بالمغرب: “عنكبوت السيرك”عرض مسرحي بنفس احترافي، يشرف الفنيدق في المهرجانات المسرحية/ المختار العسري

رغم حداثة فرقة كانديلا أرت التي تنشط بدار الشباب الفنيدق منذ سنة2018، لتصبح فضاء احترافيا لمنخرطي نادي كانديلا أرت، التابع لجمعية كانديلا أرت بالفنيدق منذ 2021 ، هذه الأخيرة التي تقدم عملا جبارا بعمالة المضيق الفنيدق، من خلال تأطير  أطفال وشباب المدينة مسرحيا، وفنيا. مستفيدة من فضاء دار الشباب وخدماتها، ومن تيسير ودعم إدارتها،حيث عمل أعضاء الفرقة على تأطير عدد من الورشات المسرحية، بكل من إعدادية عبد الكريم الخطابي بالفنيدق (2018-2019)، وثانوية أبي الربيع السبتي بالفنيدق سنة 2018، ناهيك عن المساهمة في إنتاج عرض “عيون الوطن” 2018 لإعدادية عبد الكريم الخطابي، وانتاج وتوزيع عرض”مسعود”2021. هذا وتعمل الفرقة من خلال اعضائها على المساهمة في تنشيط الحركة المسرحية والفنية بكل من الفنيدق،المضيق، مارتيل، وتطوان، داخل المؤسسات التعليمية، أو فضاءات دور الشباب.

لا يتوفر وصف.

  • مسرحية عنكبوت السيرك: تؤرخ وباء كرونا وتكشف عيوب الانسان

لم يقتصر تأثير وباء كورونا على الجانب الاجتماعي والاقتصادي فقط، بل تعداه الى ما هو فني وتعليمي، بل وعم التأثير كل مناحي الحياة، حتى توقفت الأنفاس وضاقت الحياة بما رحبت، فصار لزاما على البشرية في كل أنحاء المعمور التوقف ومسائلة الذات حول مآل الانسان، لقد تعددت الآراء والاحتمالات، وسادت التكهنات والإشاعات، وكأني بالإنسان يصدح عاليا في كل مكان، وعبر كل الوسائط، ويقول:” أريد أن أفهم كل شيء ” عن هذا العدو المتخفي، إنه نداء كائن أضحى مشوها وغريبا، رغم التقدم المهول الذي وصل إليه، فهو بكل بساطة كائن سيزيفي، يحمل صخرته على كتفيه، ويصعد بها في جبل الحياة محاولا الوصول إلى بر الأمان.

لقد ظلت البشرية خلال هذا الوباء تنتظر اللقاحات، متى تصل؟ وهل هي حقا ناجعة؟ من وراء هذا الوباء؟ من المستفيد منه؟ كيف ستتخلص البشرية منه؟ كلها أسئلة عبثية تنتظر من يجيب عنها. لكننا بحاجة لمن يطرح الأسئلة ويحطم صورة الإنسان المتعجرف، الذي زاغ عن الطريق، هذا الأخير عليه ان يؤمن بقدرته وإرادته، وان يتحكم في مصيره، من خلال تسليط الضوء على ذاته والاغتسال من عيوبه وتقويض طريقة عيشه بمطرقة الشك وطرح الأسئلة.

لقد أسقط الوباء ما تبقى من قيم لدى البشرية لتتباهى بها، فالسباق نحو التبضع بل والتخزين المبالغ فيه، خوفا من المجهول، لقد سادت الأنانية، وأضحى الإنسان في كل مكان مجنونا، خائفا  وتائها. لذلك فقد ساهم الوباء في العودة الى الروحانيات والاديان، التقرب الى الله والتصالح مع الذات واعادة التفكير في مفهوم العائلة والاسرة، وعودة الانسان الى الاجتماع واللقاء داخل المنازل، والابتعاد عن الفضاءات العامة والتجمعات، تراجع الشعور بالغربة والبؤس واحياء شعور الامل لمواجهة الوباء.

لا يتوفر وصف.

محكي العرض:

وسط غرفة باردة وفارغة من كل شيء، يجد مروض السيرك “باحسن” نفسه وحيد بين جدران تحد من حركته، بعدما فرض وباء كرونا على البشرية العزلة وعدم المخالطة، مع ارتداء  الكمامة وتقيم اليدين، وسط كل هذه الإجراءات الاحترازية وجد مروض السيرك نفسه وحيدا في غرفته، ووسط المعاناة ومراجعة الذات، يتم شخصنة مكونات الانسان (الأنا والانا الاعلى والهو) التي ما هي إلا ثلاث عناصر تكون الإنسان.

وهكذا يستهل العرض فرجته من خلال انشطار الذات إلى ثلاث عناصر، شخصيات بملامح وملابس متشابهة، تتبادل اللوم وتحميل كل طرف مسؤولية الوضع الذي آل إليه مروض السيرك” با حسن”، ثلاث شخصيات في واحد تجد نفسها وحيدة اللهم من عنكبوت تؤنس وحدتها :

“آه يا صديقتي، كم يسعدني أنك هنا معي في هذه الغرفة. ترى، كم تستغرقين من الوقت لتنسجي حولك كل هذه الخيوط ؟ أقصد لتبني لك بيتا؟ لابد أن ذلك يتطلب منك وقتا طويلا و جهدا كبيرا أيضا. بيتك جميل ، حقا جميل و منسوج بعناية فائقة. شيء مدهش، مدهش حقا.”

وللتخفيف من حجم المعاناة، تبادر الشخصيات التي ماهي إلا شخصية واحدة، إلى تعداد صفات العنكبوت وما تتحلى به من قوة وإغراء، تتمكن بواسطتها من النيل من ضحيتها، والتلذذ بها، في المقابل تسرد للعنكبوت خيباتها في الحياة ، ومن هذه الخيبات؛ تجربة الحب التي لم تجن منها سوى الآلام الضمير، أمام هذه المعاناة النفسية، يجد “با حسن” نفسه محطما، في غرفته المظلمة يناجي ويتودد إلى عنكبوته التي تتقاسم معه الغرفة تارة، وتارة أخرى يصب جام غضبه عليها، حتى ليكاد أن ينسفها نسفا،  لولا طيبوبته التي تمنعه من إيذاء الآخرين.

“أ لست خائفة مني؟ أستطيع أن أنسفك نسفا وأمحوك محوا فقط، فقط بأصبعي هذا، أو بنفخة واحدة مني، و لكن اطمأني، اطمأني لن أفعل بك  هذا،  ليس   لأنني بحاجة إليك،  أو بحاجة إلى من يؤنسني في وحدتي  وعزلتي بهذه الغرفة الباردة، و لكن  لأنني رجل طيب ،و عطوف، و حنون، و شهم، و لهذا لا يمكنني  بتاتا أن أؤذيك، أو حتى أن أجرؤ على التفكير في ذلك.”

يستمر هذا الصراع النفسي الذي يتجسد في شعور “با حسن” بالدونية  جراء تأنيب الضمير، والاعتداد بالنفس والافتخار بما أحرزه كمروض بارع، وساحر يجعل الناس ينخدعون بمهاراته التي لم تعد تجدي شيئا، بعدما حل الوباء وفرغت الشوارع، وتوقفت الحياة. ولاذ الإنسان بالمنازل هاربا من عدو مجهول، لا سبيل لمواجهته سوى بالتنظيف والتطهير والتعقيم المستمر، في كل وقت وحين. هذا هو السبيل الوحيد لمواجهة هذا العدو، في حرب غير متكافئة لم يستعد لها الانسان.

“ولكن عن أي حرب أتحدث؟ كل الحروب كانت تدق لها الطبول، و تشحذ لها الجنود، و تسن لها السيوف، و ترفع لها  الرايات ،إلا هذه الحرب.”

لذلك لم يجد “باحسن” مروض  السيرك من مفر سوى اللجوء الى غرفته المظلمة والباردة، بعيدا عن الناس والجمهور الذي كان يصفق له كلما رفع السوط في وجه أي حيوان ضعيف. وفي محاولة للمصالحة مع الذات ومراجعة لمختلف التصرفات التي كان يقوم بها، يجد “باحسن” نفسه بين مطرقة الواقع وسندان الضمير. ليكتشف في الأخير إنه عليه نفض غبار الماضي  والعودة الى الحياة، والسيرك من جديد، بعد أن يتطهر من كل التصرفات السلبية، والأخطاء والذنوب ممارسة النصب والخداع واستغلال جهل الناس، كي يستطيع العودة الى الحياة الطبيعية فإنه يعيش صراعا داخليا يمنعه في البداية من الاقرار بذنبه والعمل على تطهير ذاته منها،

“ما الذي أنتظره من جلوسي و حيدا بهذه الغرفة الباردة؟ ما الذي أنتظره من عنكبوت عالق بسقف الغرفة؟ ما الذي أنتظره كي أفتح الباب و أخرج إلى الشارع؟ ما الذي أنتظره كي أعود إلى حياة السرك من جديد؟”

لا يتوفر وصف.لا يتوفر وصف.

وهكذا يضع عرض عنكبوت السيرك حدا لنرجسية الأنا الطاغية، التي تمعن في تعذيب الحيوانات، والنصب وخداع الآخرين، فصنعت لنفسها برجا من ورق سرعان ما تهاوى، أمام وباء كورونا، هذا الاخير الذي كشف عورة الإنسان المعاصر. وبذلك استطاعت مسرحية “عنكبوت السيرك” من تأليف سعاد الوافي، وإخراج عبد الكريم أبرنوص، تشخيص زينب اولاد غالم، صلاح المقيلي، وعادل  أحسيسن، الاضاءة رشيد عبو، التوثيق لمنير الدراز، إدارة وإشراف المختار العسري، نيل احترام وتقدير الباحثين ومتتبعي الاعمال المسرحية، وتشريف مدينة الفنيدق وجهة طنجة تطوان الحسيمة، بعد مشاركته في المهرجان الوطني للمسرح بالرباط من 13الى 15 ماي2022، ونيله جائزة أفضل تشخيص إناث(الممثلة زينب أولاد غالم)، وترشحه لجائزة السينوغرافيا.

كما سيشرع العرض في جولة مسرحية داخل تراب المملكة، استعدادا للمشاركة وتمثيل المملكة المغربية في عدد من مهرجانات العالم العربي، بكل من مصر وتونس، والمملكة العربية السعودية، وغيرها.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت