كيف نُخاطبُ النشئ الصاعد؟ ضوء على مسرحية ” الكسلان والنشيط”/ جبّار ونّاس
تبدو مساحةُ الدهشة والألم كبيرة عند مَن يتبصر بواقع حالة الطفل وعالمه في العراق حتى لَكأنَّه يسير في غابة متلاطمة الأطراف فيها من المنغصات والآلام والهموم ما يجعل الطفل محاصراً بينها تتقاذفه أمواج الحيرة والضياع وسط إهمال متراكم ومتعمد جاء متواتراً ومتساوقاً مع حالات من الخراب المادي والروحي شهدها العراق عبر مراحل متناسلةً وقد تشخصت وكبرت آثارها بعد مرحلة التغيير الصادم ما بعد 2003
فَمَنْ للطفل ومَنْ يساهمُ في جعل عالمه يتناغم مع الحياة بروحية الفن والجمال والمتعة والتسلية الناجعة بعيدا عن عوامل النكد والإحباط والضياع التي صار هذا الطفل يسير بين اشواكها؟
ومَنْ يريدُ الوقوفَ أمام تلك العوامل التي ستجعل من الأطفال في العراق في حالة من الهلاك والضياع الأكيد فهي كثيرة تبدأ وليس لها من نهاية فمنها :
– حالة الإعتلال والوهن الأسرى التي باتت تهدد البناء القيمي والإجتماعي للاسرة في العراق ومرد ذلك الى عوامل كثيرة
– إنفصام عرى الترابط ما بين الأسرة والمدرسة
ـ إنتشار ظاهرة التسيب وعدم الإلتحاق بالمدارس وضعف إدارة الدولة في تفعيل نظام التعليم الإلزامي
– ضغط العامل الإقتصادي والسياسي أدى إلى إنتشار ظاهرة عمالة الأطفال ومشاهد الكدية في الأسواق والطرقات والتقاطعات
ـ عوامل النزوح القسري بسبب المعارك وتجليات الصراع الطائفي والتهجير الظالم
– إنتشار ظاهرة المخدرات وشيوع سلوكيات منحرفة من العنف الجسدي والجنسي إتجاه الأطفال وجعلهم لقمة سائغة يسهل مضغها بين هكذا ظواهر مدمرة
ـ شيوع ثقافة التطرف الديني وسياسة الإنحياز ونبذ الآخر وقد ساعدت على شيوعها الأحزاب الدينية حينما راحت تروج لثقافة الإقصاء وإشاعة مظاهر العنف في بعض من شعائرها مثل طقوس الزنجبيل وضرب القامة وغيرها وبروز مشاهد الدم التي تثير القرف وتجعل من الطفل في سلوك مغاير وربما دموي وهذا قد حصل بمباركة ومساندة من سياسيين ومشرعين في البرلمان وخير دليل حين جاءت إحدى النائبات بإبنها إلى موكب لضرب القامة لضرب رأس إبنها بالقامة فكان مشهد خروج الدم من رأس الطفل إبنها مثيرا للرعب والقرف
ـ سيادة التشويه والإختلال القيمي والأخلاقي والتي صارت تنتشر بين أوصال المجتمع إذ تدفع بإنتاج ثقافة القبح التي تعمل على الدفع بكمية من التشويه الفكري والمجتمعي والديني وإعلاء من براهين الزيف لتشويه الإنسان فكريا و وحياتيا وتعطيل نموه المعرفي من خلال بقائه في دائرة الجهل والخرافة وسلوكيات التدليس الماكرة
ـ تفشي ظاهرة الوعظ الديني والإجتماعي الساذج والغارق في طائفية مبطنة والتي باتت تبثها قنوات فضائية صادمة لعقول الأطفال الغضة وتُقحمها في قضايا كبرى وملتبسة وعقلية الأطفال في غنىً عنها وعن آثارها وأهدافها المشوهة
– إختفاء الثقافة البيئية وتشويه المكان وخلق ثقافة بيئية مشوهة تعمل على قطع اواصر التواصل والترابط ما بين الطفل و مجريات المكان الذي يعيش فيه فالتعدي اليومي على طبيعة المكان صار من الأمور التي يشاهدها الطفل في العراق وعبر مشاهد وحالات متكررة
ـ سيادة العنف وبروز الطفولة المسلحة من خلال ما يشاهده الأطفال من برامج وأفلام وألعاب تتحدث عن الحروب والإرهاب.
ـ تخلي أو ضعف الدولة واغلب الجهات المسؤولة بإنتاج الخطاب الثقافي والتربوي والإصلاحي عن الدور الفعلي المسؤول الذي يجب أن تقوم به وان تخصص المشاريع والأموات ضمن ميزانية الدولة إسوةً بالتخصيصات المالية لمشاريع الدولة في التجارة والدفاع والخدمات وغيرها
فهذه العوامل هي غيض من فيض إذا ما دقق الباحثون والدارسون في مجال مسرح الطفل والتربوي والمدرسي ومسرح الفتيان ليجدوا أمامهم من المتاعب والمشاكل والهموم لاحصر لها..
فأيُّ ثقافةٍ نريدها لأطفالنا؟ إذ لايمكن الحديث عن ثقافة الأطفال من دون تشكيل رؤية واضحة لدى هؤلاء الباحثين والدارسين والمتخصصين بفن وثقافة مسرح الأطفال فهو مسرح يشيع البهجة والجمال فضلا عن المتعة وتهذيب الذوق وتمتين تنمية الفكر وخلق بيئة صحية ملؤها الفن النبيل الهادف لبناء نشئ جديد..
عن العرض ومجرياته:
ينتمي عرض مسرحية ” الكسلان والنشيط” إلى مسرح الطفل من حيث المضمون والشكل وأسلوب طريقة العرض فالمؤلف الشاعر (حازم رشگ) إعتمد على فكرة العمل ونقيضه الكسل وحيوية مضامينها ليأتي بها عبر لغة ذات وقع وأثر موسيقى في اذهان ومسامع الأطفال مما يجعلها في تناول وتداول محبب لدى الأطفال فالشاعر (حازم رشگ) يكاد يأتي بمساهمة فاعلة على صعيد التأليف والكتابة المسرحية للأطفال يذكرنا بتلك المساهمات البارزة عند بعض الشعراء العرب والعراقيين والذين تميزوا وبشكل بارز في كتاباتهم لادب الطفل شعرا كما الحال عند الشاعر سليمان العيسى والشاعر عبدالرزاق عبدالواحد وغيرهم من الشعراء بعد أنْ أعطوا مساحةً مهمة للكتابة للطفل ضمن تجاربهم الكتابية في الشعر
ومن حيث الشكل فقد عوّل المخرج (عمار نعيم) وفي أول تجاربه في الإخراج المسرحي على إبراز كل ما يجعل جمهور الأطفال أمام شكل يملؤه الضوء والموسيقى والبهرجة والحركة السريعة فالبيت وغرفه وصالته كان له من الهيمنة على أنظار ومسامع الأطفال عبر الألوان والرسومات على جدرانه من قبل الفنان (نوّار جواد) وكذلك البساطة في إيجاد وتوزيع المفردات الفاعلة والتي ساهمت في إنتاج وتوصيل ما يصبو إليه العرض من مضمون (سرير النوم، الغطاء، مخده، كتب دراسية، العاب ودمى، شباك الغرفة وكسر زجاجه من قبل خلدون، ورق الفايل حين إستعمله الببغاء كبوق تنبيه وإشارة) فعبر هذه المفردات ومن خلال فعل التواصل والإشتغال الفني نتج لنا مضمون ومراد ما جاءت به رسالة العرض يضاف إلى هذا إستخدام مجموعة من الاناشيد التي لحنها الفنان (محمد السرحان) وظهرت بصوت الفنان (علي البكاء) كما وساهم المخرج حين منح البطل (الببغاء) فعلا مؤثرا في أذهان ومسامع الأطفال بعد أن البسه دور البطل وجعله شخصية ذات تأثير وجداني وعاطفي ساهم في تعزيز حضوره وإستطاع ان يجلب إليه إنتباه الأطفال الحاضرين بواسطة الإيحاء والمشاركة الوجدانية والتعاطف الآني تجسد في تداخل فعل المُمَثِلَيْن (الببغاء – خلدون) ونزولهما أمام ومابين الجمهور وفي هذا المشهد تبرز الصورة الجميلة لحالة الإنشداد والتواصل الإيجابي في عروض مسرح الطفل وكذلك عمل المخرج في زيادة شد إنتباه الأطفال في إستخدام مشهد العرائس وخيال الظل بتحريك الفنان (محمد نوري)
إنَّ هذا العرض كشف لنا عن وعي فني وإدراك وتبصر من قبل المخرج (عمار نعيم) حين أعطى بعضاً مما يجب توفره في عرض مسرحي موجه للأطفال يتوخى الوضوح والبساطة فقد مال إلى إستحضار فعل الدات شو بتنفيذ (أحمد خضير) وفعل الصوت (مروان الكعبي)وهندسته (علي زيدان حمود) وفعل الإضاءة بنتفيذ (سجاد حسين) وحاول أن يطرح فكرةً واحدةً بعيدا عن تعدد الأفكار في عرضٍ واحدٍ وفي هذا يضمن تواصل الأطفال في تلق مباشر وايضا في عمله على إبراز المبالغة والتضخيم حين أعطى للبطل الببغاء لأن يكون في حركات وأفعال تمثلت بروح المبالغة والتضخيم وربما حاول أن يعالج حالة الإختزال وقصر الحوارات في نص المؤلف فاغلب هذه الحوارات كُتبت بطريقة مبتسرة ومكررة (لا أريد لا أريد – إستيقظ إستيقظ – ياويلي يا ويلي – الغطاء الغطاء-وإلا وإلا-أمي امي-كذب كذب – انت انت- أخرى أخرى-وغيرها) فهذه المبالغة هيمنت بفعلها ووجودها على حضور البطل الثاني (خلدون)
فما قدمه الفنان (حيدر حسين) بدور الببغاء من أداء كان لافتاً في الحضور والأثر يكاد يتميز ويؤشر لطاقة تمثيلية سيكون لها شأن في قادم مايقدمه من أعمال مسرحية لاحقة
أما الفنان (علي حسن) بدور (خلدون) ورغم وجوده وملابسه المثير فقد بان على أدائه فترات من السكون والرتابة في الإلقاء والخجل وعدم الإنفتاح المطلوب واللعب المؤثر ليقابل به طغيان وسطوة الممثل (حيدر حسين) الذي اخذ المساحة الكبيرة من مجريات وتفاصيل العرض