زهايمر الكلمة المنطوقة في النص المسرحي التهكمي (ادب سز) للكاتب علي العبادي/ د. طالب هاشم بدن
(ادبسيس) مفردة تركية تقسم الى (سز) والتي تعني بدون والاسم الذي ينهى بلفظ سيس التركية يشير الى بدون، بوصف ان الحكيم البابلي ( طلعت ميشو) يقول ان تلك الكلمة تستعمل في العراق بشكل خاص للذي لا يملك من الادب شيئاً أو لا ادب له. وذلك تستعمل للمتحرش بالنساء والفتيات عن طريق الكلمات واللسانيات بغض النظر عن نوع الكلمة فتقول لك ( ادب سز) وكلمة ادب وهي كلمة معروفة بالعربية ايضاً فتصبح الكلمة المترابطة ( ادب سز) التي اضحت جزءا من اللغة في مجتمعاتنا العراقية .
اختار كاتبنا الشاب علي العبادي تلك المفردة لتكون منطلقاً لأفكاره التي صاغها على وفق بناء دراماتيكي عبر شخصيتي النص الدرامي بأسلوب تهكمي ساخر منظم بحوارية بين امرأتين. ومن الملاحظ إن الكاتب العبادي يختار عناوين مسرحياته الملفتة للنظر من مفردات ساخرة تحاكي الواقع الذي يراه ويُري للمتلقي ما يريده من خلاله عبر الكلمة المنطوقة بأسلوب مسكوت عنه حذر حاذق لملمات الزمن ومدركاً لمخاطر ما يتناوله من دهاليز يمكن ان تؤدي إلى خطر محدق بأسلوب ديالكتيكي قادر على المغامرة والخوض في خفايا واضحة وظلمات ساطعة على المثقف ان يجد ضالته من خلال أسلبتها وفك شفراتها بدراسة ما يمكن دراسته من علل وفطنة تؤدي غرضها على مهيمنات العصر الذي صار قوته سلاح منفلت ولا عقل راجح قادر على البوح بصوت عال إلا وكانت النتيجة هي نهاية حتمية لصاحبها. وما المعهد الذي سارت عليه احداث النص الدرامي إلا بؤرة لذلك البوح الصاخب بصمت عبر مجموعة من الاستفهامات المؤجل الاجابة عنها .
على الرغم من ان مفردة (ادب سز) اختطت لها عنوانا للنص المسرحي غير انها لم تذكر في المتن الحكائي وهنا يتبادر الى ذهن القارئ مفاده، لماذا أهمل أو لم يذكر الكاتب كلمة (ادب سز) ضمن نصه المسرحي ولم يتطرق لها بشكل واضح ؟؟؟. وللاجابة على ذلك التساؤل بعلمية مختزلة وأسلوب ادبي للقارئ العليم هو ان الكاتب اشار في نصه الدرامي الى مجموع الدلالات السيميائية التي تخللت ثنايا الحوار على لسان شخصياته وضمنها الكلمة بدون ذكرها وهو كم الكلمات المسندة في الحوار .
الفكرة العامة :
ان المتفحص للنص الدرامي يجد ان البناء الفني المركب اتخذ اسلوب الحوارية بطرائق متنوعة اتخذت من المرأة الاولى الناصح الذي اراد تسليط الضوء على قضية مهمة نخرت المجتمعات عبر ممارسة الرذيلة على وفقه طرحت مشروعها الذي هو محاولة انشاء او اقامة معهد متخصص لمعالجة العهر الذي ربما هو ليس العهر الجسدي وانما العهر الفكري الذي اصاب عدد غير قليل من الناس وهي طريقة فريدة في اقامة هكذا مكان الا انها لم تلق النجاح وبقيت رهينة تفكير ساذج قائم على اسباب واهية وعلاقات متشظية في العهر الفكري الناقل لحقائق مشوهة تمثلت في شخصية الصحفية التي تحاول تقصي حقيقة شوهاء قائمة لم تقم دون علاج حقيقي جاد لآفة مجتمعية استفحل دائها ولم نجد لها الدواء .
الشخصيات :
ان العلاقات المتبادلة التي وظفها كاتبنا بين شخصيتي النص الدرامي ما هي إلا علاقة توافقية تسحبنا إلى دائرة الاحداث بأسلوب الجذب والشد واستفهام الكلمات التي تبدو متقاطعة لا يمكن حل شفرتها إلا من خلال تتبع مدروس وفهم واع لما وراء الكلمة الذي يطرح صرخة مكتومة لا يسمعها إلا من به صمم وهنا بحد ذاته تشابك الارادات وتناحرها عبر بوابة الكلمات العائمة ما بين الالم والذات المعبرة عن احاسيس متناثرة هنا وهناك تجلت في بوهيمية الواقع وشذرات الانا التي بقيت شاخصة في روح المرأة الاولى وهي تصر على انها الاجدر وصاحبة الرأي السديد في السير بأفكارها السلطوية المتحكمة التي تمثل طرفاً غائر في الخبث والحيلة فهي تلوك الكلمات وتمضغها كما تشاء تحيط بها هالة من الاستفهامات المتشعبة قائلة ( الجحيم يحيط بنا ) ومثل هكذا عبارات تعبر عن خفايا كبيرة وفي طياتها موضوعات عدة منها اننا على وشك الفناء ومنها ان الذي حولنا ما هو الا عدو كاسر يريد النيل منا بطرائق عدة ومنها تؤول على وفق المحيط الذي طوق رقابنا بهموم الخوف والجوع والالم طيلة تلك الفترة التي لم نر من خلالها إلا القتل والترهيب الذي منفك يلاحق ارواحنا بشتى الطرق . إذ عملت الشخصيتين على تنظيم حوراها بأسلوب التتابع المنطقي لرواية وصياغة الاحداث في النص الدرامي ونجحت في تقديم فكرة مقتضبة عميقة الفهم والادراك للمتلقي فلم نر أو نسمع ان هنالك جحيماً فيه صفة فضيلة إلا من خلال استنطاق النص وتعدد المعاني الذي عبرت عن مضمونه الكاتبة البلغارية جوليا كريستيفا في كتابها ( علم النص ) ص 21 بقولها ( ان النص فضاء للاختراق والتجاوز ، والهدم والبناء من جديد ، ضمن عملية جدلية ، تمكن من اعادة قراءة التاريخ ، واكتشاف اللغة من جديد ، بفعل تدمير وهدم النسق اللساني المهيمن إذ نحدد النص كجهاز عبر لساني ، يعيد توزيع نظام اللسان بوساطة الربط بين الكلام التواصلي يهدف الى الاخبار المباشر ) . بوصف ان الشخصيات فرضت وجودها بالنص بصورة مباشرة .
اللغة والحوار :
تفيد لغة النص الحوارية على تداخل كبير في المعاني وتناغم في ايقاعيتها بوصفها قدمت لغة سلسة ليست عصية على الفهم وبأستطاعة القارئ العليم ان يفك شفرتها وكذلك القارئ البسيط بوصفها تناولت المفردة بعفوية ولم تستخدم لغة الكلمات الصعبة العصية على الفهم فقد كانت العبارات جزلة المعاني مطروقة مسموعة ليست بغريبة فهناك ( الهدف المرجو ، هول الفكرة ، ملصقات دعائية ، تهم بالسير …. وغيرها ) اذ ان كل كلمة على الرغم من تعبيرها المضمر إلا انها كلمات وضعها كاتبنا بسلاسة لا يمكن ان تترجم على انها مشفرة غير مفهومة وهي في واقع الامر انسجمت بشكل كبير مع لغة النص الدرامي .
الحبكة والصراع :
الحبكة نظام معقد بني على وفق تصاعد حدث منطقي ثيمته فكرة واستفهام وصراعه الجدل الدائر بين الشخصيتين بأفكارهما وتجلياتهما وما حوته كل منهما من تراكيب جمل صماء كتمت ما بداخلها وأخرجت ظاهراً مغايرا لما تريد فكان النص الدرامي يتصارع بحبكته ويعلن عن هروبه إلى الامام من خلال التسارع في الحدث والايقاع وصولا الى التعقيد ومن ثم الانفراج غير المتوقع في أبنة الحدث وهنا يكمن سر الابداع في تناول المفردة وتشابك الارادات التي ظلت تحاكي لغة المواقف المتداخلة وتصارع الحدث فحبكتها غير مستقرة وصراعها لا ارادي تارة يطرح سؤالا وتارة يغاير ملفوظا ومن ثم ينضج ويستقر ليصبح دراماتيكيا مترابط الاحداث .
ان روح الملصق وطرائق استخدام التواصل الاجتماعي هي بحد ذاتها نكهة حداثوية اضفت على النص الدرامي روحا وجمالية واعطت خيالا قادراً على التنوع الفكري المعرفي الذي قدمه كاتبنا بنص أقل ما يمكن ان نقول عنه إنه نص جريء بطرحه وعنوانه ومداخلاته التي علينا التأمل في كنه ما افصحت عنه وهنا نختم تحليلنا النقدي لنص أدب سز بالقول ( ان الكلمة مقياس وبعض الكلمات لباس يمكن أن تغطي عورات الانسان بلفظة وتغاير جمالية الاشياء بكلمة وتغري وتثير بجملة ان كانت بحسن القول قولا )..