نص مسرحي: “Party”/ تأليف: د. شاكر عبد العظيم جعفر
مقترح لعرض مسرحي
الشخصيات :
- رجل مسن في الستين من العمر
- امرأة في الخامسة والخمسين من العمر
- مجموعة من العميان والخرسان .
المكان : غرفة ضيقة فيها منضدة عليها قنينة من الشراب وكأسين وماء وبعض اللوازم . المكان لا يوحي بالغنى. الرجل والمرأة يلبسون ملابس الاحتفال لكنها باللون الاسود .
الزمان : غير محدد
(تقف المرأة على يمين الرجل. لا يبدو عليهم الود).
الرجل: (دائم التدخين) سنبقى ندفع الثمن .. وندفع وندفع وندفع .
المرأة : الا تكف ؟
الرجل : ولماذا علي ان اصمت بعد كل هذا؟
المرأة: وما جدوى الكلام اذا لم يجد صداه عند الاخر؟ ما جدوى السؤال والاجوبة غائبة بشكل ابدي؟
الرجل :لكني لن اصمت ؟ سأوزع اسألتي على الجميع .
المرأة : واين هم الجميع؟ ليس هناك سوانا في هذا المكان . انسيت ؟
الرجل: (يسكت ..فترة صمت)اصبحت لا تخجلين من مواجهتي.
المرأة: لم يعد الامر مهما، بعد كل ما مر بي؟ لم يعد شيئا مهما، تحملت فحولتك المتضخمة وذكوريتك التي تتفاخر بها، اعوام وانا اتبعك ولم اجد فيك الا رجل تحول الى سايبورغ مقعد بعد ان مررت بكل انواع الغرور وانت فرح بذلك امام المجتمع الذي لم يكن منصفا يوما . لماذا اخجل ؟ لماذا ؟
الرجل : اظن ان علينا ان ننسى كل شيء ، المناسبة تستحق .
المرأة : حسنا لابأس بذلك .
الرجل : احضري لنا الاشياء .
المرأة: (تجلب كيكة عيد ميلاد) كل عام وانت بخير .
الرجل: (يضحك حتى يعلو شيئا فشئيا صوت ضحكه، وبعدها تضحك المرأة معه وبصوت عال ايضا . الرجل ساخرا جدا ويصدر اصوات السخرية بفمه مثل ( ررررر ، خخخخخخ ، ررررررر ) )
(هدوء)
الرجل : نسيت منذ متى وانا مقعد على هذا الكرسي .
المرأة : منذ الحرب
الرجل :لالا
المرأة : منذ فقدت ابنك ؟
الرجل : (يحاول التذكر ) لالالالالالالا
المرأة : منذ فقدت ابنتك ؟
الرجل : لالالالالالالالالالا
المرأة : منذ اغتصابي ؟
الرجل : لالالالالالا
المرأة : منذ فقدت رجولتك ؟
(فترة صمت)
الرجل : تلك فترات قادرة على ان تجعل الروح مقعدة وليس الجسد فقط . في العشر الاوائل من جسدي النامي كنت احمل احلامي واسير فيها بدروب لا توصل الى شيء
المرأة : والعشر الثواني كنت اربي جسدي على ان اكون انثى يافعة ونظرة .
الرجل : وفي ثالث عشرة بدأت الاحلام تتغير
المرأة : بل تتلاشى .
الرجل : اما في الاربعين ، فقد هرمت الاحلام وشاخت في الخمسين.
المرأة : والان ؟
الرجل : الان ها قد وصلت الى قمة السكون الجلوس على كرسي لا يتحرك.
المرأة : يا عزيزي انا ، هل استطيع ان اساعدك ؟
(الرجل يضحك بصوت عال ومعه المرأة كذلك … يستمر الضحك بهستيريا ..ثم يليها فترة هدوء)
المرأة : ماذا عن الحرب؟ .
الرجل : لا اريد ان اتذكرها ، فهي لا تشبهك .
المرأة: ماذا عن الذات؟ .
الرجل : تشظيات .
المرأة : والحب؟
الرجل : اكلته الحرب وابتلعته حتى اخر رمق فيه .
المرأة : لماذا ؟
الرجل : تعرفين الجواب جيدا، الحرب متنوعة بين القنابل، وحرب الجوع والطفولة والامنيات، حرب بين هذا وذاك، وبين تلك وتلك، بين الانا والانا، حرب الكذب والدعاية وحرب السياسة والاقتصاد وووو، العالم لم يعد هو العالم، كل شيء قد تغير، حتى انت.
المرأة : وانت ؟ الم تتغير ؟
الرجل : مكانيا ؟ لا لم اتغير ، فانا في ذات الكرسي منذ زمن بعيد .
المرأة: لكنك تملك قلب محارب. اجوف
الرجل : من يعيش كل هذا لا بد ان يناله التغير .
(فترة صمت)
المرأة : هل انت سعيد ؟
الرجل: كل السعادة
المرأة: لكنك تعيس
الرجل : اهذا ما ابدو عليه؟
المرأة : يبدو ذلك
الرجل : اووووووووهنسينا انه عيد ميلادي
المرأة : اووووهفعلا .. ولكنك في كل عام تحتفل دون ان تقطع الكيكة حتى تحجرت .
الرجل : (ينتبه للكيكة، يمسكها وكأنه يمسك شيئا متيبسا) اوه فعلا.. من فضلك ناوليني المطرقة (تناوله مطرقة، يضرب بها الكيكة دون ان تتأثر) ما هذا ؟؟ كيف سنحتفل اذن ؟
المرأة : ليس الكيك مهما ، المهم النوايا .
الرجل: حقا ، اذن فلنبدأ الاحتفال ..
(موسيقى، تتمايل المرأة وهي تشعل شمعة، والرجل يحرك يديه راقصا. يستمرون لفترة حتى تنتهي الرقصة.. يضحكان بصوت عال لفترة تليها فترة صمت )
الرجل : ما هذه الاصوات انظري من النافذة وانتبهي الوضع لا ينبأ بالخير .
المرأة : (تنظر من الشباك)اشكال لا اعرفها ، انهم غرباء ، ما العمل الان؟ نكمل الاحتفال؟ .
الرجل : نعم فأنا لا افرط في عيد ميلادي
المرأة : عيد ميلادك هذا العام مشوه كوجه وليد بأنف واذنين مخفيان
( تضحك ويضحك معها بصوت عال )
المرأة : اللعنة اخفض صوتك، احدهم يتوجه الينا .
الرجل : اللعنة .
(هدوووووء وبعده مع طرق قوي على الباب )
المرأة : من ؟؟؟؟
صوت من الخارج :افتحو الباب.
(المرأة تفتح الباب فتدخل مجموعة من الرجال والنساء فيهم فاقدي البصر وفيهم رجال صامتون يملؤون المكان ( خرسان) ، الرجل والمرأة يستغربون وجودهم والجميع ينظرون لبعضهم البعض )
(بعد فترة صمت)
بصير 1: بالتأكيد ستسألون من نحن ، ونحن نحمل لكم اخبار سارة جدا .
(المرأة والرجل ينتظرون ماذا سيقول) .
اخرس 1: يشرح لهم بالحركات والاشارات وباقي الخرسان يؤيدون ما يقول اشاريا .
بصير 2: نعم صحيح ما يقوله اخي هذا .
بصير 1: (بسرور بالغ ) فنحن نشتاق الى احضانكم التي فارقناها منذ كنا صغارا .
المرأة : الا تخجل يا هذا ؟ ماذا تقصد باحضاننا ؟
الرجل: ( مذهول جدا ).
البصير 1: (يعلن بصوت عالي ) نحن ابناؤكم يا امي
الام: ماذا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
احد الخرسان : (يعبر عن فرحه بالاشارة . ويقترب من الام لاحتضانها) .
الام : ابتعد يا انت ..ابتعد .. والا
بصير 3: لا لالالالالا يا امي .. لا تنهريه. فنحن ابنائك. ونحن بحاجة كبيرة لحنانك انت وابي، ذاك الحنان الذي افتقدناه منذ زمن .. لقد عانينا الكثير ..
(الجميع مؤيدا له)
الاب : (يضحك بقوة) .
الام : ( بصوت يسكته) ارجوكم . لم نكن لنملك سوى ولد واحد وابنة واحدة . وقد ذهبوا ضحية الايام السود التي استمرت طويلا ولم تنته حتى الان .
احد العميان : اعتبريها من الان قد انتهت .. فنحن عدنا اليك، لم نكن نعرف انكم تعيشون هنا، الشاحنات التي جاءت بنا وقفت امام هذا البيت واخبرونا انكم لا زلتم هنا .
الاب : كفى .. عودو من حيث جئتم ..فمسرحيتكم انتهت .
احد العميان : ولكن يا ابي .
الاب: ( يزجره بقوة) اسكت .. اخرجوا جميعا .
احد الخرسان: (يحاول اقناعها بالاشارات) .
بصير 1: ارجوك يا امي ، نحن ما جئنا الا لانكم ابوينا .
المرأة : ولكني لم انجب كل هذا العدد ؟
بصير 1: وما ذنبنا نحن ؟؟ حين اخذوني منكم يا امي ، فقؤوا عيوني . وقاموا بعملية (فترة صمت) قاموا بعملية تكثير لنا، فهم يهتمون بالذكور .
الام : وابنتنا ؟
بصير 1: لا نعرف ، اخذوها الى مكان لا نعرفه. انهم يهتمون بالذكور .
الاب : لماذا ؟
بصير 2: ربما لانهم يرون ان الحياة بالذكورة . او انهم يحتاجون رجالا للحروب .. فالذكور اهم من الاناث.
الام : وماذا تستفيدون من عميان وخرسان ؟
الاب: اجب .
بصير 4: يا ابي الذي اراه لاول مرة في حياتي .
الاب: تراني؟
بصير 4: اقصد اقف امامه واشعر به وبأبوته . لقد اخطؤوا واخطأت الاتهم ، فأصبحنا هكذا ، وجاء هؤلاء الخرسان نتيجة اخطائهم وأخطاء الاتهم واجهزتهم، فهي عتيقة وبالية لا تنتج الا العاطلين .
(فترة صمت)
الام : ( تشعر بالحيرة) ولكن … ولكن …. ولكن ما العمل ؟
الاب: انكم تزيدوننا اعطالا . ارجوكم عودوا من حيث اتيتم .
بصير 5: ماذا ؟؟ كان املنا كبير بان نحظى ببعض السلام والامان .
الام : اي سلام واي امان تتحدثون عنه ؟؟
الاب : انكم تزيدون عذاباتنا ، تغلقون كل فسحة امل كنا بحاجة اليها .. اخرجوا جميعكم ..لا حاجة لنا بكم .
الام : نعتذر منكم كثيرا .. لم يبقى لنا من عواطف نتعامل بها معكم .. لا املك الامومة وحنانها
الاب: وانا لم اعد املك اي ابوة .. اخرجوا وتخلصوا من هذه الاسيجة التي تحيط بكم ودعوني اكمل احتفالي .
الام : اه نسيت ان اخبركم .. اننا نحتفل اليوم بعيد ميلاد زوجي الحادي وال ……. (تنسى)
الاخرس : (يحاول اقناعهم عبر حركات راقصة مع الخرسان بانهم من الممكن ان يقوموا باسعادهم والاحتفال معهم) .
بصير 1: نعم من الممكن ان نسعدكم ونحيي لكم الاحتفال ، فانتم امنا وابينا .
الام : (تصرخ بهم) اخرجوا.. اخرجوا جميعا.. ولا تفسدوا علينا وحدتنا، لقد تألمنا كثيرا لنصل الى هذه الوحدة والخلاص من الناس .. لنكون بمأمن من شرورهم .
بصير 2: سنحافظ على هذا ونعدكم بان نكون باناء اوفياء لكم
الاب : لا نريد ابناء ابدا .. فالابناء لا يزيدون حياتنا الا لوعة واسى .. فلو لم ننجب لكنا الان سعداء ، بدل ما قضيناه في هذه السنين الطوال من فقد ولدنا وابنتنا . لقد تغير كل شيء وما عاد الابناء امان الغد ، بل هم ودع للغد .
(فترة صمت تستمر قليلا ، يشعر العميان والخرسان بفقدان الامل وينسحبون خارجين )
الام : ماذا الان ؟
الاب : لا ادري … فأنا نسيت منذ متى وانا مقعد على هذا الكرسي .
المرأة : منذ الحرب ؟
الرجل :لالا
المرأة : منذ فقدت ابنك ؟
الرجل : (يحاول التذكر ) لالالالالالالا
المرأة : منذ فقدت ابنتك ؟
الرجل : لالالالالالالالالالا
المرأة : منذ اغتصابي ؟
الرجل : لالالالالالا
المرأة : منذ فقدت رجولتك ؟
الرجل : لنكمل….لنحتفل .. سينتهي اليوم دون ان نشعر بشيء من البهجة .. لنشعل الشموع ونقص الكيكة
المرأة : لنحتفل
( تناوله شيء يوقد به الشموع ، وحالما تشتعل شمع ، تنفجر الكيكة وتحيل المكان الى خراب )
تمت
** العراق/ بابل/ 2022