نص مسرحي: ” الضّرب في واحد” / عباس منعثر

مونودراما

 

(حفرة كبيرة فيها ماء خابط يحيطها دغل خفيف وأشجار نخل تُشّكل قوساً حول الحفرة. يدخل سيبويه وهو يحملُ كيساً من الجوخ، يضعه قرب الحفرة ويخرج. يعود وهو يحمل كيساً آخر، يضعه ويخرج. يعود بكيس ثالث ويصفّه بقرب الكيسين الآخرين. يحمل أحدها ويفرّغه في الحفرة)

سيبويه: جلبتُ الغداء. تفضلوا. قشور رقي، خبز يابس. جعتُم؟ أعرفُ الجوعَ جيداً وأُتقنُ مراحلَه. غبتُ 3 أيام. كأنها سنة. مريض، مريض أنا. كنتُ. من لي غيرُكم؟ أصدقائي الحيواناتُ والترابُ والنهر. بقيةُ البشرِ ثلّةٌ من الزّوائدِ الدودية، فائدتُها في إستئصالِها. مرّةً، دخلَ علينا مدرسُ الكيمياء. صاحَ أحدُ الزّملاء صيحةً مكتومةً مثل مَنْ تقرصُها في مؤخرتِها وهي ساهمة. ضَحِكنا ضحكةً مكتومةً أيضاً: هئ هئ هئ. إنتبه المدرسُ وهددَنا أنهُ سيُطاردُ الجانيّ إلى يوم القيامة. قُلنا لم نسمعْ شيئاً. إتّسعتْ عيناه، وقال: أنتم كالفضلات فائدتُها في التخلّصِ منها. إستخدمَ كلمةً قبيحةً لها علاقة بالمرحاض لكن عيب أستخدمُها. كان ريفياً سلبتهُ حياةُ المدينةِ عذريتَه. أدى به إدمان الشّرابِ إلى موتٍ مأساويّ مُفاجئ بحادثِ سيرٍ في اليومِ التالي. لذلك، ظلّ تهديدُهُ لنا قائماً حتى يومِ القيامة!

(عِصّي طويلة تمتدّ)

أنا حزين. في أرضِ أبو شرمة قبل 3 سنوات، كان عندي سمك ألف ألفين ثلاثة. ربيتُهم على يدي. كلّ يوم أملأُ الكيس 3 مرات. غداء عشاء إفطار. في أرضِ أبو شرمة، نهر. أمامي كبرت سمكاتي. أولاده، أولاد شرمة سفلة. أول شيءٍ يفعلونَهُ العصا. يضربونني. عصا سوداء عصا مشروخة عصا معنجرة. يضعون فيها دبابيس حتى تكونَ الضّربةُ موجِعة. بعدما ضربوني، هربتُ، 3 أيام ورجعت. صادوا سمكاتي. باعوها. حرموني ملاذي. في درسِ الأخلاق، يسمّونَ هذا الفعلَ لا أخلاقي. فقدتُ سمكاتي. تعبي. سهر الليالي. أحلامي. بقيتُ أبكي وأبكي. رجعتُ مرّةً ثانية إلى أرضِ أبو شرمة. ربيّتُ من جديد. وباعوا من جديد. أبو شرمة جبلٌ لا أخلاقي عملاق وأولادُهُ تلالٌ صغيرة. صار عندَهم قصرٌ شاهقٌ بسببِ سمكاتي. أنا أُربّي ولغيري يصيرون.

(حلوى تقطر دهناً عسلياً)

حالياً الحفرة مِلكي. أبو شرمة مات. أولادهُ واحد قتلَ الثاني. إلى قير! الناس نوعان. واحد يجعلُكَ تكرهُ نفسَك، يضحكُ عليك، يضربُك. كان عاقلاً والناس خبلته. وواحد يحبّك، يُعطيك الخبز، البرتقال، الجبن. هذا تمام. ذاك، لا. هذا بوسة، ذاك تفلة.

(شخص عارٍ يطير)

آخ من الناس! يحسدونني حتى على المرض! خاصّةً الأغنياء. الأكثرُ ثراءً بين الأثرياء، هذا من درسِ الفلسفة، هو الذي يملكُ أقلّ من الشّحّاذ. الثّري المرّفه دائماً سائب، بناتُهُ سائبات، عقلُهُ سائب، زوجتُهُ سائبة، وأبوابُ بيتِهِ مفتوحة رغم أنها مُغلقة. سأجيبُكم لماذا أنا غاضب. لسبب. الثّري المرّفه الذي ذكرناهُ للتو يريدُ أن يشتري قطعةَ الأرض هذه، ويطردُني. طررر! كنتُ سأقول: طززز! لكن حذفتُ النقطة لأن عيب من الناس. راعيتُ الأدب. يطردُني إبن النغل. إفحصْ تاريخَ أُمّه. أبوه كانَ خارجَ البيت وجارُهم باتَ في فراشهِ ليلةَ الخميس. في الأَحياء، هناك كروموسومات. لو فحصتَ كروموسوماتِ الأغنياء سيضيعُ النسب. كلّ غني، وهذه نظرية، إما إبن زنى أو جدّهُ إبن زنى أو خالتهُ إبنة زنى. لا يقبل الخطأ.

