المسرح المدرسي ورهان التنمية الثقافية عند الناشئة/ سفيان الركيك

في سياق الاحتفاء باليوم الوطني للمسرح الذي يصادف 14 ماي من كل سنة، نستحضر المسرح المدرسي بوصفه لبنة أولا في ترسيخ الثقافة المسرحية عند الناشئة، ومنطلقا للانتقال من مسرح الطفل مرورا بالمسرح المدرسي وصولا إلى مسرح الهواة ومن ثم إلى الاحتراف، على اعتبار الوظائف التي يؤديها المسرح عموما والمسرح المدرسي خصوصا في التربية الفنية والجمالية عند المتعلمين، وكذا التربية على القيم العليا والأخلاق السامية، وتجاوز السلوكات السلبية من قبيل الفردانية الزائدة عن اللزوم، فالأكيد أن المسرح هو فضاء ليست فيه مساحة للأنانية والنرجيسية الفذة بوصفه عمل متناسق ومتناغم يؤمن بروح الجماعة، وبالتالي يساهم بشكل أو بآخر في تبني سلوكات إيجابية تجاه الفرد والمجتمع، بوصفه دعامة أساسية في تكوين شخصية المتعلم في علاقته بالمهارات الحياتية.

المسرح المدرسي مدخل للتربية على القيم

العملية التربوية تقتضي استحضار مجموعة من المداخل التي تتضافر وتتواشج لإنتاج جيل يتسم بالقيم العليا والصفات المثلى، ولعل أبرزها المسرح المدرسي بمكوناته الإبداعية وقدرته الإبلاغية التواصلية، بحيث يستهدف فئة غير متجانسة من المتعلمين، فإذا كان الطبيب يعالج الأفراد فإن المسرح يخاطب الجماعة ليؤثر فيها ويساهم في تشبعها بالقيم الإيجابية على حد التعبير السائد ــ أعطني مسرحا وخبزا.. أعطيك شعبا عظيماــ ، لذلك صار لزاما علينا باعتبارنا فاعلين تربويين وأمام هذا الاسفاف الذي صرنا نلحظه في بنية المجتمع، تفعيل المسرح وإدراجه ضمن المكونات الأساسية في العملية التعليمية التعلمية، لما له من قدرة على إعادة تحديث الغريزة التواصلية الاتصالية بين الأفراد وكذا خلق جو من المتعة الجاذبة التي تنفس على المتعلمين نتيجة الضغوطات الحياتية، بالإضافة إلى خلق جو من الإبداع والابتكار في شكل فني جمالي يستثمر مجموعة من التقنيات الاستيتيكية من شعر وحكاية وتشكيل و وموسيقى حالمة وتعبير جسدي راق..، انطلاقا  من معالجة ثيمات هادفة لتمثلها في الحياة المصغرة داخل المؤسسات التعليمية، وتبنيها في الواقع المعيش اليومي، ليكون متعلم اليوم فاعلا في محيطه وليس مفعولا به فارغ من المضمون التفاعلي مع متطلبات وإكراهات الحياة.

سيرورة الثقافة المسرحية

إن أغلب الفنانين المغاربة مروا من قنطرة المسرح المدرسي، باعتباره أحد الارهاصات الأولى لنسج معالم الفنان المتمكن من أدوات اشتغاله بدرجة عالية من الاحترافية، فالأكيد أن المسرح عامة والمدرسي منه خاصة لازال صامدا صمود المسرح لأزيد من ثلاثة آلاف سنة، ــ ونحن محكومون بالأمل على حد تعبير المسرحي المغربي عبد المجيد شكيرــ، في إعادة تحديث الثقافة المسرحية ليصبح المسرح ثقافة استهلاكية يومية، ويصبح المشاهد للعروض المسرحية على دراية بأساسيات المسرح من النص إلى العرض، لكن كل ذلك يمكن له التحقق انطلاقا من المحطات الدراسية الأولى للطفل داخل فضاء المؤسسة، عبر إدراج المسرح ضمن البرنامج الدراسي باعتباره مكون أساسي في العملية التربوية وليس معطى ثانوي وكمالي، لذلك فالحاجة ملحة اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى الاهتمام أكثر بالمسرح المدرسي، لضمان استمرارية ثقافة الفن والذوق السليم عند الناشئة.

 

** سفيان الركيك: إطار تربوي وباحث مسرحي(المغرب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت