تارديو يكشف عورة المسرح التقليدي والعبثي في آن .. / بقلم : يوسف الحمدان
3 سنوات منذ
قيل عن بعض المسرحيين الذين يأخذون من المسرح المغاير توجها حاسما في حياتهم المسرحية ، بأنهم يعملون ويمثلون ويقدمون مسرحهم ولا أحد يسمعهم ، إنهم يعرضون مسرحياتهم لأنفسهم ، ومسرحياتهم يغلب عليها الغموض والإبهام ولا يمثلون بطريقة تختلف عما نشاهده واعتدنا عليه في مسرحنا ، كما أنهم يقدمون مسرحياتهم في أماكن لا علاقة لها بخشبة المسرح ، تارة في زقاق وتارة في حوش بيت وتارة على شاطيء بحر وهكذا . طبعا هذه ( المآخذ ) كانت في بداية (الانحراف) نحو هذا التوجه المغاير في المسرح ، لها مؤيدون كُثر ، وكانت تحمل في طياتها حملات عنيفة ، إعلامية وغير إعلامية ضد هذا التوجه وضد هذا الشخص من هذا المسرح وضد هذه الكتابة من بين هذه الكتابات الكثيرة ، وكيل من الاتهامات لا أول لها ولا آخر .
طبعا هذه ( المآخذ ) خفّت أو قلّت كثيرا الآن عما سبق ، خصوصا بعد أن اتسع مجال التجريب في المسرح العربي ، وحتى في البلدان الأوربية المتقدمة جدا في مجالات المسرح يحدث ما قصدناه من مواقف مضادة .
وهكذا كما نعلم واجه رائد رواد مسرح الطليعة في فرنسا الكاتب المسرحي ( جان تارديو ) الممهد لبروز كتاب مهمين في مسرح العبث وتأثيرهم قوي وفاعل على المسرح في العالم ، من أمثال أوجين يونسكو وصموئيل بيكيت وجان جينيه وأداموف .
وقد بدأ تارديو ينشر مسرحياته القصيرة جدا عام 1947 م ، وقد أثار حفيظة التقليديين في المسرح ، خصوصا وأنه لا يعترف بمسرحهم ، بل يجد متعته الكبرى في تعريتهم . وفي الوقت الذي احتدم فيه الصراع بين ركائز وثوابت المسرح القديم والحديث ، فإن ( تارديو ) لم يتزحزح قيد أنملة عن المطالبة بكامل الحرية للكاتب المسرحي في التخلص من كل آثار المسرح التقليدي في ماضيه وحاضره ، ووصل الأمر بتارديو بأن يرفض الانتساب إلى موجة مسرح العبث ، واعتبر انتسابه لها فقط من باب التحوط كي يكسر جدران العزلة من جهة ، ويساند موجة الحداثة والتجديد في المسرح الفرنسي خاصة والمسرح العالمي بوجه عام . ومما يضاعف من مهمة الناقد ، أن تارديو لا يقترح طريقا ثالثا للمسرح بقدر ما كان يقترح سلسلة من الاتجاهات المختلفة المتنوعة ، وفي الوقت الذي كان المسرح في فرنسا يدخل بترف التقنية المسرحية ، كان مسرح تارديو غاية في التقشف من ناحية الوسائل الفنية وأدوات التعبير ، وقد أطلق على مسرحه مسرح الغرفة ، مكان صغير وجمهور محدود وعرض مواجهة ساخر ، وأصدر مجموعة مسرحيات قصيرة أطلق عليها ( مسرح الغرفة ) ، منها ( من هنا وهناك ) و( الأدب العقيم ) و قدس الليل ) و ( كلمة مكان كلمة ) وغيرها .
هذه المسرحيات قدمت على مسارح العالم التجريبية ، وفي تقديمه لمسرحياته يقول : بأنها معالجة المسرح من خلال وسائله لا من خلال أغراضه وأهدافه، والاهتمام بقضايا المنصة أكثر من الاهتمام بموضوعات المسرحيات ” .
ومسرحيات تارديو تسخر من أشكال المسرح التقليدي ومكوناته ، مثل الحوار المصنوع والتجنيبات والتحدث على انفراد ، والموت في مسرحيات تارديو ليس النهاية التي ينتظرها أبطال بيكيت ، بل هو نوع من الفناء أو الصمت الأخير الذي يهددنا في كل حين ولا سبيل من الإفلات منه .
ويرى مارتن أسلن بأن تارديو هو الوحيد من بين جميع كتاب المسرح الطليعي الذي يستطيع أن يؤكد أنه طرق أكبر عدد من التجارب وأكبر قدر من الكشوف ، وهذا الذي جدد الدعوة إلى اعتناق آراء ( آرتو ) في الإخراج واللجوء إلى اللغات المسرحية غير الكلامية من حركة وإيماء وغناء ، والإصرار على اكتشاف كل ما هو جديد في المسرح ومغاير وفاعل .