بالمغرب: عرض “جوج من الحاجة” يقدم في شفشاون احتفاله بالحكاية الشعبية ويعيد لها الاعتبار / عزيز ريان
قدمت فرقة مسرح تاغنجا لفنون الفرجة بمراكش/المغرب عرضها:”جوج من الحاجة”،بقاعة دار الشباب بمدينة شفشاون شمال المغرب وذلك بدعم من ورزارة الثقافة والشباب والرياضة(قطاع الثقافة) عن حكاية شعبية مغربية، مسرحها كل من: يوسف آيت منصور، ومحمد كوردادي وتشخيص:محمد الشوبي،لبنى شكلاط،محمد كوردادي،رجاء زركيني ويوسف صردي.
استقبلت العرض جمعية المدينة الصغيرة بشفشاون لتقديم فرجة يحتاجها الجمهور الشفشاوني المتعطش للعروض في ظل غياب قاعة عرض متخصصة.
عرض “جوج من الحاجة” يعتمد على حكاية شعبية مغربية،تمت مسرحتها بشكل كلاسيكي تصبو إلى تقديم فرجة مسرحية جديدة بمذاق مبدع.
العنوان:حمولة التخفي لتشويق المتلقي
بقراءة دلالات العنوان باعتباره أول عتبة لولوج العرض المسرحي،ويشكل مفتاحا لكل عمل،ف(جوج) بالدارجة المغربية تعني رقم اثنان تشير للعدد، و(من الحاجة) بالدارجة بدوره ويعني من الشيء فاثنان من شيء تشير إلى حرية الاختيار عند التسوق ولها دلالات عدم الطمع لأن الذي يريد شيئان غير متطلب ولا يريد المزيد. هو عنوان يتميز بالتخفي ولا يفضح الحدث بالعرض ولا يحدد سياق الفعل بشكل مكشوف ولا يوحي لما سيتضمن العرض من وقائع.
وقصة العرض تحكي عن مليكة التي تعاني من اضطهاد زوجها مصطفى الذي يعاملها كخادمة فتشتكي للخليفة الذي يطمع فيها لتلقنه مليكة درسا لن ينساه.
بنيات العرض تعتمد مستوى الحكي ومستوى الاشتغال الدرامي البسيط الذي يتضمن بعض الإيفيهات الساخرة والتي تفاعل معها الجمهور.ىوبالنظر إلى الحوار الدارج الموافق للزمن والمكان المغربي المفتوح على مصراعيه.
الحكاية الشعبية:إعادة الاعتبار للمروي الشعبي
تتعدد أنواع الحكاية الشعبية وأدوارها وارتباطها بالتراث الشعبي وكيفية التعبير عن واقع الشعب المغربي وإصلاحها. ويجمع أغلب الدارسين على تقسيمها إلى: الحكاية الخرافية، حكاية المعتقدات، حكايات التجارب اليومية، الحكاية التاريخية، قصص الحيوان، الحكاية الهزلية، القصص الديني.
تضمن العرض حكايتين داخل سرد واحد: الأولى رئيسية بطلتها ملكية والثانية ثانوية لصديقة مليكة.وهما حكايتان ترتبطان بالخليفة (المستبد المشترك) وكرمز للسلطة في صراعه مع الأولى والطمع في جسدها،وفي الثانية والطمع في مالها وسرقتها.
وتقدم الحكاية الشعبية للمجتمع خلاصة الإفراز لتفاعلات الناس مع ظروف الحياة التي عاشها الإنسان. وهي حكاية تناقلتها الأجيال عن طريق الرواية الشفوية منذ القديم، يؤثر الخيال الشعبي في صياغها، وفي تطاير بعض الأحداث التاريخية والشخصيات بالمبالغة والغرائبية. وتقف عند حدود الحياة اليومية والأمور الدنيوية العادية. هي المرآة العاكسة لعادات المجتمع وتقاليده والحياة في إطارها التربوية والتعليمية لتشكل عمقا موسوعيا غنيا بكل المعارف والفنون والحضارة وصورة للتاريخ لإيصال المعنى والهدف لتقرب الأذهان من الهدف الخير الذي تطمح إليه من خلال خيالها الخصب ووعظها. وقدم العرض صورة مغايرة للمرأة المغربية مبرزا قوتها وعفتها ومحاولتها العيش بكرامة وسط كل الأطماع. كما نقل لنا قدرتها على تحدي السلطة وتصحيح مسارها لو استعملت الشطط في السلطة. عكس ما تتضمنه بعض الحكايا الشعبية التي تنحاز إلى الرجولة بشكل غير منطقي.
وليس غريبا أن يستعين المسرح بالحكاية الشعبية لرسم حدود الخير بأبسط الطرق حيث يتم اختيار الأصلح ونبذ ما لا يليق. وأشار العرض إلى ضرورة التحلي بالقناعة وعدم استغلال المرأة وتحميلها أكثر من طاقتها.
وتعبر الحكاية الشعبية عن تطلعات الإنسان وتراث الشعوب ووجدت طريقها إلى المسرح واستهوت واستقرت في وجدان المتلقي فتفاعل معها واستمتع بأجوائها الخيالية. هي وسيلة لتثبيت القيم الثقافية والتلقين والتلاؤم مع أنواع السلوكات لأخذ شكل أراء اصلاحية أخلاقيا جادا. فسلوك الخليفة غير لائق قامت ملكية بإصلاحه لكي يتعلم درس احترام المرأة وعدم استغلال ظروفها الاجتماعية الصلبة.
وللحكاية الشعبية عناصر أهمها: الموضوع أو الفكرة الرئيسية وهنا كانت الشكوى من زوج ملكية وتحسين سلوك الخليفة مع كل النساء، الحدث بين تحول الخليفة لخادمة متخيلة وطمع زوج مليكة فيها حاكت الزوجة مؤامرتها للنيل من الخليفة والزوج بذكاء، البناء الكلاسيكي المعتمد على عرض المشكل ثم تواتر الأحداث إلى حدود النهاية السعيدة، الحبكة تغيرت بين الخليفة الحاكم والخليفة الخادمة لتصل إلى ذروتها طلب الزواج من الخادمة المتخيلة،والشخصيات (رئيسية مليكة ومصطفى والخليفة وثانوية خادم الخليفة وصديقة مليكة)، الأسلوب السردي الذي تم تشخيصه بتشكيل درامي كلاسيكي، والبنية الزمانية والمكانية التي بقيت مفتوحة بدون تحديد دقيق لتترك للمتلقي حرية الخيال والتخييل.
وللحكاية الشعبية أدوارا هامة من بينها:
- امتاع المتلقي وتسليته.
- التأكيد على القيم الأخلاقية.
- إثارة خيال المتلقي.
- تنمية قدرة المتلقي على التفكير.
- إشباع دوافع من الاستطلاع لدى المتلقي.
وليس فريبا أن يتكئ صناع العمل على الحكاية الشعبية لإعادة الاعتبار لها واسترجاع تأثيرها بالرغم من التطورات الاجتماعية والثقافية والفنية وغزو مواقع التواصل الاجتماعي العالم.
وبتحليل عناصر أخرى للعرض كالإضاءة والديكور ومجمل السينوغرافيا التي تم اللعب بها، فالمخرج أكد على صعوبة الاشتغال بقاعة دار الشباب الغير الصالحة للعروض المحترفة وبالتالي عدم ظلم صانعيها وإن كانت هذه المبررات لا تمنع من ضرورة ايجاد حلول منطقية من المخرج في كل عرض وبحسب فضاء العرض.
ولقد تميز أداء كل من محمد الشوبي الذي ركب الشخصية بسلاسة ومثلها بدون صعوبة تشخيصية، رفقة الممثلة لبنى شكلاط التي عاشت دورها ونقلت كل أبعاده للحضور وتفاعل معها الجمهور في كل مراحل العرض.أما بقية الممثلين فلقد شخصوا أدوارهم بأداء طبيعي سهل وممتنع.
بالرغم من كل شيء فتقديم عرض بالمدينة يشكل حدثا هاما ووسيلة لتأكيد حلم كل فنانيها وسكانها على الحق في حصولها على قاعة مسرح محترفة.