السينمائي قاسم حول .. من الحلم إلى العالمية/ مجيد عبد الواحد النجار

كثير من الناس  لم تسعفهم الظروف لتحقيق أحلامهم، وقليل منهم تمكنوا من تجاوز الظروف لتحقيق تلك الأحلام، وهم يصارعون الظروف لينتصروا عليها دون أن يخضعوا لقساوة المحن،من هؤلاء المخرج السينمائي، والممثل، وكاتب القصة والناقد العراقي المقيم حاليا في هولندا “قاسم حول” الذيولد عام 1940 في ريف ناحية المدينة، الذيكان ينتظر عودة والده من بلدان الخليج، عسى أن ينعم بوجبات الطعام التي يشم رائحتها في بيوت الميسورين في ناحية المدينة بمحافظة البصرة جنوبي العراق.

كانت أحلامه تكبر، ويزداد إصراراً أن تصبح واقعا، فتراه يبيع السكائر مرة، ومرة يبيع العلك، أو يعمل في معمل الكوكا كولا حتى يستطيع الذهاب للسينما ويشاهد فيلم “عنتر وعبله” أو “عليا وعصام” أو يشتري الروايات والمسرحيات وكتب السينما لكي لا يثقل على والده حاجته للمشاهدة والقراءة.

في صباه كتب ومثل وأخرج للمسرح، ولاحقاً السينما والتلفزيون فحصد جوائز عديدة من مهرجانات السينما، ودائما كان موضع احترام وتكريم وتقدير من البلدان التي عرض فيها أعماله،كما واختير للجان تحكيم مهرجانات أو ترأسه لتلك اللجان عربيا وعالميا.

هكذا هو قاسم حول يتمتع بشغف كبير في استلهام الثقافات لينتج حصيلة كبيرة من العطاء.

بدأ حول حياته المسرحية في سن مبكرة  عندما كان طالبا في المدرسة الابتدائية، ففي عام 1957 تمكن من تأسيس فرقة “مسرح النور” في مدينة البصرة، وحين أكمل المدرسة الثانوية التحق في عام 1959 بمعهد الفنون الجميلة ببغداد قسم المسرح، وخلال فترة  دراسته الخمس في المعهد كتب، ومثل عدة مسرحيات، وأشرف على تحرير أكثر من صفحات ثقافية في الصحف العراقية، ومن بينها صحيفة “المواطن” الناطقة بلسان الحزب الوطني الديمقراطي الذي يترأسه كامل الجادرجي ..والتي صدرت بعد أن أغلقت صحيفة الأهالي.

أنتخب حول سكرتيراً لفرقة “المسرح العراقي” التي أسسها وترأسها شكري العقيدي ثم عضواً في الهيأة الإدارية لـ “فرقة المسرح الجمهوري” الذي أسسها وترأسها يحيى فائق، وفي عام 1962شكل وعدداً من أصدقائه تجمع “مسرح اليوم” وكتب بيان التأسيس ونشر في صحيفة البلاد التي يملكها فائق بطي، وباشروا بتقديم الإعمال التلفزيونية والإذاعية، وتحول التجمع إلى فرقة “مسرح اليوم”وبعدها مؤسسة “أفلام اليوم” لتتمكن الفرقة المسرحية من رفد مؤسسة السينما بالممثلين .. وهذا ما حصل في  تجربة إنتاج فيلم “الحارس” الذي كتب حول قصته، ومثل أحد أدواره الرئيسية، وأخرجه خليل شوقي، والذي يعتبر إشارة مضيئة في تاريخ السينما العراقية، كما أصدر مجلة “السينما اليوم” والتي كان يرأس تحريرها نجيب عربو، وقد تسلم حول بعده رئاسة تحريرها، لكنها أغلقت بعد انقلاب 17 تموز 1968.

بعد إغلاق مؤسسة  “أفلام اليوم”لرفضه وضع المؤسسة تحت إدارة الحزب الحاكم، ولإصراره على العمل، أسس مؤسسة جديدة  للسينما هي (سنونو فيلم) إلا أن المؤسسة لم تمارس نشاطها حيث أغلقها بعد أن تعرض للاعتقال على أثر كلمة ألقها في شمال العراق على قبر الشاعر الكوردي”بيره مرد” ضمن وفد ترأسه الشاعر الجواهري وعضوية كل من شمران الياسري، وخالد الجادر، وإبراهيم الوائلي وجعفر علي، فغادر العراق إلى لبنان.

في عام 1975 تقرر تأسيس اتحاد السينمائيين التسجيليين العرب، وتم عقد المؤتمر التأسيسي في العراق، سافر وفد من السلطة برئاسة وزير الثقافة شفيق الكمالي وعضوية سعد قاسم حمودي عضو الإعلام القومي والتحق بهم مناف الياسين رئيس المركز الثقافي العراقي في بيروت، يرجون قاسم حول بالعودة للعراق لحضور المؤتمر التأسيسي الذي أصر مؤسسوه على حضوره لأنه أحد مؤسسيه في المانيا. وبضمانات فلسطينية للعودة إلى لبنان والى قسم السينما الذي ترأسه بعد المؤتمر، وافق على حضور المؤتمر وأنتخب عضوا في الأمانة العامة واللجنة التنفيذية لاتحاد السينمائيين التسجيليين العرب)([i]).

في تلك الفترة عرض على قاسم حول إخراج فيلم سينمائي ، فقبل شرط أن تكون منطقة الأهوار موضوع الفيلم، فأخرجه بعد معاناة غير عادية، وحاز فيلم الأهوار على ست جوائز في مهرجان الفيلم العراقي والذي كان الكاتب “جبرا إبراهيم جبرا” رئيساً للجنة التحكيم، وهن جائزة أفضل مخرج عراقي، وجائزة أفضل مونتاج، وأفضل تصوير، وأفضل موسيقى وأفضل صوت، ثم أخرج حول الفيلم الروائي “بيوت ذلك الزقاق” الذي كتب قصته السينمائية عن فكرة وتحليل الصحفي جاسم المطير. وطلبت السلطة السياسية والثقافية حينها من حول أجراء بعض التعديلات ذات البعد السياسي بالفيلم، فرفض كعادته، وكاد يخسر حياته وتمكن من العودة إلى بيروت بمساعدة القائد الفلسطيني جورج حبش. وفي بيروت أنتخب رئيسا لرابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين العراقيين في لبنان وعضو الأمانة العام لعموم المثقفين العراقيين خارج العراق.

عام  1982  غادر إلى دمشق، وفي عام 1983 اختير عضواً في لجنة تحكيم مهرجان موسكو السينمائي ، وأصبح حول  رحالة ومسافراً دون جواز سفر، وحين حصل على جواز سفر من اليمن أصدر كتابا يحمل عنوان (مذكرات جواز سفر) يتحدث فيه عن معاناة جواز سفره بسبب جنسيته العراقية. بعد ذلك غادر من دمشق إلى اليونان وعاش هناك قرابة عشر سنوات أخرج خلالها عددا من الأفلام وغادر اليونان إلى هولندا ليستقر هناك .. وهو يحمل الآن الجنسية الهولندية ..

يعتقد حول بأن بوابة المسرح هي بوابة مهمة لعالم السينما، وهي أفضل مدرسة تقود إلى سينما مُحكمة البناء. .. لذلك كان يؤلف، ويمثل، ويخرج للمسرح، ومن مسرحياته التي كتبها أو أخرجها لكتاب آخرين المسرحيات (“لحظات حاسمة – من تأليفه” و”الخبز المسموم – من تأليف جيان” و”فلوس الدوا – تأليف يوسف العاني” و”المنتفخون في البيت – تأليف توفيق البصري” و”تباريح بائس – لبروميثيوس” و”درويش أفندي – من إعداده عن قصة قصيرة مصرية”) كما لعب أدوراً كثيرة في المسرح والتلفزيون والإذاعة والسينما .. من المسرحيات التي مثل فيها (لحظات حاسمة)، تأليفه، وإخراجه و(ثورة العشرين)، لخليل الهنداوي وإخراج توفيق البصري، و(لو بالسراجين لو بالظلمة)، تأليف يوسف العاني وإخراج توفيق البصري و(ضرر التبغ) لتشيخوف وإخراج فاروق فياض، و(المسألة طبيعية جداً) تأليف قاسم حول، وإخراج جعفر علي، و(حامد) تأليف قاسم حول وإخراج عبد الله جواد، و(مسمار جحا) تأليف علي أحمد با كتير، وإخراج بهنام ميخائيل، و(الشريط الأخير) تأليف صموئيل بيكيت، وإخراج أحمد المفرجي، والراحل العزيز  إعداد فرانك سطيفان وإخراج خليل شوقي، و(الكونت والكلب)، تأليف تشيخوف وإخراج شاكر الفارسي، و(صمت البحر)، تأليف فيركور، وإخراج بسام الوردي، ثم مثل في فيلم (الحارس) الذي كان من تأليفه وإخراج خليل شوقي، وفيلم (المغني) من تأليفه وإخراجه ولعب دورا قصيرا في الفيلم هو دور (الأخرس) ، ثم الفيلم الروائي (بغداد خارج بغداد) من تأليفه وإخراجه، ولعب أحد أدواره الرئيسية.

كتب حول النقد السينمائي  في الصحافة العراقية، وتسلم مسؤوليات تحرير الصفحات الثقافية مثل صحيفة المواطن، والمستقبل، وعالم اليوم، والسينما اليوم. كما عمل في الصحافة اللبنانية في مجلة الهدف، ومجلة البلاغ، وجريدة الأنوار، ومجلة الأخبار، ومجلة الطريق، ومجلة شؤون فلسطينية.

حاز الفنان والأديب قاسم حول على العديد من الجوائز العالمية على أفلامه من بينها جائزتين ذهبية وجائزتين فضية وأحد عشر جائزة لعدد من أفلامه وله مؤلفات عديدة في السينما والرواية والقصة .. وأصدر مسرحية (الكراج الخامس)عام 1959 ومسرحية (عودة السنونو) عام 1960 ومسرحية (غرفة المكياج) ومسرحية (المدينة المفقودة) نشرتها الآداب اللبنانية، وعن السينما أصدر ثلاثة أفلام عن القضية الفلسطينية 1971 وكتاب (السينما الفلسطينية) 1974 و(زائرو الليلة الأخيرة) قصص قصيرة ثم (العباءة السوداء)  قصص قصيرة و(مذكرات جواز سفر)، وأصدر روايات (العزير، وعلى أبواب بغداد، وسوق مريدي، وما بين النهرين)، كما دون مذكراته الشخصية في مجلد يقع في ستمائة وخمسين صفحة.

 

يقول قاسم حول “أنا أساسي مسرحي ولكن حلمي كان سينمائيا” لذلك أنصب جهده على الحلم ، فأخرج الكثير من الأفلام التسجيلية والتي حصدت العديد من الجوائز .. من هذه الأفلام ( اليد، فيلم قصير 1970، والنهر البارد، 1971، الكلمة البندقية، 1971، لماذا نحمل الورد لماذا نحمل السلاح، 1973 والذي حاز على جائزة أتحاد الشبيبة الديمقراطي العالمي في مهرجان لايبزغ، وجائزة منظمة التضامن الأسيوي الأفريقي في مهرجان طشقند السينمائي في الإتحاد السوفياتي، عام 1974 وفيلم بيوتنا الصغيرة الحائز على الحمامة الفضية عام 1974 والجائزة الفضية في مهرجان أفلام وبرامج فلسطين عام 1975 وفيلم العود موسيقي 1975 والأهوار 1976 وبيوت في ذلك الزقاق روائي 1977 وفيلم لبنان تل الزعتر 1978 وحصد جائزة اتحاد كتاب أوزبكستان في مهرجان طشقند السينمائي بالاتحاد السوفياتي عام 1979  وفيلم حياة جديدة وثائقي عن اليمن  1978 وبعد هذه الأفلام الوثائقية أخرج فيلم عائد إلى حيفا روائي عام 1981 ثم فيلم المجزرة – صبرا  وشاتيلا وثائقي الذي حصد جائزة السيف الذهبي  في مهرجان دمشق السينمائي 1984 كما حصد جائزة أتحاد الصحفيين العالميين في مهرجان لايبزغ للأفلام الوثائقية المانيا الديمقراطية 1984 بعدها أخرج فيلم ليلى العامرية، وتوقف الفيلم في مرحلة المونتاج ويعمل الآن على استكماله مع الممثلة دارينا الجندي ليغير من خلال أدائها لعدد من الشخصيات التي تمثلها ليلى في مراحل تاريخية .. فكرة سينمائية قد تكون مثيرة لأن الفيلم ذو طبيعة تجريبية. في هولندا أخرج للقناة الإسلامية الهولندية فيلم السلام عليكم 1995 ثم أخرج لإمارة الشارقة فيلم سمفونية اللون وهو فيلم ثقافي فني عن فن التشكيل العربي وعلاقته بالواقع.

بعد هذه التجارب وبعد أن حاز سيناريو فيلم المغني على الأولوية مع فيلم بريطاني من بين 140 فيلما لمؤسسة( الآر تي) الفرنسية تقرر دعم إنتاج الفيلم الذي صوره في مدينته البصرة عام 2009،وهي عودته الأولى للعراق بعد أكثر من ثلاثين عاما، وحاز الفيلم على الجائزة الذهبية في مسابقة الأفلام العربية مدينة نابل التونسية، وجائزة أفضل ممثل دور الجنرال سيف الذي لعبه الفنان مجيد عبد الواحد النجار في مهرجان سينما المؤلف. ثم أخرج فيلمه الروائي وهو آخر أفلامه لحد هذه الكتابة هو فيلم بغداد خارج بغداد .. يقول (حول كتبت سيناريو الفيلم، بعد أن عدت لبغداد ولم أجدها..)([ii])

لقاسم حول تصور نظري جمالي للسينما بعد المرحلة الكلاسيكية للسينما العالمية وقد القى محاضرة بهذا الصدد في تونس في مهرجان (قليبيا) السينمائي وتم تسجيلها والاحتفاظ بها لأنها قد تشكل لغة جديدة في السينما، ماذا ينتظر قاسم حول؟ ما هو الفيلم القادم ؟

هناك فيلم (الإمام الحسين) عليه السلام، الذي استغرق في كتابته سبع سنوات .. ويقول أن الحسين هو غير ما نتلقاه من المنابر الدينية .. هو شأن آخر .. عظيم ومدهش .. ولذلك أجد صعوبة في تنفيذه وسط الأفكار الملتبسة في قراءة التاريخ([iii]).

لا يعرف  المخرج السينمائي قاسم حول وأسلوبه السينمائي في الإخراج سوى من عمل معه ، وهو يعرف كيف ينتقي ممثليه بدقة بالغة ، ويقول “إنني ديمقراطي في التحضير وغير ديمقراطي في التنفيذ” .. عرفناه يحسن فن الاستماع ويستفيد من كل ملاحظة .. ويبذل جهداً مع الممثل حتى متى نضج العمل .. حينها يصيح “أكشن”ويسود الصمت المكان، سوى أداء الممثلين وانسياب

 

الإحــالات:

[i]) مقابلة اجراها الباحث مع المخرج السينمائي قاسم حول، عبر النت .

[ii]) المصدر نفسه

[iii]) المصدر نفسه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت