نص مسرحي: ” العاشرة ليلاً” / تأليف: الحراسي خليفة

مستوحاة من القصة القصيرة ” الوقت ”  للكاتب سعيد السيابي

 في إطار ورشة سوالف بصرية للنادي الثقافي بمسقط

 

 

الشخصيات :

الزوج: يبلغ من العمر ستين عاما، متقاعد من الخدمة العسكرية..

الزوجة: لا تتجاوز 50 عاما، معلمة في المدرسة الابتدائية التي هدمت بسبب الحرب القائمة في مدينتهم.

 

(في الظلام الدامس لقاعة المسرح وخشبتها، نسمع صوت الطائرات الحربية..وأصوات القذائف ممزوجة بصراخ مبهم غير واضح، وأصوات الجرافات تقترب .

تركز الإضاءة الحمراء على ساعة الحائط في منتصف عمق المسرح. عقاربها متوقفة عند الساعة العاشرة… تفتح الإضاءة الصفراء الجانبية الخافة لترسم ممراً في مقدمة الخشبة. داخل هذا الممر يتحرك رجُل ذهابا وإيابا في توتر.. يختلط وقع أقدامه مع صوت عقارب الساعة.. تزداد حركة الرجل، ويرتفع صوت عقارب الساعة.. نسمع صوت بكاء مولود.. صمت ).

(صوت ارتطام كأس على طاولة .. تنطفئ كل الإضاءات، وتفتح إضاءة شامله زرقاء خافته، تكسرها بقعة ضوء مسلطة على الطاولة التي يجلس عليها الرجل وزوجته) .

 

الزوجة : اللعنة عليهم جميعاً ..

الزوج : وعلى الذين خلفوهم ..

الزوجة : لم يبق أي جزء في بيتنا صالح للمعيشة غير هذه الصالة الصغيرة .

الزوج : الحمد لله أنني كنت أرتدي بنطلونا وقميصا .. وإلا الآن ….

الزوجة: (تقاطعه)لا تقلق أكثر من القلق ..  الغطاء الصوفي لم يتأثر .

الزوج : كان هدية زواجنا .. أتذكرين عندما قدمه لنا والدي ليلة زفافنا؟..

الزوجة: كنا في عز الصيف .. لا أعلم بماذا كان يفكر والدك عندما اشترى هذا الغطاء

الزوج : فكر بالمستقبل .. لقد خاض تجارب كثيرة في الحياة .. كان على يقين بأننا سوف نحتاجه في يوم ما… وها نحن في أشد الحاجة إليه الآن .. (يرتعش جسده )

الزوجة: (تأتي بالغطاء تضعه حول جسده) .. سوف يدفئك .

الزوج :لا أشعر بالبرد. أنني جائع لا أكثر .. ..

الزوجة : للمرة العاشرة حتى الآن أعيد تسخين هذا العشاء البائس ولم نأكل منه شيئاً.

الزوج : قلت لكِ دعيني أذهب .

الزوجة : ذهابك لن يزيد الوضع إلا سوءاً .

الزوج : أيوجد ما هو أسوأ من هذا !!!

الزوجة : إنك تثرثر .. هيا .. هيا كُل طعامك.

الزوج: (يمسك قطعة خبز يابسة ولا يستطيع أكلها، نرى ترددً ظاهراً عليه.. يقف، يتحرك في أنحاء الصالة المتهالكة .. يتحرك ببطء شديد وعيناه للأعلى وكأنه يحاول أن يسمع شيئاً ولكن دون جدوى، من ثم ينتقل إلى الجهة الأخرى من الصالة وكذلك لا يسمع شيئاً، يركض في اتجاهات مختلفة بسرعة متفاوتة إلى أن يقف يائساً .. ينظر إلى الصورة المعلقة التي تضمه ومجموعة من أصدقائه بالزي العسكري) الجميع اختفى فجأة .. آخر مرة رأيتهم فيها لحظة سلمنا معداتنا للقائد.

الزوجة : ألا تكف عن الحديث عنهم .

الزوج : ماذا لدينا غير الذكريات البائسة ؟!

الزوجة : ما الجدوى من كل هذه الأحاديث … أنني قلقة بشأنه .. فلم نسمع عنه شيئاً.

الزوج : دعيني أذهب .. مؤكد أنني سوف أجد من يأتيني بأخباره (يحاول الهرب من الصالة والزوجة تقف حائلا لتمنعه)

(تعود أصوات القذائف التي تنهال على مسامعنا من جديد، الزوج والزوجة يختبئان تحت الطاولة) ..

الزوجة : اللعنة عليهم جميعاً ..

الزوج : اخفضي رأسك أكثر .. قد لا يستطيع السقف أن يتحمل كل هذه القذائف .

الزوجة : (تضحك .. تضحك بهستيرية )..

الزوج : أوتضحكين في عز الحرب؟ .

الزوجة : إذا كان السقف لا يقوى على هذه القذائف ، فهل هذه الطاولة ستحمي رأسي المنخفض

الزوج : أأأأوى العشاء أعلى الطاولة .

الزوجة :(تضحك )

الزوج : (يضحك معها فتتعالى ضحكاتهما .. حتى يختفي صوت القذائف) .

الزوجة : منذ متى لم نضحك .

الزوج :لا تتشابه الضحكات دائماً .

الزوجة : (تخرج من تحت الطاولة ) هيا أخرج من هذا الجحر ..

الزوج :هذا بالضبط ما قاله لي الضابط عند أول تدريب لنا في الضفة .. كانت رجلاي لا تقويان على حملي .. ساعدني صديقي الغائب على الخروج . كان تدريبنا الأول والأخير ،،،

الزوجة : كنت وقتها قريبة من بوابة المدرسة عندما سقطت أول قذيفة ..

الزوج : ها هو مسلسل الدمار يستمر حتى اللحظة… (يصرخ ) دعيني أذهب .. (بأسى وصوت منخفض) قد أجده.

الزوجة : لا تخرج في هذا الوقت .

الزوج : نعم.. نعم.. أتذكر ، الضابط قال نفس الجملة (يقلد صوت الضابط) لا تخرج في هذا الوقت.. ولكني خرجت.. نعم خرجت (يعيش الحدث) حاملا بندقيتي وكانت لا تحتوي إلا على ثلاث طلقات فقط.. أتصدقين ثلاث طلقات فقط ؟… لم أفكر بأي شيء وقتها إلا أن ابحث عنه .

الزوجة : عن من ؟

الزوج : صديقي الذي تطوع في النزول للضفة من أجل أن يأتي لنا بالطعام .. لكنه تأخر أكثر من اللازم..

الزوجة : هل قتل ؟

الزوج: انطلقتُ بكل سرعتي نحو الضفة، وجدته مصاباً في قدمه.. كان ينزف كثيراً .. (يتصاعد تفاعل الزوج عند حديثه ) وأنفاسه تتصاعد مع سقوط كل قطرة دم، حاولت أن أحمله ولكنه رفض، فطلب مني أخذ الطعام والعودة إلى من تبقى، ولكني رفضت..

الزوجة : (تنظر إليه بدهشة )

الزوج : نعم رفضت أن اتركه وحده ومع تقدم العدو نحونا … أسندته على كتفي وكانت البندقية تتأرجح على كتفي الآخر .

الزوجة :يا آآه كل هذا حدث ..

الزوج : (أكمل حديثه وكأنه لم يسمعها) صرخ طالباً تركه مع أول رصاصة أطلقها العدو كادت أن تصيبني، لم أهتم وأكملت طريقي، تزايدت عدد الرصاصات التي تكاد أن تصيبنا، احتمينا خلف قطعة معدنية كبيرة .. أخذت بندقيتي ذات الثلاث رصاصات، فكرت في كيفية إسقاط أكبر عدد منهم بطلقة واحدة، رأيت أحدهم ينزع مقبض الأمان من القنبلة اليدوية، فسبقته برصاصتي ورميته، فانفجرت بهم مخلفة عددا كبيرا من القتلى ..رجعت به عند البقية ولم نخرج وقتها مرة آخري .

الزوجة : قد مضى الكثير من الوقت عن هذا الحدث ..

الزوج : أجل حتى نسيت متى آخر مرة خرجت من البيت !!!

الزوجة : منذ أن خذوه من وسطنا ..

الزوج :لا ..

الزوجة : منذ وصول أول جندي إلى المدينة .

الزوج :لا لا لا لا لا لا لا لا

الزوجة : منذ تقاعدك ..

الزوج : لا لا لا .. لا لا لا لا ..

الزوجة : (تصمت )

الزوج : (يذهب باتجاهها من ثم يلتف حولها ويتقدم خطوتين باتجاه الجمهور ) منذُ لحظة تسليم بندقيتي للقائد، أصبحت روحي حبيسة جسدي ولم تخرج أبدا ..

الزوجة : تكررت معي عندما قصفت مدرستنا البديلة ..

الزوج : يا ليتها طلعت من جسدي ساعتها ..

الزوجة : غادرت تلك الأرْواح البريئة المدرسة ، وظلت روحي عالقة هناك ..

الزوج : ها نحن هنا، وليس كما نحن ..

الزوجة : اظن أن علينا أن ننسى حتى نعيش .

الزوج : سنعيش عندما يعود.

الزوجة : (تشيح بوجهها عنه وتحاول أن تغير مسار الحديث ) جائع ؟

الزوج : نعم .. (يجلس على الكرسي )

الزوجة 🙁تأخذ الطعام من الطاولة) أتعلم وأنا طالبة في الإعدادية.. كُنت احلم كثيراً بأن أصبح معلمة لكل طفل فقد أباه في الحرب..

الزوج : كُنتِ فعلا معلمة رائعة..حتى أنك عندما قصفت مدرستك، لم يؤخرك شيء عن الانضمام إلى المدرسة البديلة والتي تبعد كثيراً عن المنزل.

الزوجة :علينا أن ننسى لنعيش، هناك متسع للحياة .

الزوج : نعم علينا ذلك .

الزوجة : من أجل ابننا ..

الزوج : ابننا !!!!أين هو ؟؟؟؟

الزوجة : (تتلعثم )

الزوج : أخذوه للحرب وهو لم يكمل عامه الثامن عشر .

الزوجة : (صمت )

الزوج : لن اصمت بعد اللحظة، سأخرج الآن، ولن أعود إلا وهو معي.

الزوجة : (تحاول أن تمنعه .. وهنا يدوي صوت الطائرات و القذائف مرة أخرى)

الزوج : (يعود إلى الاختباء تحت الطاولة والزوجة معه)

الزوجة : اللعنة عليهم جميعاً ..

الزوج : وعلى الذين خلفوهم ..

الزوجة : متى ينتهي كُل هذا ..

(يتلاشى صوت الطائرات والقذائف)

الزوج : (يرتعش تحت الطاولة)

الزوجة : أتشعر بالبرد ؟

الزوج : (يخرج من تحت الطاولة وهو يرتعش )

الزوجة : (تجلب له ستره عسكري .. تلبسه )

الزوج : شكراً حبيبتي ..

الزوجة : يا الله .. قُلها مرة .. أرجوك ..

الزوج : (يمد يده نحوها .. تمسك يده .. يبدأ يغني ويرقص معها)

الزوجة : كـليلة زفافنا ..

الزوج : كليلة أول مولود لنا ..

الزوجة : رقصنا فوق السرير ..

الزوج : رقصنا حتى الفجر ..

الزوجة : هل أنت سعيد ؟

الزوج : (يدخل يده في جيبه، يخرج الرسالة)

الزوجة : (تتلعثم ) ما هذه الرسالة .

الزوج : (يصعد أعلى الطاولة ) هذه قصيدتي التي كتبتها لكِ في أول يوم لي في العسكرية .

الزوجة :لا تقرأها ..

الزوج : سوف اقرأها بصوت عالٍ ..

الزوجة : أرجوك ..

الزوج: (يفتح الرسالة، يقرأ) من القيادة العامة يؤسفنا أن نبلغكم بنبأ وفاة ابنكم المخلص لوطنه تمام العاشرة ليلاً .

(صوت الطائرات الحربية .. وصوت القذائف ممزوجة بصراخ مبهم غير واضح ، وصوت الجرافات يقترب) 

إظـــــــــــــــــــــــــلام .

 

** خليفه الحراصي (مسقط / 7 سبتمبر 2022م)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت