تقاسيم على نغم النهاوند/ أ.د مجيد حميد الجبوري
قراءة أولية في نصوص (نزهة في الجحيم)
في البدء أقدم اعتذارا لفانتنا الكبيرة الدكتورة (عواطف نعيم) لأني استعرت عنوانا لأحدى نصوصها المسرحية الشهيرة وهو (تقاسيم غلى نغم النوى) لأفيد منه في صياغة عنوان لهذه القراءة؛ ولكن سيتضح فيما بعد؛ السبب الذي جعلني أفعل ذلك؛ فالحديث هنا عن سيدة بصرية تعدت الخمسين من العمر؛ وهي أم لستة أبناء؛ ولم تتجاوز في تعليمها الدراسة المتوسطة؛ لتخرج علينا بتأليف مجموعة من النصوص المسرحية أصدرتها دار الفتح للطباعة والنشر؛ وأول ما يلفت النظر في هذه القصة أن هذه الأم الخمسينية لم تعرف المسرح إلا من خلال مشاهدات قليلة وقراءة لنصوص أحدى مجاميع الكاتب المسرحي الفذ (علي عبد النبي الزيدي)، والأمر الملفت الثاني : إن هذه السيدة تعد أول سيدة بصرية تقتحم عالم الكتابة المسرحية في محافظة البصرة؛ فبحسب معلوماتنا لم نسمع عن كاتبة مسرحية بصرية قبلها، والأمر الملفت الثالث أنها قدمت في مجموعتها الأولى خمسة نصوص مسرحية تنم عن موهبة أصيلة تستحق التقدير والاهتمام؛ والأمر الملفت الرابع أن قراءة أولية لعنوانات نصوصها المسرحية تشير الى أنها عنوانات تغاير المألوف وتوحي بموضوعات تحمل جدة وابتكارا. وفي العموم يمكن القول أن هذه المجموعة من النصوص تعد نصوصا صالحة لأن تجد طريقها للعرض المسرحي وأن تجد لها مكانا في المكتبة المسرحية العراقية.
وبما هذه المقالة مهمتها التعريف بالكاتبة؛ لذا فأن كاتب المقالة سيبتعد عن النقد الموضوعي لهذه النصوص وما لحقها من نصوص ويقدمه في قراءة نقدية مطولة لاحقا؛ وسيكتفي في هذه المقالة باستعراض لموضوعات هذه المجموعة وعنوانات نصوصها وعرضا لأهم الأفكار المغايرة التي وردت فيها .
هذه المجموعة تحمل عنوان (نزهة في الجحيم) وهيمن تأليف الكاتبة البصرية (نهاوند الكندي)؛ وضمت المجموعة خمسة نصوص هي على التوالي: ((سقوطعدن ، صلاة العاهرات ، نزهة في الجحيم ، حبيبي جندي ، النفس أمارة بالحياة )). ونظرة أولية للعنوانات الآنفة تشف عن أنها عنوانات تحمل سمة المغايرة ؛ ويؤكد هذه المغايرة ؛ ويزيدها يقينا هي مقابلة كل عنوان مع موضوع المسرحية الني اتخذت منه (ثريا للنص) على حد تعبير القاص العراقي الكبير (محمود عبد الوهاب) ؛ فموضوع مسرحية (سقوط عدن) تتحدث عن سقوط (آدم وحواء) من جنة عدن وهبوطهما الى الأرض؛ ومع أن فكرة الموضوع معروفة سواءً في الكتب المقدسة أو في المتداول الميثولوجي؛ غير أن الكاتبة عالجت الموضوع معالجة فيها جدة؛ بل يمكن القول أن فيها حداثة ومعاصرة؛ وذلك عندما عالجت الموضوع بأسلوب أنساني بعيد عن القداسة والتحريم؛ وخرجت بفكرة نهائية مفادها : أن الحب هو الذي يصنع الجنات؛ وان التباغض والحسد هما اللذان يصنعان الشر والخطيئة؛ وهي فكرة تمنح قصة (آدم وحواء) بعدا إنسانيا جديدا ومضافا.
أما نص مسرحية (صلاة العاهرات) فأنه يعد خرقا للتابوات والمحرمات التقليدية، ويعد نصا جريئا ربما يتحاشى الكتاب الذكور الخوض في موضوعه؛ فكيف بامرأة؟؟ هذا النص يقدم مجموعة من العاهرات اللواتي يعشن في ماخور للدعارة؛ ويستعرضن خلال أحداث المسرحية وبجرأة عالية الأسباب التي اوصلتهن الى هذا المستوى الأخلاقي؛ وفي خضم تفاعلهن مع مبررات وصولهن الى هذا القاع؛ وصراعهن مع (العمة) سيدة الماخور يصلن الى قرار الثورة على أوضاعهن بمحاولة قتل (العمة) والفرار من سطوتها؛ بعد أن يؤدين صلاة الطهارة من الآثام التي لحقت بهن؛ وبذلك فأن الكاتبة تحاول أيصال فكرة جريئة تخترق التابو المقدس؛ مفادها : أن الطهر يمكن أن يوجد حتى في وكر للعاهرات ؛ وأن العاهرات يمكن أن يتطهرن من رجسهن لو أتيحت الفرصة لهن لفعل ذلك.
أما في نص مسرحية (نزهة في الجحيم) والتي كتبت بأسلوب رمزي ساخر فهناك ثلاث شخصيات يأتي خادم الرب بهم الى جهنم؛ والشخصيات الثلاث هي : فرعون، وعازف المزمار، والفأر؛ الأول يرمز لكل طاغية متسلط، والثاني يرمز لكل رجل دين متطرف يستغل الدين لمصالح ذاتية تجعله يحلل ماهو حرام على غيره، ويحرم ماهو حلال على غيره؛ ألا أنه يحصل على ما يشاء من نساء وأموال وغنائم ؛ بسبب سذاجة وغباء الناس الذين يؤمنون به ويتبعوه ، أما الثالث فهو يمثل كل إرهابي أتخذ من عقيدة القتل والذبح والسبي دينا له ؛ ومرة أخرى تقتحم الكاتبة بجرأة عوالم محفوفة بمخاطر اجتماعية وسلطوية لا يجرؤ على اقتحامها ؛ إلا من يحمل في جوانحه رسالة اجتماعية وفكرية لإصلاح المجتمع .
وفي مسرحية (حبيبي جندي) تغامر المؤلفة؛ بكتابة نص مونودرامي بطلته أمرأه فقدت حبيبها في أحدى الحروب المجنونة التي ليس له فيها ناقة ولا جمل؛ ومع أن فكرة المسرحية تعد فكرة تم التعرض لها في العديد من النصوص المسرحية؛ غير أن الجديد في هذا النص هو: أسلوب معالجة المؤلفة لموضوع المسرحية؛ فقد جاء نص المسرحية وكأنه حوار بين شخصيتين هو المرأة الحاضرة والرجل المستحضر من الذاكرة؛ حتى يخيل للقارئ في مواضع عديدة أنه أمام شخصيتين تتحاوران؛ لا أمام شخصية واحدة.
أما مسرحية (النفس أمارة بالحياة) فهي من العنوان تشي بأنها معارضة للنص القرآني (النفس أمارة بالسوء) ؛ وتقدم المسرحية صراعا بين شخص يحاول التخلص من حياته؛ ونفس تأبى عليه أن يغادر الحياة؛ ومع جميع المبررات التي يضعها والظروف القاسية التي يعيشها وسط احتلال إرهابي يوحي بتسلط وحكم مجاميع إرهابية على مجتمعه؛ غير أن نفسه وحتى صديقه الذي يدخل عليه فيما بعد؛ يقتنعان بوجهة نظره؛ ليبقى يعاني وحدته وعزلته وسط ظروف لا أمل لتغييرها؛ ومع أن الكاتبة في هذه المسرحية تجعل من الإرهاب وسيلة لتمرير فكرتها؛ غير أن القارئ المتفحص سيرى أن الفكرة التي تلمح لها الكتابة تشير الى وضع العراق الراهن الذي سرقه الفاسدون؛ والذين لم يتركوا للإنسان العراقي أي أمل في التغيير.
أخيرا فأن استعارة عنوان هذه المقالة من عنوان لأحد نصوص الكاتبة المسرحية (عواطف نعيم) أمتلك مبرره من أسم الكاتبة (نهاوند)؛ ومن أنها قدمت لنا تقاسيم جديدة لا تقل أهمية عن التقاسيم التي قدمتها الكاتبة (عواطف نعيم).