(صوت أطفال من بعيد)

يجبُ أن أختبئ. إذا علمَ هؤلاء السّفلة بي، ستُمطر الدّنيا حجارةً على رأسي. قالَ مدرس الإسلامية: عاينْ بابَ العائلةِ فكلّ حيوانٍ يخرجُ من البيت هو نتاجُ تربيتِها. أطفال؟! لا طفل في الدّنيا؛ هم وحوش صغيرة ستصيرُ وحوشاً كبيرة. العالم شيطانٌ يُفرّخُ الشّياطينَ الذين يشبهونَهُ. هو عاقلٌ وذكي؛ جننتهُ الناس. في درسِ الأخلاقية تُعدّ من أكبرِ الكبائرِ في تاريخِ البشريةِ السّمحاء أن ترمي الحجارةَ على عصفورٍ أو كلبٍ أو مجنون. إسمعوا هذهِ المجزرة: في يومٍ ما، رأيتُ طفلاً يحملُ صخرةً كبيرة. يرفعُها، يتركُها، على بطنِ قطّةٍ حامل. مرة وثانية وثالثة. خمدتْ القطة: لا ميو، لا عو ولا ماع حتى. من بطنِها حاولَ الصّغارُ أن يخرجوا؛ الصّخرةُ هَرَسَتْهُم. سابقاً، سابقاً القلوبُ حنان؛ حالياً القلوبُ خريان. السّبب: في الحيمن شرّ، في البويضة شرّ. أخذناها في الأحياء. شرّ + بشر= إنسان مُضاعف الشرّ. الطفلُ هنا يتمرّنُ على قتلِ القططِ ومطاردةِ المجانين قبلَ أن يرضعَ من صدرِ أُمه. لم يكنْ مجنوناً، كانَ عاقلاً وجنّنهُ الزّمن.

(امرأة بلا وجه يغطيها السّواد)

في الهندسةِ نظرية، تقول: إذا وضعتَ أعقلَ العقلاء في هذهِ الكفّة، وجلبتَ 4 أطفال في هذهِ الكفّة، ستضربُ عندَهُ الأسلاك. لا يتركونهُ في حالِهِ. يُطاردونَهُ بالحجارة. الحجارةُ مؤلمةٌ جداً. يعطّبُ عقلُهُ، وهو المطلوب. أخبرَني أحدُ المجانين. نعم ذلك المجنون الذي يعتقدُ أن لديهِ سمكاً في حفرة. كان يتمنى لو يصرخونَ في وجههِ ويلقون الماءَ القذر عليه. الماء القذر، بمعنى الوسخ، ماء البالوعة. سيتحمّلُ ذلك. فهو قذر على أية حال. لكن الحجارة حينما تأتي هنا، هنا في اليافوخ يكونُ لها وقع السّوط على مؤخرةِ طفل رضيع. عند نيوتن يتناسبُ مستوى الوجعِ طردياً مع خُبثِ المصدرِ وقربِ المسافة وعددِ الحجارةِ المتوجهةِ إليك. يقال إنها أقوى من لسعةِ جهنم بثلاثةِ أسداس. لم أجرّبْ ذلك، المجانين حكوا لي!

(قطيع جواميس في عرصة)

قلتُ للمجانين: الخطأُ خطأكم. تمشونَ في الشّوارعِ واحداً واحد. ستكونونُ صيداً سهلاً للأطفالِ وأصحابِ النوايا الحسنة. ولو مشيتُم مجموعةً مجموعةً لأختلفَ الأمر. طبعاً. أيّ قطيعٍ من الماعزِ الجبانِ إذا اجتمع سيُرهبُ أكبرَ أسد. أما الواحد فسيبولُ عليه أبو بريص. وهذا كانَ إعتراضي على الهندسةِ الإقليدية. قلتُ ما فائدةُ الواحد أُستاذ؟ وجهاً لوجهٍ مع مدرس الرياضيات. أحرجتُهُ بسؤال: ما هي نتيجةُ الضّرب في واحد؟ لأنه واحد فسيضربُهُ الجميع بلا تأنيبٍ للضمير. الضّربُ في واحد جريمة. خذْ أيّ رقم، إضربْهُ في واحد= الرّقم نفسه. الواحد لا يغيّر شيئاً. فما قيمتُه؟ طالبتُ بحذفِ الواحد إنْ كان زائداً هكذا، أو يحمونَهُ من ظُلمِ باقي الأرقام.

(جبل تتدحرج منه الصخور)

لا طبعاً، الدّنيا ليستْ سيئةً جداً. أنا لا أمقتُ الأطفال. فالقطّ يُحبُّ خنّاقه. خاصةً حينما يلعبونَ معي. البنات تُفّاح؛ الأولاد قنادر. في حياتي، توجدُ لحظات سعادة. صح شحيحة قليلة نادرة؛ لكن موجودة. في علمِ الإجتماع: لم يكنْ تاريخُ البشريةِ السّمحاء سوى خطّ بيانيّ متصاعد من الإنحطاط الشّامل.

(فم هرم عليه شاربان مهملان)

لَقَبي الأوّل بين أصدقاءِ الدّراسة: سيبويه، كانوا يُسمونني سيبويه. صرّحَ مدرسُ العربي وهو يضعُ يدَهُ على كتفي: ثمرةُ البرتقال تُصبحُ صخرةً لو زرعتَها في أرضٍ مالحة، مثل سيبويه. أما لقبي الثاني: مجنون ليلى وأختها لبنى. عشقتُ ليلى منذ الطفولة. ماتت. عشقتُ أختَها. إنتقلوا ولم أشاهدْها بعد ذلك. أقسمتُ لا أحبّ أبداً. الوردةُ مصيرُها الذّبول والغرباءُ لا يحتفظونَ بالصّور. كان عاقلاً إلى درجة مخيفة. سأرويها لكم. كنتُ كلّ يوم أذرعُ الشّوارع على غيرِ هُدى. لمحتُها. فتاة جميلة في مثل عمري. البابُ نصف مغلق نصف مفتوح. نصف وجه يظهرُ من نصف فتحة الباب. لأشهرٍ عديدة، نتبادلُ النظرات. أضعُ خدّي على الرّصيف، ينتابُني الرّعب خوفاً. سأنكشف! يعلمُ أهلُها، إذن أنا باي باي. كانت المسافة بين مكاني وباب بيتِهم بعيدة جداً. وقت الغروب وفي لحظةِ الإنفعال لا تكونُ الرؤية واضحة. أراها تُشبهُ دعسوقةً أو نسناس. أيّ صورةٍ من بعيد هي غيرُها من قريب. تتشابه الصّورُ البعيدة، أما القريبةُ فواضحةُ ومكشوفة. هذا من فصلِ المساحةِ في الأشكالِ الرّباعية. بقيتُ حائراً. هل أقترب؟ طيييط! سأشخّ على نفسي. لكن، في نوبةٍ من نوباتِ الشّجاعةِ النادرة، إقتربت قليلاً. زحفتُ عدّةَ أمتار باتجاهِ الباب وقطعتُ المسافةَ شاقولياً. بشششش! كأنّ قلبي يمشي على حبل. تعرفُ العاشقَ من إرتعاشتِهِ، من عَرَقِهِ، من نظرتِهِ التي ترى ولا ترى. لحظة، وإذا بي وجهاً لوجه معها. تتراتتراتترا! موسيقى مُخيفة. أخيراً سأشنّفُ نظري بمرآها. معشوقتي الأبدية. يا ليتَني ما رأيتُها. يسمّونها في المقاهي: لحظة الحقيقة، أي عندما تدخلُ على المديرِ صدفةً وهو يلعبُ بأغراضِ موظفةِ الخدمة.

(يد كبيرة مجعّدة)

لمحتُها من طرفِ عيني. كانَ فمُها الكبير يقضمُ خيارة وكأنّها تفترس. أسنانُها الأماميةُ ناتئة وفي خصامٍ مع بعضِها. ترررن! عيونُها مُتوّرمة من هنا ومن هنا مثل المنغولي. ددددن! ليتَها لم تبتسمْ. دمّرت الخيال. المجانينُ مساكين فعلاً. لا يعلمونَ أن تصرفاتِهم مُضحكة. ربما إعتقدتْ أنها أَسَرتْني بهذه الإبتسامةِ السّاحرة. ويييييو! رافقَ إبتسامتَها الغريبةَ المفاجئةَ صوتٌ حادّ مُتدرّج، أقرب إلى.. صوتِ مُدّرسة الكيمياء أو صوتِ معزى مصابة بالزّكام. وكانت الصّدمة الأقسى في حياتي، بعد غدرِ أولاد شرمة. ذهبَ عشقي أدراجَ الرياح. التربيةُ الحديثةُ تعتمدُ على الصّدمات وذلك لأنّ مسيرةَ الإنسان من المَهبل إلى اللّحد ستكونُ صدمةً وراءها صدمة، صدمةً وراءها صدمة، على هذهِ الشاكلة: تُم تُم تَك تَك تُم تَك تَك. ومن وقتِها أقسمتُ أن لا أذلّ كبريائي بالعشقِ أبداً ولا أُتيم روحي بربةٍ من ربّاتِ العفاف ما حييت. أَحبَّ فماذا جنى من الحب؟ أخذوها منهُ لأنه مخبول. هكذا يظنّون. طردوه من البيت لأنه مخبول، هكذا يظنّون. سكنَ الشّوارع لأنه مخبول، هكذا يظنّون. وهذا سببُ ثيابي المُمزقة الوسخة وشَعري الأشعث. أُهملُ نفسي مُتعمّداً كي لا تقعَ النساءُ في عِشقي الممنوع!

(كلب أسود يعوي)

البيت؟ لا لن أعودَ اليوم إلى البيت. ولا غداً ولا بعد غد. سأتمرّدُ على الواقع. لا أحدَ يتكلّمُ عن أمي وأبي. ولا عن العائلة. ما هي العائلة؟ ها؟ إجتماعٌ بائسٌ لكائناتٍ تحوّلُ حياتَكَ إلى جحيمٍ، وفضاءٌ يخنقُ فيك روحَ الإبداعِ والمتعة، وهي السّببُ الرئيسي لا لأمراضِ السّرطان فحسب؛ بل ولإرتفاعِ نسبةِ الجنونِ والإنتحارِ في المجتمعِ الحديث. إعترضَ مدرسُ الوطنية على هذا التعريف. قال أنتَ عبقري لكنّكَ متوّحد. سببُ إعتراضِهِ: إنهُ مثل الجميع، يرتعبُ من مواجهةِ الحقيقة. يقول: الأمّ منبعُ الدفءِ والحنان. بشش، طشش! الأم أبشعُ كائنٍ على وجهِ البسيطة، لا يزاحمُها في البشاعة إلا سمكُ الرّاهب. أقولُ ذلك عن خبرةٍ وتجربة. هي كلبةٌ مُبتذلةٌ إجتمعتْ بكلبٍ مُبتذلٍ فكانت هذهِ القُطعانُ السّائبةُ من الجراء، نتاج الشّهوةِ والغباء. تُلقي إبنَها في البردِ وحيداً، عارياً تحتَ رحمةِ النّزواتِ القذرةِ لأصحابِ الدكاكين؟! إنني أبصقُ على كلّ أمّ حيةٍ أو ميتةٍ منذُ آدم حتى السّيدِ الرئيس. وتشملُ البصقةُ جميعِ الآباء. خاصةً أبي. فما هو سوى هتلر في زيّ مَدَني. كي يُعلّمَني الشّجاعةَ سمحَ للكلبِ أن يَنهشَني. الكلبُ الحقير! لم أتعلّمْ المواجهة؛ خاصةً ضدّ أولاد شرمة، صرتُ أخافُ من خيالي وفقدتُ هذا المنطقةَ من لحمي قربَ الخصيتين هنا في المؤخرة. لولا الحياء لجعلتُكم ترونَها. مكانُها مُحرج.

(يخلع سرواله ويعطي ظهره للحفرة)

نترك بشاعةَ البشرِ وعالمَهم؛ نتحدّث عن المستقبل. حسبَ درسِ الأزمنة، يُعرّفُ المستقبل أنه نتاجُ ما نزرعُهُ الآن من فسائل. للتوضيح، سمكةٌ صغيرةٌ جداً هي الماضي، أكبرُ قليلاً هي الحاضر، حوتٌ أزرق هو المستقبل. أو الفسيلةُ بعد أن نشتريها ماضي، نزرعُها حاضر، رُطَب مستقبل. مشروعي المستقبلي تجاري. إذا بقينا هنا، ينبغي أن تتوسّعَ الحفرة بقدرِ ملعب كرة القدم. حالياً، الحفرةُ لا تستوعبُ العدد. حينما يكبرُ أحدُكم بحجم الحوتِ الأزرق ستموتُ باقي السّمكات. العقلُ التجاري الذّكي لا يكتفي بالنجاح؛ يعززُهُ بأفكارٍ جديدةٍ لامعة. لن أُشركَ أحداً معي. قلتُ لن أُشرك. ما هي الشّراكة؟ سرقة متبادلة. أنتَ تُغافل شريكَك، هو يغافلُك، مثل الصّداقة. أنت تجعل حياتَهُ أكثر تعاسة وهو يردّ لكَ الدَّين. السّمك يمكن أن يتشارَك؛ أما البشر، لا. البشرُ يُسيطرُ عليهم شكٌّ وخوفٌ من الغدر. هذا في النظريةِ الإجتماعيةِ المُعاصرة. لو كان الأمرُ بيدي، آخ لو كان بيدي، لأمرتُ بإلقاءِ علماءِ الإجتماع جميعاً إلى الأُسودِ الجائعة!

(جِمال في صحراء)

قراري المؤسف: سننتقلُ من هنا إلى مكانٍ آخر. بعد دراسةِ الموضوع من الناحيةِ السوسيوجغرافية، قرّرتُ ذلك. وهو أمرٌ غير قابلٍ للنقاش. الحكومةُ الغبيةُ لم تستفدْ من خبرتِنا العلميّة وأَهملت المشروع لعدمِ جدواه التكنورشواتية! إصمتوا! إخرسوا! وهل طرحتُ الموضوعَ كي أسمعَ هراءكم؟ مَن يؤمنُ بالحوار يحتاجُ إلى حذاءٍ يملأ فمَه، ويكونُ منقوعاً بالغائط. لا تستفزوني! لن تتخيلوا ما يمكنُ أن أفعلَهُ إذا فقدتُ أعصابي. كلامي لا ينزلُ إلى الأرضِ أبداً. يبدو أنكم تحتاجونَ إلى قليلٍ من الأملاح. (يفتح سحّاب بنطاله ويبول في الحفرة). الآن ستزدادُ نسبةُ الأملاحِ في الماء. (ينتهي) بعد إهانةِ كرامتِكم ستحترمونَ سيدَكم. أيّ لِين أو تساهلٍ مع الأحمق إتاحةُ فرصةٍ للإيغالِ في الفوضى. تُريدونَ الفوضى أم تصمتون؟ قلتُ ذلكَ من قبل: إنسان تمام يستحقّ قُبلة، إنسان غير تمام ينال تفلة. وأقولُها الآن: سمكة مُتمردة مصيرُها النار؛ سمكة عاقلة تبقى في الحفرة!

 (أصوات إنفجارات)

مُشكلتي أنني أغضبُ بسرعة وأُسامحُ بسرعة، حتى أنني أثناءَ الغضب أُسامح وأَندم وفي عزّ التسامحِ تخطرُ في مُخيلتي فكرةٌ مُضطربة. إذا أحصيتَ عددَ الناسِ الذين يُفّكرون في الوقتِ نفسِهِ داخلَ عقلي سيتجاوزونَ سكّانَ الفاتيكان. كلّهم يتكلّمونَ بصوتٍ واحد؛ لا أعرفُ لمن أستمع. عندي رغبة أن أسبحَ في الحفرة معكم. ليتَني سمكة مثلكم. أقلّها لا يطاردُكم الملاعين ولا تلسعُكم عصا أولاد شرمة، لا لسبب إلا لأنّ الله سامحه الله خلقني هكذا. وهل الأمرُ بيدي؟ هل أنا ركّبت عقلي بالمقلوب؟ لو كنّا نعيش هناك لكنتُ الآن في مكانٍ آخر. لكنني لستُ هناك ولا أستطيعُ أن أعيشَ في مكانٍ آخر. أنا هنا للأسف. صحيح، صحيح. وعدتُكم أن أتوّقفَ عن البكاءِ والغضب. طززززز! من سيأخذُ معهُ غيرَ الكفن، جميعُنا، العاقل والمجنون، المُترف والفقير، الملك والغفير، أبو شرمة وأنا؟! إلى المرح! إلى المرح! ها أنا أخلعُ ملابسي تماماً. حتى الشورت. عارياً كما ولدتني أمي. سأنضمّ إليكم. حتى لو قالوا عنّي مجنون. سأقفزُ إلى الحفرة. إبتعدوا إلى الحافة، إبتعدوا أكثر!

 (يغطس في الحفرة. أصوات أطفال. تختفي الأشجار. تتحوّل الحفرة إلى طشت صغير. الحجارة كالمطر. يضع سيبويه الطشت على رأسه كي يحميها من الحجارة. يهرب إلى الخارج)

انتهـــــــــــــــــــت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت