انسلات بينَ الواقعِ والواقعْ ../ تمارا الزبيدي
أصبحَ الإنسان أسير المجتمع وافكارهِ على مر السنين وبذلك أصبحت حياته تسير على نسق الكولاج (القص واللصق) . افكار تفرضها الطبقات المسيطرة في المجتمعات على بعض الافراد بحجة التقاليد والاعراف ذات الفوهه المغلقه. من خلال النص المسرحي “انسالات” للكاتبه فاتن حسين ناجي . نلاحظ وجود العديد من الامور الاجتماعية التي كانت ومازالت مستمرة بسبب غياب الوعي الفكري والثقافي. نص “انسالات” المتكون ابطاله من الزوج _ الزوجه _ الرجل _ القاضي _ الروبوت. والذي يقسم الى خمسة مشاهد ولكل مشهد موضوعه تتشابه في الافكار وهي ادلجة العقل البشري.
الزوج : قالت لي أمي إذبح لها قطة حتى تخشى المواء !
الزوجة : قربان . وقربان …
الزوج : ذبحتها لكني اخفيتها .
الزوجة : قربان …
الزوج : وهل ستذبحين الليلة شيئاً.
الزوجة : خرقة بيضاء .
كان ومازال الانسان حبيس الموروثات وسيطرة الاهل والمجتمع والمعتقدات. نلاحظ ادلجة العقل البشري وحالة الركود الفكري التي جعلت منه آلة ترفض تقبل افكاره والسير وراء افكار الغير، فهذه الايدلوجيات التي يفرضها المجتمع تحاول بدورها طمس العديد من الحقائق لاجل ابراز حقائق اخرى عملها طمس شخصية الفرد وتحويله الى (انسالة). والنظرة الدونية للمرأه واعتبارها قربان لاستمرار حياة غيرها. نلاحظه ونشعر بوجوده في هذا النص المسرحي وتحويل المرأه من كائن حي يتمتع بالعديد من المميزات التي تفضله بين الكائنات الى آلة تفعل ما يطلب منها وتردد مايقولون. وهذا بدوره الى الاستلاب الفكري والهيمنة على الافراد بحيث اصبح كالسيف يقطع رأس الحياة، وفي المشهد الثاني من النص المسرحي نلاحظ دخول الروبوت ضمن حياة الزوج والزوجه والذي يوضح ويؤكد انه روبوت للزوجه يتحرك بحركاتها ويردد ما تقول (الروبوت: سأبحث . سأجد . سأبحث . سأجد ) هذا ما يردده الروبوت من بعد كلام الزوجه وان دل فيدل على السيطرة التامة على حياة الزوجة وفرض الاراء والافكار وسيرها خلف الجميع بطريقة يحددها الاخرين، فمن المتعارف عليه ان من يصبح تحت نظام الادلجه هو شخص دوغمائي فالمجتمعات السابقة عانت من الدوغمائية في مختلف مسارات الحياة وعاشت تحت سقف التقاليد التي وضعها اشخاص يتجاهلون الحقائق الا بما يتناسب مه بيئته ورفضهم التام لاي تغير فكري او ثقافي وان وضعت امامه كل الادلة التي تثبت ان افكاره خاطئة وهذه الحاله من الامور التي تؤثر على المجتمع والافراد، وفي المشهد الثالث من النص نلاحظ الصراع بين الزوج والزوجه حول البذور والماء الغير صالح وما ينم عن فكرة الزواج الصالح في البذور الصالحه التي تنجب اولاداً لاستمرار حياة متوافقة بين طرفين لم يخلقو فقط لزيادة عدد سكان الارض وان هذه الحياة ليست كما ظن اباءنا واجدادنا، هنا يلعب الدور الثقافي والتكافؤ بين الطرفين شيء مهم لاستمرار حياة انسانية
الزوج : هل هناك بذور
الزوجه : تنبع فروعها دوماً
الزوج : بئس الفروع التي لا تثمر .
