إلى إدارة المسرح.. ما هكذا تورد الإبل! / د. سعداء الدعاس

  • هذا المقال نصرة لأحد أبنائي الذين أفخر بهم أولاً، ولحرية الرأي وأحقية النقد ثانياً.
  • زمن تكميم الأفواه لا يتماشى إطلاقاً مع العهد الجديد الذي ترفل في ظله كويت اليوم.
  • أسلوب الإلغاء لا يقبله كل من معالي وزير الإعلام عبدالرحمن المطيري، والسيد الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الدكتور عيسى الأنصاري.

 

قبل أيام تساءل ابني المميز، خريج قسم النقد والأدب المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية “بدر الأستاد” عن أسباب اختيار الأسماء المشاركة في الندوة الفكرية الخاصة بمهرجان الكويت المسرحي الحالي، والتي جاء عنوانها “الندوات الفكرية والتطبيقية وأثرها المسرحي”.

وكان بالإمكان أن تمر كلماته مرور الكرام، لولا ما حدث بعدها، الأمر الذي من أجله أكتب مقالي هذا، نصرة لأحد أبنائي الذين أفخر بهم أولاً، ولحرية الرأي وأحقية النقد ثانياً، حيث تعرض (الأستاد) للإقصاء من ندوات المهرجان، بتعمد واضح، أشار له في حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي.

ابني الذي كان يُلقبه الأمين العام لرابطة الأدباء والعميد الأسبق للمعهد د.خالد رمضان بـ (الولد النبيه)، التقط تلك الملحوظة الذكية عن الندوة، والتي لم ينتبه لها أحد من إدارة المسرح في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب -بقصد أو بغير قصد- حين جاؤوا في ساعة غفلة -وكثيراً ما يغفلون- بمن لا علاقة لهم بالندوات التطبيقية والفكرية ليقدموا قراءة عن أثرها المسرحي!

وحين نقرأ كلمات (الأستاد)، المنشورة على حساباته في مواقع وسائل التواصل الاجتماعي، نتيقّن مباشرة من أنه لم يقصد إطلاقاً الأسماء العربية أو الخليجية المشاركة في الندوة، بل قصد اسمين بعينهما، وأشار لهما بـوصف (المحلية)، وهما تحديداً د.سكينة مراد، د.محمد المهنا، لكنه -كما يبدو- تجنب ذكرهما بالاسم، احتراماً لطبيعة علاقته السابقة بهما، بما أنهما درّساه في المعهد قبل سنوات، وهي مسألة تُحسب له لا عليه.

تساؤلات بدر المستحقة، والتي تفاعل معها الكثير من القراء والمسرحيين -في السر والعلن-جاءت مُرفقة بصور عن الإعلان الخاص بالندوة، الذي ما إن اطلعتُ عليه حتى أيقنتُ أن القائمين على المهرجان اختاروا عنواناً لم يتمعنوا في أبعاده، فمن يعِ معنى (الأثر) يُدرك أنه لا يمكن قراءة نتائجه دون تتبع خطواته، الأمر الذي لن يتم إلا بخوض التجربة من جانب، ومتابعتها عن كثب عبر الحضور والمشاركة وإجراء الاستبيانات من جانب آخر، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا بالاستعانة بناقد محترف، أو بممثل أو مخرج فاعل (كما أشارت الكاتبة فتحية الحداد في إحدى ملحوظاتها على الندوة).

وبلا أدنى مواربة، يعلم الجميع بأن مراد والمهنا-كما أشار بدر تماماً- لا علاقة لهما بالندوات التطبيقية والفكرية من قريب أو بعيد، وإذا كان بدر يستشهد بعشر سنوات فقط من المتابعة، فأنا شخصياً أستشهد بما يزيد على اثنتين وعشرين سنة من المتابعة -أستقطع منها سنوات الدراسة- أجزم أنني خلالها لم أستمع لصوت أحدهما على منصة التعقيب، أو مائدة الحوار الفكري أو منصة الجمهور التي شارك فيها الجميع، حتى الطلبة! وفي حال حضرا ندوة هنا وأخرى هناك، فهو حضور المتفرج عادة.

لذا كان من الأجدى على الأستاذين الفاضلين أن يعتذرا عن المشاركة في مضمار لم يسبق لهما خوضه من قبل، لأن المشاركة هنالا تقتصر على وجهة نظر عابرة، بل تتطلب ورقة علمية، بأدلة عملية، مقرونة بالواقع، لا الخيال. ولكونهما حضرا في العام الماضي، لا يعني ذلك أنهما باتا مؤهلَين للكتابة عن ذلك المضمار، لأن عنوان الندوة يناقش (الأثر) لا (التوصيف)، والفرق شاسع بينهما، الثاني يرتبط بالمفردة/المفهوم اصطلاحاً ولغة، والأول يتعلق بقراءة شاملة للمشهد، بتطوراته، وتراكماته، والأهم من كل ذلك انعكاسه على الفعل المسرحي، أي أن الأمر يتعلق بضرورة متابعة الفعل المسرحي ذاته؛ وبالتالي يتبادر إلى الذهن سؤال آخر: كيف يتسنى لمن لم يحضر (العروض المسرحية) طوال عشرين سنة (عمر المهرجان) أن يمتلك القدرة على تشخيص الأثر؟!

لو أن المجلس الوطني بذل قليلاً من الجهد وبحث في الصور التي تملأ الصحف لحضور الأنشطة والفعاليات في مهرجان كل عام، لاكتشف ذلك بسهولة، بل إن إداريي المجلس وموظفيه يتابعون جميع الأنشطة في كل دورة، ويعرفون تماماً مدى فاعلية تلك الأسماء في ندواتهم التطبيقية والفكرية من عدمها! وعندها كان سيتم تدارك الأمر قبل أن يصل إلى قلم شاب مثل بدر الأستاد، الذي أطلق تساؤلاته من منطلق متابعته ووعيه بأن الممارسة النقدية تشكلفي هذا المبحث ضرورة، ضمن حدود مكانية معينة، وهذا ما يُضاعف من الكارثة، الأمر الذي أشار له (الأستاد) في ردوده الصادقة أيضاً على موضوعه، حين أكّد أن سوء الاختيار لا يُشجع على حضور ندوة يعلم مسبقاً زيفها، واعتمادها على كلام نظري لا صلة له بالواقع! وكأنه يستقرئ المستقبل، فمن يتابع الندوة المعروضة على على وسائل التواصل الاجتماعي، يتأكد من صدق توقعاته، حيث انتقد معظم الحضور الورقة المقدمة من د.سكينة مراد نقداً مباشراً، حتى تلك الأصوات التي حاولت أن تجامل، برزت من بين كلماتها ملحوظات تضرب بصميم الورقة وتنسف فرضيتها، التي بُنيت على كلام نظري، وطروحات لا علاقة لها بواقع الحال، حيث اعتمدت الباحثة على (عناوين الندوات في السنوات السابقة)، ولم تجد أمام تلك الانتقادات إلا تبرير ضعف الورقة بمبررات غير علمية من بينها ضيق الوقت!

أما ورقة د. المهنا فكانت أكثر مواربة، حيث تناول فيها استبياناً بلا أرقام أو إحصاءات، بل أشار مسبقاً إلى التأثير السلبي للندوات على العرض المسرحي، رغم أن الندوات التطبيقية لاحقة لا سابقة، فكيف توصّل إلى تلك النتيجة وهو الذي لم يحضرها من قبل؟! وأكبر دليل على ذلك أنه حتى عند وصفه للندوة التطبيقية أشار إلى معلومة خاطئة حول تعقيب مبدعي العرض!

الطامة الكبرى في ورقة المهنا، أنه قام بتعميم ذلك الأثر (السلبي من وجهة نظره) على جميع المهرجانات العربية رغم أنه -على حد علمي- أحد أقل المشاركين في المهرجانات العربية، ثم يأتي لينقض ذلك الأثر السلبي بعد ذلك، ويؤكد عمق الندوات التطبيقية؟!

أما توصيات د.المهنا ود.مراد، فوقعتا في إشكاليات عديدة، لا مجال لذكرها هنا، حيث تتطلب مقالاً خاصاً بذلك، ولا يمكن الخروج منها بأثر حقيقي وعملي يُحقق ما ينشده عنوان الندوة، وهو ما أثار ضيوف الندوة أيضاً، في انتقاداتهم العديدة لعنوان الندوة، للورقتين، وللتوصيات، ولعل أبرز تلك الآراء والملحوظات ما صدر عن النقاد: عبيدو باشا، لمياء أنور، طارق الرمح،بلا مجاملة أو تملق، بالإضافة إلى تعليقات أخرى للعديد من المسرحيين، تستحق التوقف.

إلا أنني شبه متيقّنة -بعد هذا المقال– من أن هناك من سيحاول الدفاع عن الندوة، رغبة في إرضاء إدارة المسرح، ودفاعاً عن أنشطته، مع أن ذلك لن يُغير من حقيقة واحدة، هي أن الندوة اعتمدت على من لا علاقة لهم بالموضوع، وأن إدارة المسرح لم توفق على الإطلاق في الاختيار الذي استند لمبررات غير علمية.

كيف تعامل المجلس مع تساؤلات بدر الأستاد؟!

وبالعودة إلى السبب الرئيس لكتابة هذا المقال، فعلى ما يبدو أن الطرف الآخر لم يتقبل تساؤلات بدر الأستاد، وبما أنه لا يمتلك الحجة ليرد عليها، فقد تم اتخاذ وسائل غير مباشرة لمحاربته عبر منعه من المشاركة في الندوة التطبيقية، وهو أمر مؤسف جداً، وموقف غير مقبول من إدارة المسرح في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، فما هكذا تورد الإبل!

محاولة الحجر على الرأي، لا تتماشى إطلاقاً مع العهد الجديد الذي ترفل في ظله كويت اليوم، وأعتقد أن أسلوب الإلغاء/الإقصاء، لا يقبله كل من معالي وزير الإعلام عبدالرحمن المطيري، والسيد الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الدكتور عيسى الأنصاري.

لذا ورغم وجودي الحالي في الكويت، إلا أن التراجع السريع للمهرجان، بدءاً من العام الماضي، جعلني أتخذ موقفاً من حضوره أو المشاركة فيه، على غير المعتاد كل عام. وحتى لا يعتقد أحد أو يدعي أن انتقادي سببه عدم اختياري،لا بد أن أشير إلى أنني تلقيتُ دعوة للمشاركة في الندوات التطبيقية للمهرجان هذا العام، ومن قبلي زوجي علاء الجابر أيضاً، وكلانا اعتذر عن المشاركة؛ وهذا اعتذاري الثاني من بعد العام السابق. علاء اعتذر بسبب التزامه بحفل توزيع جوائز “مسابقة علاء الجابر للإبداع المسرحي” ضمن فعاليات ملتقى القاهرة للمسرح الجامعي، وأنا بسبب ألمي على الحال التي آل إليها أهم مهرجان في بلدي، هذه الحال التي باتت تتناقل أخبارها الصحف وصفحات السوشيال ميديا، سخرية من تخبطاتها واختياراتها، الأمر الذي سيكون لنا بشأنه مقالات خاصة في الأيام القادمة بإذن الله.

د.سعداء الدعاس/ كاتبة وناقدة

Enter

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت