” انسراح ” المسرح بين مفهومي ” الانسنة ” و ” المسرحة” / ذو الفقار البلداوي

كثيرا ما نستخدم مصطلح ( الانسنة ) و (المسرحة) وخاصة المختصين بمسرح الاطفال او عالم الطفل. وكثيرا ما تستخدم المصطلحات بالبحوث العلمية النقدية او الجلسات النقدية بغير مكانها بقصدية غير ادراكية او بلا قصدية علمية، وبالتالي الخلط بين المصطلحين بدء يكبر وجعل من مفهوم المسرح والاعمال المسرحية تنحرف وتخرج من اطارها و معناها وصفاتها ومعطياتها وينسرح بعيدا عن أهدافها.

لذا استفزتنا التجربة للبحث وايضاح الصورة لمن يهتم رغم ان الكثير كتب عن المصطلحين منفردين بلا مقارنة بينهما:

اولا : الانسنة

يراد بها النزعة الإنسانية. و “الأنسنة لفظ اشتق من الإنسان، وبني على بناء الفعلَلَة، وهو بناء مصدري يراد به تحويل قضية ما إلى قضية إنسانية .”

والأنسنة نزعة فلسفية أخلاقية غربية تركز على قيمة الإنسان وكفاءته، وتنتهج التفكير العقلاني والمنهج التجريبي برغم ان انسنة الحيوانات في ( كليلة ودمنة ) للفيلسوف الهندي بيدبا وترجمة عبد الله بن المقفع تعد من أقدم الكتب التي استخدمت الانسنة فيه بأسلوب قصصي واعي وهناك العديد من النصوص العربية القديمة التي احتوت الانسنة دون الإشارة للمصطلح.

حيث يشير مصطلح الأنسنة لعملية التحول إلى الإنسان، ويستخدم هذا المصطلح في سياقات مختلفة نسبيا في مجالات علم الأحياء القديمة مثلا وعلم دراسة مستحاثات أسلاف البشر وعلم الآثار والفلسفة والإلهيات والمسرح وغيرها من المجالات الأخرى.

فالانسنة مسرحيا هي اضافة صفات انسانية الى الاشياء وجعلها على المسرح بقييم وسلوكيات انسانية. فمثلا انسنة الحيوانات وانسنة النباتات وانسنة الدمى وباقي الاشياء الأخرى وجعلها على المسرح تتكلم وتتبادل المشاعر كالحب والكراهية والانتقام والاحترام …الخ

فكل ما يوضع على الخشبة بصفات انسانية هو انسنة وان مصطلح الانسنة هو أقدم من مصطلح المسرحة.

ثانيا : المسرحة

لقد ظهر مصطلح ( المسرحة ) في بداية القرن العشرين ودخل حيز اهتمام الكثير من الاختصاص المسرحي والفني منذ ظهوره الى يومنا هذا و قد جاء بتعريف “المسرحة” بالمعاجم الفرنسية حسب ما نقلته لنا الباحثة والاكاديمية اللبنانية د. ماري الياس، مثلا:- (روبير) تعرف المسرحة على انها (موائمة أو ملائمة عمل درامي أو موسيقي أو غيره… مع المتطلبات الأساسية للبناء المسرحي)

اما قاموس ( لاروس) اعطى تعريفين: الأول ( ملائمة عمل درامي فني أو موسيقي مع متطلبات المسرح في جوهره)

الثاني (صفات مسرحية تعود فعاليتها لمقومات خاصة مشهدية، أكثر من الطابع الأدبي للنص).

فالمسرحة مرتبطة بما هو مشهدي لا علاقة لها بالنص لكنها مرتبطة في الكتابة اي اضافة صفات مسرحية للكتابة وليس التحويل إلى نص مسرحي و اذا أصبح نصا تحول مسرحا صريحا و ان مفهوم” المسرحة ” يتداخل بين فكرة (العرض) و (الإستعراض) و “المسرحة” كمصطلح لا يزال حتى يومنا هذا مفهوما إشكالياً. و يستخدم كمفهوم في مجالات أخرى غير المسرح و يبقى بمثابة استعارة من المسرح / أي الفن المشهدي للتطبيق على فن آخر لا يتسم بالضرورة بالسمات المسرحية بوجود المكان والمشهد لكنه يبقى فعالا.

فالمسرحة هنا هي صفات مسرحية تضاف للكتابة لصناعة (استعراض مشهدي) غير مشروط باساسيات النص المسرحي ولا بعناصر العرض فمسرحة المنهاج الدراسي ترتكز على اضافة صفات مسرحية للمناهج لصناعة استعراض مشهدي وليس تحويل المنهاج إلى نص وعرض مسرحي و مصطلح المسرحة يخرج من غلاف المسرح إلى فضاء مفتوح بعيد غير مقيد بعناصر العرض ومعطيات النص فمن المغالطة العلمية نقول مسرحة الاشياء على المسرح ، لان ما يستخدم على المسرح بصفات انسانية وشخصيات فانتازية هي ” انسنة ” وليس “مسرحة ” فلا يوجد شيء اسمه “مسرحة الاشياء على المسرح” أو “مسرح الاشياء ”

فالاشياء اذا استخدمت كشخصيات اصبحت مؤنسنة . حتى تلك الألعاب التي يلعب بها الاطفال هي انسنة لصناعة محاكاة لشخصيات مختلفة حتى ب”مسرح الطاولة” لا يمكن الادعاء انها مسرحة فكل ما يتم تحريكه بمختلف سلوكيات الشخصيات ( الملعقة ، المصباح ، اللعبة ، المطرقة …الخ ) وتخضع لمعطيات اللعب والمحاكاة فهي “انسنة ”

وبهذا نستطيع التمييز بين الانسنة والمسرحة من خلال العرض والاستعراض.

 

** ذو الفقار البلداوي/ كاتب ومخرج مسرحي رئيس قسم المسرح معهد الفنون الجميلة /بلد 25 / 8 / 2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت