( ابدأ حلمك) ما زال يحلق حكاوي ملائكة بني سويف طببت الجراح/ محمد الروبي

من بين دعوات كثيرة تأتيني لمشاهدة إبداعات مسرحية شابة، تظل دعوات عروض تخرج مشروع (ابدأ حلمك ) هي الأكثر بهجة بالنسبة لي . إنه المشروع الذي عاصرت بداياته مذ كان فكرة بدأت مع مسرح الشباب ، ثم تحول بدعوة من وزيرة الثقافة ( عاوزة أشوف المشروع ده في كل محافظات مصر ) إلى مشروع تتبناه الهيئة الأولى به ( هيئة قصور الثقافة ) باعتبارها الواصلة إلى كل محافظات مصر.
كانت البداية من أسيوط ثم الشرقية ثم الفيوم. وهاهو يصل إلى بني سويف ليبدأ بها مرحلته الثانية والتي تشمل محافظات الجيزة وبور سعيد وكفر الشيخ.ومن بعدهم مرحلة ثالثة ورابعة وخامسة و..و.. ويظل أن أجمل ما يميز هذا المشروع أن القائمين عليه بدءاّ من (رئيس الهيئة الفنان هشام عطوة منذ أن كان نائبا للرئيس والفنان أحمد طه المسئول الفني عن المشروع ومخططه الأول) فطنا إلى ضرورة أن يكون هذا المشروع ذو صبغة مؤسسية، فوضعا – بالتعاون مع نخبة من المتخصصين – ورقة عمل تفصيلية تتضمن أهداف المشروع و آليات تنفيذه . وهو الأمر الذي استدعى أن ينضم للمشروع كتيبة من الفنانين المتخصصين كهيئة عليا، وأخرين كهيئة تنفيذية للمشروع ، وأخيرا كتيبة أكبر من المدربين الأكاديميين في تخصصات المسرح المختلفة ( دراما وتمثيل ورقص وموسيقى وغناء وتصميم مناظر وحكي ). كذلك وعى المسئولين عن المشروع أن التدريب ( في كل محافظة ) يبدأ ولا ينتهي. بمعنى أن أولئك الشباب الذين تدربوا وتخرجوا لن يقفوا عند هذه النتيجة لكنهم سيواصلون تدريبهم طوال العام ومع كل عرض. من هنا ولكل ماسبق قلت وأقول أن مشروع ( ابدأ حلمك ) هو المشروع الأهم، ليس فقط في سياق نهضة مسرح الثقافة الجماهيرية ولكن أيضا في تطوير المسرح المصري.
حكاوينا من غزل أيادينا
بعد مشاهدة ثلاثة عروض بدأت من أسيوط ثم الشرقية ثم الفيوم ، ها هي بني سويف تتحفنا بعرض جديد. يسير على نفس النهج ولا يقع في التكرار . والنهج الذي أقصد هو أننا نشاهد كمتفرجين حالة مسرحية هدفها الأساسي هو إبراز نتاج هذه الورشة ، أي أنه عرض للقدرات التى حصل عليها المتدربين ( تمثيل وغناء ورقص ) في إطار درامي يختاره المتدربون أنفسهم ويعملون بمساعدة مدربهم الأساسي والصائغ النهائي للعرض ( وهو هنا المخرج شادي الدالي ) في تحويله إلى حالة درامية متسقة.
وكما سيشير العنوان ( حكاوينا ) سيعتمد العرض على حكايات عن الهموم الأساسية التي يشعر بها هذا الجيل ( جيل المتدربين ). لذلك سنجدهم قد قسموا عرضهم إلى مشاهد منفصلة متصلة يحمل كل منها هما خاصا، منها مثلا ( الخوف , معنى الحرية ، الهروب أو الانسحاب، الفشل ،الأحلام ، العلاقات الثنائية والجماعية ) وهكذا.
لا يتوفر وصف.
في البدء كان حبل الغسيل
سينفرج الستار عن خشبة عارية تماما، لكن سقفها مزدحم بحبال منشور عليها قطع ملابس بألوان مختلفة تذكرك بتلك التى تراها على واجهات بيوت حاراتنا. وستذكرك على الفور بأغنية ( في كل حي ولد عترة وصبية حنان ) للعظيمين فؤاد حداد وعبد العظيم عويضة. وخاصة في مقطعها الرقيق (متعلقة كمام النونو فى ديل الفستان) لكنك ستتساءل طوال العرض عن سر اختفاء هذه الأغنية من بين الأغاني المختارة التي يغنيها مجموعة الشباب طوال العرض كفواصل بين مشهد ومشهد أو حكاية وحكاية؟ وربما أراد صائغ العرض أن يجعلك كمشاهد تستدعيها لتستكمل بها حكاوي ( الولد العترة والصبية الحنان ) دون تصريح.
بداية العرض ستأخذك مباشرة للاستعداد لمشاهدة مختلفة، فها هي فتاة تدخل بخطوات متسارعة تفضح غضبا مكتوما تجوب الخشبة بنظرات تحمل من الاتهام الكثير.. هل تتهمنا بشيء؟ سنرى.
بعد قليل ستدخل المجموعة المقسمة يمينا ويسارا بخطوات راقصة على إيقاعات منذرة تكشف عن توافق عقلي وجسدي يكافأ بتصفيق أولي من جمهور الصالة وسيتكرر كثيرا طوال العرض.
هذا الدخول ستتبعه افتتاحية يمتزج فيها السرد مع الأغنية فتتشكل عنوانا فحواه ( أنا المسرح ) أو ( أنا والمسرح ) تكشف عن علاقة المجموعة بتلك الخشبة ( كل خشبة مسرح ) فهي ( الضحكة والحزن .. المعقول واللا معقول..ضحكة ريا وسكينة وتردد هاملت وخنجر ماكبث .. هو عبده ابن الجيران.. وهي سوسو جارته ..هي الجنرال كاتب التاريخ..هي الحرية المفتقدة .. وهو.. الفن هنا والمغنى هنا .. من قبل ما حد يقول يا غنا وهو.. وهو … هو المسرح).
البهجة رغم الألم
الآن تم الاتفاق بين هؤلاء العفاريت الصغار وبين المتلقي : سنحكي عنا وعنكم .. سنبوح بما نعانيه ، نعاتبكم وتعاتبوننا ، نطرح عليكم هنا على الخشبة ما كنا نخفيه عنكم في الواقع لعلكم تسمعوننا .. تسمعون حكاوينا. وهكذا ستتوالى المشاهد الحكايات ، تتقاطع مع الأغنية والرقصة ، وتظهر مجتمعة قدرات شباب تعلم كيف يرقص ويغني ويمثل و… والأهم كيف يقول.
سيقول لنا السحرة الصغار همومهم وأمالهم، واعين، أو بالأحرى واعي صائغ العرض، أن يكون القول مبهجا، حتى ولو كان عن الفشل أو الخيانة أو الفقد، فلا مجال هنا للحزن، ربما للتأمل، لطرح الأسئلة عن سر تلك العلاقة الملتبسة بين الأجيال.
في الأخير سيصر صناع العرض أن يبهروك بختام راقص متسارع، يستعرضون فيه قدراتهم على ذلك التوافق المدهش بين الخطوة والنغمة فيأخذونك أخذا جميلا لتحلق معهم تصفيقا وهتافا لا ينقطع بـ ( برااااافووووو ).
بعد نهاية العرض ستجد نفسك مدفوعا للسؤال عن أولئك المدربين الذين كشفوا عن قدرات أبناء بني سويف و طببوا بهم جراح الآباء التي لم ينسوها ولن. وستتدافع لتمنح كل منهم تحية واجبة : ( د. محمد الشافعى معلم أسس الدراما ، ومحمود حنفي معلم المناظر المسرحية، ومحمد عبد الوهاب مدرب الموسيقى وملحن الأغاني، والبارع المغامر تامر حنفي مدرب ومصمم الرقصات، وأخيرا المايسترو صائغ العرض المخرج شادي الدالي). ومن قبلهم ومن بعدهم المخرج أحمد طه مؤسس المشروع والواعي بأهدافه. والأجمل أنه سيرسخ لديك يقينا بأن القادم أجمل.
فشكرا جميلا للوزيرة التي وعت أن محافظات مصر تزخر بمواهب تنادينا أن نذهب إليها بالعلم والحب. ولرئيس هيئة يعرف أن بالمسرح تنكشف العيوب وتعالج الجراح. وفي انتظار بور سعيد والجيزة وكفر الشيخ و..و…ونعم نحن نستطيع.

 

لا يتوفر وصف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت