نص مسرحي :” صدى الروح” تأليف: د. ميسون حنا
شخصيات المسرحية: سميحة، سناء، وغسان
(غرفة لها بابان خارجي وداخلي، في صدر الحائط الأمامي نافذة كبيرة، مغلقة، أريكة، طاولة، مقاعد. على الطاولة مزهرية ومرآة. تجلس سميحة وهي سيدة مطلقة، ليست جميلة بل تميل إلى الدمامة، نظراتها حادة، وهي غالبا ما تكون عابسة، تتأمل نفسها بالمرآة، تبدو راضية عن صورتها، ثم تقطب فجأة بانزعاج. على الحائط قرب النافذة تتعلق صورة لسيدة شابة لا تخلو من مسحات جمال، وهي على ما يبدو صورة قديمة لسميحة. سميحة تنهض وتقف أمام الصورة، تتأملها بإعجاب، ثم تنظر لانعكاس صورتها في المرآة من جديد، تقصي المرآة جانبا، تبدو كئيبة ثم تلتفت إلى النافذة، تتغير أساريرها، وينفرج ثغرها عن ابتسامة، لا تلبث أن تزول، ثم تغادر الغرفة إلى الداخل لتعود سريعا وبيدها ألبوم صور. تجلس وتفتحه، تتأمل فيه تارة مبتسمة وتارة مقطبة، عابسة، ثم تنحيه جانبا وتضحك بصخب هستيري، تصمت فجأة، تبدو عابسة، كئيبة، تلتفت إلى النافذة)
سميحة: (مع نفسها) قال لي اليوم: صباح الخير. (تقول هذا وهي تحدق بالنافذة ثم تلتقت إلى المرآة، تمسكها وتتأمل نفسها بنفور يتحول تدريجيا إلى إعجاب) ولم لا؟ هل تنكرين أنك مقبولة الجمال (بيأس) لكنك شارفت على الأربعين… (تمسح على عينيها) لولا هذه الهالة من التجاعيد (تضع المرآة جانبا) ومع هذا جمالك مقبول، آه لو كنت أصغر قليلا (بشرود) العمر يمر سريعا، كلمح البصر. (تمسك الألبوم وتقلب فيه ، تتأمل صورة وتتابع) كنت حينذا كالبدر (حالمة) طرحتك البيضاء، كانت موشاة بزهرة بنفسجية، وأمك تطلق الزغاريد، والنساء يرددن ال… (تلقي الألبوم جانبا) نعم كنت عروسا في ليلة خيلاء (لحظة ثم بحزن) زواج لم يدم شهرا (ساخطة) سيّان كان السبب، ولكنك بعد شهر من يومك المجيد كنت كالكلب المنبوذ (ساهمة) ولا زلت كذلك.. هل حقا أنت ساخطة على حظ عاثر لست مسؤولة عنه، أم راضية بمشيئة الله فيه؟ ساخطة… راضية… (تردد كالببغاء) ساخطة..راضية.. ساخطة..راضية (متنبهة وبعصبية) ولماذا تكلمين نفسك كالبلهاء؟ (بحزن وهدوء) أنت الآن في قرية شبه مهجورة، يتوافد إليها السكان صيفا، ويهجرونها شتاء، أما ونحن في الخريف (مغيرة لهجتها وكأنها تلقي نشرة أنباء) وبعد أن رحل المصطافون كل إلى عمله، حيث الحياة الصاخبة، والحيوية الدائمة (تصرخ) هل لا زلت تكلمين نفسك وكأن بك مس؟ (بهدوء وحزن) ولكني لم أعد أطق صمتا، أسبوع كامل لم أنبس ببنت شفة إلى أن فتحت نافذتي صباحا (تنظر إلى النافذة) أطلّ برأسه من نافذته المقابلة لنافذتي، حيّاني، قال: صباح الخير (تردد برقة لا تتناسب مع خشونة صوتها) صباح الخير… ذُهلت (بحزن) كدت أنسى بماذا تجيب البشر على تحية كهذه (تبتسم) ابتسم، وحرك أوتار قلبي مع بسمته الرقيقة. (تعبس وتتابع بتجهم) تراجع فجأة عن نافذته واختفى عن نظري (بيأس) اختفى. لم أبادله التحية، لزمت صمتي (بسخط) فقدت النطق (مستدركة) لا… لا لم أفقده، لكني بوغت بتحيته، لم اكن أتوقع وجود أي من المصطافين في وقت كهذا (لحظة ثم تتقدم من النافذة بخطوات متعثرة، تبدو مرتبكة، تمد يدها إلى النافذة كمن تريد فتحها، ثم تتراجع وتعود إلى الطاولة، تمسك المرآة، تنظر نفسها، تهز رأسها برضى، تلقي المرآة على الطاولة بإهمال، تخطو نحو النافذة، ثم ترتد عنها وتغادر إلى الداخل لتعود بعد لحظات وبيدها بعض أدوات الزينة، تجلس أمام المرآة، تتزين ثم تبتسم بثقة) هكذا لا بأس، جمال مقبول حقا (تتقدم نحو النافذة بحماس، تفتحها، النافذة المقابلة لنافذتها مغلقة، تستدير وتتكئ على حافة النافذة بخيبة، ثم تجلس على أحد المقاعد تاركة النافذة مفتوحة) الأفضل أن تبقى مفتوحة، حيث سيفتح نافذته كمحض صدفة (لحظة ثم بقلق) هل سيفتح النافذة؟ (تلتفت إلى النافذة لفتة سريعة وتشيح بنظرها جانبا) لا، ليس من اللائق أن يفتح نافذته ليجدني أترقبه، سوف أتصرف وكأنني فتحت نافذتي بغير قصد (تردد بشرود) قصد؟ هل حقا أقصد ذلك؟ (لحظات، مفكرة ثم بتردد) سوف أنظر صوبها، ولم لا؟ قد يكون من المستحسن أن أخطو خطوة تشعره بأنني، بأنني (بشك) بأنني ماذا؟ هل حقا أنتظره؟ أنا أكاد لا أتعرف إليه لو رأيته (حائرة) حيّاني تحية لطيفة، هذا لقائي الوحيد معه (تبتسم بألم) لو جاز أن نعتبر تلك اللحظات لقاء (بيأس) هي تحية عابرة، ولكنه الفراغ (منفعلة) الفراغ الذي يعتمل في نفسي.. لأخاطبك عن بعد أيتها النفس، وكأنك مع الحزن تتنفسين، وبالمأساة تعيشين (بحزن) أي قلب بارد يحتويك؟ قلب مهجور، رهيب، مرعب، هل هناك أشد رعبا من بيت مهجور تخذته الشياطيين مأوى؟ (منفعلة) وأنت أيتها النفس، روحك معذبة، وقلبك شُقت أوتاره من حبال تتنطط عليها العفاريت… هو عفريت من زرع اللؤم في نفسك (ساهمة وبحزن) هل حقا أنا هكذا؟ لماذا يا سميحة كرهت الناس، واخترت مكانا مهجورا لتقضي إجازتك (لحظة ثم بيأس) الصمت … هنا الصمت … مللتِ الصمت؟ ها أنا أخاطبك الآن لأكسر صمتك .. أنت تستعذبين الألم وتستلذين بالعذاب، وكأنك بالعذاب فقط تشعرين بوجودك (لحظة ثم بحزن) أنا حزينة، روحي تنزف ألما (منفعلة) عذابك وهم يا سميحة، نسجتيه من خيالك المريض (بألم) تحية عابرة (تصرخ) عابرة وانت تنسجين أوهاما تتبدد أمام الحقيقة الصادمة (بهدوء) لن أسمح لك بالتمادي (تنهض وتتوجه بحزم إلى النافذة، تهم بإغلاقها، تُسمع ضوضاء لا نميزها، تتسمر في مكانها قرب النافذة، مرهفة السمع) الصوت بعيد.. ليس من هناك (مشيرة إلى النافذة. لحظة، تغلق النافذة بتصميم، ثم تجلس بصمت وحزن، لحظات ويُطرق الباب، تجفل، تلتفت إلى الباب، تبدو كمن تكذّب سمعها، يعاد الطرق، تبتسم بأمل ثم تسرع نحو الباب بانفعال ثم تعود بسرعة وتلقي نظرة خاطفة على المرآة، تبتسم برضى وتتوجه بحماس نحو الباب، تفتحه، تتراجع بخيبة لتدخل سناء ابنة خالة سميحة، فتاة شابة، جميلة، رشيقة، تفيض حيوية وشبابا)
سناء: (بمرح) سميحة!
(تحتضن سميحة المتسمرة في مكانها بوجوم، سناء تتراجع للخلف وتتأمل سميحة بقلق، ثم تختفي من حيث أتت لتعود فورا حاملة حقيبة ملابس، تضعها قرب الباب وتوصده، تتأمل سميحة التي تبدو متبلمة، عابسة، ذاهلة).
سناء: ألا ترحبين؟
سميحة: (بفتور) بلى… تفضلي
(سميحة تتوجه إلى الأريكة وتجلس متهالكة، سناء تهرع إليها بقلق).
سناء: سميحة … ما الأمر؟ أخبريني.
سميحة: لا شيء.
سناء: أنت شاحبة، ماذا حدث؟
سميحة: (متمالكة بعض الشيء) لا شيء… لا شيء (لحظة)
(سناء تنظر إليها بقلق)
سميحة: (تصرخ) لا شيء يستحق منك إبداء قلق زائف. (مستدركة وبلهجة جديدة) أعتذر، لا أقصد الإساءة (لحظة) هل جئت وحدك؟
سناء: ظننتك سوف ترحبين بي.
سميحة: (ببرود) أهلا بك، نزلت سهلا.
سناء: لكن أنت شاحبة (لحظة) أشعر بقلق حقيقي إزاءك يا سميحة.
(سميحة مطرقة، صامتة)
سناء: (بمرح مفتعل) تقولين نزلت سهلا؟ هل هذا الطريق الوعر سهل (تضحك)
سميحة: (بفتور) ظننته كذلك. (تبتسم، وهي مقطبة)
سناء: (بمرح) النسيم عليل في الخارج (تقترب من النافذة وتسترسل) وأنت تجلسين هنا شاحبة، هذا نقص أوكسجين (تهم بفتح النافذة)
سميحة: (تصرخ بذعر) ماذا تفعلين؟
سناء: (تتراجع عن النافذة بدهشة) أردت تجديد الهواء.
سميحة: (مستدركة) نعم، معك حق (متلطفة) افتحيها لو شئت.
سناء: (بسرور) حقا؟ (تسرع إلى النافذة، تفتحها، سميحة ترقبها بنظرات حاسدة، النافذة المقابلة مغلقة).
سناء: من يسكن هناك؟ (تشير إلى النافذة، تجلس على أحد المقاعد ليكون مواجها للنافذة)
سميحة: اِلتفتي إلي ، اِستديري نحوي.
سناء: (غير متنبهة) هواء القرية يمدني بالنشاط والحيوية.
سميحة: (متمالكة) أنت في إجازة الآن؟
سناء: أسبوع فقط.
سميحة: خير من لا شيء.
سناء: أما أنت فستمكثين شهرا كاملا، بعيدا عن ضوضاء المدينة، ستبقين هنا حيث الطبيعة الوردية، والجو الساحر (سميحة مطرقة بكآبة، سناء تنتبه) يدهشني الضيق الذي يعتريك، لا أظنه تأثير الريف.
سميحة: صداع خفيف (بلهجة جديدة) كيف فكرت بالقدوم إلى هنا؟
سناء: اعتزمت المجيء سابقا، أنت تعلمين، لكن ظروف العمل منعتني، وقد حصلت على إجازتي الآن وهرعت أستجم لو كان هذا لا يزعجك.
سميحة: أهلا بك، لكن هنا وحشة وكآبة.
سناء: (تنظر إليها بدهشة) وحشة؟!
سميحة: أقصد … عندما يكون المرء وحيدا، ولكن مع قدومك سيختلف الأمر.
سناء: سنقضي أجمل إجازة عرفتها في حياتي، وقد أحضرت معي ما يبدد الملل (تتوجه بنشاط إلى الحقيبة، تلتقط كتابا من داخلها)
سناء: (تتأمل الكتاب بإعجاب) روميو وجولييت، أروع قصة حب، اُنظري (تمد الكتاب إلى سميحة التي تتناوله بضيق شديد وتضعه جانبا. سناء تواصل البحث في الحقيبة) أحضرت من روائع الحب عدة قصص، هذه القصص تتناسب مع شاعرية المكان. (تخرج كتابا آخر) كتاب يؤنس الروح (تقرأ العنوان مفخمة الحروف) تريستان وايزولدا، من أعظم قصص الحب أيضا. (تناوله إلى سميحة التي تلقيه جانبا بفتور، سناء تلحظ اِرتباك سميحة)
سناء: ما بك؟
(صمت)
سناء: ما يكدرك الآن؟
سميحة: (بحدة) لا شيء .. مطلقا.
سناء: (حائرة) لا أقصد التدخل في شؤونك، ولكني أتيت لقضاء عطلتي، ولا أريد أن أسبب لك حرجا، أعني… لو كانت ظروفك (تلتقط أحد الكتابين من غير قصد، بينما تنظر إليها سميحة بسخط، ثم تسحب الكتاب من يدها بقسوة وترميه أرضا. سناء فاغرة فاها من المفاجأة)
سميحة: (بانفعال) ظروفي؟ ماذا تقصدين؟
سناء: (مرتبكة) أنا … أنا …
سميحة: تظنين أني أعاني من مشكلة؟
(سناء تنظر إليها حائرة)
سميحة: تضنيني ساخطة على الدنيا؟ أو مكتئبة؟ (بحقد) أنا أسعد خلق الله، وأهدأهم بالا، لكن أنت خيالك مريض. (تصمت فجأة)
(سناء تتأملها بذهول بينما تبكي سميحة بنشيج حاد، سناء تبدو حائرة، لحظات وتتمالك وتقترب من سميحة)
سناء: (بلطف) لا بأس عليك، حسنا فعلت، الدموع تغسل أوجاعنا (لحظة) تحدثي، الكبت يفاقم الحزن.
سميحة: (بصوت مخنوق بالعبرات) إنه الفراغ، الفراغ… (متمالكة بعض الشيء) لم أر أحدا مذ وطئت منزلي هذا.
سناء: (بدهشة) هو أسبوع… أسبوع فقط مضى عليك هنا.
سميحة: معك حق (تبتسم) اليوم اختلف الأمر(تنظر إلى النافذة) هناك من يهتم بي.
سناء: تقصدين (تشير إلى النافذة) الذي يسكن في الجوار؟ من هو ؟ هل تعرفتما؟.
سميجة: (محتدة) ولماذا تتلهفين لتعرفي من هو؟
سناء: (مرتبكة) لا أفهمك.
سميحة: (مستدركة) أرجوك لا تغضبي (يقع نظرها على أحد الكتابين، تعبس) أبعدي هذا الكتاب من أمامي.
سناء: ( تسحب الكتاب وتلتقط الآخر عن الأرض وتواريهما جانبا).هما قصتان رومانسيتان (بإغراء) ربما لو تقرئين فيهما تغيرين رأيك.
سميحة: (بحدة) لست مراهقة لأقرأ سير العاشقين. (بحقد) أنا أمقت هذه القصص.
سناء: (مستدركة) لا بأس، لا تقرئيها، أرجوك لا تنفعلي (بمرح مصطنع) تبا للفراغ، لكني جئت أملأ فراغك (بمرح) سوف نجوب الحدائق معا، ونمرح ونقطف الزهور.
(سميحة صامتة)
سناء: ظننتك سعيدة في هذا الجو الوردي، والطبيعة الساحرة الخلابة.
سميحة: مكان مهجور، هل تفهمين؟
سناء: لكن هناك من يقطن بالجوار، أعني القرية لا تخلو من السكان.
سميحة: قليلون، نادرون.
سناء: تسلل الملل إليك سريعا، كان عليك أن تتجولي (حالمة) ما ألطف زقزقة العصافير في الصباح.
سميحة: (بجفاء) ونباح الكلاب، لا تنسي.
سناء: (بمرح) حقا؟ يخيل إلي أن نباح الكلاب يؤنس الوحشة، أقصد عندما يكون المرء وحيدا يستأنس بأي صوت.
سميحة: (بحزن) حتى الكلاب ملّت معاشرتي، لم ينبح كلب بالجوار منذ يومين.
سناء: (مغتمة) أنت تخيفينني، أتيت أحلم بجمال الطبيعة.
سميحة: أنا في زنزانة منفردة.
سناء: هوني عليك، نحن الآن معا.
سميحة: أنا هناك في المدينة أيضا وحيدة، لم يتغير شيء، زنزانة متنقلة حملتها معي وأتيت (بلهجة جديدة) فعلتِ خيرا بقدومك على أية حال.
سناء: عندما تنتهي إجازتي سنعود معا، لن أتركك هنا وحيدة، بل سنعود غدا لو لم يطرأ على مزاجك التحسن، لو شئت نغادر في التو واللحظة ونعود.
سميحة: (تنظر للنافذة) بل لنبقى.
سناء: (بسرور) أجل لنبقى (تلتفت سميحة إلى الكتابين، تسرع سناء وتلتقطهما ثم تخفيهما في حقيبتها).
سناء: (بمداراة) تبا لهذين الكتابين، لن نفتحهما (سميحة تبدو هادئة، سناء تنظر إليها بتمعن) ما هذا الجمال؟ أي نوع من الماكياج تستعملين؟ أنت تبدين في صورة حسنة مع ماكياجك اللطيف (سميحة تبدو منشرحة بينما تتابع سناء) هذا تأثير الشياكة علينا.
سميحة: (بارتياح) أي تأثير سحري لك على النفوس؟
سناء: لا تبالغي.
سميحة: بل هي الحقيقة، تحول مزاجي، أنا معك في أنس الآن.
سناء: أنا سعيدة برفقتك كذلك.
سميحة: اُعذريني لما ورد مني من سوء استقبال.
سناء: لا عليك، كنت سأفعل مثلك لو تبودلت الأدوار، الوحشة والفراغ لهما تأثير كبير.
(يُدق الباب، سميحة تنتفض بارتباك، سناء تنظر إليها بدهشة)
سناء: هل أفتح؟
(يعاد الطرق)
سميحة: (مرتبكة) افتحي، لا أقوى على النهوض.
(سناء تفتح الباب، يدخل غسان، الشاب في الشقة المقابلة، سناء تبدو سعيدة لدى رؤيته بينما تشهق سميحة مندهشة، يلتفتان إليها باستغراب).
***
المشهد الأول:
(نفس المكان. على الطاولة إبريق شاي وثلاثة أكواب، بيض مسلوق وأشياء أخرى، سناء تلقي نظرة على المائدة برضى، ثم تلتفت للنافذة لفتة سريعة).
سناء: (تغني) حرام يا جار حرام، عيون الناس كتار.بل هما عينان اثنتان ليس إلا (تلتفت إلى الباب الداخلي، تنادي) سميحة… سميحة … ها قد أعددت طعام الإفطار (تغني من جديد) عيوم الناس كتار… سميحة، سوف يبرد الشاي لو أبطأت.(تغني من جديد) حرام يا جار حرام (تخطو نحو النافذة وهي تغني) عيون الناس كتار.
سميحة: (تدخل تلمح سناء وهي تهم بفتح النافذة..تصرخ) ماذا تفعلين؟
سناء: (ترتد عن النافذة، تبدو مرتبكة) أردت تجديد الهواء.
سميحة: (بجفاف) بل لتبقى مغلقة (متلطفة) أشعر بقليل من البرد.
سناء: حسنا، لتبقى مغلقة.
(تجلسان إلى المائدة)
سناء: (بلهجة مثيرة) بيض مغلي، وشاي مسلوق.
(سميحة تضحك)
سناء: لقد قصدت … على كل حال أشكر الله إذ جعلتك تضحكين.
سميحة: (تتأمل المائدة، تعبس فجأة) ثلاثة أكواب؟!
سناء: (مفتعلة العجب) حقا… لماذا؟ أنا وأنت (تنظر إلى النافذة) و… وأنا.
(سميحة تصب الشاي في كوبين، سناء تلتفت للنافذة حائرة، سميحة تحدج سناء بنظرة حاقدة، سرعان ما تتمالك).
سميحة: (تمد لها كوب الشاي) تفضلي.
سناء: (تتناوله وتضعه أمامها) شكرا (لحظة) الحمد لله أن مزاجك تحسن اليوم. الفضل يعود لهواء الريف، أنا أشعر بنشاط عظيم.
سميحة: حقا، هو تأثير الريف.
سناء: لكن … (تبدو مرتبكة)
سميحة: ما بك؟
سناء: أردت أن أسألك عن جارك الذي أتى إلى هنا أمس.
سميحة: (بلا مبالاة متعمدة) ما به؟
سناء: هل تعارفتما جيدا؟
سميحة: (بشماتة) أكيد.
سناء: هل سبق وزارك؟
سميحة: دائما كان يفعل.
سناء: متى؟
سميحة: (بخشونة) وماذا يهمك من أمره؟
سناء: (مرتبكة) لا شيء، فقط لمحتك وقد تفاجأت بقدومه.
سميحة: لم أكن أتوقع منه زيارة.
سناء: لماذا وأنتما تتزاوران كما قلت؟
سميحة: كفي عن الأسئلة الصبيانية الطائشة. (لحظة صمت) نحن هنا فتاتان محترمتان، ولا يجدر بنا أن نقيم وزنا للتحيات العابرة.(مرتبكة) أقصد…
سناء: (بسرور خفي) كنتما تتبادلان تحيات عابرة إذن؟
سميحة: (بحقد) والأحاديث.(منفعلة) هلا كففت عن الأسئلة (متمالكة) ما علينا (تحتسي من الشاي) لذيذ، أحسنت صنعه.
سناء: والبيض؟
سميحة: سوف نجرب (تضحك)
سناء: سميحة … ليتنا ندعوه ليشاركنا طعام الإفطار.
سميحة: (بعنف) ماذا قلت؟
سناء: (مرتبكة) اِنسي الأمر… لا شيء.
سميحة: ماذا سيقول لو فعلنا ذلك، سيرمينا بالطيش والنزق.
سناء: لكنه أتى أمس.
سميحة: (بخشونة) أتى ليستعير مكوى، ولم يأت للمؤانسة، لولا أنك دعوته بطيش ليجلس.(ثم بشماتة) ولم يفعل.
سناء: دعوتي له تعتبر طيشا؟
سميحة: (بلؤم) بكل تأكيد، هو تصرف أرعن، لا يليق بفتاة مهذبة.
سناء: ربما يعاني من الوحدة.
سميحة: (بجفاف) ليتناول مرآة ويخاطب نفسه.
سناء: (بعجب) مرآة؟
سميحة: (مرتبكة) لسنا مسؤولتين عن ملله (بقسوة بالغة) ليهجر هذا المكان لو كان متضايقا من وحدته (تكسر بيضة وتبدأ بتقشيرها بحركات عصبية، سناء تنظر إليها بخيبة).
سميحة :تفضلي (تمد لها البيضة المقشرة.. سناء تتناولها بفتور، وتضعها أمامها، بينما يُقرع الباب، سناء تلتفت بسرور، بينما يبدو الضيق على سميحة.. بخشونة) من يقرع بابنا في هذا الصباح الباكر؟ (تنظر إلى سناء بلؤم بينما تهرع سناء وتفتح الباب)
غسان: (من الخارج) صباح الخير يا أميرتي اللطيفة.
سناء: أهلا، تفضل.
(يخطو للداخل عدة خطوات ثم يتوقف، سميحة متشاغلة بتقشير البيض، سناء تنظر إليها حائرة)
غسان: (إلى سميحة) ما بال سيدتي الحسناء لا ترحب بقدومي؟
سميحة: (عابسة) لم أكن أتوقع ضيوفا في هذا الوقت المبكر.
(سناء تبدو قلقة)
غسان: (بلطف) صدقت يا سيدتي، ولكنها ساعة مثلى لتناول الإفطار.
(سميحة تنظر إليه باستنكار)
سناء: (بحماس) ليشاركنا الإفطار يا سميحة.
غسان: (بسرعة) لا… لا… لا أقصد هذا (ثم بلهجة مثيرة) أردت فقط أن أسأل عن طريقة سلق العنب.
سناء: (بدهشة) ماذا؟ سلق العنب؟
غسان: نعم.
سميحة: (تبتسم ثم تعبس سريعا.. متجهمة، عابسة) أنت تمزح.
غسان: (بلطف) بل أنا جاد يا سيدتي.
سميحة: لا أفهمك أيها الشاب.
غسان: غسان يا سيدتي، عرفتك باسمي على ما أذكر.
سميحة: (عابسة) وهل تظنني أحفظ اسمك عن ظهر قلب؟
غسان: تمنيت لو أنك فعلت ذلك.
سميحة: (تبتسم) ماذا تريد بالضبط؟
غسان: (يقترب من سميحة) أريد من سيدتي الكريمة أن تهديني إلى طريقة سلق العنب. (يخرج من جيبه ورقة وقلما)
سناء: (بلطف) اجلس إذن..
(يجلس هو وسناء متجاورين، غسان لا يزال ممسكا القلم والورقة ثم بلطف) غسان: أني مصغ يا سيدتي.
سميحة: العنب؟
غسان: عندي منه حبتان، أردت سلقهما، ولما عجزت لجأت إليك.
سناء: (تضحك) حبتان من العنب؟
غسان: هو في الحقيقة ليس عنبا عاديا كالذي تريانه بالسوق، إنه عنب كبير الحجم، أبيض.
سميحة: عنب أبيض… وماذا إذن؟ لعلك تريد أن تعرف طريقة تحضير المربى مثلا؟
سناء: هما حبتان كما يقول؟! (تتبادل مع سميحة النظرات)
غسان: في الحقيقة (يتأمل المائدة أمامه، ثم يضع القلم والورقة جانبا ويتناول بيضة) ها هو، إنه عنب كهذا (يضع البيضة مكانها)
سميحة: (بعجب) هذا بيض.
غسان: نعم، إنه البيض.
سميحة: (بخشونة) ولماذا سميته عنبا؟
سناء: (بمرح) حقا، لماذا؟
غسان: (لسميحة) أرجو من سيدتي أن تغفر لي زلة لساني المتعمدة، حيث أنني توقعت منكما استنكارا لسؤالي لو كان مباشرا.
سناء: صدقت، لا أحد يجهل طريقة سلق البيض.
غسان: (لسميحة) أرجو من سيدتي أن تصفح لي هذا الخطأ المتعمد (سميحة تنظر إليه برضى، لحظة ثم تعبس فجأة)
سناء: (بمرح) سامحيه يا سميحة.
(غسان يضحك، ثم ينهض، سميحة تراقبه بدهشة)
سناء: (بقلق) إلى أين؟
غسان: لن أجلس إلا إذا صفحت عني سيدتي ودعتني للجلوس.
سميحة: (تبتسم مزهوة) اجلس، لا بأس .
(سناء تصب شاي وتقدمه له)
غسان: شكرا يا آنستي.
(يبدو الضيق على سميحة، لكنها تتمالك سريعا. غسان ينهض فجأة)
سناء: (بقلق) ألا تشرب الشاي؟
سميحة: (بتردد) وعندنا عنب مسلوق لو شئت.
غسان: إنه لمن دواعي سروري أن أشارككما الإفطار، لكن …
سناء: لن تذهب، ستتناول إفطارك معنا.
غسان: حسنا، لكن … أردت أن أحضر البيض الذي عندي.
سناء: (بحماس) لا حاجة لنا به، اجلس.
(غسان ينظر لسميحة التي تبدو متضايقة)
غسان: (مستدركا وبلطف) أنا لا أفعل شيئا إلا برضى سيدتي (يدنو من سميحة باسما)
سميحة: (تبتسم بفتور) تناول إفطارك معنا، سبق ودعوتك.
غسان: (يجلس) ما دامت صاحبة البيت قد دعت، ليس لي إلا أن أرضخ وأقبل هذا الشرف العظيم (تبتسم سميحة بينما يقف غسان فجأة، تلتفتان إليه بدهشة) (بلهجة مثيرة) البيض… يجب أن أحضره.
سميحة: اجلس، عندنا منه كفاية.
غسان: (يجلس بثقة..غسان يقشر بيضة. لحظة، يسدد إلى سميحة نظره)السيدة سميحة، هذا اسمك على ما أظن.
سميحة: (بسرور) نعم، وهذه ابنة خالتي سناء.
غسان: (بلهجة مثيرة دون أن ينظر لأي منهما)حرف السين… إنه يقع في أذني موقع الرنين على عود زرياب… حرف موسيقي، حتى كلمة موسيقى يتوسطها هذا الحرف…
سميحة: أظنك مولع بالموسيقى؟
غسان: أنا عازف يا سيدتي. جئت هنا علني أستلهم لحنا في هذا الجو الريفي الساحر.
سناء: نعم، نعم (تبتسم برقة بينما تسدد لها سميحة نظرة حاقدة)
غسان: (متنبها وبمداراة) أظن أن سيدتي اختارت هذا المكان للاستجمام.
سميحة: هو هكذا.
سناء: (بمرح) وأنا تبعتها.
غسان: حسنا فعلت (يقف)
سميحة: (بقلق) إلى أين؟
غسان: (بقلق مفتعل) سوف أحضر البيض.
سميحة: لا حاجة لنا به.
غسان: (يجلس.. يلتفت إلى سميحة) أظنك في إجازة.
سميحة: أجل، أعمل ممرضة في المستشفى العسكري.
سناء: وهذا أسبغ عليها صفات عسكرية صارمة.
(تبدو سميحة منزعجة)
سناء: (مستدركة) أقصد صفات إدارية حكيمة.
غسان: (متلطفا) إنها من ملائكة الرحمة.
(سميحة تنظر إلى سناء بظفر)
غسان: (ملتفتا إلى سناء) وأنت ؟ ماذا جاء بك إلى هنا؟
سناء: جئت كي أبقى إلى جوارها لمدة أسبوع.
سميحة: مضى يوم .
غسان: رائع.
سميحة: وما هو الرائع؟
غسان: صدفة لقائي بكما رائعة لو شئت أن تعتبريها كذلك.
سميحة: لو شئت أنا؟
غسان: (بلهجة مثيرة) ومع هذا لم ترشديني إلى طريقة سلق البيض.
(تضحكان)
سناء: بعد أن أكلت عنبا لا حاجة لك بسلقه.
غسان: قد أحتاج ذلك مساء.
سميحة: أو في صباح الغد؟
سناء: (بحماس) بل مساء، مساء (مستدركة) أقصد أن ابنة خالتي لن تردك خائبا لو جئت تستفسر في مرة قادمة (تلتفت إلى سميحة) أليس كذلك؟
سميحة: (بفتور) نعم، نعم.
غسان: (يقف فجأة، تنظران إليه بدهشة) سوف أحضر البيض، يجب أن أحضره.
سناء: (تبتسم) سبق وأخبرناك ، لا حاجة لنا به.
غسان: ولا حتى في المساء؟
(تتبادلان النظرات بدهشة بينما يغادر مبتسما)
***
(نفس المكان، النافذة مغلقة، سميحة جالسة، تنظر نفسها في المرآة، سناء جالسة في ركن آخر، تختلس النظر إلى سميحة بين فينة وأخرى سميحة تغادر للداخل لتعود بعد لحظات ببعض أدوات الزينة، وتبدأ بالتبرج).
سناء: يخيل إلي أن جو الغرفة بحاجة إلى التجديد (تنهض وتقترب من النافذة)
سميحة: (تصرخ) لا تفتحيها.
(سناء تقف بصمت)
سميحة: (تشيح بنظرها عنها وتغني) الهوى هوايا. (تلتفت إلى سناء) آه لو تعلمين كم كان يحبني.
سناء: من تقصدين؟
سميحة: (تضحك) زوجي، أقصد الذي كان زوجي.
سناء: حقا؟
سميحة: رحمه الله.
سناء: هل مات؟ لم أكن أعلم.
سميحة: (مرتبكة) في الحقيقة لا أدري، لقد قصدت وفاة عهدنا معا.
سناء: كم سنة مرت على فراقكما؟
سميحة: إيه… سنوات… سنوات، ولكن ذكراه تمر بمخيلتي وكأنه البارحة هجرني، ربما يكون مات… لا ،لا … بل سيعود إلي من جديد، نعم سيعود.
سناء: لماذا افترقتما؟
سميحة: فرق أهله بيننا.
(يُسمع عزف عود)
سناء: (بسرور) هو … هو (تشير إلى النافذة)
سميحة: (بغلظة) سيان…ما يعنينا من أمره؟
سناء: (مرهفة السمع) لنستمع إلى عزفه.
سميحة: لا أظنه عازفا متمرسا كما يدعي.
(سناء تبدو منسجمة مع العزف، سميحة ترمقها بحقد..لحظة، سميحة تنتهي من التبرج، وتخاطب سناء وهي تنظر إلى المرآة)
سميحة: ما رأيك؟
سناء: (تلتفت إليها) لا بأس، ولكنك جعلت الظل فوق عينيك داكنا…
سميحة: (مقاطعة بحدة) بل من الأفضل أن يكون هكذا؟
(يتوقف العزف، تلتفت سناء إلى النافذة بلهفة)
سميحة: (بلهجة حادة) هو شخص عابر، أليس كذلك؟
سناء: غسان؟
سميحة: تبرجي، تعالي.
(سناء تنظر إلى النافذة)
سميحة: (منفعلة) نعم، هو شخص عابر، بعد عدة أيام سيغادر حتما، وربما نسبقه نحن ونغادر بدورنا، ولن نراه بعد ذلك البتة.
سناء: ألا نجدد الهواء؟
سميحة: (بعنف) الجو بارد. (متلطفة) أشعر ببرد قليل.
سناء: ألا نذهب للتجول؟
(سميحة تغادر للداخل لتعود وبيدها سلة صغيرة)
سناء: (مبتهحة) هل نذهب للتسوق؟
سميحة: سأذهب وحدي، اِبقي أنت هنا.
سناء: قد أذهب بدلا عنك.
سميحة: (بجفاء) ذهبت أمس، اليوم دوري إذن (تنظر إليها نظرة خاصة، ثم تتحرك نحو الباب الخارجي، وتلتفت إلى سناء وتبتسم بمكر، تمسك مقبض الباب ثم تعود فجأة وتتوجه نحو النافذة) سأفتح لك النافذة.
سناء: شكرا، كنت سأفعل هذا بدوري.
سميحة: (تفتح النافذة، النافذة المقابلة مغلقة، تبدو مسرورة، ترمق سناء بشماتة) إلى اللقاء. (تذهب)
سناء: أي نوع من النساء هذه المرأة..
(يُطرق الباب، سناء تلتفت بسرور ثم تسرع وتفتحه، تدخل سميحة، تسدد نظرة إلى سناء وتبتسم بمكر)
سميحة: البرد، نسيت أن أتلفع بشالي.(تغادر للداخل وتعود متلفعة بشالها.. ببراءة مصطنعة) إلى اللقاء (تذهب)
(سناء تتنهد بارتياح، لحظات ويُطرق الباب، تفتح سناء بفتور ثم تبتسم وترتد إلى الداخل، يتبعها غسان)
غسان: ما أجملنا من غير رقابة عسكرية.
سناء: (بمكر) هي في الداخل.
غسان: (مفتعلا القلق) حقا؟
سناء: لا.
غسان: أعلم.
سناء: كيف؟
غسان: راقبت.
سناء: الرقابة العسكرية منعتني من التجول معك اليوم.
غسان: توقعت هذا.
سناء: قريبا ستعود.
غسان: هيا.
سناء: لا ، لن نخرج.
غسان: لماذا؟
سناء: المفتاح معي، لا نستطيع إقفال البيت.
غسان: سنعود سريعا، لن نتأخر(سناء مترددة) دعي الباب مفتوحا، لا تقلقي، لا أحد هنا (يقف ويمد لها يده)
سناء: إلى أين؟
غسان: إلى حيث تجولنا أمس، هات يدك .
(تقف سناء ، يداهما متشابكتان، تفتح سميحة الباب وتنظر إليهما بسخط واستنكار، لا ينتبهان لوجودها، بينما تقترب منهما ثائرة).
***
المشهد الأول:
(نفس المكان. سناء وسميحة تجلسان، سميحة عابسة، سناء تنظر إليها بتحد وتتوجه إلى النافذة)
سميحة: (بصرامة) أظن أن من حقي أن أمنعك من فتحها.
سناء: (بتحد) ومن حقك أيضا أن تعلمي أنني أحبه.
سميحة: هراء.
سناء: أحبه. (تفتح النافذة، سميحة تغلقها)
سميحة: (بمكر) هو لا يبادلك حبا.
سناء: كيف عرفت؟
سميحة: آن لك أن تعرفي هذا أنت أيضا.
(سناء تبدو متوترة)
سميحة: (باستنكار) يدان متشابكتان في بيتي؟!
سناء: وماذا إذن؟ هبي أننا كنا نتبادل السلام.
سميحة: في بيتي؟ (لحظة ثم تتابع) أنت ابنة خالتي الصغيرة، أنا هنا مسؤولة عنك بحكم السن. (مرتبكة) أقصد … طيشك سيقودك إلى الدمار، ييدان متشابكتان في بيتي؟
سناء: لست صغيرة، أنا في الثالثة والعشرين.
سميحة: حتى لو بلغت الأربعين…
سناء: (متهكمة) عندما أبلغ الأربعين سيشيخ قلبي.
سميحة: (منفعلة) أنا لم أبلغ الأربعين بعد. (مستدركة) القلب لا يشيخ.
سناء: لكني أحبه يا سميحة، وهو يحبني، وكنت آمل أن أستعين بك لأفاتح أهلي بالموضوع.
سميحة: (باستنكار) ماذا؟
سناء: نعم.
سميحة: هراء، هو يخدعك وأنت… أنت (بهدوء مفتعل) سبقتك في المجيء إلى هنا على كل حال.
سناء: وماذا إذن؟
سميحة: معرفتي به سبقت معرفتك أنت (باستنكار) خمسة أيام فعلت بك كل هذا؟
سناء: سيتقدم لخطبتي.
سميحة: (بلؤم) يخدعك.
سناء: لا.
سميحة: (بمكر) كانت برفقته فتاة، رحلت قبل مجيئك بيوم واحد.
(سناء تنظر إليها باستنكار)
سميحة: كانا يسيران ويداهما متشابكتان..نفس المشهد.. (تصرخ) في بيتي؟
سناء: ربما تكون أخته.
سميحة: زوجته على الأغلب.
سناء: إنه عازب.
سميحة: آن لك أن تعرفي الحقيقة كاملة.
سناء: أية حقيقة؟
سميحة: عديني أن تحكمي عقلك.
سناء: (بفتور) تكلمي.
سميحة: عندما ذهبتِ لإعداد الشاي قبل يومين وتركتنا جالسين معا…
سناء: نعم، ماذا حدث؟ (بسخرية مبطنة) هل غازلك؟
سميحة: (منفعلة) قال: قريبتك هذه وكان يعنيك طبعا، تستلطفني ولكني يا سيدتي في غاية الحرج لأن أعلمك أن توضحي لها أنني لا أفكر فيها مطلقا.
سناء: (بفتور) هو قال هذا؟
سميحة: وكأنك لا تصدقين؟
سناء: نعم، لا أصدق.
سميحة: ليس علي إلا النصيحة.
(سناء صامتة)
سميحة: أجبته: أيها السيد كان عليك أن تتصرف كرجل، كان من الأجدى ألا تأتي إلى هنا إذا كنت معرضا عنها.
سناء: وماذا قال؟
سميحة: قال: منعي من الحضور يكاد يكون مستحيلا (تنظر اليها نظرات نافذة، سناء صامتة، سميحة تسترسل) قال: أنا معجب بك أنت يا سيدتي وإذ أحضر إلى هنا فمن أجلك أفعل هذا.
سناء: (تبتسم بسخرية) وماذا بعد؟
سميحة: دخلت أنت وتغير مجرى الحديث.
سناء: عندما أتيت لمحتك تبتسمين، ثم فجأة تغيرتِ وجلستِ متبرمة.
سميحة: جلست قربه بطيش فما كان مني إلا الصمت، شعرت بالأسى نحوك.
سناء: أنا أثق به يا سميحة.
سميحة: كانت برفقته امرأة.
(سناء تلتفت إليها بصمت)
سميحة: نعم، هذه هي الحقيقة. (لحظة) اُنْبُذيه وكفى.
(يُطرق الباب، سميحة تسرع وتفتح الباب بنشاط، يدخل غسان، سناء مطرقة، واجمة سميحة تقلب نظراتها بينهما باهتمام، غسان ينظر إلى سناء التي لا تلتفت إليه، يبدو مستغربا، سميحة تبتسم).
***
المشهد الثاني:
(نفس المكان. النافذة مغلقة، سميحة وسناء تجلسان،سميحة تنظر نفسها في المرآة، تبدو راضية، سناء متوترة).
سميحة: (ببراءة مصطنعة) أنت تتهربين، لا ترغبين في محادثتي.
ستاء: هذا يخيل لك فقط.
سميحة: بل هي الحقيقة.
سناء: مكياجك جميل، ماكس فاكتور على ما أذكر.
سميحة: لا تهربي من مواجهة الأمر.
سناء: انتهينا من ذلك الحديث.
سميحة: وكأنك لا تصدقين.
(سناء صامتة)
سميحة: ثقتك به عمياء.
سناء: الجو لطيف في الخارج.
سميحة: ثقة وليدة خمسة أيام تكون حتما زائفة.
سناء: لندع هذا الحديث.
سميحة: قولي أنك حسمت الأمر معه، وطردتيه من حياتك.
سناء: لندع أمره جانبا.
سميحة: بل علينا أن نخوض في أمره (سناء تنهض بتوتر، سميحة تمسك يدها) اِجلسي، لا تهربي من مواجهتي.
(سناء تجلس على مضض)
سميحة: عليك أن تطرديه من حياتك.
سناء: (بتحد) لن أفعل.
سميحة: عندما حضر أمس توقعتُ أن تطرديه، لكنك طلبت منه أن يرافقك ، وخرجتما معا (منفعلة) ضاربة عرض الأفق بكل ما عرفتيه عنه.
سناء: رافقته لأعرف الحقيقة منه.
سميحة: (محتدة) تتهمينني بالكذب؟
سناء: لا أقصد.
سميحة: خرجتِ معه بلا كرامة.
سناء: كلامك لا يطاق. (تنهض وتغادر للداخل، سميحة تصرخ في إثرها)
سميحة: هو لا يحبك، هل تفهمين؟ لماذا انسحبت؟ تعالي وواجهيني. (تصرخ) يدان متشابكتان في بيتي؟ لا. (تضع يديها على رأسها) أشعر بصداع يحطم رأسي، إنها تسيء لي بقسوة (لحظة ثم بتردد) لكن.. لماذا أفرق بينهما؟ يبدوان سعيدين (بسخط) لا. لن أسمح بذلك، خمسة أيام؟ إنها عاطفة زائفة، وهم .(حالمة) حيّاني برقة ووداعة (بأسف) لم أبادله تحيته، لو كنت فعلت لتغير الموقف، (بحزن) لماذا أفكر بهذه الطريقة. هو شاب في مقتبل العمر وأنا. (مرتبكة) لا..لا، هذا لا يعني شيئا، هو لا يحبها، ولكنه الطيش، سوف أفرق بينهما، سأفعل هذا بكل تأكيد.. آه أشعر بصداع مخيف، أريد قرصا مهدئا.
(تغادر للداخل بخطى متعثرة، سريعة، لحظات ثم تظهر سناء، تحمل حقيبة ملابسها، تضعها جانبا، تجلس مضطربة، ثم تغادر للداخل وتعود وبيدها كتاب)
سناء: روميو وجولييت، كدت أنساه (تضع الكتاب في الحقيبة. تجلس، لحظات ثم تقف وتحمل الحقيبة، تتوجه نحو الباب الخارجي، تضع الحقيبة على الأرض بتردد وتلتفت للباب الداخلي، تغادر للداخل ثم تعود سريعا) إنها نائمة… نائمة.
(يُقرع الباب، سناء تفتح، يدخل غسان الذي يلمح الحقيبة)
غسان: ما هذا؟
سناء: كما ترى.
(غسان يتلفت حوله)
سناء: إنها نائمة بالداخل.
غسان: (يشير إلى الحقيبة) لماذا؟
سناء: لم أعد أطق صبرا.
غسان: لست من يفرق بين أختين.
سناء: ليست أختي.
غسان: سيان … لن أفرق بينكما.
سناء: لا أرغب أن أغادر ونحن متخاصمتين، لكن ما باليد حيلة.
غسان: غدا تنتهي إجازتك، يوم واحد لا تستطيعين الانتظار؟ انتظري للغد وسترحلين بهدوء، هيا أعيدي حقيبتك مكانها.
سناء: أقرباؤنا يصفونها بالمعقدة.
غسان: وهي كذلك، عليك بالمداراة، هي كهلة، دميمة بالمقارنة معك، وهي تدرك هذا جيدا ولكنها ترفضه وهذا ينعكس على تصرفاتها.
سناء: كان علي أن أخبرها أننا حضرنا هنا متفقين…
غسان: لن يغير هذا شيئا، إنها مريضة (لحظة) سأذهب الآن، من الأفضل أن أغادر، وسأعود لألطف الجو بينكما.
(تظهر سميحة بالباب، ترتجف بشدة، دموعها تذرف بصمت، تنظر إليهما بسخط، لا يلمحانها)
غسان: (يربت على كتف سناء ويشير إلى الحقيبة) لا أريد رؤيتها هنا عندما أعود.
(سميحة تقترب منهما وهي لا تزال ترتجف، غسان يراها، ينظر إليها بدهشة، سناء تنظر بدهشة كذلك ثم تقترب من غسان بعفوية وتقف إلى جانبه، سميحة تقترب من سناء، غسان يبتعد قليلا عنهما).
سميحة: (بانفعال شديد) لقد سمعت كل شيء…
سناء: (مرتبكة) أنا … أنا …
سميحة: (تصرخ) لم فعلت ذلك؟
سناء: اهدئي أرجوك.
سميحة: خدعتيني، خدعتماني معا.
سناء: مهلا ، سأخبرك كل شيء.
سميحة: أنت تكرهينني، وهو يكرهني كذلك، أنا المعقدة ، الدميمة ، سأنتقم (تنظر إليها بسخط، سناء تتراجع للخلف)
سناء: (بذعر) لا تنظري إلي هكذا.
سميحة: (تصرخ) لم فعلت ذلك؟.. أنت شيطانة… شيطانة. (تقترب منها بعنف ثم تطبق يديها حول عنق سناء وتضغط، غسان يبدو مذهولا، ثم يسرع فجأة ويخلص سناء من بين يديها، سناء ترتمي على الأريكة متهالكة بإعياء، غسان يمسك سميحة ويضمها بشدة ، سميحة تتخلص منه بعد أن تدفعه بعنف وتتوجه إلى أحد المقاعد، تمسك المقعد بيدين مرتجفتين مولية ظهرها لهما، سناء تتحسس عنقها بذعر)
غسان: (لسناء) هل أنت بخير؟
(سناء تبكي بصمت، غسان ينقل نظراته بينهما حائرا ثم يتوجه إلى الحقيبة، يحملها ويقترب من سناء ويمسك بذراعها، ينهضها برفق، يتبادلان نظرات متفهمة ثم ينظران إلى سميحة بحيرة وشفقة ويغادران، سميحة تسمع اصطفاق الباب، تلتفت إثرهما بسخط، تجول بنظراتها في أرجاء الغرفة ثم بحركة هستيرية تتناول المزهرية وتقذف بها إلى النافذة بعنف، ينكسر الزجاج، ثم ترتمي على الأرض متهالكة، يتدفق الهواء من النافذة المكسورة مُحدثا صوتا. تعتيم ، يَسمع صوت زمهرير رياح، ونباح كلاب).
***
*للتواصل مع الكاتبة:
عبر الإيميل\\ maysoonhanna897@gmail.com