كتاب الخميس (الحلقة السادسة و العشرون)/ عرض و قراءة: حسام الدين مسعد
اسم الكتاب : “تمظهرات الحلم في بنية النص المسرحي”
الكاتب: د. إياد كاظم طه السلامي
في غضون شهر (آذار /مارس) المنصرم كان اللقاء الأول لي مع الكاتب والباحث العراقي الأستاذ الدكتور “إياد طه السلامي “والذي اهداني كتاب من تأليفه معنون ب”تمظهرات الحلم في بنية النص المسرحي “.
لقد شغل تفكيري كثيرا عنوان الكتاب والمفردات التي اشتق منها العنوان
فالنزوع نحو شيء او الإنبساط هو ما تفعله عقولنا طوال الوقت ،فأفكارنا هي دائما أفكار عن شيء ومتعلقة دائما بشئ سواء مادي او غير مادي ،موجود او غير موجود .فالتفكير يحضر المرء الي نفسه ويخوله للتفكير في نفسه بطريقة مختلفه جذريا تعني الحفر الذي يصل الي عمق الأشياء .وهو ما يعني كذلك الإهتمام بالوجود البشري العيني وظواهره المختلفة .
فالأحلام وأحلام اليقظة وبعض الرغبات غير المعقوله التي ترتحل بالإنسان من الوجود الإنساني في لحظته المعاشه الي عالم روحي لا حد له بالقياس الفيزيائي فتمنحه اشكالا وصورا ورموزا تفوق قوتها الانطولوجيه المفهوم او التصور العقلي .
فالأحلام أثار للذات الخلاقه ونتاج منبهات وإستجابات محدده داخل الشخصية الإنسانية .فيتمظهر الحلم واقعا في صورة نص ادبي او لوحة تشكيليه او اي إنتاج فني آخر .
فالخيالات والصور والأشكال الظاهرة تقوم بخدمة المستقبل ومواجهة الحياة المستقبليه فالنتاجين الأدبي او الفني هما نتاج اللاشعور الجمعي المتمثل في خبرات الإنسان وتتم الإشارة من خلال البنيات المشتركه لهذا اللاشعور الجمعي في الأساطير والأحلام للكشف عن الطاقة اللاواعيه عن طريق تمظهرات الحلم .
•إن الإشكالية التي انطلق منها د.”إياد السلامي ” مؤلف كتاب “تمظهرات الحلم في بنية النص المسرحي”تنحصر في سؤال هام (هل يقوم الحلم كظاهرة نفسيه وإجتماعيه في النص المسرحي بمسارات تركيبيه ودلالايه وتواصليه تعتمد علي أفق المتلقي وبنيته الفكريه والأيدولوجيه ؟).
وأبادر الي القول أن الطريقة المنهجيه التي تناول بها د.إياد السلامي إشكالية هذا البحث موضوع الكتاب حتي بلغ النتائج المتسقه مع فرضيات ومقدمات البحث .وضعت هذا المنجز المعرفي في خصوصية وتفرد لكتاب نقدي يندرج ضمن الخطاب النقدي الذي يلتقي بالمقالة الموضوعيه في الإعتماد علي الإستدلال والبرهنه ووضوح المقصد في إيصال الفكرة التي يناقشها الكاتب ومن خلال ممارسة معرفيه تنصب علي كل المفاهيم والرؤي وهو ما يفسر الإهتمام بالنص المسرحي بإعتباره متنا لغويا مكتوبا قابلا للقراءة المتأنيه.
-فعنوان الكتاب الملفت للنظر والجاذب للقارئ والباحث والمهتم بالنص المسرحي يتألف من مجموعة من المفردات اللسانيه اللغويه شكلت العنوان “تمظهرات الحلم في بنية النص المسرحي”،فمفردة “تمظهرات”تعني ظهرت وتمحورت اي تجلت وإتضحت بعد خفاء.
أما “الحلم”بالكسر الأناة والعقل فجمعه أحلام وحلوم .وهو ظاهرة حياتيه تحدث أثناء النوم وظفت لإنتاج نص مسرحي إما سرديا او من خلال الفعل تعكس وتبعد عن أفكار وأهداف الشخصيه او مجموعة الشخصيات المكونه للنص المسرحي .
وتأتي مفردة “البنية” بكسر الباء وضمها بمعني ما بنيته واستعملت هذه المفرده للدلالة علي بناء البيوت والقصور .
ويعرفها د.إياد [مجموعة متشابكه من العلاقات التكوينيه بين عناصر النص المسرحي ذي القوانين والحدود التي تنظم العلاقة بين اجزائه في ترابطها بعضها ببعض ]
ولقد حظي عنوان هذا الكتاب بأهمية متميزه في الدراسات النقديه بالنظر الي علاقته بموضوع النص المسرحي .فهو أولي العتبات التي تخلق لدي المتلقي رغبة في إقتحام النص برؤية مسبقه في غالب الأحيان .
فنص الحلم هو رسالة مجتزأه من النص المسرحي ككل والعلامات الدلالية فيه تشرع أبواب النص أمام المتلقي القارئ وتشحنه بالدفعة الزاخره بروح الولوج الي اعماقه. وتكمن أهمية هذا العنوان بإعتباره عتبة نصيه اولي في فهم العلاقة بين الإنسان والعالم الأكبر الذي يزوده بدرجات متفاوته بما يبرر وجوده .فكما الحلم هو اللغة التي يتكلم بها صوت الوعي وفقا ل”سقراط”فإن الصور الخياليه علي وفق “سارتر” مفاتيح لتوصيلنا علي تفكيكها وحل رموزها رغم كون الحلم شكلا صوريا يمتلك عمقا فكريا واعماقا سحيقة من اللاوعي بصورة لا تحدها حدود او قوانين إجتماعيه او دينيه .
فضلا عن امتلاك الأحلام للغة خاصه بها تتشابه الي حد ما في أغلب المجتمعات فتصير وسيلة للإنفتاح علي الآخر بواسطة هذه اللغه فيتحول الحلم الي نص ثان إذا حاز علي مساحة كبيره في بنية النص المسرحي، فتتمظهر أحلام الشخصيات من خلال مستويين .الأول يعبر عن أفكار المؤلف بصورة عامه ،والثاني يعبر عن فكر الشخصيه وبنائها النفسي والإجتماعي والعضوي.
ويسعي الدكتور” إياد السلامي “في ستة فصول في هذا الكتاب ان يكشف تمظهرات الحلم في بنية النص المسرحي موضحا تعامل الفلاسفه مع ومفهوم الحلم ورصده كظاهرة من ظواهر الوجود او ظاهرة حدسيه كما في بنية النص المسرحي من خلال الوعي الذي يلقي الضوء علي تفسيرات علماء النفس .
فالحلم في النص المسرحي يقوم بوظيفتين أساسيتين إما معرفة المستقبل وكشفه او الإسترجاع لأحداث ماضيه وخلق تداخل بين ماهو حاضر وما هو ماضي .
ويستطيع المؤلف من خلال الحلم تجاوز بعض القوانين الإجتماعيه والثقافيه والدينيه ومنح الحلم في النص المسرحي إمكانية غير طبيعيه تخلق عوالم وازمنه واحداث وامكنه غير منطقيه تزود المتلقي بخيط متواصل يتم الكشف من خلاله عن نوعية الرغبات والمخاوف المضمره في النفس البشريه .
لقد تتبع هذا الكتاب في مجمله تمظهرات الحلم في النص المسرحي محاولا الإجابة علي السؤال الهام “ماهي علاقة الإنسان بأحلامه ؟” ففي الحلم يتحول العقل الي اثيري هلامي يغادر مادته وموضوعاته وإنعكاساته للإنتقال الي منطقة أكثر شمولا بصفاء وبعمق فالنفس تبتدع بحد ذاتها مستقبلها الخاص وتقوم الأحلام بخدمة فرض أكثر اهميه وهي مواجهة الحياة المستقبليه من خلال البنيات المشتركه للاشعور الجمعي في النتاج الأدبي او الفني الصانع للأحلام والأساطير .
إستطاع دكتور “إياد السلامي”الغور بحثا في أعماق الحلم في مقاربة بين نص الحلم كرسالة مجتزأة من النص المسرحي والنص المسرحي ككل ووظيفة نص الحلم من خلق تواصل وكشف وتداخل بين ما يمتلكه المتلقي من أفق تلقي ووظيفة النص المسرحي برمته في عدة فصول معرفيه كان ابرزها الفصل الثالث والمعنون ب”الحلم في بنية النص الأجنبي “مستجليا صور الحلم في بناية النص المسرحي ومساراته الثلاثة(البنائيه والدلاليه والتواصليه)وبعد المسار الأخير هو المسار الذي يصبح فيه المتلقي المسؤل عن تأويل وإحالة دلالات الحلم الي مدلولات متنوعه حسب تشكل بنيته الفكريه والمعرفيه وافق توقعه ،فيتحول الحلم الي نشاط ذهني ليس إراديا في التغيير الرمزي عن خبايا اللاوعي .
ويتناول “السلامي” في الفصل الرابع المعنون ب”الحلم في بنية النص الكلاسيكي “تمظهرات الحلم في مسرحية (الفرس /إسخيليوس) موضحا جماليات لغة (السارد /الحالمه)وأبعاد النص الإجتماعيه والنفسيه والفكرة المبتني عليها الحلم والحبكة الدراميه وعملية التنبؤ والتلميح التي سواق دلالاتها الحلم كحالة إستشرافيه للمستقبل فضلا عن صيغته التشويقيه .
ويؤكد “السلامي”علي زمن الحلم في هذا النص قائلا [إما زمن الحلم فهو مفتوح كأزمان النوم ] اي انه لم يكن صباحا او مساءا او في يوم محدد .اي انه مجردا ووظيفته كوظيفة الأحلام كونها رسائل تنبئ الآخرين بأقدارهم فضلا عن تهيئة ذهن الشعب للكارثه التي ستحصل لأمبراطورية الفرس من خلال حلم الملكه .
ثم يتناول د.”أياد” البنية المسرحيه المتناصه مع الكتاب المقدس في العصور الوسطى والتي تجاهلت بنيتها الفكريه مع ما طرحه (العهد الجديد )والكنيسه والتي اتخذت الحلم من الفكر الديني المسيحي نفسه كنص”القديس نيقولا” فرسالة الحلم من القديس الصوص كانت بلغة الحوار الوعديه كما في الكتب الدينيه فنجد الحلم تمظهر في فكرة تحذيريه فضلا عن الحبكة البسيطه القائمه علي إستخدام (التمهيد،اكتشاف،تنبؤ،تلميح،حل للأزمه)
ووفقا لما تقدم فإن الفلاسفه العرب والمسلمين كانت آراؤهم تدور في فلك القرآن والسنة النبويه وقائمة علي الحلم وفق المنظور الديني .
أما تناوله للنصوص الكلاسيكيه الجديدة الإتباعيه فنجد الصراع في مسرحية (بوليوكيت/بيير كورني)تنحصر بين ماهو إلهي وما هو وثني وادي الي قيام الحلم برسم حبكة دقيقه واضحة لما ستؤول إليه الأحداث فكانت أفعال بعض الشخصيات تتعامل مع الحلم كأنه حقيقة واقعه .
ثم نتوقف عند تناول مؤلف هذا الكتاب للحلم في بنية النص الرومانسيه التي شعارها فن المسموح به في كل شئ .إذ يختار مسرحية (هاملت/شكسبير) التي لم يتقيد فيها بالقواعد (وحدتي الزمان والمكان ووحدة العمل )معتمدا علي عبقرية خصيبه كما أدت الي تغيير بنية النص المسرحي (الشخصيه،اللغه،الحبكه،
الفكره،الزمان،المكان)
فالشخصية في المسرحيه ذات الإتجاه الرومانسي تغرق في خيالات وهواجس الذات وعلاقاتها بالآخر .لأبعاد الشخصيه اصبحت ذات أحلام نفسيه وإجتماعيه فهذا الإتجاه الرومانسي أطلق العنان للمؤلف وحرية ابداعاته في خلق بعض من التصورات وأحلام اليقظه (شبح والد هاملت )
وهذاعلي عكس الإتجاه الواقعي الذي ظهر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر .نتيجة لإيغال الرومانسيه التي أدت إلي الإنطواء والقرار من الواقع المعيش .لتحل محلها الواقعية مفرزة معاناة الإنسان من خلال أحلام النوم وتتشكل بصورة واسعه في النص المسرحي لتتخذ وظيفة أمان من خلال محاولات إرتكاز الحبكه علي الواقع المعيش ،والثورة علي النفس من خلال الإرادة .كما في نص مسرحية (براند/إبسن)والذي يؤكد فيه علي ان الأحلام أوهام ولابد أن تتحقق عن طريق الإرادة الحره للإنسان الذي هو بحاجة للثورة علي نفسه .
أما في بنية النص التعبيري والذي يبحث اصحابه عن الحقيقة داخل النفس البشريه .فكان الحلم هو النموذج الأمثل لذلك بما انه ذاتي قوائم علي الرمز والمجاز فضلا عن إستخدام التداخل الصوري وإلغاء وحدتي الزمان والمكان داخل بنية الحلم كظاهرة نصيه .
أما عن الحلم في بنية النص الملحمي .فيختار” السلامي” ما قام به” بريتولد بريشت”في مسرحية (رؤي سيمون ماشار) فالحلم هو جزء من بعض أفكار شخصية “جان دارك ” والتي تكشف المتن الحكائي النص المشابه لما حدث لجان دارك وبعض شخوص الحلم ل”سيمون”
وفي محاولات إفصاح المؤلف المسرحي عن رؤياه الذاتيه للعالم .يتناول د.”إياد ” تمظهرات الحلم في بنية النص المسرحي العبثي او اللامعقول ومحاولات البحث عن معني جديد وإمكانيات جديده الوجود الإنساني ولمواجهة الإنسان الغربي عزلته في هذا العالم الذي يراه عبثيا وخواء فالعبثيون لا يجافون العقل إنما هم في صدام مع عصر قد خلا من العقل وفي تمرد علي وجود وكشف عن عبثية .فيتماهي أدب العبث مع أدب الأحلام لأن الأخير ذو طابع خيالي وفنتازي للنصوص العبثيه المسرحيه تتصف بما تتصف به الكوابيس من معاناة وألم.
وبيد ان البحث في تمظهرات الحلم في بنية النص المسرحي لم يتطرق الي تمظهرات الحلم في أدب الحداثة او ما بعدها .إلا أن الكتاب الذي يحوي فصله الخامس علي تتبع تمظهرات الحلم في بنية النص المسرحي العربي .أشار الي الدلالات الرمزيه المتنوعه والعميقه في النص العربي والتي تتضح من خلال اللفظ والصور الذهنيه المتأتية من فعل القراءة وماتم وضعه بين اقواس المؤلف المسرحي من أصوات الغطيط والأسماك الطائره .كما في نص (الجراد /سعدالله ونوس)
كما يعني الإستفادة من لغة الرمز التي يقوم عليها الحلم الإنساني بترحيله للنص ليتحول بعدها من لغة متداولة الي لغة رمزيه داله يتم إستخدام بعض الصور البلاغية فيها ليأخذ النص اثيرية الحلم وهلاميته التي يحاول المؤلف المسرحي الإيحاء للمتلقي بأنها صور حلميه .
ويختتم الدكتور” إياد السلامي ” كتابه بدراسة تمظهرات الحلم في بنية النص المسرحي العراقي مستعينا ب ثلاث عينات بحثيه مسرحيه هما ( الملحمة الشعبيه، السندباد،تتمة )
لقد استطاع الدكتور “إياد طه السلامي ” أن يحقق فرضيتة البحثيه عن تمظهرات الحلم في بنية النص المسرحي وبلغ نتائج عديده تعين الباحثين والدارسين علي كشف أغوار الحلم في بنية النص المسرحي .ولم يكن العرض الأساسي
من هذا البحث الذي تحول الي كتاب نقدي متفرد التفسير او التحليل النفسي بل هدف الي البحث عن دور الحلم في بناء النص المسرحي وجعل المتلقي يراقب ويري مدي توافق الصور المشكله للحلم مع ما سيحدث للشخوص المسرحيه .فكان الحلم هنا ذو طبيعة تشويقيه وترقبيه لبناء النص .