داخل المسرحي مرجل لا يهدأ .. / بقلم : يوسف الحمدان
هناك في داخل الفنان المسرحي المتمرد المشاكس المغامر المغاير مرجل لا يهدأ أواره ، يتأجج ، لا يستوي على نار هادئة ولا يُحد بأقصى درجة غليان ، ولا يكتفي بوهجه وإن تشظى والتهب دخانه وجمره .
مرجل يروم تحقيق الجريمة في الساكن والخامل والخامد والهامد فيه ، مرشح للانفجار دون إعلان توقيت ، ولكنه سرعان ما يلتهم نفسه إذا أحس بالعجز أو فقدان القدرة على التحدي ، أو يتكور كتلة نارية كبئر اشتعال لا يهدأ زمنه ولا يستكين .
هذا الداخل المرجل ، يترجل عن أثافيه ، عن موقده ، ويستدفق حممه في فضاء أفقه اللامتناهي ، مرجل كالبركان المفتض لقمّة صمته ، المنهدر في تضاريس وديانه وسرابه ، داخل لا يستطيب للمؤتلف ، ولا يستوقفه المختلف ، داخل يكتشف في فعل الممارسة ، داخل يستقصي خلله في مدى تحقق هلامية هذه الممارسة ومجهولية تكوينها ، إنه غالبا ما يمعن في غزو غموضه . هناك شيء ما وراء المألوف في المختلف والغامض فيه ، لا يتحقق إلا عبر الإمعان في تغريبه ، وإلا ظل المرجل قدرا بخاريا ، والدخان نوبة نارية ، والبركان سائلا رخوا طبيعيا .
إن هذا الداخل لا يستلذ بالممارسة كونها جسد العين أو الوجه الآخر للتنظير ، إنه يقتحمها لكونه عاجزا عن فهمها وتحقيقها ، فالممارسة إذن هي فعل لعجز عن استدراك النتائج واستكناه خصائص الخلق .
كل شيء يبدو للمسرحي المغاير من أول وهلة واضحا ومعروفا ، النص ، مادة التجسيد ، الشخصيات ، إلخ ، ولكن ما إن يُعرّض هذا الداخل للتجسيد إلا وتوالدت معه خفايا الممارسة ، التي قد تبدو واضحة وبسيطة للغاية لدى من يرسم حروف النص في فضاء العرض بقلم مؤلفه ، والتي قد تبدو واضحة أيضا جدا جدا لدى من يحصد النتائج في مسابقة العزف على أوتار جاهزة سكونية حكمية قاطعة .
إن هذا الداخل المرجل لا يُعد طبخة دسمة ناضجة ، ولا ينتظر حسن استقبال المتذوق لها ، إنه بقدر عجزه عن فهم كيفية تحقيق ممارسته ، بقدر ما ينتظر فهما عاجزا آخر يمعن في تحليل ارتيابه فيها ، وإن بدت هذه الممارسة مثيرة ومستفزة للإحساس والمخيلة لديه .
إن وقود هذا الداخل المسرحي لتحقيق فعل الممارسة ، ليس الظاهر من ظواهر المجتمع ، وليس الهامش فيه ، وليس الخارج وربما ليس الباطن فيه ، ليست القاعدة أو الاستثناء ، ليس التناقض أو التضاد ، فهذه أمور استخضعها الصراع التقليدي في الحياة ، والداخل المرجل ليس شرطا أن يكون رهن هذا الصراع حتى يكون أهلا لتحقيق فعل عجزه ، إنه بقدر ما يستبر غرائبية داخله ، بالقدر نفسه أو أكثر يجوس هذا العمق لاكتشاف ظواهره الذاتية باعتبارها عالما لم يتجسد بعد عبر فعل العجز عن استدراك النتائج واستكناه خصائص الخلق .