غيابُ مدونةِ العرضِ المسرحي في (جزيرة العجائب) / جبّار ونّاس
في العرضِ المسرحي لنا أنْ نكونَ مع توأمةٍ لابدَ من تكاتفِ أطرافها متمثلَةً بنص التأليف وبين ما تأتي به مُحَصِلَةُ الإخراج المدعمةُ بالمخيلةِ الراجحةِ والوعي الناجزِ بشروطِ الفهمِ المُسبقِ لعواملَ يجِبُ أنْ تكونَ حاضرةً عندَ مَنْ يتصدى ويطمحُ لِتقديمِ عرضٍ مسرحي سيكونُ راجحاً ويحظى بتلقٍ سليمٍ من لدنِ الجمهور بعد أنْ يتفاعلَ ويكونَ مساهماً في دفعِ رسالةِ العرضِ المسرحي المقدم أمامه بيسرٍ وسهولةٍ إلى دائرةِ الضوء حيث القبولُ المرنُ والتمتعُ بما تبوحُ به تفاصيلُ هذه الرسالةِ من قيمٍ جماليةٍ وتربية.
ووفق التوصيفِ آنِفاً لنا أنْ نرى مجرياتِ عرض مسرحية “جزيرة العجائب” تأليف الدكتور ( زهير بن تريت) وإخراج الفنان (حافظ خليفه) ومن تقديم (مركز الفنون الدرامية والركحية بمدينة جربه /تونس) ضمن مهرجان الحسيني الصغير الدولي لمسرح الطفل بدورته السادسة والمقام في مدينة كربلاء/العراق للمدة من الاول الى اليوم الخامس من شهر آذار 2022
وعند تصفحنا لنص المؤلف ( زهير بن تريت) فنراه يذهب بإتجاه عالم الغرابة والعجائب فيقدم نصاً يوجهه للأطفال وفيه يجتمع الواقع مع اللاواقع والحقيقة مع الخيال إذ يسردُ لنا تفاصيل جزيرة جميلة تسمى ( جزيرة العجائب) حيث تكثرُ فيها الأشجار والحيتان والنوارس ويسكن فيها شعبٌ مسالمٌ ويعم في ارجائها الجنان والثمار والماء الوفير.
ويعتمد المؤلف في بناء نصه على إستثماره لِمديات الحكاية بنفسها العجائبي لينقل مجريات المكان وما يحفلُ به من وجود ينبض بالحيوية والجمال ومن عوامل أخرى تساعد كلُّها على جلب إنتباه الأطفال إليها والتفاعل معها حيث هي مدعاةٌ للنشوة والإنشداد والتواصل المثير.
و المؤلف يقدم حكاية جزيرة لها من الوجود الواقعي والجغرافي فهي جزيرة كانت جميلة بأهلها وناسها وطبيعتها الخلابة قبل أن يغزوها الخراب المادي والإهمال والدمار بفعل عوامل عدة منها غزو الآخرين ومنها التلوث البيئي ومنها أيضا تبدل أحوال الناس فيها بعد أن نالها الحيفُ وقتل معالم الجمال بعد أن كانت طبيعتها بريئة بأرضها ومائها وناسها.
ويعتمد المؤلف على أسلوب الشعر الموزون والتقفية وتتخلله قصائد مغناة وقد كُتبت بحسب تواتر حالات الفعل الكتابي المتبع في بنائية هذا النص وعبر سبعة مشاهد موجهة للأطفال لنرى المؤلف ينجح في كتابة نص مسرحي يصلح لِأن يكون مشروعاً مثيراً ففيه ما يتواءم وشروط مسرح الطفل حيث الحكاية بخطها الذي يقترب من عالم الخيال ولغتها ألمؤداة بإسلوب الشعر المقفى الذي يتلاءم والأُذن اللاقطة لدى الأطفال وبساطة الموضوعات التي نقلها المؤلف وهي تتحدث عن النخوة والإيثار والوفاء لروح المكان ونبذ ثقافة الإعتداء والخيانة وأيضا تعزيز ثقافة العفو عند المقدرة ومقابلة شراهة العدو بما هو جميل ونافع حين عوقب القرصان المعتدي بأن يغرس تسعا وتسعين شجرةً ليتعلم حبَّ الحياةِ وإحترامَ ذواتِ الآخرين.
وعلى ضوء دخولنا لقراءة نص الإخراج فلنا ان نحدد من الأسئلة :
— مالذي قدمه الفنان (حافظ خليفه) حين شرع ليدفع بتفاصيل قراءته لنص يعج بالغرابة والإثارة وبعالم يُسَورُه الخيال؟
— هل وُفِقَ في تقديم نص عرضٍ مسرحي يحظى بمقبولية وتلقٍ سليم ومثمر؟
— وهل ربح في نيل ثمار جهدٍ مثير ومضنٍ هو وفريقُ عمله الذين تحملوا أعباء هذا الجهد ليكون المرادُ من البذل والتعب ناصعا واضحاً لدى مَنْ حضر من الجمهور لِيستلمَ رسالة العرض بكل أريحية وهدوء بعيداً عن السهو والرفض وعدم التواصل المنشود؟
فهذه الأسئلةُ ستكون مفاتيحَ لقراءة ما جاء به متن العرض حيث وجدنا المخرج ( حافظ خليفه) يعتمد في طريقة عرضه على ( مسرحة الأشياء) وإعطاء فاعلية التدوير في التعامل مع ما هو مهمل وغير نافع لينتشله ويتم التعامل معه وفق مفهوم ( أنسنة الأشياء) ليستعير عامل المجاز العقلي من علم البلاغة أو مايمكن ان نسميه بلغة النقد (التشخيص) والمقصود به إظفاء صفة الحياة على الجماد حيث تصبح تلك الجمادات تنال من صفات الحياة ما تناله الأشياء العاقلة.
وبما ان نص المؤلف (زهير بن تريت) فيه من تلك الملامح حيث راينا النورس يتكلم كما الإنسان والحوت هو الآخر قد أخذ من صفات الإنسان في الإيثار والوفاء لروح المكان والعمل بما طلبه منه البطلان (أدرار وأريناس) فإنَّ المخرج راح يتعامل مع ما هو غير عاقل ليجذبه إلى عالم ومخيلة الطفل ويجعل منه شيئاً ذا فائدة ويصبح اداة لعب مطواعة يمكن أن يتفاعل ويتعامل معها الأطفال كما يتعاملون مع ألعابهم الأخرى وقد كان الهدف من ذلك التدوير والتقريب هو بث ثقافة بيئية يمكن أن يُدركها الأطفال لِتُصبح لهم طريقةً في التعايش الصحيح مع فرضيات البيئة وما يحيط بهم من حدود المكان حيث يعيشون.
ففي المشهد الإستهلالي لمتن العرض شاهدنا مجموعة من الرجال ومعهم إمرأةٌ يرتدون ملابس سود يدخلون إلى مستودع أو مخزن للفواكه والخضر وبفعل مسرحي صامت صاروا يلعبون بصناديق فارغة ويعيدون تشكيلها بحركات وأشكال متعددة ويستمر هذا المشهد ويأخذ له مساحة كبيرة من الوقت غير المبرر رغم أنَّ هذا المشهد يُعدُ المفتاحَ الذي من خلاله نقرأ مجرياتٍ لاحقةً سيأتي بها متن العرض فالملابس السود قد أحوت لحالة الحزن من جراء الخراب وتلوث البيئة وغياب بهجة المكان الذي طال جزيرة العجائب.
وبعد مشهد الإستهلال نجد أن العرض المقدم أمامنا قد دخل في متاهة التعمية وعدم الوضوح والصراخ من قبل الممثلين وهم يلفظون حواراتٍ غير واضحة وغير مفهومة رغم إشتغالاتهم مع مجموعة الأشياء التي تشكلت أمامهم فصرنا نشاهد الأوراق تتحول إلى فراشة وكرب النخيل النخيل يتحول إلى حوت وإلى سفينة متموجة وإلى سعف النخيل اليابس هو الآخر يصبح كدمية واليقطين يتحول الى وجه حكيم ينطق بالحكمة ولكن إبتعاد مكان إشتغال الممثلين عن الجمهور أدى إلى حالة من الإنفصام التام بينهم وبين الجمهور المكون من الصغار والكبار فلانكاد نحصل على رضا أو قبول من قبل الحاضرين لمشاهدة هذا العرض.
حتى أنَّ السؤال يتوارد وبإلحاح لِمَنْ يُوَجِهُ هذا العرض رسالتَه للصغار أم للفتيان أم للكبار؟ فالممثلون قد إنشغلوا مع بقايا النخيل من الكرب والسعف والليف ومن القرع واليقين والبصل والفلفل الطازج وتركوا من يشاهدهم بين براثن الحَيْرةِ والتساؤلِ المر.
لِنرى هؤلاء الممثلين :
— كريم عاشور بدور القرصان والحوت والنورس والمستشار
— سامي دوربز بدور الموسيقى وقد كان أكثرهم حضورا طيلة زمن العرض –ضحى الجام بدور أريناس والحكيمة
— علي بو عبيد بدور أدرار
وقد وضعهم المخرج بهذه الطريقة فضاعت علينا تفاصيل إشتغالهم ولم نتمكن من فرز حالات ماقدموه من أفعال وحركات وحوارات فإصطبغ اداؤهم بالتوهان بعيداً عن مآلاتِ القبول والتلقي الرشيد من قبل الجمهور الحاضر بعد أن غابت عليه مدونة متن العرض لتدخل في متاهة التعمية والإنفصام التام عن الجمهور……