تمثلات خطاب السوسيوسياسي في النص المسرحي (مرحاض) للكاتب العراقي علي العبادي/ فرح تركي
في الغالب الذي سيقرأ هذه النص المسرحي في المجموعة المسرحية (تفو) للكاتب والفنان (علي العبادي) سيشعر بالقرف من كثرة الألفاظ والتعابير والأفكار التي جاءت في النص كنوع من التهكم الصادم الذي سلطه (العبادي) في نصه المسرحي (مرحاض)، ليعلن كم المعاناة التي نعيشها، فبينما هو يصنع (مرحاضاً) من خلال مشاهده وتظهر فيه شخصياته فهو لا يقصد افساد أمزجتنه ومشاعرنا التي أفسدت وأحلامنا التي باتت نتنة ومزيفة، بسبب الواقع العربي وتداعياته السياسية التي أوصلتنا إلى هذا الحال.
كانت الرمزية حاضر في سياق النص على عدة مستويات منها ما جاء في تأثيث فضاء العرض والذي هو عبارة عن (اربع مراحيض شرقية وتقابلها مجموعة غربية) وتنبثق منها روائح كريهة حتى لا يكاد أحد يدخلها إلا بعد أن يغلق أنفه، وتمحورت أيضاً من خلال من الشخصيات وهم (المارد وعلاء الدين وعمه) إضافة إلى (الشخص الأول والثاني) اللذان يتبرعان بان ينضمان لحكم المملكة الموهومة، يشترط هذا الملك (علاء الدين) من يشغل منصب وزيراً في مملكته أن يكون فاسداً وبعيداً عن الاخلاقيات ومكارمها، فتوكل هذه المهم إلى (المارد) الذي يخذ على عاتقه البحث ممن تتوفر فيه هذه الاشتراطات لشغل المنصب، في لحظة غياب (المارد)، غياب المارد وانشغاله بالبحث في ضوء المهمة الموكله له، يدخل إلى المملكة (عم علاء الدين) معاتباً (علاء الدين)، لأنه تركهم وابتعد عنهم.
في المسرحية مفارقات عديدة منها : حرص (علاء الدين) على أن يختار وزراء فاسدين من كل النواحي ليشاركوه في حكم المملكة والتي هي عبارة عن مراحيض عدة، ولابد أن تتوفر فيهم شروط عدة منها: (لديهم سوابق، مدانون بقضايا، سبق وان اقترفوا كبائر)، وكأنه يشير بذلك إلى الحكومات التي تحكم البلدان العربية و بطانتهم الذين لا يتوانون لحظة في نهب خيرات البلدان وظلم ابنائها.
كان (العبادي) موفقاً في استثارة قرفنا من خلال مشاهد المسرحية وشخوصها لنعرف بأن هناك أمور نعيشها واقعاً ونحن نغرق في ظلم أبدي وليل حالك، لكننا لا نجرؤ أن نغيّر واقعنا الذي هو أشبه بـ(مرحاض) تنبعث منه الروائح الكريهة، بل هو اكثر نتانة بفعل ما يحصل فيه وما حصل من (جرائم ومظالم وحروب) والتي ألقت بظلالها على الكثير من البلدان لتتمظهر عنها متواليات أخرى من الخراب الإنساني، مثل (الطائفية والقتل والحروب الأهلية)، ليعيش الإنسان العربي والعراقي تحديداً في خوف دائم وقرف من مستقبله وواقعه.
تكمن جرأة (العبادي) في تعريته لأسوء مخاوفنا، وهي بالتالي ترجمة لكثير مما لا يقال، أو لا يجرئ أن يقال، بل هو صرخة عالية، ليقول (كفى) فلقد سئمنا من حياة أسوء من هذه المملكة (المرحاض) التي عاشها (علاء الدين) وهماً، ليكون ملكاً فيها، ولكننا نعيش حياة واقعية بمنتهى الفداحة، فقد اعتدنا صور الموت والانحدار وانحسار الثروات والهوة التي أصبحنا نجثو فيها دون أمل جديد وبالأخص بعد محاربة ثورة تشرين وقمعها من قبل الظلاميين والفاسدين وتصفية الأصوات من (الثوار والنشطاء) التي تنادي بالحقيقة، وكأنما أراد (العبادي) أن يقول نحن لا نحتاج إلى نهضة وحكومة جديدة، بقدر ما نحتاج أن ندمر هذا (المرحاض) الذي أجبرونا ان نسجن فيه، لنبني نحن لا هم بلد يليق بنا، فمسرحية (مرحاض) لـ(علي العبادي) ، ماهي إلا تعبير مجازي لواقع أسوء من الجلوس على ذلك (المرحاض) الذي تتخيّل فيه نفسك حاكماً.