فى قضية السطو على الإبداع.. أقر وأعترف بأن اللصوص ورطونى فى فعل مشين!/ محمد الروبي

كتبنا كثيرًا، وسنكتب أكثر، عن الجريمة الأخطر فى المسرح المصرى، وهى ببساطة سرقة إبداع الآخرين، “عالميًا أو محليًا”، ونسبته إلى السارق ببجاحة منقطعة النظير.

قلنا مرارًا وسنظل نقول إنه يمكنك أن تكون “حرفيًا” بارعًا تعرف كيف تحرك ممثليك على المسرح، وكيف تصيغ استعراضًا مبهرًا، وكيف تبذر بهارات الجذب على عرضك، ولكن كل هذه القدرات لن تخلق منك مبدعًا، لأن الإبداع وببساطة هو الخلق. أما ما تفعله أنت حين تسطو على إبداعات الآخرين ومهما حاولت من إضافات مموهة فلا اسم له سوى أنك لص.. نعم بهذه البساطة وذلك الوضوح.

وحتى لا يكون كلامنا عامًا للدرجة التى تجعله تنظيرًا لا دليل عليه، دعونا نقولها مباشرة إن هناك ومنذ سنوات مَن تخصصوا فى هذا السطو، وخاصة من أعمال عالمية معروفة. وحين يواجههم البعض بأن ما يفعلونه هو الجريمة بالألف واللام يتبجحون عليهم بالقول “اذهبوا لتشاهدوا كيف يتصارع الجمهور على مشاهدة عروضنا”!.. بل إن منهم من تطاول مرة ومرات وقال: “وماذا فعل بريخت ومن قبله شكسبير و.. و… حين أخذوا عن سابقيهم أعمالًا ونسبوها لأنفسهم”. هكذا وبكل جهل الكون يرى هذا الدعى وصحبه ما أبدعه شكسبير وبريخت.

وأمام هذا الجهل العصامى لا تجد إلا أن تسأله فى غضب: “من ذا الذى علمك المسرح؟” وتتركه ينعم بجهله لتتوجه إلى من هم يفترض أنهم يراقبون الإبداع ويحافظون على حقوق المبدع وتسألهم: ألم يلفت نظركم حين أتاكم أولئك الأدعياء يطلبون تصريحًا لعروضهم أنهم كتبوا وبخط عريض على منتجاتهم “تأليف وإخراج”؟ ألم تسألوهم كيف وصل بهم التبجح أن يكتبوا على منتج مسروق بالاسم والمشهد بل والملبس تأليفًا وإخراجًا؟ كيف فاتكم أن تطالبوهم بتصريح من مالك العمل الأصلى، الذى إن انتبه لهذا الفعل سيضعكم ويضعنا ويضع الدولة المصرية جمعاء فى حرج لن تجدوا له ردًا مناسبًا، فالأمر هناك يقاس بملايين الدولارات.. كيف؟

هذا الخطأ الذى يقترب من الخطيئة، لا يقف فقط عند مجرد وضع كلمة تأليف بديلًا لكلمة إعداد أو لحرف “عن” الذى يحفظ لصاحب العمل الأصلى حقه، لكنه إلى جانب ذلك يمتد ليصل إلى جريمة سطو مكتملة الأركان، فذلك الذى أباح لنفسه خط وصف تأليف على عمل ما، هو يستبيح من ناحية أخرى صرف أموال ليست من حقه باعتباره مؤلفًا.

والأمر سيزداد حرجًا إذا ما كانت الجهة المنتجة جهة حكومية تابعة للدولة المصرية الموقعة على الوثيقة العالمية لحماية المنتج الفكرى. وللأسف تكرر ذلك كثيرًا مؤخرًا فى مسرح الدولة. وإليكم ما حدث معى شخصيًا وكيف تواطأت مجبرًا على إخفاء فعل سرقة كنت وما زلت أقاومها بكل ما أستطيع من جهد.

