شعریة الصورة و صدمة التلقی فی (طلقة الرحمة)/ د. منتهى طارق المهناوي
المكان/ المسرح الوطني
الزمان/ 20-11-2022
من عمق الالم التشريني انطلق محمد مؤيد في عرض مسرحي يفيض به بالصور الحسية المرئية الجمالية المتوهجة، لا سيما ان ما تقدم هو تجريد بشكل ظاهري يتساوق ورؤيته الاخراجية في تلقي العرض.
لقد اكتست شعرية الصورة حلة ذاتية لكل فرد منا، ضمن تشخيص صوري هيمن على السياق العام للعرض خالقا بذلك علامات اسنادية شعرية تنزاح مع واقعية ما حدث ويحدث، في خلق صور حركية جسدية جمالية متجانسة بين مكونات الصورة برسم عالمي من الكل الى الجزء تحت المنظومة العلامية للجسد، اذ نجد ان دخول هذا الجسد يشكل الحياه الضاجة بالامل، مما ينسج لنا فروضا تأويلية نتصدى لها من خلال التضاد الحاصل بين الحضور والغياب المنحصر ضمن زوايا فضاء العرض ومن خلال استثمار مبهر للغة الجسدية المتحققة والمتكونة بنسق جمالي جماعي منسجم ومعبر بمجموعة اجساد تجسدت بفرد واحد متلاحم تارة ومنفصل تارة اخرى جاعلا منه جسدا عضويا يشمل من خلاله فكرته الاساس ضمن سينوغرافيا ومؤثرات موسيقية اتفاقية ماسكة للحدث ومنشغلة بجمع كل مفردة على خشبة المسرح التي كان المخرج فيها دقيقا بعيدا عن الافراط بكل تفصيلة وقعت ضمن عالمه الافتراضي. حركات دؤوبة متواصلة ذات دلالات وابعاد رمزية معرفية لاتقبل الاستكانة طوال مدة العرض.
تحددت بالغالب صور العرض ضمن جزئيتين، الاولى بحركة صورة ثابتة ومتحركة بذات الوقت انشاها المخرج كتأثيث لعمق المسرح والثانية متحرك بفعل تجسيدي ضمن مساحة العرض، هذه الثنائية الصورية تكررت لاكثر من مرة ليخلق بها جمالا شعريا تناسقيا متحاورة وممتدة من اسفل خشبة المسرح امتدادا لاخر نقطة باعلى الخشبة.
عرضا ضاجة برغم الموت الذي امتلك ثناياه لكنه جسد طعم الحياة رغم الموت والسواد رغم الالم رغم القسوة والعنف والصراع والقتل والخطف وتكميم الافواه الذي رمز له العرض من خلال بثه لهذه الصور المشبعة بالمفردات المحلية التي اضفت جمالا اخر.
و لتكتمل شعريته في لوحة العزاء وشد العباءة على خصر جسد المراة مشكلا ايقونة بارعة وثاقبة بعمق الرؤيا الاخراجية.
وظف المخرج ايضا مفردة اخرى وهي (صم التراب) الذي يدور في فضاء خشبة المسرح وهو ينهال على الاجساد بحرفة موت متحقق بامتياز صم تراب يقابلها طلقة صوب الاجساد حلقة دائرية لا انتهاء لها.
ثم مفردة اخرى بتشكيل جسدي انثوي اخر يحاول الهروب اراده المخرج ان يتحسد في عمق اعلى المسرح بحاجز حديدي محاولا هذا الجسد الهروب وهو يحاول التسلق والصعود لعالم اخر عالم مجهول لكن لامفر من الخلاص مهما كانت النتائج لاجدوى.. صد وجدران تواجه دون تحقيق ذلك الخلاص بحركة تكرارية طويلة زمنيا . اجساد تحرث قبورا واجساد نساء اخرى تلطم موتا. رثاء وشعور تتناثر متلاطمة في فضاء الموت والالم والخذلان قسوة صورية كونها المخرج لتكون خاتمة لعرضه المسرحي الذي قدم لنا لوحات قاتلة من الالم والجمال والتماسك والتناسق، تفرد بصناعة جمالية حققها مؤيد بتشكيله لاجساد مطواعة مهذبة تمتلك من الحس الجمال المعبر عن ذاتنا وصورتنا لزمن قريب مجموعة بارعة مبدعة ..تحية كبيرة لهذه المجموعة المتالقة ولمن قادها بلوحات تشكيلية رسمها ببراعة اتقان.