نص مسرحي: “الوقوف على ساعة جدارية” / تأليف: عباس حسيب الغالبي

الشخصيات 

  1. الرجل العاري
  2. الغاسل
  3. الساعة
  4. الضابط

المكان

(مغتسل تظهر في ساحته مصاطب من الاسمنت، موزعة بشكل دائري. نرى بوضوح رجلا عاريا باستثناء خرقة بيضاء تستر عورته يجلس جلسة القرفصاء على إحدى المصاطب في المنتصف)

الرجل العاري: (ينظر إلى الأمام مائلا برأسه متثائبا، ينظر إلى يمينه قائلا)الوقت من هنا ما زال مبكرا. اففففففف متى يأتي هذا الغاسل؟ (يصمت قليلا ثم ينظر إلى يساره قائلا)اهوووووووو، الوقت من هنا يبدو متأخرا. هل أتى هذا الملعون ورحل؟ أم تركني لليلة أخرى؟ أم ماذا؟ (يحدّث نفسه بصوت لا يخلو من غمغمة) لا عليك. سيأتي قدرك وتستحم كما يشتهي الموعد وتذهب إلى حيثما تريد. (يبتسم ثم يطلق زفرة يتحرك من مكانه يقف على مهل. يستدير لينظر إلى ساعة جدارية يرى ظلا غير واضحا.. يرتعد خوفا ويسقط على وجهه صارخا)أخ أخ أخ أخ. ( يتأمل في الظل.. ثم يقف ويقترب من الساعة.. يعود ثانية ويحاول الجلوس على ذات المصطبة، وهو ينظر إلى الظل، فيرى الظل واقفا أمامه. يطلق ضحكات متوالية. يصمت قليلا ثم يقول) ها أنا مرة أخرى أواجه ظلي. لا شك أن نواياي الصافية نالت استحسان هذا المكان.. (يستدير مرة أخرى ليجلس كما كان في المرة الأولى.. ينظر إلى يمينه قائلا)ما زال الوقت مبكرا (يصمت قليلا ثم ينظر إلى يساره  قائلا) إلى أين تمضي الأيام يا ترى؟ (يسمع صوت خطوات قادمة. يبتسم قائلا) ها قد أتى الفرج، (ثم يستلقي على مصطبته بهدوء).

يظهر الغاسل وهو يتمشى على مهل، حاملا على كتفه بعض السعف. يقترب من إحدى المصاطب دون أن ينتبه إلى تواجد الرجل العاري. يبدأ بفرش السعف على المصاطب الواحدة تلو الأخرى حتى يصطدم بأقدام الرجل العاري.  

الغاسل: (يتحسس ما اصطدم به قائلا)ها قد فعلوها مرة أخرى…من حقهم. فلا من رقيب ولا حسيب. يأتون بالأموات من كل حدب وصوب وما أكثرهم، وأنت تأكلها رغما عنك..(يتأنى في مكانه و يحدق في الرجل العاري، ثم يقول)أراه نظيفا. (يتلمس ذراعه  وجبهته، ثم يقول) حرارته طبيعية. هل مات هذا الرجل هنا في المغتسل؟ هههههاااااي لا يهم، في كل الأحوال لن تناله قطرة مني حتى يأتي أهله، أصدقاؤه، زوجته.

يبدأ بتنظيف المكان بمكنسة يدوية، وبينما هو يتنقل من زاوية إلى أخرى يشاهد حشرة تتجول في المكان، يأخذ بمطاردتها في ساحة المغتسل حتى تستقر على الساعة الجدارية، وقبل أن يحاول التخلص منها بضربها يسمع عطاس الرجل العاري.. تسقط المكنسة من يده وهو يسمع الرجل العاري ينادي عليه:

الرجل العاري: أيها الغاسل؟ لم لا تغسلني ؟

الغاسل: ولِمَ تريد الغسل ما دمت حيا؟

الرجل العاري: لدي موعد هام جدا. تعال، تعال غسلني.

الغاسل: (يبسمل ويستغفر).

الرجل العاري: (يضحك).

الغاسل: (يبسمل ويستغفر).

الرجل العاري: (يجلس على المصطبة قائلا)لا تخف لا تخف أنا إنسان عادي.. مثلك تماما.. تماما.

الغاسل: (يقترب منه، ويجلس إلى جانبه محدقا بوجهه).

الرجل العاري: الحمد لله ها أنت تدرك الأمر كما ينبغي.

الغاسل: هل جننت؟ كيف تستطيع أن تجلس هنا عاريا وتنتظر غسل الميت؟

الرجل العاري: أنا جائع.

الغاسل: وهل تريد أن تأكل في هذا المكان أيضا؟!

الرجل العاري: للوهلة الأولى تهيأ لي أنها تصاعدت مع الدخان، مثل العطر، وانتظرت بعد ذلك أن تقذفها الغمامة، إلا أنها اختفت. بحثت عنها بين أكوام من النساء فلم أجدها، لكنني وجدت إصبعها، نعم إصبع أعرفها جيدا. لطالما تهددني بهذه الإصبع ( سأحرمك من ابنتك)، لكنها طيبة القلب سرعان ما تتجاهل هذا التهديد ونختم ذلك الخصام بليلة عامرة بالحب.

الغاسل: هل تتحدث عن زوجتك؟

الرجل العاري: نعم

الغاسل: (يهمس لنفسه)هذا الرجل إما أن يكون مجنونا بزوجته، وإما أن يكون مجنونا بسببها، وإما أن يكون مجنونا فقط.

الرجل العاري: قالت إنها جائعة، ولها شغف معتاد بالوقوف عند فدك، فقررنا الوقوف.

الغاسل: فدك؟؟

الرجل العاري: إنه استراحة على الطريق.

الغاسل: وما الضير في ذلك؟

الرجل العاري: من هناك تراءى لنا كل شيء، وكأنه كان معدّا بانتظارنا.. فوقفنا أمام فدك.. نسرين كانت جائعة أيضا، وحين سبقتني غائصة بالدلع تبعتها بلهفة تتماشى مع مشيتها البريئة، لكن ما معنى أن تموت لأنك جائع؟ ها؟ قل لي؟ نحن نسمع بأن هنالك من يموت من الجوع لا لأنه جائع؟

الغاسل: إي .. وماذا بعد..؟

الرجل العاري: لم افهم شيئا من تلك اللحظة، كانت عاصفة الرصاص تحيط بنا .. اختفت الأبعاد، و غابت الأشياء.. وشعرت أنني أطفو .. أطفو عالياً عاليا جدا.

الغاسل: ( بنبرة استهزاء)نعم، نعم.. أنت على حق.

الرجل العاري: أقتل هذه الحشرة البائسة، إنها تعرقل سير أميال الساعة.. وأخشى أن يغالطنا الوقت..

الغاسل: أها، نعم، نعم كانت في عداد الأموات لولا عطاسك. على أية حال سأتخلص منها الآن.(يقف ويمسك بالمكنسة ويهم بضرب الحشرة، يضربها وهي عالقة في الساعة الجدارية.. يحاول أن يخرجها من الساعة.. تسقط الساعة).

الرجل العاري: تعسا لغبائك، كيف تسقط الساعة من اجل حشرة؟

الغاسل: (غاضبا)لا حول ولا قوة إلا بالله.. ما رأيك بأن أغسلك وتذهب إلى حال سبيلك.

الرجل العاري: وما فائدة الغسل الآن؟ فات الأوان يا صديقي على الأقل في هذه الساعة.

الغاسل: يالله يالله.  اذهب إذن وارجع متى شئت، ستجدني بانتظارك.

الرجل العاري: سنظل أنا وأنت والماء واللقاء تحت رحمة الساعة.

الغاسل: وما شأن الساعة بما تريده مني.

الرجل العاري: (يقترب من الساعة الجدارية.يجلس في مكانها ويضعها على صدره قائلا(بغضب))ألا ترى بأن هذه الساعة المسكينة قد تعطل مسيرها إلى الأمام؟

الغاسل: الصبر يا إلهي.

الرجل العاري: انظر هذا الميل كيف يحاول الرجوع إلى الوراء،  وهذا ما أخشاه.

الغاسل: (ساخرا)ما رأيك بأن نتصل برقم الطوارئ؟

الرجل العاري: (باكيا)لن يستطيعوا إسعافها

الغاسل: (بهمس)من أين أتى هذا المجنون..(يقترب من الرجل العاري ويساعده على النهوض قائلا)لا تقلق يا عزيزي، إن الله موجود وستتعافى برحمته هي وأميالها الثلاثة.

قطــــــــــــــــــــع

المكان:

غرفة نوم. أثاثها مبعثر. تظهر بموكيت لونه احمر وسرير مهجور. ومقابل السرير خزانة لونها احمر. والى جانب الخزانة  مكتب.

يظهر الرجل العاري جالسا على كرسي. وعينه على المكتب حيث جهاز الكاسيت وأمامه مجموعة كبيرة من الأشرطة.

الرجل العاري: (يلتقط الشريط الأول، يضعه في جهاز الكاسيت، يضغط على زر التشغيل. يظهر صوت للأذان، يسمع جزءا منه ثم يطفئه ويخرج الشريط. يلتقط شريطا آخر، يشغل الشريط فيظهر صوت للأذان، يطفئه ويخرجه ويلتقط شريطا ثالثا، يشغل الشريط فيظهر صوت للأذان أيضا.. فيقول) أنا اذكر صوته جيدا، كان ناعما، نعم  كان ناعما كصوت مراهقة.. لكن كيف سأجده من بين كل هذه الأصوات الخاشعة؟ صوته كان خاشعا أيضا.. خاشعا جدا. لا يهم.. لا يهم، ما زال أمامي متسع من الوقت. (يقف ويتوجه إلى ساعة جدارية ينتزعها من مكانها، ويضعها على المكتب. يلتقط مطرقة كان يخبئها تحت الكرسي، فيطرق على المكتب طرقات متقطعة ثم يتوقف  ويصرخ)محكمة (ينظر إلى الساعة، فيقول ساخرا)ما هذه العافية  ما شاء الله  وجهكِ مدوّر؟ (يصمت للحظات ثم يسألها غاضبا)أين كنت ساعة وقوع الجريمة؟ (يمسك ورقة وقلم. ويبدأ يسجل قائلا)لا جواب، طيب. أين كنت قبل ساعة من وقوع الجريمة؟ (يسجل أيضا قائلا) لا جواب، طيب. أين كنت بعد ساعة من وقوع الجريمة؟ (يسجل كذلك قائلا)لا جواب. (يصمت ثم يقول بصوت باكٍ)أين كنتِ إذن؟ ألم تكوني حاضرة دوما؟ ألستِ من أحصيتُ معها.. أحصت عليّ، أحصيت لها، أحصينا سويا كل دقائق أحلامنا ولقاءاتنا و ليالينا وصباحاتنا؟ (يمسك بها بكلتا ذراعيه ويصرخ)أين كنت عندما قتلوا الغد؟ أين كنت عندما قتلوا المستقبل؟ (يضع الساعة على المكتب ويجلس على الكرسي واضعا يديه على رأسه. قائلا) هل فات الأوان حقا؟ أم أن هنالك أملا لأن تكوني شاهدة على ما حدث لحبيبتي وطفلتي؟ (يصمت للحظات…)

الساعة: (ثم يظهر صوت أجش وكأنه قادم من الساعة قائلا) الوقت لا ينتهي

الرجل العاري: (وهو ينظر إلى الساعة)ولماذا انتهى مع زوجتي وابنتي؟

الساعة: الذي انتهى وقتُك أنت.

الرجل العاري: أها.. أي أنني الآن بلا وقت!

الساعة: الموتى من لا وقت لهم.

الرجل العاري: هذا يعني أنني ميت الآن.

الساعة: افهمها كيف شئت.

الرجل العاري: ما هذه الإجابات الغامضة، إنك تلقين في قلبي حيرة بلا حدود.. فيما أن ليس أوضح من الساعة شيء في الكون.

الساعة: ما الذي تريده مني بالضبط؟

الرجل العاري: طلب بسيط واحد لا غير.

الساعة: وما هو؟

الرجل العاري: أن تحركي عقاربك الجميلة هذه عكس دورانها، أن تعودي بها إلى الخلف ليومين فقط..

الساعة: لا استطيع.. امتلك وجهة واحدة كما تعلم.

الرجل العاري: هذه كذبة.. بلى تستطيعين السير إلى الوراء.

الساعة: محال.

الرجل العاري: (وهو يضحك)محال.. ههههه، يا لك من بلهاء، كل الساعات تعود إلى الوراء، ويعود معها كل شيء، ألا ترين ذلك من حولكِ.. كل شيء يسير إلى الوراء، فلماذا تصبح الأمور معي فقط أمرا محالا؟!

الساعة: لنفترض أنني عدت بعقاربي يومين كما تريد .. فما الذي تغنمه من ذلك؟

الرجل العاري: سأتخذ قرارا بعدم التوقف في تلك الاستراحة الملعونة.

الساعة: تريد القول إنك بهذا ستنقذ زوجتك وابنتك من مصيرهما المحتوم؟

الرجل العاري: ليس محتوما أبدا، بل سأنقذهما فعلا.. إن لم نتوقف سنمضي في طريقنا بأمان.

الساعة: ستمضي إلى أن تصل إلى نقطة التفتيش التي تعرضت هي الأخرى لتفجير انتحاري قبل دقائق من تفجير المطعم، سيكون موعدك من مشهد آخر للمذبحة.. لا، لن ينجوا أبدا من مصيرهما المحتوم.

الرجل العاري: يا الله! لماذا يحاصرنا الموت هكذا؟ مستحيل! سنمضي بأمان.. أعدكِ أننا سنمضي بأمان.

الساعة: لن يمضيا بأمان معك.

الرجل العاري: وما الذي يجعلكِ متأكدة من ذلك؟ هل تعلمين الغيب؟

الساعة: لا .. ولكن أعلم الموت جيدا.. لن تخدعه ساعة مسكينة مثلي.

الرجل العاري: لا يتعلق الأمر بالموت، بل بالوقت.. بكِ أنتِ، ثانية واحدة تفصل أحيانا بين الموت والنجاة.

الساعة: أنت واهم.. الموت يختار موعده بدقة متناهية، ليس أعمى كما تظنّ.

الرجل العاري: هكذا إذن! تقصدين أن الموت اختار التوقيت المناسب باللحظة والثانية ليختطف زوجتي وابنتي؟

الساعة: نعم

الرجل العاري: وهذه اللحظة ممن؟ أليست منكِ أنتِ؟ أليست هي من هذا الشيء الذي يسمونه وقتا.

الساعة: حسنا.. سأقول نعم..

الرجل العاري: إنك مخادعة، يا لقذارتك.. هل كل الساعات مثلك أيتها المشؤومة! ـأقسم أنني سأحطمك إن لم تلبِّ طلبي. سأحطّمكِ.. سأحطمكِ.. أيتها الملعونة.

 قطــــــــــــع

المكان: المغتسل

(الرجل الغاسل يمسك الرجل العاري، يحاول دفعه إلى الخلف، لإبعاده عن الجدار).

الغاسل: أهدأ يا رجل.. إنها محطمة فما الذي ستحطمه منها.. ثم يقول بسخرية: المحطم لا يحطم

الرجل العاري: (يقهقه، ثم يقول)هههه، انظر حولك، إنه محض حطام يعاد تحطيمه كل يوم… سأحطّمها.. دعني وشأني.

 قطـــــــــــــع

المكان: مركز للشرطة، يتوسطه مكتب صغير عليه أوراق مبعثرة وصورة غير واضحة الملامح تنتصب بإطار رمادي، يظهر ضابط التحقيق بزيه الرسمي، والرجل العاري واقف أمامه.

الضابط: تم إلقاء القبض عليك بتهمة السير عاريا، و ..و .. وهناك أيضا شكوى من صاحب المغتسل بالتعدي على أملاكه.

الرجل العاري: ماذا؟؟ السير عاريا! أنا عارٍ!! وأنت يا سيدي؟! ألست عاريا مثلي؟؟ الجميع عراة لِمَ أنا فقط من يحاكم على تهمة سخيفة كهذه؟ (ثم يغمغم) منذ خرجت من فدك والجميع عراة..(يطرق إلى الأرض وكأنه يتأمل شيئا تحته، يحرك قدميه.. ثم يقول)حتى ابنتي، فلذة كبدي المسكينة تركتها هناك.. في ذلك المكان المشؤوم، تركتها عارية أيضا..(ثم يرفع رأسه فجأة ويقول بنبرة خافتة متحسرة)هل ستحاكمون ابنتي لأنها ماتت عارية يا سيدي؟

الضابط: كلنا صُدِمنا بذلك الحادث الإرهابي، أووووووووف .. أرى أنك مصدوم، سأخلي سبيلك حالا..(ثم يتوقف.. يقلب أوراقا بين يديه) ولكن شكوى الرجل..! يقول إنك تعديت عليه؟

الرجل العاري: لا اعرف مبررا لشكواه يا سيدي.. لقد حطّم الساعة من أجل حشرة .. تصوّر!

الضابط: اسمك؟ سنك؟ عنوانك؟

الرجل العاري: (مبحلقا في السقف).

الضابط: (يكرر  سؤاله) لا جواب… تبدو مختلا، سآمر بتوقيفك لحين الكشف الطبي للتأكد من سلامتك العقلية.

الرجل العاري: يا سيدي لست مخبولا.. كل ما في الأمر أن ملابسي احترقت في الانفجار،  ودخلت المغتسل لأنني عارٍ، العراة يجب أن يذهبوا إلى ذلك المكان، ويستلقوا على تلك المصطبة، ليأتي ذلك الرجل و يقوم بواجبه.. هذا ما رأيته طوال حياتي.(ثم يصرخ)كان يجب أن يقوم بواجبه، بدلا من أن يحطّم الساعة الجدارية، ذلك المعتوه.

الضابط: هل لديك شيء آخر لتقوله؟

الرجل العاري: نعم، أريد إقامة شكوى ضد صاحب فدك.. احمله مسؤولية قتل زوجتي وابنتي.

الضابط: تقصد صاحب تلك الاستراحة على الطريق؟ لقد قُتِل هو الآخر في الانفجار..

الرجل العاري: سحقا له، لقد هرب بفعلته اللعينة.

الضابط: وما ذنب المسكين؟

الرجل العاري: ذنبه أنه صاحب ذلك المطعم، لو لم يكن هنالك مطعم لما توقفنا في الطريق، ولو لم نتوقف لما قُتِلت زوجتي وابنتي.

الضابط: اسمع يا رجل.. الكثيرون قتلوا ويقتلون يوميا، والعالم فقَد غير زوجتك وابنتك الملايين.. وما زال يسير كما هو.. أؤكد لك أنه ما زال يسير كما هو.

الرجل العاري: لا يهمني الآخرون، ما يهمني زوجتي وابنتي. هل تفهم يا سيدي؟ زوجتي وابنتي من فقدتهما.. وليذهب العالم برمته إلى الجحيم.. بدونهما لاشيء اسمه عالم.

الضابط: والعالم ليس بحاجة إلى هرائك..

الرجل العاري: قتل زوجتي وابنتي هراء؟!

الضابط : (يهمّ برفع يده في الهواء، تسقط ساعته اليدوية، يصمت وهو يتأملها على الأرض، ثم يقول) ناولني هذه الساعة..

الرجل العاري: ولماذا لا تلتقطها أنت؟

الضابط: حسنا.. هذا البنطلون ضيق قليلا، هيا.. هيا، ناولني إياها يا رجل.

الرجل العاري: (ضاحكا)يا سيدي أنت عار مثلي.. أقسم لك أنك عارٍ، التقط ساعتك ولا تخشَ شيئا..

الضابط: (يلتقطها بتململ، يحدّق فيها، ثم يضعها على سطح مكتبه.. وهو يردد)لقد تعطلت ثانية.

الرجل العاري: ساعتكم عاطلة منذ بدأتم، لا جديد، أنتم بلا وقت أصلا.. وهذا عجيب، عجيب جدا، لأن لا أحد منكم فقد زوجته وابنته..(ثم يتقدم نحو الضابط قائلا)صحيح يا سيدي لماذا ذلك؟

الضابط: أضعت معك الكثير من الوقت..

الرجل العاري: (يقهقه)قلتُ إنكم بلا وقت، والدليل على كلامي الآن أن ساعتك عاطلة، أليست هي عاطلة؟ لا.. لا، لا تنكر، لقد قلتها أنـت بعظمة لسانك.. ساعتك تعطلت.. فلا تتبجح بامتلاك شيء لا تملكه، لستم أهلا للوقت أصلا.. أنتم عديمو الوقت.. (يضحك).. أنتم وقت سز.. ساعاتكم مجرد أسورة تافهة تضعونها في معاصمكم، على رفوف مكاتبكم، على جدران قصوركم.. لكنها بلا وقت.. ولم تكتفوا بذلك بل ذهبتم إلى فدك، ونصبتم في فدك مطعما لعينا، ليكون كمينا لي، تعرفون أنها تحب فدك، فعلتم ذلك عن عمد  كي تسرقوا مني وقتي الجميل، حقيقتي الغالية، زوجتي وابنتي. أيها الملاعين..

قطــــــــــــــــع

المكان: المغتسل.

الرجل العاري: (قائلا للغاسل)لا داعي للذهاب. فأمر الساعة لا يعلو عليه أمر. وها هي الآن تتقدم، غسلني قبل أن تتعطل أرجوك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت