تفاعلية الاسطورة بين الموروث والحداثة مسرح الاطفال فضاءات لذلك الابداع /جاسم محمد صالح
الكتابة في الموروث حضور وابداع واحياء لكنوزنا التراثية, ومن يريد ان يتصدّى لذلك لابدّ له أن يعي حقيقة واحدة بانّ المهمة شائكة جدا وتحتاج الى وعي ومعرفة وادراك في جدلية الغوص في البعد الثقافي للماضي السحيق جملة وتفصيلا, وفي الوقت نفسه عليه ان يفهم عقلية الطفل في الوقت الحاضر وتقبله لما يُطرح عليه وبقناعته بالنص المطروح , فكرة وموضوعا ومن خلال هذا الفهم والتقبل يمتلك كاتب الاطفال القدرة والارادة في التعامل مع النصّ روحا وفكرا .
الوعي مهمّ جدا في معرفة الاشياء وهو الخطوة الاولى في عملية التقديم , في البدء في الابتكار في اعادة الروح للنص بنكهة العصرنة والحداثة لكي يعمل على ان يكون العمل مقبولا جملة وتفصيلا , ففي كنزونا الاسطورية كثير من الرموز التي بامكاننا ان نستثمرها ونطوّعها لعملية الخلق والابتكار , نتوقف قليلا امام شخصية (كلكامش) وغريمه (انكيدو) و(عشتار) و(نبو خذ نصّر) و(سنحاريب) و(شجرة الدر) البابلية و(تيامات) و(مردوخ) و(اتونابشتم) و(سرجون الاكدي) ملك الجهات الاربع … الى آخره من الرموز والموروثات الاسطورية التي نعيش نكهة شخوصها رغم الزمن القديم الذي يفصلنا , هنا لابد لنا ان نعرف ان استلهام الرموز الأُسطورية في الكتابة للكبار تختلف من حيث استلهامها للرمز الاسطوري عن الصغار لغة وتعبيرا وفكرة, ولمّا كنتُ من كُتّاب أدب الاطفال وتصديّتُ لهكذا مواضيع في كتاباتي, في قصصي ورواياتي ومسرحياتي, وقفت مذهولا امام شخصية كلكامش ووجدته قريبا من عقلية الاطفال واهتماماتهم ويصلح ان يكون رمزا لهم, ولكن ايّ رمز؟, فالمعروف انه طاغية ومتسلّط وعدوانيّ, لهذا فانّني أعدت هندسة شخصيته لكي تكون رمزا للطفولة في الفعل والحركة وحولته الى محبّ للعلم وللأطفال وللمعرفة والنور, لهذا فانّه ثأر وبكلّ قوة ضدّ ظلامية (انكيدو) الذي يسانده ويساعده الساحر الشرير في غابة (اوروك) التي تحولت الى مدرسة , مدرسة يريد (انكيدو) ان يهدمها بقوته , الساحر الشرير جزء من ظلاميته فحاول منع اطفال (اوروك) عن بوابات السعادة والفرح عن العلم والمعرفة , فكان الصراع محتدما بين الفريقين وانتهى بانتصار الخير على الشرّ , انتهى بانتصار (كلكامش) والاطفال في (أوروك) على (انكيدو) والساحر الشرير.
هنا لا بد ان نعترف بانّ أثواب الاسطورة تغيّرت نحو الافضل لكن نكتها باقية , تغير سلوك (كلكامش) لكنّ رمزه بقي شاخصا واسمه متلالئا , حدث ذلك برؤية مدروسة ووجهة نظر مقبولة وقريبة من عقلية الاطفال ولغتهم وافقهم المعرفي اضافة الى اهتماماتهم الاخرى , هذا التعامل مع الاسطورة والموروث انجز عندي مسرحية (اطفال الغابة) التي استلهمت أحداثها من أجواء الملحمة السومرية ولكن بلغة الحداثة والعصرنة , ولا زال تراثنا وارثنا الثقافي ينتظر المبدعين ليكملوا المسيرة التي خضتها, فالتراث أمانة في أعناقنا فنحن ابناء هذا البلد العظيم.