هذا الجمود الفكري والثقافي حيث جماد الافكار وعدم المحاولة بتغيرها وتطويرها والاصرار على صحتها وهذا لايقتصر فقط على الاشخاص الغير متعلمين فنلاحظ وجوده لدى الكثير من الاشخاص بمستويات فكرية عاليه. اضافة الى الجمود الفكري، فالجمود العقائدي والافكار الدينية والاجتماعية، فاصحابها لا تقبل المناقشة واخذ الرأي مهما كان الدليل واضح ورفض الاستماع لاي افكار اخرى، وهي حالة من الركود والجهل الذي يجعل من هؤلاء الاشخاص متعصبين لدرجة بذل كل ما بوسعهم لاثبات صحة اراءهم ومحاربة جميع الافكار الاخرى. وفي المشهد الرابع من النص موضوعة اجتماعية مهمة جعلت من الانسان آلة تقلد ما تراه لدى السابقون مع الجمود الفكري في تطوير ذاته وواقعه ويبقى الاعتماد على الاهل هو اساس الحياة، المجتمعات محدودة الفكر كانت ومازالت تسير وراء ما يراه الاخرون ليس وراء ما يراه هو والموروثات والارث كانت ومازالت موضوعا يشغل حياة الكثير ليعيش حياة يراها لنفسه مناسبه وهو بذلك يعتبر مجرد انسالة تسيير وراء ما يتركه له والداه لا ما يفعله هو لنفسه في حياته (الاب : اين وريثك ، الزوج: اين ثروتك انا وريثك ، الاب : اسمي) من خلال مشهد نستطيع تحليل العديد من الامور التي تناقش نواحي عديده سواء فكرية او ثقافيه او حتى دينية ، يجب علينا التخلص من سيطرة هذه الافكار وتغيرها للافضل .
اما في المشهد الخامس، القاضي محاولاً جعل الزوج يعترف على قتلهِ لزوجته ويسأله عن جثتها وهي تجلس امامه، ويتهمه بالجنون لانه ينفي قتلها والروبوت ايضاً يجلس امامه ويسألهن القاضي من فيكم زوجته وتجيب الاثنان ( انا زوجته .. هو زوجي .. انا زوجته .. هو زوجي ) . يبدأ القاضي باتهامه بالجنون وان ما يحصل غير منطقي وانها هرطقات مجنون. ويحاول هو بدوره اقناعه انه غير مجنون وانها كائن بشري وبعدها تحولت الى روبوت منذ اول يوم زواجهم ، يبدأ بتوجيه السؤال الى الزوجه هل قتلك ؟ فلا تجيب حتى يجيبه روبوت ثاني ( قتلها ..قتلها) ..
ويجيبه القاضي بان هذا دليل على القتل . ويتوجه القاضي نحو الزوج ويشير بيديه انت قتلتها . تظهر يد القاضي من حديد وكأنها يد روبوت آلي .
الزوج : من انت
القاضي : انا القاضي
الزوج : لكنك روبوت ايضاً .
القاضي : سأظل قاضياً رغم ذلك .
الزوج: وماذنبي احاكم من روبوت.
القاضي : هذا قدرك ايها القاتل ..
هنا نلاحظ كيف اصبح الانسان اسير المجتمع والجمود الفكري اضافة الى ظاهرة العقل الجمعي التي انتشرت في الاونة الاخيره بسبب غياب الثقافه والتطور الفكري وهي ظاهرة نفسية لاشخاص يحاولون السيطرة بافكارهم ومعتقداتهم على افراد قابلة للانجراف الى قرارات وافعال يراها هم صحيحة ومناسبة فيما يراه غيرهم بانه سلوك خاطئ وهذا ما يسمى (سلوك القطيع) فنحن افراد خلقنا لكي يكون لكل فردٍ منا اراءه وافكاره الخاصة لا ان يسير خلف من يحدد هذه الافكار لا ان نسمح بان نسيير كما تسيير الانعام، فالافراد الذين يتمتعون بتقييم موضوعي للافكار وانعدام الاحساس بالمسؤلية وتقبل اي فكرة واي سلوك هم اكثر الافراد الذين يكونون تحت سيطرة العقل الجمعي الذي يرى افكاره صحيحة وافكار الاخرين هي خطأ، وفي الوقت ذاته ليش دائما اصحاب العقل الجمعي خطأ، فبعض الافكار ممكن تقبلها كالتعبير عن الرأي والمحافظة على العادات السليمة والعدالة والمساواة بين الافراد وبذلك يصبح تقليد ايجابي ياتي من الاقتناع التام وليس باقتناع اعداد كبيره بافكار معينة فقط. وتقبل الافكار الجديده حتى بعدم اقتناع الكثير بها. وبذلك يجب ان نخرج من سيطرة العقل الجمعي الى العقل الواعي المفكر اتجاه السلوك الصحيح. ويجب معالجة هذه المشكله التي تجتاح المجتمعات بصورة كبيرة والتخلص من الموروثات القديمة التي لم تنفع افرادها حتى الان. فنحن افراد نتمتع بحرية التفكير وفي الوقت ذاته نحاسب على كل افعالنا فيجب ان تنبع هذه الافعال من افكار صحيحة ومناسبة .
* النص المسرحي “انسالات” حاصل على جائزة وزارة الثقافة العراقية مسابقة (خمسة نصوص تبحث عن مؤلف ) .