نص مسرحي: ” يانصيب” / تأليف: عقيل عبد الله
الشخصيات:
الإنسان: شاب نحيف مصفر اللون، بملابس رثّة
الشيخ: ستيني بملابس مهلهلة
مدير الملهى: خمسيني ببذلة أنيقة
العاهرة: ثلاثينية ترتدي ملابس شفافة.
العامل: ثلاثيني ببذلة عمّال التوصيل
القاتل: خمسيني بلحية، له مظهر متدين
الفتاة العاملة: عشرينية، صماء بكماء
المشهد الافتتاحي
(يخترق الظلام رجلٌ نحيل بملابس رثّة، يحمل آلة كاتبة، وبيده الأخرى حزمة ورق)
الإنسان :أنا المؤلف، وكاتب النص… لا لا، لست المؤلف، ولست كاتب النص… أنا من كتب الكلمة الأولى في هذا النص الطويل. هذا ما أنا متأكد منه، لكن مَن أكمله؟! لا تسألني… من أكون حتى أكتب كلّ هذا النص العفن!! لستُ إلا بائع يانصيب في النهار، وحارس ملهىً في الليل … حدث الأمر كلّه قبل ساعة من الآن، كنت أقود درّاجتي… كم الساعة الآن؟ أها… الثالثة فجرًا، حين استوقفني منظر الشيخ العاري يركض في الشارع الفارغ إلّا منه ومني، يحمل هذه الآلة، هل كان حيًا؟ هل كان روحًا؟ صرخ فيّ:
الشيخ: تشتري الأنتيكات؟ تشتري آلة ياما اخترعت أزمان وأمكنة، إنها كنز، والله كنز… انظر، هي من أوصلني للحال الذي أنا عليه الآن… أبعدَ هذا عزّ!! خذ بالك، فقط تكتب الجملة الأولى، الكلمة الأولى إن كنت متعبًا، وهي تُكمل عنك… ياما كتبتْ روايات وقصص تشيب لها الرؤوس…
الإنسان: ضحكتُ من شغاف قلبي، فالكلب الذي يحادثه لا يملك ثمن عظمة،(يفتش في جيوبه) قلتُ:لا أملك إلّا ورقة يانصيب، ورقة يانصيب منتهية المفعول… أعلنوا نتائجها وأكيد أنها لم تربح، لم يربح أحدٌ مني قط …
الشيخ: هات، هاتها…
الإنسان: دفع لي الآلة الكاتبة ثم ركض خلفي وأعاد ورقة اليانصيب.
الشيخ: أعطها للفتاة على السطوح.
الإنسان: وهرب… فرّ كما يفرّ من أسد، غاب في ظلام الزقاق وهرب …
(يظهر فتاة في النصف الثاني من المسرح وعامل توصيل، مِن الآن سيقسم المسرح نصفين، نصف الإنسان، ونصف الأحداث التي ستجري فيما بعد، في النصف الآخر فتاة عشرينية تمسح السلالم، ترتدي ملابس شغل، ومعها ماسحة ودلو تنظيف، والعامل ثلاثيني ببذلة عمّال التوصيل يفرك راحتيه ويمشي بقلق جيئة وذهابًا)
العامل: (للإنسان) لم تربح ولا ورقة…(يعرض دفاتر يانصيب، يفترشها على الأرض كمن يبيع بها) كلّها لم تفز، وأنا يجب أن أفوز، رغمًا عن كل الدنيا… لن أرجع للبيت إلا وأنا رابح… ستموت سلّومة، هل تفهم أن تموت سلّومة؟! (يلطم) لن تفهم… لن يفهم أحد في الدنيا معنى أن تموت سلّومة…هل هذا الفندق عالٍ جدًا؟ أموت لو سقطت منه الآن؟
الإنسان: لن تموت، في الغالب ستتكسّر عظامك فقط… (يحكي الإنسان بينما يستمر العامل باللطم، ثم يغيب) هذه فتاة السطوح، تمسح سلالم الفندق بشرف، تدعكها كما لو كانت طاولة بيتها. لا تفرّق بين طابق الملهى الليلي، أو طابق الساكنين في السطوح القذرة. (للفتاة في النصف الآخر) خذي …(يمنحها ورقة اليانصيب، ويحاول أن يشرح قصة الشيخ بالإشارات لكنها لاتفهم، يضع الورقة في يدها، ويذهب بينما تضع الفتاة الورقة في صدرها مندهشة، بعد أن تتطلّع إليها، ثم تغيب) لم أعرّفكم بنفسي، أنا كلب الحراسة في هذا الملهى، أُخرجُ السكارى الذين لا يريدون الخروج من جنة عدن بالدفرات، مرّات يمتدّ عملي للموظفين في الملهى، مثل الآن…
(في النصف الثاني، العامل يدخل مكتب مدير الملهى الليلي حاملا سكينًا يخبئه خلف ظهره. والعاهرة تفرك جسم المدير بإغراء، ويبدو أنهما وسط حوارٍ ما)
مدير الملهى: أطردك كما أطرد كلب، من يخادعني ويستغفلني أطرده.
العامل: (بتوسّل) سيدي لا تعلم كم أحتاج هذا المبلغ … لي زوجة مصابة بــ …
المدير: أشش، اشش كفى.
العاهرة: كفاكم تسوّلًا بزوجاتكم
العامل: (يشهر السكين) أريد 13 مليون 976 ألف، الآن … تكلفة عملية زوجتي، الآن… لن أقبل ألفًا فوقها، أو أقل منها…
(يقف المدير والعاهرة تتقدم نحو العامل)
العاهرة: لن يعطيك، اقتله وخذ …
المدير: بنت الكلب.
العاهرة: اقتله ولي النصف، وأنت النصف …
العامل: لا تغريني، سأقتله حقًا
(العاهرة تقف قرب العامل)
العاهرة: وأنا لا أريد إلا قتله (تمرر يديها على يد العامل بإغراء، وتضرب كفه فتسقط السكين، العامل يرتجف، يقترب الإنسان من خلفه، ويمسك يديه، يقترب منه المدير ويضربه ويبصق عليه)
المدير: إلى السجن… والله الإعدام قليل بحقك.. كلاب، كلاب وعديمي شرف (يسحبه الإنسان للنصف الثاني من المسرح)
العاهرة: من يتورط بقتلك يا حبيبي وأنا موجودة …
(العامل قرب السلالم يبكي بحرقة، والفتاة عاملة التنظيف تمسح على رأسه، وتعطيه قنينة ماء، وتؤشر له بلغة الإشارة كلام مؤاساة)
الإنسان: إلى أهلك، لا أريد أن أراك هنا مرّة أخرى، لن أرسلك للسجن…
العامل: أي أهلٍ وأي سجن، ولك اقتلني، اقتلني…(يدفعه الإنسان خارجًا وهو يولول، ويغيب العامل والفتاة)
(العاهرة تُلبس المدير بذلته ويتهيآن للخروج، ثم يغيبان… بالتزامن في الجهة الثانية يضع الإنسان الآلة الكاتبة على طاولة، ويسحب الورق)
الإنسان: فلنر الشيخ الكذّاب، النصّاب (يكتب على الآلة) يتأخر الزمن قليلًا في الفندق، (تكمل الآلة الكاتبة دون تدّخل من الإنسان، ويقرأ الإنسان ما تكتب الآلة، وبالتزامن مع قراءته تظهر الأحداث في النصف الثاني من المسرح) لو تأخر الزمن قليلًا، سينزل القاتل، الذي غرس توًا نصل خنجر طويل في قلب ابنته ليلة دخلتها. كانت تزوّجت دون رضاه، هربت مع حبيبها في ليلة ليلاء، وتزوجته غير آبهة برفض العائلة. سينزل في الطابق الرابع بدل الأرضي وسيصيح بالإنسان:
القاتل: أنت، أي طابق هذا؟
الإنسان: (يكمل القراءة من الآلة الكاتبة المستمرة بالكتابة لوحدها) ولن ينتظرك لتجيب عليه، سيذهب كالمسحور نحو المصعد.
(يُفتح مصعد في الجهة الأخرى، يحشر القاتل نفسه فيه … يُخبئ خنجره المدمى تحت قميصه، بينما يدخل المدير ويبدأ بالتحسيس على جسد العاهرة، تدخل الفتاة ماسحة السلالم بدلوها وعدّتها، ويركض العامل إلى المصعد)
الإنسان: (يقرأ من الآلة الكاتبة) سيركض العامل الذي تقيأ كرامته في دورة المياه، سيظنه القاتل زوج ابنته… ويتيقن المدير والعاهرة أنه قادم لينتقم. تضغط العاهرة، المدير، القاتل والفتاة سويًا أزرار المصعد وهم يصرخون، ولكن القاتل …
(كل ما يُكتب على الطابعة يحدث في الخارج، يضرب القاتلُ العاملَ على رأسه بأخمص الخنجر حتى يسقط مغمى عليه، يُغلق المصعد ويتعطّل)
الإنسان: (كأنه يحاور الآلة) هل ستجري الأحداث في المصعد؟ لَمْ أُعطّل المصعد!! أنا أخّرت الزمن فقط، قد يموتون من نقص الأوكسجين، أو الرعب.
(تظلم الدنيا في المصعد، ويخافون)
المدير: (يصيح بالإنسان الذي أصبح فوق، وهم تحت) إنسااااان، إنسان وينك، أيها الإنسان.
الإنسان: (يقرأ من الآلة) ولن تصدّق أنت طبعًا أن ما يُكتب بواسطة آلة يحدث في الخارج، لن تصدّق أن المدير يصيح فيك الآن… أو أنك تُصدّق؟! ولكنك لا تستجيب …
المدير: (للقاتل) لِم قتلته؟
القاتل: لم أقتله. أنت قتلته
العاهرة: شلونشلونشلون
العاملة: (بلغة الإشارة وتنحني لمساعدته) هل مات؟
المدير: لماذا تساعدينه، كان سيقتلني …هَي أنت، لماذا تسكتين؟
(الفتاة لا تلتفت لهم وتدلق ماء من الدلو على رأس العامل، فينهض …تهزّها العاهرة)
العاهرة: سيقتلنا (يفهمون الآن من لغة الإشارة أنها بكماء صماء) الآن كملت السبحة
المدير: (يصيح لفوق) يا إنسان، أيها الإنسان الكلب
الإنسان: هذا أنا، إنسان كلب
(يخرج المدير الجهاز ليتصل، ولكن لا إشارة …)
المدير: ماكو إشارة …
الإنسان: قليل من البهارات… (الآلة الكاتبة) يسمع رسالة صوتية من الواتساب بعثها صديق إليه…
رسالة واتساب صوتية: لن تصدّق، مليون دولار جائزة اليانصيب، والفائز لم يتصل للآن، الرقم (يضحك) الرقم عشر تسعات، تخيل… ألم تشتر دفترًا كاملًا، افحص أرقامك … وإذا لم يتصل أحد لأسبوع سنبحث عن مزوّر، هل تزوير الورقة الرابحة صعب؟
المدير: (يستريح ويحاور القاتل كمن يشرح الرسالة الصوتية) هذا شريكي، في الملهى…
القاتل: ملهى؟! أنت مدير ملهى؟
المدير: ستدخلنا جهنم الآن؟ ها … نحن أبناؤها؟
القاتل: أكيد، حطب جهنم.
المدير: شريكي هذا بنى ثلاثة جوامع، هل سيدخل النار؟
القاتل: جامع؟
المدير: آه، بنى جامع … نصفه وهو حرّ فيه.
القاتل: من الملهى؟!
المدير: من الملهى، هذا يسمونه استثمار حسن السمعة… اذهب لمدينته وقلفلتان، سيقولون أها قصدك السياسي الحاج خائف الله سيد فلتان…
القاتل: والآن يريد أن يزوّر؟
العامل: (يفترش الأرض ببطاقاته…) لم تفز ولا واحدة …
المدير: لن يربح قاتل
العاهرة: وخائن
العامل: (يخنقها) هل أخونها مع عاهرة، ها، أيتها الكلبة
الإنسان: كلنا كلاب حين نشتم
(ينجح القاتل والمدير بتخليصها من بين يديه، وبعد أن يرتاحوا قليلًا، تُظهر الفتاة العاملة ورقة اليانصيب من جيبها)
الفتاة: (بلغة الإشارة، ويترجم العامل) أنا أملك واحدة فقط، مثل ما يملك… (تقضي الفتاة معظم الأحداث القادمة وهي محنية الرأس ولا تنتبه لمعظم ما سيجري)
العامل: (يفحص البطاقة جيدًا) هي، هي والله…بطاقة المليار، والله هذي بطاقة المليار…عشر تسعات
المدير: (يختطفها ويقارن رقمها إلى رقم البطاقة المفقودة) نعم هي (ويحاول أن يضعها بجيبه…كلهم يقف في طريقه وهو يضعها في جيبه…يمسكها العامل ويرجعها إليها …)
العاهرة: كم المبلغ؟
المدير: مليار عراقي، مليون دولار… هذا يعني أننا نستطيع بناء ملهى في كل مدينة، وستنتقلين أنت من ملهى لملهى مثل الفراشة.
العاهرة: انجب، لو كان المليار لك أيها الديوث، أنا وأنت فرصنا متساوية فيه، أقسم بكل ما رأيت من ضيم وظلايم، لو أمسكت المليار بيدي لرشوت رئيس الوزراء ليوظفك بدل هذه الفتاة، تنظف من تحت أقدام المارة، بأبخس الأجور، سأجعلك تركض مثل الحمار، تلهث وتلهث وتتغذى على خراء الناس…لا تظن أنك أعلى منزلة مني، في هذا المصعد كلنا سواء… عمر قضيته معك لم أكن إلا مقطورة في قطار طويل تقوده أنت، لم يكن لي اسم إلا مقترن باسمك، جاءت قوّادة المدير، ذهبت قوّادة المدير…
المدير: فقط ليتحرك المصعد، ويعود كل واحد إلى منزلته…كنت أمزح، أمزح …
العاهرة: وأنا لم أكن أمزح، أيها الحمار… هل رأيت كيف يحاول الناس القتل لأجل زوجاتهم، حبيباتهم… لكنتُ تمنيت كلّ يوم أن يصيبني ما أصاب زوجته… لستُ إلا فتاة، في الداخل أنا فتاة… هل أنا فتاة؟ ولا تريد الفتاة من عمرها إلا أن تُحَبْ (تبكي)
العامل: (يضحك، وهو ينظر للفتاة) انظروا لهدوئها وفتنتها، هل تعرف أنها تملك مليار (يضحك بصوت عال قربها، ثم أعلى وأعلى…)
القاتل: من قال إنها تملك المليار، الأرزاق للشرفاء، “ومن يتق الله يرزقه من حيث لا يحتسب”… ولا أظن أن في المصعد تقي غيري… حتى هي(يشير للفتاة العاملة) متهمة بشرفها، والشرف معيار أن يكون الإنسان إنسانًا أو لا…الشرف معيار أن تستحق الحياة أو لا، هل تسمح أن تخبرني لِم تمسح فتاة بلاط ملهى ليلي، غير ال…طووط وال طووط
العامل: لأنها تسكن مجانًا لقاء خدمات التنظيف، فوق… لقاء مسح كلّ سلالم العمارة
المدير: هل يتحدث عن الشرف قاتل؟
القاتل: لا يتحدث إلا قاتل، لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى … حتى يُراق
العاهرة: وهل يعيد الدم الشرف بعد أن يُراق؟ هل سينمو لك أنت غشاء بكارة؟ تميزك عن عديمي الشرف؟
القاتل: الدم، والدم فقط علاج العاهرات (يخرج الخنجر)
(تختبئ العاهرة خلف المدير لكنه يضعها أمامه)
العاهرة: أي زوج نذل أنت…
القاتل: (يقرب الخنجر من رقبة المدير) زوجتك؟
المدير: (بخوف) على الورق على الورق
القاتل: وهل الشرف إلا ورق
العامل: إنسان، يا إنسان يمعود إلحكنا
(يخطف القاتل الورقة من يد الفتاة، ولكن العامل يمنعه)
القاتل: (للعامل) لستَ إلا نسخة عنهم
العامل: (يعيد الورقة للفتاة) وهل الشرف إلا ورق
(لكن القاتل يصارعه ويسقط الخنجر فيتوقفان، تمسك العاهرة الخنجر)
العاهرة: (تقف وبحماس) اشششش، تفووو على وجوهكم، خنجر من هذا الذي يقطر دمًا؟ دم من هذا الذي يقطر من الخنجر؟ (تقترب من القاتل)
القاتل: استهدي بالرحمن، هذا دم ابنتي، هربت مع حبيبها، كان يوم سعدي أن عرفت مكانها …
العاهرة: تزوجَته؟
القاتل: الزواج مَن نقرره نحن، ليست النساء ولا قلبها ولا دماغها…وما عداه زنًا
العاهرة: أتعرف؟ روحها لازالت تطوف في المكان، لم تغادر بعد (تمثل وكأن الروح تلبستها) أهلا يا أبي، أنت الذي زرتنا توًا الآن؟ هل كنت تبارك لي زواجي؟ هذا عهدي بك، لن تمنع قلب حبيبتك… بنتك من أن تحب، أليس كذلك أبتاه؟ ولكن لِم قلبي يقطر دمًا؟ لا عليك، سأغفر لك… لقد تزوجت بمن أحببت، هذا يغفر كلّ ما سيأتي. (تضع الخنجر على رقبة العامل) اسحب ورقة اليانصيب منها…الآن…
العامل: (يضحك بصوت عال) هذه شجاعتك؟ ها؟ سيقتلونك حي على الصلاة…(يومئ للقاتل والمدير)
العاهرة: معي خنجر
العامل: خنجر يقتل ثلاثة؟! عندي حل، أنت بيدك الخنجر، وأنا وأنت نقتسم اليانصيب.
العاهرة: لا بأس … نمزق الورقة، نصف لي ونصف لك.
العامل: لا يقبلون بالورقة ممزقة، اسأليني
العاهرة: إذن ثق بي
العامل: إذا وثق فيك زوجك سأثق فيك
المدير: لا أثق بأحد في الدنيا
العاهرة: (تضع الخنجر على رقبة المدير، وترتجف) لست إلا صنيعتك، حقك، لو لم تثق بي فهذا من حقك … لست إلا صنيعة يدك. (يسرقه منها المدير بحركة خاطفة)
المدير: الآن، فلتنهض (يقصد عاملة التنظيف)، سأذبحها وشرفي… الآن، أنا لا أمزح
العاهرة: (تتراجع للخلف) سيقتلها، من أجل حفنة دولارات سيفعلها، ثقوا بي…
المدير: الآن
(ينبهها العامل ويشرح لها، لكنها تضحك ولا تبدو مهتمة وتؤشر..لا، يحاول أن يهجم عليها لكن العامل يضربه حتى ينطح الحائط ويغيب عن الوعي وينزل الدم من رأسه، والخنجر الآن بيد العامل)
العاهرة: يستحق، تفووو (ثم تنحني على رأسه وتستمع لأنفاسه وتبكي) أبكي لأنه لازال حيًا.
العامل: أيها الإنسان دخيلك…
القاتل: اقتله واقتلها، هما عاهرة وقواد، اقتلهم ولا تخف، وسأضمن لك الجنة
العامل: واليانصيب
القاتل: اقتلهم وأنا وأنت بالنصف.
العاهرة: تسرق؟ تسرق اليانصيب منها؟
القاتل: السرقة ليست عارا؟ السرقة من عديمي الشرف حلال.
العاهرة: لكنه مالها!!
القاتل: اليانصيب حرام.
العامل: إذن نمزقها…
العاهرة والقاتل: لا، سنقبل أن نتقاسمها على ثلاثة… معا
العامل: آسف
القاتل: ليس معنى أنك تملك خنجرا أنك صاحب الحق، هذا ليس ملكك أصلا
العامل: (يسأل الفتاة) أنت متزوجة؟
الفتاة: (بالإشارة) لا، أنا أداوي أبي المريض.
العامل: تتزوجيني؟
الفتاة: (بالإشارة) لكني صماء وبكماء
العامل: تتزوجيني؟ (تبتسم الفتاة، يقعد بالقرب منها) تتزوجيني لأجل مالك، لن أستطيع أن أقول غير هذا، أنا محتاج لكل هذا المبلغ، مليون دولار…(الفتاة لازالت تبتسم) سأجري لسلّومة العملية ثم أنتقم من كلّ الناس…سأجعل من كانوا سادة خدم عندي… تتزوجيني رغم أني كلب وابن كلب، لم يرحمني أحد في الأرض ولا في السماء… (للقاتل) بالحب تأخذ ما تشاء، ليس الخنجر.
العاهرة: (للعامل) عاهر أنت أيضا.
القاتل: لن تتزوج عاملة ملاهي، نقتلها ونقسم الورقة على ثلاثة.
العاهرة: لكني بنت ملاهي، من يقول إنك ستمنحني نصيبي يا أبو الشرف
القاتل: بشرفي
العاهرة: (للقاتل) تزوجني وخذ حصتي حلال زلال
القاتل: تا الله أفعل…
العاهرة: (تضحك) الشرف يا حامي الشرف، شرفٌ بورقة يانصيب
القاتل: (بتوسل) نهرب، نعيش في مكان بعيد
الفتاة: (تؤشر) لن أتزوج، أنا أرعى أبي المريض، لم أنم منذ ثلاثة أيام متوالية كما أني أحب، أحب البائع الجوّال…
(العاهرة تشدها لجهة ما، وتحاول خنقها، يسرق القاتل الخنجر ويضرب العاهرة، ويتوجه للفتاة، لكن العامل يتصارع معه، يضربه القاتل أيضا فيسقط، لكن القاتل يتعثر بالمدير ويضرب رأسه بباب المصعد، ويسقط الخنجر، بعد صمت مطول ينهض المدير، يأخذ الخنجر ويتوجه إلى الفتاة، يحاول ضرب الفتاة لكنها تختفي وكأن لا وجود لها)
(نراها الآن خارج المصعد، على هيئة شبح)
الفتاة: (تصيح، الآن نسمع صوتها طليقًا) أيها الإنسان الذي فوق… تدخّل، كفى دمًا من أجل الشرف…كفى دمًا من أجل يانصيب…قسّم حصصنا متساوية ودعنا نعيش بسلام، هل يعجبك اللون الأحمر؟ هل يعجبك اختلاط دمائنا؟
الإنسان: (يفزع من الصوت، ويردد مع نفسه) نعم نعم، يجب أن أتدخل، سأمزق كل الأوراق… لا لا…سأكون قاتلا حينئذ، سأختار أحدهم لأمزق ورقته… سأمزق أوراق الفتاة…
الفتاة: لكن لي أبًا ينتظر أن أداويه وأرعاه
الإنسان: فليعاني، المهم أن أحفظ حياة الأربعة
الفتاة: خذ اليانصيب، خذه، لا أريده
الإنسان: لن يهتم العالم لك، انت بلا صوت أصلا
الفتاة: لكني كائنٌ له دم، دمٌ لونه أحمر
الإنسان: هذا العالم ليس مكانا للشرف، هذا عالم الملاهي
(يمزق الأوراق التي فيها الفتاة، فتختفي، ظلامٌ ثم يعمل المصعد)
الإنسان: الآن سيسير الكون كما ينبغي
(يعمل المصعد، يعود الجميع للحياة، المدير ببذلته الأنيقة، وهو يحسس على جسم العاهرة، العاهرة تضحك بأصوات عالية، القاتل يمعن في إخفاء خنجره… يخرجون ويغيب الجميع إلا العامل، يخرج إلى الشارع ويقف وسطه لينتحر، يقترب صوت سيارة مسرعة وتصدمه)
الإنسان: أنا المؤلف، وكاتب النص… لا لا، لست المؤلف، ولست كاتب النص… أنا من كتب الكلمة الأولى في هذا النص الطويل. هذا ما أنا متأكد منه، لكن من أكمله؟! لا تسألني… هل كتبته الآلة الكاتبة؟ هل كانت هنالك آلة كاتبة أصلا؟! هل كان هنالك ملهىً في عمارة، هل كان هنالك خمسة أشخاص يتصارعون من أجل اليانصيب، هل كان هناك إنسان، أي إنسان؟ هل كنت موجودًا؟ كل ما أنا متأكد منه أنه في البدء كانت الكلمة، كلمة فقط.
(إظـــلامٌ تــــــام)
صوت خارجي: (مذيع في راديو) حضر اليوم للجنة اليانصيب، رابح بطاقة المليون دولار، وتفاجأت اللجنة أنها كانت من نصيب السيد الصغير نجل السيد الوزير المحترم… مبارك للسيد ابن الوزير وبانتظار اليانصيب القادم …
** عقيل عبد الله/ العراق
القائمة القصيرة لجائزة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي 2022
حقوق النص محفوظة للمؤلف: aqeelasd34@gmail.com