السلطة والجنس في رواية (عنبر سعيد) / زينب لعيوس
تتخذ السلطة أشكالاً مختلفة منها: الأبوية، الذكورية، الدينية، الاجتماعية، القبلية، وربما سلطة الأصدقاء وأيضاً يمكن ادراج سلطة المنصب والقيادة.. الخ، كل هذه لا يمكن تجاهلها ودرء قيودها في مجتمعنا الشرقي بصورة عامة والعربي خاصة. ولأننا نعيش في بنية متداخلة ومتشابكة وفق أعراف توارثناها عن الأجداد، وجدنا انفسنا في وسط مستنقع من الصعب النجاة منه الّا بامتلاك وعي وشعور بالمسؤولية تجاه مثل هكذا تقاليد وتابوّات. ننتبه ونفكر قبل الولوج بغفلة من الزمن في مطب ربما سينهي حياتنا وبالتالي نندم ونحن نتذكر نصيحة ما من شخص مقرّب جداً. هذه الثيمة حفزّت الكاتب عبد الكريم العامري لينتج لنا رواية (عنبر سعيد) والصادرة عن دار كلمة في القاهرة 2010. اذ عمل الكاتب على عرض مزيج من السلطة عبر العهر المجتمعي الذي اتخذ من طابع التخلّف والجهل جداراً يستند اليه، حيث العادات البالية والتقاليد الفانية التي فرضت اجتماعياً لتقهر الفرد، فظهرت نبرة العهر وتنوّعت بأساليب عديدة، برزت بأشكال سلطوية موازية أكثر ضراوة وقسوة، بدءاً من الأب الذي يدفع ابنته لشيخ نجس ظاناً بأن لديه الحل في زواج وشفاء ابنته. ويتجلى ذلك في بعض المشاهد فنقرأ: (قال عنه أبي: شيخ جليل، الجلوس معه يقرّبك من الله والإساءة اليه تدنيك من النار! لكنني لم أجد في الجلوس معه، في تلك الغرفة المظلمة ما يقربني الى الله أكثر ما يقربني اليه، بل يجعله ملتصقاً بي، يهصرني….). (قال أبي ان الجلوس مع الشيخ يقرّبنا الى الله. فكيف بي وكل جسدي الآن ملتصقاً بجسده، اشعر ان الشياطين تبارك وحدتنا وتدفعنا الى المزيد ….). وفي مشهد آخر يظهر الحاح الأب على الذهاب الى الشيخ مقطوف: (رغم الحاح أبي ان أرسل النذر الى الشيخ مقطوف الّا أنني امتنعت بحجة ان لا أحد معه في البيت …..).
وانتقالاً الى الشيخ في الحي والذي يدخل حالات ابتزاز جسدي متوالية لمن يتعامل معهن من النساء، بحجة انه المتحكم في اقدارهن والمنجي الوحيد لتعاستهن. وهنا يبدأ بممارسة سلطته القذرة والتي يستمدها عبر سلطته المقدسة والجهل المجتمعي من جهة (كل الطرق تؤدي الى الشيخ في هذه المدينة الضيقة وكل المسارات تمر به هل هي مصادفة ان اهرب من شيء لأقع فيه؟). (جلبت له النذر، صينية بشمعتين يتوسطها صحن مليء بالحلوى، فالشيخ يحب الحلوى مثل ما يحب النسوة الطريات! هذا ما سمعته من حمّام النسوة وتأكدت منه في اول زيارة لي له ….). (جثا على ركبته تاركاً فخذي بينهما، اظنه كان يتأمل الجسد الممدود أمامه، يتأمله بشهوة كلب، يتحسس ما تحت الثوب، حط فوق ظهري مثل كاسر انقض على فريسته…. الوقت يتمدد ويتمدد معه الدبوس المتوثب ثم قام منتصراً كما في كل مرة ذلك الديك تركني مستلقية دون أن ينطق كلمة). ولم تقتصر حالات الممارسات السلطوية على النساء فقط فقد اغتصبت أحلام عنبر سعيد وقتل الحب الكبير الذي كان يترقبه طيلة عمره. (لست فاسقاً ولم أرتد قناعاً، أعرفك مثلما أعرف نفسي جيداً ويعرفني الجميع، لم أفرّق بين اثنين تحابا من أجل مال ملوّث بالشعوذة، من العار أن يتهم المرء الآخرين دون أن يرى نفسه!).
بهذه المشاهد الدالة على تعرّي المجتمع، وتكشّف عهره وقهره عبر المؤسسات السلطوية التي تغطي ممارستها الجنسية بخطابها العلني، كان بسطاء العقول يصدقون تلك الخطابات والمسميات الزائفة، بسبب تدني مستوى الوعي والادراك، وهذا تجلّى باشتغال الكاتب لروايته، فقدّم مونتاجه عبر حوارات وتفاعلات درامية واعية وجريئة، كاشفاً الوجوه القذرة لما قبل وبعد التهام الجسد الانثوي، عبر الافصاح عن المتناقضات الذهنية الدينية، واظهار العهر المجتمعي المتخفي تحت رداء الدين. من خلال شخصية الشيخ مقطوف وهو يمارس طقوسه، خلال جلساته العلاجية للنسوة مع غياب الوعي الثقافي والديني الحقيقي، اذ ان لعبة الوعي هي لعبة غير مكتملة الأركان لديهن، فمع كل ثقافة وسلطة سائدة هناك ثقافة وسلطة موازية مستقرة، لا تقدر على الظهور إلّا اذ ضعفت الأولى وبمقدار معيّن من القهر الذي تمارسه السلطة السائدة القويّة المسيطرة، فتتعالى نسبة تواري السلطة الموازية لتحوّلها الى سلطة وثقافة منغلقة قاطعة.
عمد الكاتب الى اظهار الثقافات المستترة الخفية، عبر مرئيات جديدة من خلال مجموعة من العلامات الاشارية السيمائية، لرسم صورة مغايرة لصورة النمطية في الذاكرة المورثة للشيخ بوصفه رمز الرسالة الالهية، واستخدام عبارات مغايرة الى سياقات الخطاب مع مقام الشيخ والسلطة الدينية، وحسب ما تصفهُ المرأة، وقد عمد الكاتب على استخدام مثل هكذا عبارات، بغية الوصول الى الشفرة الذهنية للقارئ، عبر الصدمة وكسر التوقع، وتعتبر تلك وسيلة من وسائل التحقق الأدبية، كسر الألفة لخلق علاقات جديدة بهدف ابراز حجم التزييف الذي تعرّض له الرمز(الشيخ) عبر المساس بالمقدس، والرموز الدينية لصناعة الاثارة المبالغة المستفزة للفت الانتباه وتحقيق الاستجابة الفورية.