كممثلين و إدواتهم بحسب ما يتلقون من آراء تقويمية حول عرضهم المسرحي مستفيدين من السادة الفنانين و المتذوقين للمسرح وهذا هو المهم لأن تلك الملاحظات سنسجلها وسنأخذها للتطوير في مختبرنا المسرحي و سندرسها وحتى نتمكن من صياغة العرض مرة أخرى ، وقد يكون بصورة مختلفة تجعل عرض مسرحية “السرير” في مكانه الطبيعي لعروض مسرح الريف لكي يسهم في نهضة المسرح البحريني بإتقانه” . وفي النهاية شكر الشباب القائمين على التجربة من الفنانين : أحمد بن علي ، على محسن الكاظم ، صادق الغدير، صادق عبدالرضا ، شذى العصفور على ما بذلوه من جهدِ كبيرٍ في هذه التجربة المسرحية التي يعتز بها مسرح الريف ، و أشار إلى أن طموح لجنته لا يتوقف على هذه التجربة فحسب و إنما سنتوجه بالدعوة إلى الشباب ليقدموا المزيد من التجارب.