منذ سنوات كنت أشارك بندوة فكرية على هامش مهرجان الصوارى بالبحرين، وعلى مائدة الحوار كانت تجاورنى فنانة أمريكية، وكانت العزيزة الفنانة “نورا أمين” تقوم مشكورة بترجمة ما أقول لها، وفى كلمتى عرجت على فعل السرقة المسرحية التى تتخفى وراء أوصاف كالإعداد وغيرها، وذكرت أمثلة مصرية كثيرة. ويبدو أن اسم ديزنى تردد على لسانى أكثر من مرة، لكن العزيزة نورا وباتفاق معى تجاوزت عن ترجمة هذه الفقرة، لكن وبعد انتهاء الندوة جاءتنى نورا أمين وبصحبتها الفنانة الأمريكية، ومن خلف ابتسامة قالت لى نورا “إنها سألتنى- تقصد الأمريكية- لقد سمعته يذكر والت ديزنى أكثر من مرة فماذا كان يقصد؟ قل لى ماذا أقول لها؟”، هنا وقعت ونورا فى حرج شديد، لكنى عالجت الأمر بأن ادعيت أن أحد الشباب فى مصر كان يسألنى عما يفعله إذا ما أعجبه عمل سينمائى لديزنى وأراد أن ينقله للمسرح، ثم سألتها من فورى: “كم يكلف الأمر إذا ما أردت مثلًا أن أعد عملًا مسرحيًا عن عمل من هذه الأعمال مع ذكر أصحاب العمل الأصلى؟” فأجابتنى السيدة بعد تفكير قليل “أظنه يتراوح ما بين أربعين وخمسين ألف دولار” ثم أضافت: “أعطنى إيميلك وسوف أرسل لك فور عودتى قائمة مشفوعة بالأرقام وبالقانون الحاكم للملكية الفكرية”، أعطيت للمرأة بريدى الإلكترونى وافترقنا ونسيت الأمر، لكن وبعد أيام معدودات من عودتى للقاهرة وصلتنى منها رسالة مرفقة بها القائمة والقانون. إلى هنا ظننت أن الأمر قد انتهى، لكن بعد أيام أُخر وجدت على بريدى رسالة ليست منها هذه المرة ولكن ويا للورطة من شركة ديزنى. يقولون فيما معناه بعد التحية والشكر والرغبة فى التعاون: “قد سمعنا أن فى بلدكم من سطا على منتجاتنا دون استئذان، فهل لك أن تساعدنا مشكورًا فى التحقق من هذا الأمر؟”.. هنا كانت الورطة الكبرى. ووقعت فى حيرة بين أن أكون واشيًا بأبناء بلدى “حتى لو كانوا سارقين” وبين أن أكون متواطئًا وأكتم الشهادة، واخترت الأمر الثانى للأسف، فقمت ليس فقط بعدم الرد على الرسالة ولكن بتغيير عنوان بريدى الإلكترونى!

وهكذا ورطنى السارقون فى فعل أُجرمه. ومن يومها أقسمت أن تكون قضية سرقة الإبداع حتى لو اختفت وراء مسميات مزيفة كالإعداد والدراماتورج وغيرهما هى قضيتى الأولى. والآن وبعيدًا عما حدث لى والذى لا يهم أحدًا غيرى، نعود ونسأل: إلى متى سنصمت على هذا الفعل المشين؟ وأين دور ما يسمونها “الرقابة على المصنفات الفنية”؟ وهل كوادرها قرأوا وثيقة الملكية الفكرية أم أنهم مشغولون فقط بتحجيم ومحاصرة الإبداع الحقيقى وفقًا لقائمة من المحظورات البلهاء؟ نحن نسأل ولن نكف؟ فهل سيفعل أحد شيئًا؟.. نتمنى.

 

عن: جريدة الدستور (الأحد 03 يوليو 2022)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت