مسرحية بائع متجول وازمات الانسان الاجتماعية والاقتصادية/ حيدر الاسدي
قدمت الأردن العرض المسرحي الموسوم ( بائع المتجول) عن نص ( موت بائع متجول (Death of a Salesman) للكاتب المسرحي الامريكي آرثر ميلر، واخرج هذه المسرحية الأردني المعتمد المناصير وذلك ضمن فعاليات مهرجان بغداد الدولي للمسرح الدورة الثالثة، والمسرحية مهمة بوصفها تطرح إشكاليات تتعلق (بصراع العائلة الواحدة/ الصراع مع المجتمع/ صراع الطبقة الاشتراكية والرأسمالية) صراع الحصول على المال، البطالة، الرهن العقاري، الحصول على فرصة عمل، (المغامرة في عالم الأسواق) وغيرها من المشكلات التي تتمحور حول مفهومي (الأزمة الاقتصادية، الأزمة الاجتماعية) فالبطالة وفقاً للابن ( تقتل أي تفكير بالعمل) (شاب لا يربح سوى بضع دولارات انه أمر مخجل) (شاب تساوي ساعته دولاراً واحداً) كل هذه الثيم التي تشكل بنية الأزمات التي أشرت لها إنما تشيء بالفكر الاشتراكي الذي يمحور هذه المسرحية، بانتقادية عالية الى مفهوم الرأسمالية وما تنتجه وتلقي بظلالها على الطبقة البروليتارية (بدلالة رب العمل الذي يطرد ويلي) ولا يقبل ان يبقيه حتى لو كانت أجرته الشهرية (40 دولاراً) انها توثق لحقبة خانقة تشكل رعب حقيقي وازمات نفسية واجتماعية للإنسان إزاء مخاوفه من الحصول على المال مقابل ما يبذله من جهد (جسدي) مما يجعله يعاني الامرين، الإفلاس او الاكتئاب ومحاولة انهاء الحياة (الانتحار)
بصراحة كنت أتمنى من المخرج ان يحاول ان يسقط كل الثيم على واقعنا العربي على الأقل فيشير ضمن مدلولات هذا النص (الواقعي/ الرمزي) الى ابرز ازماتنا الاقتصادية الاجتماعية التي ظهرت على السطح في سنواتنا الأخيرة بخاصة في ظل التغيرات التي حدثت في منظومة الأنظمة العربية كافة، او حتى قبلها خلال حقب الحروب والأزمات المالية، اذ بدا الإيقاع بملامح غربية خالصة، من التسميات وحتى إيقاع الحدث المسرحي والحوارات (لشخوص المسرحية) رغم المقدرة العالية للممثل الذي أدى دور الأب (ويلي) ناهيك عن الاستخدام المميز (للموسيقى والاضاءة) والتي كانت تتأزم مع فعل الصراع (الداخلي) للشخوص المسرحية، وتتصاعد وفقاً لتصاعد وتيرة التأزم التي تصيب الشخوص جراء الفاعل الضاغط الخارجي والخوف الذي يصيب (الاب) جراء عدم مقدرته بالحصول على القسط الأخير للمنزل والتحولات اللونية للضوء مع تلك الارهاصات السيكولوجية، فضلاً عن تحول المفردة الديكورية في هذا العرض المسرحي (مدلولات السرير، السيارة، محطة انتظار، كراسي انتظار، كيس ملاكمة ، شبكة سلة)،( المشنقة / السوط ) والناي ومرموزاته (الحنين الى الماضي واختلاج الذكريات) كما ان في العديد من مشاهد المسرحية الصراع اخذ شكل (الأداء الجسدي التعبيري) ذلك لما تعتمل الذوات من شحنات متأزمة بخاصة الأبناء وعلاقتهم مع الاب ورؤيتهم للواقع الخارجي (بوصفه) يمثل الصراع بالحصول على (المال/فرصة العمل)،
ان المسرحية بإيقاعها ذات النسق الاحادي، ترتكز بجوهرها على (ثيمة الموضوع) لذا كان على المخرج المسرحي ان يقرب مدلولاتها اكثر من واقعنا العربي بصورة اكبر ، لتكن قريبة بعملية التواصل مع الجمهور(المتلقي) لهذه الفكرة المهمة جداً في منطقتنا العربية.
* حيدر الاسدي / ناقد واكاديمي (العراق)