نص مسرحي: ” انتظار الست ابتهال” / تأليف: عبد الصاحب إ أميري
مسرحية في فصل واحد
*** شخوص المسرحية:
* بائع الشاي، كاتب مسرحي (قاسم الهنداوي)
* فؤاد (العريس)
*بنيان (َمخرج مسرحي)
* بائع الصحف (مسن نسبيا)
*ابتهال (في العشرين)
* فتاة
*شاب
*الحاج إسماعيل
*عدد من رواد المقهى
المشهـــــــد الأول
(المنظر: رصيف، حركة مرور وضوضاء حركة السيارات تسمع بوضوح بين حين وآخر لقرب المكان من موقف الحافلات، استغل الرصيف، كمقهى جهز بالحصير، احتلت عدة الشاي (يسار خشبة المسرح) والى جانبها مجموعة من الكتب لا تتجاوز أصابع اليد، ومن بينها إصدارات (قاسم الهنداوي) المسرحية بائع الشاي، شاب تجاوز الخامسة والثلاثين من عمره، وسيم إلى حد ما ، ( إصداراته المسرحية وضعت في متناول رواد المقهى) ، لا يبدو كبائعي الشاي، حيث اعتاد ان يهتم بمظهره الخارجي، يرتدي بذلة زرقاء، وربطة عنق تلاءم البذلة حتى أن القادم لأول وهلة يرتبك عندما يطلب منه كوبا من الشاي، إلا إن ابتسامته العريضة تنزع الحياء من وجه الزبون، بائع الصحف (رجل مسن نسبياَ،) يعرج من ساقه اليمنى يرتدي الثوب العربي (الدشداشة) مع حزام على خصره، يتخذ مكاناَ على الرصيف يضع حزمة صحفه على جانب من الرصيف)
بائع الصحف: (لبائع الشاي) مساء الخير ابني قاسم
قاسم : مساء الخير
بائع الصحف: هل تعلم يا قاسم قضيت عمري، مستعجلاَ. واركض، النهار كله
قاسم: (يرسم على وجهه ابتسامة) نفس الاسطوانة
بائع الصحف: ماذا أقول أنا لم أر من الدنيا شيئا، خدمة العلم دامت خمسة عشر عاما والموت يلاحقني ، خرجت منها أعرجاَ والحمد لله، لم أتمكن من إكمال حتى الابتدائية لفقر ظروف أبي، ويومي أقضيه في الشوارع، أنادي صحف، مجلات لا أعرف من الكلام الا هذه الجمل رجاء كوب شاي، كي أستعيد شيئا مني وأبيع هذه الصحف المليئة بالأكاذيب لأحقق طعام أسرتي
قاسم: (يستمع لبائع الصحف و يجهز له كوباَ من الشاي) تفضل عمي الشاي واصل حسابه
بائع الصحف : من دفع حسابي
قاسم: (يبتسم) اليوم على حسابي
بائع الصحف: ابني لا، لن أقبل منك
قاسم : أترك الحساب لوقت آخر
(رجل خمسيني ضعيف البنية، الإبتسامة لا تفارق وجهه، يقبل من عمق المسرح باتجاه بائع الشاي يرتب على كتف بائع الشاي…قاسم يلتفت للخلف، وما أن يلحظ القادم حتى ترتسم على وجهه ابتسامة ذهول وفرح)
قاسم : أهلا بك أستاذ بنيان، كم كنت مشتاقاَ لرؤيتك، عمت مساء
بنيان: طاب مساؤك واهلاَ بك حبيبي قاسم
قاسم : تفضل اجلس، سأتيك بالشاي العراقي الأصيل ، نورت الرصيف
بنيان : انت نورت قلبي، أنت أصيل وأعمالك أصيلة نورت قلبي بمسرحيتك الرائعة
قاسم: قرأتها؟
بنيان: أستاذ حميد، اقترح عليّ القراءة، مذهلة قررت أخراجها إذا سمحت
قاسم: أكون سعيداَ
بنيان: أنا رأيت الشخصية الحقيقية، أحببتها، ولدتك أمك مبدعاَ
قاسم: لا تبالغ
بنيان: إنها حقيقية، أنا وباقي الإخوة انتهينا على هذا الرأي متى تنتهي من عملك؟
قاسم : متى ما أمرت أستاذي
بنيان: بهذا النص الجميل (يبتسم) أصبحت أنت الأستاذ لا أريد أن أمنعك عن عملك
قاسم: الواحدة بعد منتصف الليل
بنيان : سأكون عندك مع السلامة
قاسم: لا يصح، أنت لم تتناول الشاي بعد
بنيان : دع الشاي لوقت النقاش (تبقى نظرات قاسم تلاحق المخرج بنيان حتى يترك الخشبة)
بائع الصحف: مبارك تستحق كل خير
قاسم : شكرا ( يتناول كمية من الصحف ويترك الكادر، ويسمع نداءه من بعيد –صحف، مجلات، آخر الأخبار يرتب قاسم عدة عمل الشاي والسعادة تغمره، يتخذ لنفسه مكاناَ (يمين خشبة المسرح) وعلى الرصيف بعد أن يتناول كراساَ كتب على غلافه الداخلي، يقرأ بصوت مسموع) مسرحية انتظار الست بتول أشخاص المسرحية ، قاسم، فؤاد شاب اربعيني، من أهم رواد مقهى الرصيف، يقضي جلِّ وقته في المقهى (صوت دقات ساعة، أربع دقات) ما إن تعلن الساعة الرابعة عصراَ تراه حاضراَ ببذلته الزرقاء وربطة عنقه الحمراء معه باقة من الزهور، بانتظار موعد (إنارة مركزة يسار المسرح) (يتمتم مع نفسه) إنها أول مسرحية أعمل عليها سنوات ولم أتمكن من أن أنهيها (يلقي بائع الشاي نظرة على ساعته اليدوية، صوت اربع دقات، تليها صوت حافلة تسمع من قريب ما أن يسمع، قاسم، صوت الحافلة، ينظر إلى ساعته، يبتسم فرحاَ يقبل الكراس و يضعه في مكانه، ويخاطبه) أخبرني متى انتهي منك؟
بائع الصحف: (ينادي.. صوت يسمع، يقترب تدريجياَ خارج الكواليس) أقرأ اليوم جريمة قتل العار شقيق، يقتل شقيقته لأنها أرادت الهروب مع.. أقرأ
قاسم:لا الله إلا الله
بائع الصحف: (يظهر من عمق المسرح) أقرأ جريمة غسل العار
فؤاد: (يتبعه ، يلهث، يصرخ بعصبية) قف مكانك أتدري، ماذا تقول أي عار هذا الذي تتحدث عنه؟
بائع الصحف: (مرتبكا) أنا لا أعرف التفاصيل
فؤاد : ما اسم الضحية؟
بائع الصحف: (خائفا) أنا لا أعرف أحداَ ولم أرى شيئاَ
فؤاد : لاشك إنها حكاية الفتاة التي فقدت منذ عشر سنوات وكلما تجد الصحافة بأن لاشيء عندها القول، تعود لتلك الحكاية (محتدا مع بائع الصحف) أتدري ما حكاية الفتاة؟
بائع الصحف: ومن أين أدري؟
فؤاد: إن كنت لا تدري، لم تعربد بهذا الشكل جريمة غسل العار عارهم أم عارك فتاة مسكينة تقدم لخطبتها شاب أحبته تسمى هذا عاراَ (يقبض على رقبة بائع الصحف)
بائع الصحف: (يتألم)
قاسم : (يحاول التدخل لفض الشجار) اتركه يا فؤاد الرجل بائع مسكين، وله ألف معاناة
بائع الصحف : مالي و مال القتل، أنا لا أعرف القاتل ولا المقتول، أنا بائع صحف مسكين لا أكتب ولا أقرأ، هكذا قالوا لي
قاسم: أرأيت،. أرفع يدك عنه سيموت (
فؤاد: (يبدأ بالبكاء)عشر سنوات أنا انتظرها على الموعد على الرصيف ولا أجد لها اثراَ عائلتها تقول اختفت، الجميع يتهربون من قول الحقيقية إني عرفت ابتهال خلال لقائنا القصير، إنها ملاك لن تتركني كي تختفي اخوها، ابن عمها وراء هذه القضية سجنوها عذبوها قتلوها ابن عمها هو القاتل رفضت طلب يده، وانتقم الرفض بالقتل قسماَ بالله، اذا أحسست ، بأنها تعاني ظلمهم يأتي دوري، ساتخلص منه، اقتله (بحدة وعصبية) اقتله كما قتل عذب ابتهال حرمني منها سأحرمه من الحياة لن اتركه بسلام (يسحب الصحف من يد بائع الصحف، بحاله هسترية، تقع إعدادا منها على الأرض، وإعدادا في قبضته يتخذ شخصية بائع الصحف..يعلن بصوت عال) صحف ، مجلات آخر الأحداث أقرأ اليوم عريس ينتقم لعروسته قتل دون ضوضاء قتل أم انتحار (يبكي بجنون ينهار) أين أصبحت يا ابتهال؟؟
ظــــــــــلام
المشهــــد الثانـــــي
(نفس المنظر السابق بعد مرور ساعتين الساعة خارج الكادر تدق السادسة مساء )
فؤاد: (يخاطب الزهور) لا تقلقي، ستعتني بك يوماَ ابتهال، الدنيا، لا تبقى على شاكلة واحده، الأحزان لابد لها
قاسم: (ينشغل بخدمة الزبائن)
فؤاد: (في حين ينشغل بشرب الشاي، تقع عينيه على مجموعة إصدارات مسرحية، يقرأ بصوت مسموع) مسرحية هي التي يتحدثون عنها كثيرا (يتمتم مع نفسه) قاسم كاتب مسرحي، لم أكن أعرف، اعتقدته هاوياَ ( يقرأ، بصوت مسموع) فؤاد-أبو الکوکي (يتمتم مع نفسه) اسم سمعته مراراَ، أنه بائع الكيك المسن (يقرأ) السماء تمطر بانتظام .. الشمس تشرق بانتظام اللیل یذهب … النهار یأتي بانتظام … وحیاتي کلها لا نظام .. لا نظام … السماء تمطر بانتظام … أحدثک .. نعم … المرأة تلد … الطفل یظهر .. الطفل یکبر … الطفل شاب … الطفل رجل … الرجل یتزوج .. الطفل أب … الطفل جد … الطفل عجوز … الطفل یموت… إلا أنني لا زلت الطفل الطفل…إلاّ إنني لازلت کما ولدتني أمي ..بلا زوجة .. بلا طفل ( يتفاعل مع الشخصية وينسى نفسه، يمثل)
(ينتبه قاسم إلى فؤاد، تتجه أنظار رواد المقهى صوب فؤاد)
فؤاد: يقول أبو الكوكبي (يمثل)أنت لا. تفهم..(ألم شدید)هو الذي یتحدثون عنه کثیراً، ینتخب من النساء ما یرید…هو الآخر لا یفهم ؟ وأنا لم أتزوج..هو الذي یتحدثون عنه کثیراً، ینام مع ثلاثین امرأة… مع ثلاثین جسدٍ طريٍ کالحریر، وأنا لم أذق منها شیئاً… أرید امرأة مهما تکن.. فقط جسد امرأة.. رائحة امرأة إني أتحدث عن الذي یتحدثون عنه کثیراً…. إنه أستلذ بجمیع ملذات الدنیا، وأنا لم أرَ منها شیئاً الکیک کیف یقطع؟ الکیک کیف یوزع؟ الکیک کیف یؤکل؟ عید المیلاد کیف یأتي؟ عید المیلاد لم یأتي؟ عدد الشموع کیف تختار؟ کیف یغني الحاضرون في حفل سعید؟
قاسم: (يصفق كما يصفق بقية رواد المقهى يقبل نحو فؤاد يصافحه) بوركت، أداء بارع،، أنت ممثل
فؤاد : مثلت مرة أو مرتين، أيام الثانوية، إلا إن المهم النص، نصك راقي يا قاسم
قاسم : العفو ذوقك رفيع يا فؤاد
فؤاد: ماذا يحدث لو حكاية مظلومة ابتهال تكون عرضاَ مسرحياَ ؟
قاسم: أنت قرأت ما في فكري
فؤاد: وبماذا تفكر؟
قاسم : نويت أن اكتب مسرحية عن سر اختفاء ابتهال
فؤاد : يعجبني، قد تكون مسرحيتك سببا في الوصول إليها بعد عشر سنوات من البحث في كل مكان لابد أن أجدها وإلا أجنّ
قاسم: ستجدها يا فؤاد، إن شاء الله يمكنك أن تساعدني قليلاً، في مدي ببعض المعلومات
فؤاد: نعم أقول لك صراحة بأننا لم يكن بيننا حبا، تعرفت عليها في خلال مناسبة أشبه ما تكون عائلية، دخلت قلبي أخبرت أمي بالموضوع لتذهب لخطبتها، عن طريق النساء وصل إليها خبراَ، يفيد بأنها لا تمانع اتصلت بها لأعرف ماذا يجب أن أفعل
(نقلة… إنارة مركزة في مؤخرة المسرح ، ابتهال تتحدث في سماعة الهاتف)
ابتهال: أنت شاب طيب وكل فتاة تتمناك، العقبة قد تكون ابن عمي فهو رجل تجاوز الخمسين ابنه الكبير متزوج وله أولاد، إلا أنه يصر قائلاَ بنت العم لإبن العم والعائلة لا تتمكن من ردعه أرجو أن لا يكون صادقاَ في قوله أنا لا اطيق هذا الرجل عودة
فؤاد: ذهبت والدتي لطلب يدها، فوجدت قبولا من العائلة ورفضاَ من ابن العم خالد حتى اتصلت بي ذات يوم
(نقلة… إنارة مركزة في مؤخرة المسرح ، ابتهال تتحدث في سماعة الهاتف)
ابتهال: فؤاد يمكنك أن تسمعني بهدوء، ابن عمي طلب يدي، وأبي يخاف رفضه لأنه شر نزل على العائلة إن كنت تطيق المتاعب أنا سآتيك بلباس العرس تعقد عليّ فور وصولي إن وافقت العنوان والساعة رجاءَ (كمن تستمع) إن شاء الله الساعة الرابعة عصراً سأكون عندك
(نقلة…)
فؤاد: (كمن يحدثها) نعم الساعة الرابعة عصرا
(صراخ وعويل فتاة يأتي من خلف الكواليس)
صوت الفتاة: أصحاب الغيرة انقذوني أنا أختكم أنقذوني
الفتاة: (تظهر من عمق المسرح، تبكي خائفة) يا ناس، يا بشر أخي يريد قتلي.، انقذوني
( تجتاز المقهى لا زال صراخها يسمع من بعيد فؤاد، يمسح العرق من جبينه، يقبل شاب يرتدي الثوب العربي يركض لاهثاَ خلفها، عدد من الرجال يحاولون الإمساك به يقاوم، يمسكونه)
أحدهم: نسلمه للشرطة (يتركون الكادر مسرعين)
فؤاد: اللعنة عليهم يقتلون الفتيات دون رحمة (يفقد السيطرة على نفسه، يصرخ عالياَ) لا أطيق الانتظار، لن احتفظ بالزهور بعد اليوم (ينثرها يبكي ويصرخ) ابتهال
(رجل متوسط يمسح على رأس فؤاد)
فؤاد: (ينظر للرجل بذهول) من أنت؟
الرجل: أنت فؤاد؟
فؤاد :نعم ومن أنت؟
الرجل : لازلت تطلب يد ابتهال؟
فؤاد: وهل في الدنيا فتاة غيرها قل لي من أنت عشر سنوات انتظرها على الموعد أنت تعرفني؟
الرجل : عرفتك الآن لا تقلق ابتهال بخير
فؤاد: (يصاب بحالة جنون) إن كانت بخير أين هي؟
الرجل: معي
فؤاد : كل هذه السنوات وانا أعيش في عزاء وهي تمرح لا لن أريدها بعد انتهت الساعة حكايتي معها
الرجل : لم تتعجل الأمور، عشر سنوات، كانت في غيبوبة مطلقة، أسرتي اعتنت بها افاقت اليوم حكت لنا كل شيء هي تنتظرك بالسيارة مع زوجتي سجلت لك شريطا صوتيا استمع (يضغط على زر آلة التسجيل)
(إنارة مركزة في خلفية المسرح نقلة ،،،،،،)
ابتهال: منذ أول نظرة عرفتك فارس أحلامي عرفت سعادتي تكمن فيك هربت كي اصل إليك، إلا إن الحادث الذي وقع لي، كان سببا في تأخيري عشر سنوات هذا الرجل الخير(الحاج إسماعيل) اهتم بي وعائلته كل هذه السنين عندما اتفقت كنت أردد اسمك، حكيت له كل الحكاية، لن اتركك ما لم ارى
فؤاد: (يصرخ) هذا صوت حبيبتي ابتهال أحبك
ستــــــــــــــــــــار