“بنت القمر”، “خلي بالك”، ” المطبخ”…المراهنة على موهبة الشباب / علاء الجابر

ثلاثة عروض مسرحية حضرتها ضمن مهرجان المسرح القومي 15 المقام حاليا في القاهرة، قدمها ثلاثة من الشباب “بنت القمر” لمحمد السوري، “خلي بالك” لمحمود عبد الرازق من المعهد العالي للفنون المسرحية ، “المطبخ” لمحمد عادل، ومع اختلاف الطروحات والمستويات، أتوقف عند محاولات هؤلاء الشباب المتميزة لصناعة مسرح يجمع ما بين الرؤية الجادة، والمتعة، باحترافية عالية وأسلوب جديد.

لا يتوفر وصف.

بنت القمر .. وبشاعة السوشيال ميديا

في حين يتجه محمد السوري تأليفاً واخراجاً إلى قضية قد تبدو خاصة بفتاة تعاني من أزمة في الشكل جراء بقع سوداء تلتهم وجهها، إلا أن المشكلة أشمل في حقيقتها، حيث تفضح بشاعة مجتمع باتتفيه السوشيال ميديا تشكل جزءاً كبيراً من حياته إن لم تكن حياته كلها، إلى الدرجة التي يمكن له أن يبيع أسرته، كرامته من أجلها.

وفي هذا العرض حاول السوري أن يخرج عن المعالجة التقليدية، ويعرض حكايته من خلال حركة المجاميع المتصلة ضمن خط سير واحد، شكلاً وموضوعاً، ليستعرض لنا عبر عدة مشاهد بشاعة المجتمع في التعامل مع معاناة تلك الفتاة. لم يكن يفصل بين تلك المشاهد سوى تنقلات الإضاءة من جهة، وبوح الفتاة بآلامها (للمحامي) من جهة أخرى. ساهم في صنع تلك الحالة الأزياء التي صممتها بطلة العرض (لبنى المنسي) حيث وُفقت باتخاذ اللون الترابي ثيمة لها ومن التشتت والتشرذم والقبح شكلا لكل قطعة منها، الأمر الذي برز أكثر بالأقنعة التي صممتها باحترافية (لاريا منير) مؤكدة بشاعة البشر بتماثل تام أمام القضايا الإنسانية، ورغم البؤس الذي أحاط بقضية العرض، إلا أن المخرج استطاع أن يلعب على وتر الكوميديا السوداء، التي تصل بالضحك إلى حد البكاء.

كما جاء التطور الدرامي وتحول شخصية الفتاة (بسمة فحمة) دقيقا وفاعلاً، بحيث جمعت بين المجني عليه والجاني، فهي تعاني من الداخل، لكنها تخدع الآخرين في السوشيال ميديا بتقديم وجه آخر مزيف، لا يختلف عن بقية وجوه وسائل التواصل المزيفة.

اشتغل السوري على كل ممثليه، وخاصة في محاولة التعبير الجسدي،  وإن برز منهم الأب (أسامة مهنا) بشكل مميز بأدائه الطبيعي الذي يجمع بين البرود والانتهازية في الآن ذاته، أيضاً الأم (آية التركي) التي قدمت صورة الأم المتلونة عديمة الإحساس بأداء مختلف، هكذا جاء أداء المذيع، والطبيب أيضاَ، أما (الجرسون) فعلى الرغم من قصر دوره الا أنه أثبت أنه يمتلك حس كوميدي عالٍ.

أما من قامت بشخصية الفتاة بسمة (البنى المنسي) فرغم قدرتها على تجسيد الشخصية، إلا أنها لم تُعط لصوتها حقه  في التلوين أو في الوصول إلى الجمهور بشكل صحيح.

أثبت المؤلف والمخرج الشاب محمد السوري، بعرضه الحالي (بنت القمر) وعرضه السابق (أحداث لا تمت للواقع بصلة) أنه سيكون واحداً من المخرجين البارزين في مصر في المستقبل القريب.

 

لا يتوفر وصف.

خلي بالك .. لا حرية حتى في اختيار الموت!

أثبت طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية، أنهم رقم صعب في معادلة العروض المسرحية، بتواجدهم وقدرتهم على منافسة المحترفين، هذا الأمر ينطبق على عرض “خلي بالك ” الذي قدمه المعهد بتوقيع المخرج محمود عبد الرازق عن نص (أنت حر) للكاتب المبدع الراحل لينين الرملي.

مأساة أن تكون حراً في مجتمع يشجعك على العبودية ويستمتع بها ويجعل طوق النجاة يضيق عليك وحريتك تتلاشى حتى في اختيار الموت.

ذلك هو جوهر العرض ولب الحكاية، ورغم تصرف المخرج بالنص في بعض أجزائه ليتوافق مع رؤيته الفنية الإخراجية، ووجود بعض الهفوات البسيطة إلا أنه استطاع أن يبقي العرض ذو إيقاع مشدود رغم طول مدته، ساعده على ذلك قدرات ممثليه الكبيرة وخاصة من تتابع على تقديم شخصية عبده من الصغر حتى الكهولة ( أحمد عباس / محمد ناصر / مصطفى رشدي) باقتدار واضح، وبأداء متنوع يجمع بين الجد والهزل، وخاصة محمد ناصر الذي جمع بين الأداء والغناء، كذلك الفتاتين اللتان تحملا عبء الشخصيات النسائية باقتدار عال، (ندى اسماعيل) التي تميزت بمرونة حركتها وخفة دمها، وأم عبده (دنيا سامي) القادرة على انتزاع الضحك بتلقائية رائعة، والتي أتوقع أنها ستكون أحدى ممثلات الكوميديا الذين يكون لهم حضورهم في السنوات القليلة القادمة.

اتجه المخرج إلى العمل ضمن عرض دائري يبدأ من حيث ينتهي وينتهي من حيث بدأ، ليشيد معماره الإخراجي بينهما، وأحسن في الإبقاء على خط الكوميديا ساخنا طوال العرض الذي يحمل قضية فلسفية مأساوية. وكان اختيار السينوغرافيا عامة أو الديكور تحديدا ( لرنا أشرف) موفقا بألوانه الصارخة الصادمة وفوضوية بعض التشكيلات التي تدل على التشتت في الشخصيات، كما ساهمت موسيقى (محمد علام) على منح العمل حيوية وروح شبابية طوال فترة العرض.

 

لا يتوفر وصف.

المطبخ.. غريزة حيوانية!

العرض الأخير عرض “المطبخ” للمؤلف والمخرج محمد عادل، وقد سبق أن شاهدت لنفس المخرج في العام الماضي عرضاً متميزاً من تأليفه، حصد الأعجاب، وكتبت عنه مقالا قصيراً أشدت فيه بالتجربة.

محمد عادل يتناول في عرضه هذا قضية حساسة نسوية-وإن كنت لا أصنفه كذلك – ، هي قضية العنف الأسري الذكوري ضد المرأة الذي يمتد منذ طفولتها حتى استقرارها الهش في ظل كنف زوج أناني سادي يمارس رجولته المزيفة ونزواته ورغباته دون أي اهتمام لمن تعيش رفقته وتحمل مسمى شريكة حياة.

ما يحسب للمؤلف ابتعاده عن الحوارات المعتادة (الكليشهات) التي يمكن أن تطرح في مثل هكذا قضية، وتركيزه وتكراره لجمل قصيرة مقصودة لا تبتعد عن الرغبات الحيوانية (الأكل والجنس) فالرجل / الزوج لا يريد من تلك التي تشاركه بيته إلا أن تكون طباخة/ جارية، تحقق له أمرين لا ثالث لهما: طعام جاهز حسب رغبته دائما، وفراش دائم، حتى وإن ادعى أنه يهتم بما تأكل. وهو لا يخجل- مستغلا ضعفها واستسلامها –  من أن يأتي بفتاة ليل إلى البيت بشكل اعتيادي جداً، بل هو يتعامل مع فتاة الليل حسياً وإنسانياً أفضل من تعامله مع زوجته، وإن كان الغرض تلبية لغريزته فقط.

اشتغل عادل في رؤيته الإخراجية على الأداء التمثيلي والصورة ضمن نقاط محددة ركز عليها ليجعل المتلقي يحدد بصره وتلقيه ضمن دائرتها، الديكور الذي صممته بذكاء (سلمى أبو الفضل) ولم يخرج عن نطاق ذلك الكرسي الخشبي ذو الطرف الحاد المدبب من ناحية واحدة ليؤكد على عدم التكافؤ والبرود الذي يحدد العلاقة بين الطرفين، وهو بمثابة المأوى الوحيد الفارغ الذي تلجأ له الزوجة عند رغبتها بالهروب من عالمها الموحش.

أما الإضاءة التي صممها باتقان واضح (حسن محمد) ووفق كثيراً في تنفيذها، فساهمت كثيراً في إيصال الكثير من الأحاسيس المخزونة في ذات المرأة وأبرزت دواخلها العميقة.

اما الثلاثي الذي شارك في تجسيد الأدوار (الزوج/ الزوجة/ فتاة الليل) فقد هضم الثلاثة أدوراهم بشكل واضح، ولم يستعرضوا إمكاناتهم التمثيلية على حساب طبيعة العمل، خاصة الزوج (أحمد شكري) الذي أدى دوره الشرس العنيف دون أن يستعرض قدراته (الحنجرية) أو يبالغ في (الكز)  على الجمل لإظهار عنفه أو ساديته، بل مارسها بتلقائية من يشرب كأسا من الماء، مما أعطى الدور لمسة إنسانية وسيّره ضمن منظومة الإخراج التي اختارت الهدوء حتى في أوقات العنف.

اما الزوجة (لبنى المنسي) فقدمت أفضل ما لديها على مستوى الصوت تحديداً، والأداءً أيضاً بما يتوافق مع رضوخها المريع الذي وصل إلى مستوى قبول مشاركة فتاة ليل لفراشها، فصوتها المرتعش دائماً، واستسلامها (المقصود ضمن العمل) يصل إلى حد أن الاشمئزاز منها، بل حتى ثورتها جاءت متوافقة مع شخصيتها، فهي لم (تصفع) الباب كما فعلت نورا في (بيت دمية) رغم تقارب مصائرهما، وأحسن المخرج هذا الاختيار لأن شخصية مثل شخصية تلك الزوجة لا يمكن أن تنفعل إنفعال نورا، ولو كانت ستفعل ذلك لكان في لحظة دخول الزوج متأبطا فتاة ليل لغرفة نومها، وإن كنت أتمنى أن يعاد التفكير في تسجيلها الصوتي أثناء قراءة المذكرات ، لأنه بحاجة الى اداء اذاعي أفضل مما قدم به.

أما من قامت بدور فتاة الليل (ليلة مجدي) فأدت الدور خارج نطاق المعتاد لدور فتاة الليل الرخيصة التي تظهر في الأعمال الفنية تمضغ لبانا وترفقه بضحكة ممجوجة ومكياج مبالغ به، وأداء مصطنع متوارث، وإنما قدمتها بصورة إنسانية – بعيدة عن تبرير عملها – حسب ما تعودنا (وهذا يحسب للمؤلف)، حتى في العلاقة الإنسانية التي جمعتها مع الزوجة وكانت مفتاح تغيير شخصيتها، أدت ذلك المشهد بصورة تلقائية انسيابية.

متى ستعرض جماهيريا؟!

شخصياً، أتوجس كثيراً من أن يلعب المؤلف/المُعد دور المخرج أيضاً لأسباب ذكرتها في العديد في من المقالات والندوات التطبيقية سابقا، لكني فوجئت بتميز العروض، التي قام فيها المخرج بمهام أخرى، فسعدت كثيراً بنجاح الثلاثة – رغم تفاوت الأعمال- في الوصول بعروضهم إلى بر الأمان فنياً، وجماهيرياً حيث القبول الكبير من الجمهور، لتصبح العروض الثلاثة مؤهلة فيما بعد – من وجهة نظري -لفتح الشباك، والعرض العام على الجمهور المتعطش لفن راقٍ وممتع في الآن ذاته.

 

مسرحية  بنت القمر

تمثيل : لبنى المنسي، آية التركي ، أسامة مهنا، حسام ابراهيم ، آية ربيع.

أزياء : لبنى المنسي

مكياج وأقنعة : لاريا منير

مساعدو الاخراج : صوفيا رسمي، دينا سليمان، فادي رأفت.

تأليف وديكور وإخراج: محمد السوري

 

مسرحية : خلي بالك

تأليف : لينين الرملي

تمثيل : يوسف شعراوي، أحمد عباس، محمد ناصر، مصطفى رشدي، علاء الوكيل، ندى إسماعيل، محمد الشناوي، محمد ممدوح، أحمد السباعي، باسم سليمان، دنيا سامي، محمد حسن، محمد يوسف، ممدوح السعيد

موسيقى : محمد علام

أغاني وأشعار: هاني مهران

ديكور : رنا أشرف

أزياء : غادة ناصر

إضاءة : ياسمين هاني

استعراضات : دنيا محمد

مخرج منفذ: يوسف عبد الحميد

دراماتورج وإخراج : محمود عبد الرازق

 

مسرحية : المطبخ

تمثيل : لبنى المنسي،  ، أحمد شكري، ليلة مجدي ، أحمد عادل .

ديكور : سلمى أبو الفضل

إضاءة : حسن محمد

موسيقى: معتز الأدهم

مخرج منفذ: أحمد شبل

تأليف وإخراج : محمد عادل

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت