الرد بالجسد* .. أداءات لحظات العرض/ د. شاكر عبد العظيم جعفر

قراءة للعرض المسرحي البلجيكي ” تحول” ..اخراج: سارة ديبي

 

في العرض المسرحي البلجيكي “تحول” الذي عرض يوم السبت 22 أكتوبر 2022 ضمن فعاليات مهرجان بغداد الدولي للمسرح الثالث. ثمة انفلات مرسوم بطريقة واعية نافذة لاشتغالات جسدية تماهت عبر فضاء تعبيري تلون بسوائل لونية معتمدا لحظة العرض الآنية التي تتناسب مع مفاهيم عصرية طافحة بالرفض والتفويض لمفهومات تحولت إلى ابجديات خاصة بالذكورة والأنوثة .. سعت إلى الإطاحة بها مفاهيم النسوية وما بعدها وكذلك الجندرية وما بعد الجندرية .

في فضاء الحراك المشهدي جسدين لفتاتين لا يتصارعان مع بعضهما (صراع نص الحداثة المألوف) فقد كان الصراع من داخل ذوات فتاتين / ممثلتين . نحو الذات الاجتماعية القامعة المكبلة (بكسر الباء) والتي تحاول تقميط الجسد الأنثوي والحد من ترسانته الادائيه الجمالية والحياتية .. كانت الأجساد ذات جرأة ..ذات انفلات ورد لكل ما هو رادع لها .. الذكورة تنفلت والذكورة ترتقي وتتسامى . إزاء ذوبان الانثى في حضور الذكر . لذلك كان الجسد الأنثوي ثوريا . لا يقبل التذويت . باحثا عن وجوده الانطولوجي في زحام الهويات ..

لا يتوفر وصف.

اهتمت المخرجة بنفاذ اللحظة الآنية للعرض، وكذا بما ينتجه العرض أثناء اللعب المسرحي بوعي تام لمسرح مابعد الحداثة اللعبي (ايهاب حسن ) ولجذمورية الفن (دولوز) وللعالم الصوري الراهن (بودريارد) ولكسر المركزيات (ليوتار) ولسيولة اللحظة الراهنة أو الواقع اليومي (باومنت) .

خرج العرض المسرحي (تحول) إلى تعبيرات واقع وليست واقعية الواقعية . والعرض عبر جسد المرأة الرافضة لكل تابوات التقييد لها ووضع السياسات ومحاولة إطفاء الضوء الكوني عنها كانت جديرة بتثوير الوضع الجمالي عبر ضربات اللون السائل الذي كون جسدها والبيئة المحيطة بها. فعروض مابعد الحداثة الادائية التي تعتمد بوح الجسد لا تتمترس حول تعبيرات الكينونة الزائلة، بل تحتفظ بكينونتها اللا ايقونيه التي حاولت المجتمعات رصفها بكونها ظل وعامة . كانت أجساد الممثلين عابرة لكل التوصيفات الحداثية إلى مفهوم الأداء الذي تعيه المنظومة الغربيه وانفتاحاتها .لذلك كان الجسد الأنثوي رافضا لكل القوانين ولكل المفاهيم المجتمعية التي تسعى لإزاحة فاعلية المرأة داخل حياة الذات الاجتماعية . ووفق رفض العرض لكل أبعاد الجندرية التي تريد إزاحة الوضع الفاعل لانطولوجيا المرأة، تكونت لوحة رسمتها الالوان السائلة في دلاء (دلو) الاصباغ . وهذه اللوحة صنعت بفعل أداء الممثلتين الراهنة.

لا يتوفر وصف.

والمثير في هذا العرض أنه يمتلك لوحتهه النهائية المختلفة في كل مرة يقدم فيها هذا العرض. إذ كان عرضا للجسد الأنثوي ينتمي للواقع المعاصر بكل فوضاه. وبكل ألوانه المتداخلة، عرض لا يستأنسه المشاهد التقليدي ولا الناقد التقليدي . عرض يمتلك جماليات اللحظة، والثورة الجسدية الجمالية بكل امتياز .

—————

* الرد بالجسد ..استعارة من عنوان كتاب الدكتور محمد كريم الساعدي بنفس العنوان ..

 

د. شاكر عبد العظيم جعفر/ العراق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت