نص مسرحي: ” احتقان” / تأليف: عمار نعمة جابر

( احدهم يجلس وحيدا على طاولة في مطعم ، وحوله جميع الطاولات فارغة )

( يدخل النادل )

النادل : اهلا وسهلا بك سيدي .

الزبون: اشكرك جدا .

النادل: هل حددت ما تشتهي ان تأكل؟

الزبون: هات لي قدحا من الماء .

النادل: حسنا سيدي . ( يخرج النادل )

الزبون: (يخرج من جيبه جهاز الموبايل، يحاول ان يتصل) نعم، أنا أجلس في المطعم، حسنا (يغلق الموبايل)

النادل: ( يدخل ) سيدي هل حددت ما تشتهي؟

الزبون: ولكني طلبت منك قدح ماء كي اشرب !

النادل: أنت طلبت مني قدح ماء !

الزبون: نعم ، لقد طلبت منك قدح ماء .

النادل: لا ادري .

الزبون: لا تدري ماذا ، اذهب وهات لي قدحا من الماء بسرعة .

النادل: حسنا، سيدي، حالا ( يخرج النادل )

الزبون: (يتصل بالموبايل ) نعم، أنا اجلس في المطعم ، حسنا ( يغلق الموبايل )

النادل: (يدخل مسرعا) اهلا وسهلا بك سيدي .

الزبون : ماذا دهاك ايها الشاب !

النادل: لا افهم ما تقصد يا سيدي .

الزبون : لقد طلبت منك لمرتين قدحا من ماء .

النادل: (مستغربا ) أنت طلبت مني مرتين قدح ماء !

الزبون : نعم أنا طلبت منك مرتين متتاليتين قدح ماء .

النادل: ( يضحك ) لابد أنك تمزح.

الزبون: (يصرخ ) ولماذا قد امزح معك ، هل اعرفك ؟

النادل: نعم، ربما، انت كل يوم تأتي لتأكل في هذا المطعم .

الزبون : واذا قلت لك أنني أزور هذه المدينة للمرة الاولى في حياتي .

النادل: هل هذا صحيح ! سيدي ارجوك .

الزبون: قلت لك اذهب وهات لي قدح ماء حالا ، لقد ازعجتني جدا .

النادل: حسنا ، كما تشاء سيدي ( يخرج )

الزبون: ( يتصل بالموبايل ) نعم ، أنا أجلس في المطعم ، حسنا ( يغلق الموبايل )

(يدخل النادل وبيده قطعة قماش ، يبدأ بتنظيف طاولة الزبون ، وهو صامتا )

الزبون : ( ينظر الى النادل باستغراب ) أين قدح الماء أيها الشاب ؟

النادل: نعم سيدي ، ماذا تقول ؟

الزبون: لقد طلبت منك الماء لثلاث مرات .

النادل: ولكني لا ادري متى طلبت الماء !

الزبون: كيف لا تدري ، ماذا تقصد ؟

النادل: سيدي ، انت جلست لتوك ، وانا اتيت الان كي انظف الطاولة فقط .

الزبون: هل تريد أن أصاب بالجنون ايها الشاب .

النادل: ابدا سيدي، أنا أقول لك الحقيقة .

الزبون: اية حقيقة ، لقد طلبت منك الماء ثلاث مرات ، وفي كل مرة ترجع لي بدون الماء .

النادل: حسنا ، دقيقة واحدة ، وسأحضر لك قدح ماء ، اعذرني .

الزبون: لا تأتي هنا بدون قدح الماء .

النادل: لا تقلق، ستحصل على قدح الماء الخاص بك. اكرر اعتذاري ( يخرج)

الزبون: ( يتصل بالموبايل ) نعم ، أنا أجلس في المطعم ، حسنا ( يغلق الموبايل )

النادل: (يدخل مسرعا، يذهب لطاولة الزبون، يرتب الكراسي فيها) لقد اشرق المطعم بحضورك سيدي .

الزبون: (غاضبا) هل انت مجنون يا فتى؟

النادل: خيرا سيدي، اتمنى ان يكون كل شيء على ما يرام .

الزبون: هل تعاني من خطب ما ؟

النادل: لماذا تقول ذلك ؟

الزبون: ممثل باهر ، انت ممثل باهر .

النادل: لا افهم ما تعني، اخبرني ارجوك .

الزبون: انت اخبرني، ماذا يحدث ؟

النادل: لا يحدث شيء، انت دخلت قبل دقيقة واحدة من باب المطعم، جلست الآن على هذه الطاولة المتميزة، فدخلت انا النادل عليك مباشرة، بعد ان جلست . هذا كل شيء .

الزبون: هل أنت متأكد من ذلك ؟

النادل: متأكد جدا.

الزبون: حسنا، بدون دخول في التفاصيل، اذهب حالا، واجلب لي قدح ماء، هل هذا صعب؟ هل هو مستحيل؟ هل ذلك يعتبر حدث جسيم؟ أم انه مجرد قدح، قدح ماء بسيط وسهل وبلا تعقيدات .

النادل: ابدا سيدي، ليس هناك اسهل من جلب قدح ماء، ولكنني لم افهم، لماذا كل هذه المقدمة الطويلة جدا .

الزبون: لن اتحدث عن التفاصيل ، سأبقى صامتا هذه المرة ، فقط اذهب وهات قدح الماء .

النادل: ولكن انا اشعر انك غير مرتاح ، منزعج ، هل حدث ما يعكر مزاجك في هذا المطعم .

الزبون : ( يضغط على نفسه ، ويحاول ان يبتسم ابدا ، انا بخير .

النادل: طيب، وهل اخترت ما ستأكل .

الزبون: يا صبر ايوب، لا، لم أحدد، ليس بعد، اريد الان قدح ماء فقط .

النادل: على راحتك تماما سيدي، فقط استرخي، لا تتعصب، الامور تسير بيسر وروية، انه قدح ماء فقط، قدح ماء بسيط، اذهب انا من ذاك الباب، ثم أدخل الى المطبخ، وبعدها اتوجه الى الثلاجة مباشرة، كي اسكب من القنينة، ماءا، في القدح، الذي كان يجب أن أكون، قد مررت بطاولة الاواني، لكي اختار قدحا مميزا، وأكون بالبديهة أيضا، مررت على المغسلة لأغسله جيدا. ثم بعد ذلك ادخل من هذا الباب، ومعي قدح الماء، الذي ترغب به، لتحدد بعدها، نوع الطعام الذي تشتهي ان تتناوله، في مطعمنا.

الزبون: (ينظر الى النادل) هذا بالضبط ما يجب أن يحدث . هيا اذهب الآن .

النادل: حسنا يا سيدي (يخرج النادل)

الزبون: (يتصل بالموبايل) نعم .. انا اجلس في المطعم .. حسنا ( يغلق الموبايل )

(يدخل النادل ويذهب ليرتب بعض الطاولات ، الزبون يتابعه بنظراته)

الزبون: (ينادي النادل) أيها النادل ، أيها النادل .

النادل: (وهو ينظف) عفوا سيدي، انا مسؤول عن التنظيف فقط، سيأتيك النادل المسؤول عن الطلبات، شكرا لصبرك سيدي الزبون .

الزبون: ( ينادي ) انا اسف ايها النادل، أنا فقط اردت التحدث معك .

النادل: اسف سيدي ، هذا وقت عمل ، لا يحق لي أن اتحدث مع احد .

الزبون: هو سؤال واحد فقط ، وتستطيع ان تجيبني ، وانت مستغرق في عملك .

النادل: اذا كان الامر كذلك ، حسنا ، تفضل بالسؤال سيدي الزبون .

الزبون: هل رأيتني من قبل هنا ، في هذا المطعم .

النادل: عذرا سيدي ، وما مناسبة مثل هذا السؤال ؟

الزبون: يحدث كثيرا أن يسألنا البعض بلا مناسبات ، قد يحدث ذلك كثيرا في هذا العالم  .

النادل: (يقترب من الزبون ، ليحدق به ) حسنا سيدي ، انا غير متأكد تماما .

الزبون: لم افهم الاجابة تماما ، هل يمكنك ان توضح لي الامر ؟

النادل: انا انظف هذه الطاولات، عشرات المرات في اليوم، وأشاهد كيف يجلس عليها، زبائن كثيرون جدا، ولا يمكنني ان أحفظ، كل وجوه الزبائن، انا صاحب ذاكرة ضعيفة، زوجتي واولادي لم يتركوا عقلي في مكانه .

الزبون: عفوا لم اقصد ذلك ، انا اقصد اليوم . هل رأيتني اليوم ؟

النادل: اليوم !

الزبون: نعم، اليوم، هل شاهدتني اليوم هنا ؟

النادل: نعم .

الزبون: نعم ؟ انت تقول انك رأيتني !

النادل: نعم ، رأيتك ، فأنا أنظر اليك الان .

الزبون: (يحتار في الرد) ماذا يمكن أن أقول لك، حسنا، هيا اذهب، اذهب من هنا، ونادي لي نادل الطلبات بسرعة .

النادل: نادل الطلبات ! أي نادل تقصد سيدي الزبون ؟

الزبون: أنت قلت انك نادل التنظيف ، وأن هناك نادل آخر للطلبات ، شخص آخر .

النادل: أنا قلت ذلك !

الزبون : نعم ، أنت قلت ذلك ، قبل قليل .

النادل: المعذرة يا سيدي ، ولكن ليس هناك نادل في المطعم سواي ، انا النادل الوحيد هنا .

الزبون: أنت النادل الوحيد !

النادل: سيدي، هل حددت ما تشتهي أن تأكل في مطعمنا ؟

الزبون: ليس بعد ، فقط اذهب واجلب لي قدح ماء .

النادل: حسنا سيدي، سأنهي تنظيف هذه الطاولة واذهب .

الزبون : حسنا ، ارجوك ، لا تتأخر .

النادل: ولكن الجو هنا بارد ، لماذا قدح الماء ، لماذا لا تطلب شيئا ساخنا ؟

الزبون: حسنا، أنا أعرف أن الجو بارد، ولكن انا عطشان، انا بحاجة لقدح ماء، لا شيء آخر، هل هذا مناسب لك ؟

النادل: مناسب، مناسب لي جدا، حسنا سيدي، سأذهب فورا، لأجلب لك قدح ماء، ارجوك لا تنزعج ابدا، المطعم يرحب بحضرتك، وبكل طلباتك.

الزبون: انا لست منزعج ، سأنتظر قدح الماء بفارغ الصبر .

النادل: من دواعي سروري ( يخرج )

الزبون: (يخرج الموبايل ) نعم ، أنا في المطعم ، حسنا ( يغلق الموبايل )

(يدخل النادل وبيده مجموعة ملاعق وسكاكين، وعلى كتفه ثلاث فوط، يتحرك مباشرة باتجاه الزبون، يفرش احد الفوط على الطاولة، ثم يقوم بسرعة وبخفة يد بترتيب الملاعق والسكاكين عليها، بعدها يأخذ الفوطة الثانية ليفرشها على افخاذ الزبون، ثم يأخذ الفوطة الثالثة ويعلقها برقبة الزبون، ثم يخرج من جيبه مجموعة من المناشف ليضعها على الطاولة، ثم يتحرك ليخرج .. يناديه الزبون) 

الزبون: ( ينادي ) أيها النادل ..

النادل: ( يتوقف ، ثم يلتفت للزبون ) نعم سيدي .

الزبون: لو سمحت ، هل لي بقدح ماء ؟

النادل: من دواعي سروري ( يخرج )

الزبون: ( يتصل بالموبايل ) نعم .. انا اجلس في المطعم .. حسنا ( يغلق الموبايل )

(يدخل النادل وبيده مجموعة كبيرة من الاقداح الفارغة، ويذهب ليوزع تلك الاقداح على الطاولات، والزبون يتابعه بعينه، وفي نهاية المطاف، النادل يضع آخر قدحين على طاولة الزبون)

النادل: أهلا وسهلا بك سيدي.

الزبون : شكرا جزيلا . هل تسمح لي بسؤال ؟

النادل: بكل تأكيد سيدي .

الزبون: هنا في مطعمكم .. ( يقاطعه النادل )

النادل: نعم سيدي ..

الزبون: لا تقاطعني عندما اتحدث ، هل فهمت ؟

النادل: نعم سيدي ..

الزبون: ( يصرخ ) أقول لك لا تقاطعني حين اتحدث معك ، هل هذا واضح ؟

النادل: نعم هذا واضح تماما سيدي.

الزبون: ( ينفجر صارخا ) أقول لك لا تقاطعني عندما أتحدث .

النادل: ولكنك انت الذي تسألني، هل فهمت، هل هذا واضح، ومن غير اللائق ان اترك سؤالك بدون إجابة، هذه تعتبر قلة ذوق، شيء غير مبرر بالمرة، لا يمكن ذلك .

الزبون: ( يصرخ ) اغلق فمك أيها النادل .

النادل: ولماذا تصرخ هكذا ! تفضل سيادتك اسأل ما شئت .

الزبون: هنا في ماخوركم ..

النادل: (يقاطعه)  ماخورنا !

الزبون: نعم ماخور ، واذا لم يعجبك ، سأقوم الآن فورا ، لأوسعك ضربا ، هل هذا واضح ؟

النادل: حسنا كما تشاء ، ماخورنا ، ما به ماخورنا ؟

الزبون: في ماخوركم هذا ، اذا كان أحدهم عطشان ، ماذا يفعل ؟

النادل: في ماخورنا هذا ؟

الزبون: نعم ، في ماخوركم .

النادل: في ماخورنا ، يشرب قدحا من الماء .

الزبون: ومن أين يأتي بقدح الماء ليشرب ؟

النادل: من ثلاجة ماخورنا سيدي.

الزبون: ومن يأتي له بالماء من ثلاجة ماخوركم ؟

النادل: النادل في الماخور ، بكل تأكيد.

الزبون: ( يصرخ) إذن اذهب أيها النادل ، واجلب لي قدحا من الماء ، لقد قتلني العطش .

النادل: ولماذا تصرخ هكذا في الماخور، قد تزعج المواخير المجاورة لماخورنا؟

الزبون: ( يواصل الصراخ بصوت عال ) اذهب واجلب لي قدح ماء حالا.

النادل: حسنا، حسنا كما تشاء، سأجلب لك قدح الماء، ولكن ليس قبل ان تجيبني على سؤال، واحد، يتيم، وتر .

الزبون: هات واحدك ، يتيمك ، وترك .

النادل: ما هو الماخور سيدي؟

الزبون: انت لا تعرف الماخور ؟

النادل: ولم اسمع به مطلقا ، هذه اول مرة في حياتي اسمع فيها كلمة ماخور .

الزبون: في أوج شبابك ، وحيويتك ، ولا تعرف الماخور أيها المسكين ؟

النادل: هل يجب على كل الشباب معرفة الماخور ؟

الزبون: بل يجب عليهم زيارته بشكل منتظم ، بين الحين والأخر .

النادل: هل هو شيء يشبه عيادة طبيب الاسنان، أو ملعب كرة قدم، او مقهى بمواصفات خاصة؟

الزبون: بل هو مكان، ينعش القلب، وينطلق بالروح بعيدا، ويسعد العين، وينشط الدورة الدموية الكبرى، وكذلك الصغرى . ويقوم بتنشيط الادمغة البليدة .

النادل: فعلا لقد شوقتني كثيرا لزيارة الماخور ، ولكنك لم تخبرني الى الان ما هو هذا الماخور ؟

الزبون: انه المبغى أيها النادل .

النادل: ( يصمت للحظة ) سيدي .

الزبون: نعم ، ماذا تريد ؟

النادل: أنا لم أفهم الماخور ، وتريد مني أن أفهم المغبى ؟

الزبون: إنه ليس مغبى أيها الغبي، انه المبغى، من البغي، والبغي هو تجاوز الحدود، وكلنا نحتاج الى ذلك الوقت الشاذ، والذي نتجاوز فيه كل الحدود، بكل ابعادها، الاجتماعية والاقتصادية وحتى الدينية. هل فهمتني أيها النادل؟

النادل: ( بغباء ) ها ؟

الزبون : مبغى ، مبغى الم تسمع يوما بالمبغى ؟

النادل: (بجدية مبالغ فيها) ولماذا يا سيدي، لا يكون المبغى مشتق من الفعل ابتغى أي طلب، ابتغِ، ابتِغاءً، فهو مُبتغٍ، والمفعول مُبتغًى، ابتغى الأجرَ وغيرَه أراده وطلبه. كان لا يبتغي في عمله سوى خير المجتمع. تصدَّق ابتغاء مرضاة الله ” يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ” .

الزبون: ( بغباء ) ها ؟

النادل: ولكن يا سيدي الزبون ، أقسم لك ، رغم كل هذه الغاءات الكثيرة ، ولكنني لم أعرف ماذا تقصد بالمبغى .

الزبون: أنتم ببغاوات ترددون ما تسمعون، وتحفظون للنجاح فقط. الماخور يعني المبغى، والمبغى هو بيت الدعارة؟

النادل: بيت الدعارة !

الزبون: نعم بيت الدعارة ، لا تقل لي انك لا تعرف بيت الدعارة ؟

النادل: نعم أعرفه ، البيت الذي ينام تحت سقفه ، نساء قليلات الادب .

الزبون: أعجبني وصفك لنساء بيت الدعارة ، وصف فيه أدب كثير ، وواسع .

النادل: ولكن يا سيدي الزبون ، ما كان يجب أن تنعت مطعمنا المحترم ببيت الدعارة .

الزبون: لقد نعته بالماخور فقط .

النادل: هذا مطعم محترم ولا يترك زبائنه دون قدح ماء ابدا .

الزبون: اذن هلا حركت نفسك سريعا ، وجلبت لي قدحا من الماء ، لقد تشققت شفتاي من العطش.

النادل: كما تحب سيدي ، ولكني سأجلب معي القائمة الخاصة بالطلبات .

الزبون: حسنا، اتفقنا .

النادل: اتفقنا! اتفقنا على ماذا ؟

الزبون: ارجوك لقد قتلني العطش.

النادل: حسنا، كنت امزح فقط ( يخرج )

الزبون: (يتصل بالموبايل) نعم .. انا اجلس في المطعم .. حسنا ( يغلق الموبايل )

النادل: (يدخل وبيده فاتورة، يذهب مباشرة باتجاه الزبون) انا اريد ان اعرف الان، ما لذي يدفع شخص محترم مثلك، الى تصرف مثل هذا .

الزبون: اي تصرف تقصد، انا لا افهم ما تقصد بذلك!

النادل: كيف يمكن لهذا المجتمع ان يعيش بشكل طبيعي، اذا كان انت وامثالك، يقتلون فيه روح الحضارة والتقدم، روح الانسانية والرقي، روح التسامح والسلام .

الزبون: ماذا حدث لك ايها النادل، ما لذي تتحدث عنه!

النادل: في كل مرة نحلم بغد افضل، بعالم اكثر عفوية، واكثر انسجام، ولكننا، ولشديد الاسف نصطدم في كل مرة، بكائن طفيلي، انتهازي، وصولي، يشوه هكذا حلم.

الزبون: عجيب هل انا فعلت كل ذلك، لا اصدق نفسي.

النادل: وهل ترى ان ما يفعله امثالك قليل، انتم تنهشون في جسد العالم، تمزقون كيانه، تخربون بناءه، وتجلسون عليه.

الزبون: كيف نجلس عليه، هل يمكن ان تحدد الوضع، الذي نجلس به عليه .

النادل: لدي احساس رهيب بانك تستهزئ بي ، انت تستهزئ بي ، تسخر من كلامي ؟

الزبون: نعم، تماما مثلما تفضلت، انا أستهزئ بك، واسخر منك، واذا كان عندك اي اعتراض، اذهب واضرب رأسك بأقرب جدار، هل هذا واضح، هل عندك اعتراض ؟

النادل: لا، ولكن ليس هناك جدار مناسب لكي اضرب رأسي به.

الزبون: حسنا، حسبت انك تعترض على كلامي .

النادل: انت لا تفهمني، انا اعترض على اعتراضك على الفاتورة. هذا كل ما في الامر .

الزبون: وما نوع الاعتراض الذي تعترض عليه انت. هل يحق لي ان اسمع الاجابة مباشرة، وبدون لف او دوران.

النادل: انت تعتقد ان خدمات المطعم، ليست بالمستوى المطلوب، لذا تقترح ان يتم الغاء البقشيش الذي يعطى للنادل، مع فاتورة الحساب .

الزبون: اذن انت تعترض، على اعتراضي، على بقشيش النادل ؟

النادل: نعم بكل تأكيد، هذا اجحاف بحق النادل المسكين، والذي تساعده هذه الدنانير المعدودة في اسكات زوجته، او تغطية مصاريف ابنه في المدرسة .

الزبون: انت تطلب من الزبائن ان تنصفك بالبقشيش، ولا تريد انت ان تنصف الزبائن بقدح ماء يسد رمقهم .

النادل: مستحيل، هذا شيء غير دقيق، اطلاقا .

الزبون: ما هو المستحيل ، البقشيش ام قدح الماء ؟

النادل: كلاهما مستحيل، نحن مطعم يقدم خدماته بأبهى صورة، كيف يحدث ان نتأخر عن تقديم قدح ماء، من ذلك، الصقيع، المهمل، المتهاون، الذي فعل ذلك !

الزبون: انت .. انت فعلت ذلك معي، أنت الصقيع، المهمل، المتهاون .

النادل: وبسبب قدح ماء تافه، انت قدمت توصية لإدارة المطعم، للاعتراض على البقشيش !

الزبون: انا لم اقدم اي ورقة عن البقشيش.

النادل : انت من فعل ذلك، أنا متأكد من ذلك .

الزبون: اقول لك لست انا .

النادل: ليس هناك احد سواك، يجلس في هذا المطعم.

الزبون: ولكنني لم أفعل .

النادل: وانا ايضا لم افعل .

الزبون: انت لم تفعل ! لم تفعل ماذا ؟

النادل: أنت تقول أنك طلبت مني قدح ماء، وانا لم احضر لك قدح الماء .

الزبون: لم تفعلها، ولا مرة واحدة !

النادل: ولا نصف مرة.

الزبون: ولكنك النادل الوحيد في هذا المطعم !

النادل: حسنا، سأثبت لك حالا، انني عكس تصورك تماما .

الزبون: كيف تثبت ذلك؟

النادل: سأذهب حالا، واجلب لك قدح ماء، كما طلبت .

الزبون: وانا اتحداك، أنت غير قادر ابدا على أن تفعل ذلك .

النادل: وانا اتحداك انني سأفعل ذلك الان .

الزبون: ابدا مستحيل، انت غير قادر على فعل ذلك مطلقا .

النادل: انت لا تعرفني، عندما اقرر قرار، لن تقف بوجهي، لا السماوات ولا الارض .

الزبون: ابدا ، ابدا لن تقنعني بذلك .

النادل: سأثبت لك ذلك الان فورا ..

الزبون: لن تقدر على ذلك .

النادل: سترى، انا ذاهب الان (يخرج)

 الزبون: (يتصل بالموبايل) نعم .. انا في المطعم .. حسنا ( يغلق الموبايل.. ينتظر الزبون لوحده، فترة من الزمن، ينادي بصوت عال)أيها النادل، اين انت؟ (لحظة) أيها النادل، أين قدح الماء؟ (ينهض الزبون من مكانه، يحاول أن يبحث عن النادل) لماذا تأخرت أيها النادل؟ (ينادي بصوت عال ) أيها النادل .

النادل: (يدخل مسرعا) ما بك! لماذا تصرخ، ماذا حدث لك؟

الزبون: لا تقل لي أنك لم تراني قبل هذه المرة، ولا تقل أنني لم أطلب منك قدح ماء مطلقا .

النادل: من أنت ؟

الزبون: لا ، أرجوك ، لا تقل أنك نسيتني مرة أخرى .

النادل: لماذا تقول ذلك ؟ هل انا نسيتك قبل هذه المرة .

الزبون: ولكننا تحدينا بعضنا ، قبل قليل .

النادل: أنا وأنت !

الزبون: أريد أن أشرب ، أنا عطشان جدا ، لا استطيع ..

النادل: نحن بخدمتك سيدي ، ماء فقط ، سأجلب لك قدح ماء حالا .

الزبون: لن يحدث ذلك ابدا .

النادل : ولماذا قد لا يحدث ذلك سيدي ، أنت في مطعم محترم .

الزبون: لأنه لا يريد أن يحدث ، لا يحدث مرارا وتكرارا .

النادل: لا يمكن أن يكون قد حدث ذلك في مطعمنا .

الزبون: لكنه حدث .

النادل: هل أنت متأكد ؟

الزبون : نعم .. متأكد جدا .

النادل: شيء غريب فعلا ، أن يحدث هذا ، في مطعم محترم !

الزبون: وبسبب ذلك ، أنا ومنذ زمن طويل ، أنا عطشان ، عطشان جدا .

النادل: وكيف برأيك أن يحدث، وتشرب قدح الماء الخاص بك ؟

الزبون: لقد جن جنوني، أنا الآن أفكر في حل .

النادل: وهل وجدت حلا ؟

الزبون: أنا أحاول جاهدا .

النادل: انت عطشان ، ويجب أن تشرب .

الزبون: نعم ، انت على حق .

النادل: اذا لم تجد حلا ، ربما ستبقى عطشانا الى الابد .

الزبون: أنا أبحث ، ولكن !

النادل: ولكن ماذا ؟

الزبون: قد أحتاج الى أن أذهب بنفسي الى المطبخ، كي أشرب قدح الماء .

النادل: ولكن هذا غير مقبول مطلقا ، أنا النادل هنا ، كيف يمكن للزبون أن يدخل المطبخ !

الزبون: أنا أجري معك، في حلقة مفرغة، لا يريد أن يحدث لي ولك، أن تجلب قدح الماء، لذا من الأفضل أن أذهب أنا الى المطبخ، لأحصل على قدح الماء .

النادل: حسنا ، اذا كان ذلك يريحك ، فنحن في خدمة الزبائن ، فأنت في مطعم محترم جدا .

( يتحرك الزبون ببطء شديد باتجاه المطبخ ، يدخل المطبخ )

( يجلس النادل على أحدى الطاولات في المطعم ، لحظة ، ثم يبحث في جيوبه ، يخرج جهاز الموبايل من جيبه )

النادل: (يتصل بالموبايل) نعم .. انا في المطعم .. حسنا ( يغلق الموبايل )

الزبون: (يدخل مسرعا، ويتجه الى الطاولة التي يجلس عليها النادل) اهلا وسهلا بك سيدي .

النادل : اشكرك جدا .

الزبون: هل حددت ما تشتهي ان تأكل ؟

النادل: في البداية، هات لي قدحا من الماء.

ستـــــــــــــار

 

* عمار نعمة جابر / تركيا – سامسون

     7/3/2019

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت