مراجعات في علم الجمال / حيدر جبر الاسدي

قراءة في كتاب مدخل الى فلسفة الفن / علم الجمال…للكاتب جوردون غراهام

 

المقدمة….

تعد الاشتغالات الجمالية وتاصيلها على مستوى الابحاث التي تتمركز عليها تلك المفاهيم، الشغل الشاغل للفلاسفة والباحثين بوصفها اي_ الاشتغالات_ محل جدل واختلاف لدى اغلب المعنيين، وبهذا كتب غراهام هذا الكتاب والموسوم ( مدخل الى فلسفة الفن) ليناقش تلك الافكار والاراء التي شغلت الكثيرين طيلة القرن المنصرم وماتلاه، حيث بحث النسبية

فصول الكتاب التي وصلت الى ثمانية فصول، اهم ما طرحه الفلاسفة في قراءة علم الجمال، اخذا النظريات التي تحدثت عنه بوصفه، ممثلا للمتعة كما يقول هيوم  او انه يمثل اللعب او التسلية او انه يمثل نظرية معمارية قابلة للتفاعل وللتمحور  او انه ياخذ نسقا فنيا بوصفه عملا فنيا له معاييره الخاصة، وقد ناقش غراهام تمظهرات الجمال في الفن بانواعه في التشكيل والرسم والزخرفة والسينما والعمارة وقرءة الاختلافات المفاهمية في حل تلك الفنون والاهداف والاهمية، كما قام غراهام بالتوسعة المعرفية والغنية عبر الانساق الفنية التي ذكرها، ثم ولج الى الادب والالسنية بشكل تفصيلي حيث ناقش، جماليات الشعر والنثر، وبين مواضع الجمال في القصيدة عبر، الصورة الشعرية من جهة والحكمة التي تعبر عنها الصورة من جهة اخرى، مستدلا على جماليات المعنى المخفي خلف قضبان الصورة الفنية للقصيدة، واستشهد بالعديد من الشعراء العالميين وفي مقدمتهم بوب واليوت وغيرهم، بعدها توجه غراهام لمناقشة المناهج النقدية عبر طرح جماليات المدارس الفنية كالبنيوية والتفكيكية ودورها في تاصيل الجمال، لما لهذه المدارس من اهمية عظمى في انضاج وفتح بوابات فنية من خلال الالية الاسلوبية التي اقرها شتراوس ودودوسير في البنيوية  وجاك دريدا في التفكيكية، حيث بين الاخير الاشكاليات التي حدثت في البنيوية وتقويضها لمعالم لغوية مهمة، الامر الذي اصبح ملحا بخروج التفكيكية لتعطي منهجا حديثا يبحث عن المعنى في خارج السياقات المتمظهرة في البنية النصية او الصورية المعلنة…وبتقديري المتواضع، ان ماقام به غراهام  عبر هذه الرحلة المعرفية والجمالية لهو إنجاز متفرد، حاول ان يحصي مفاهيم ورؤى وافكار ونظريات كبيرة قرءة الجمال من زوايا متعددة، كما وان الكتاب يعد.مصدرا ومرجعا مهما في علم الجمال يحتاجه الباحث ليبين تفاصيل مهمة ضمن الانساق الجمالية في الفنون والاداب كافة..

 

تمهيد//

عبر التحولات المختلفة في الأزمنة الفائتة، تبين ان الفن يمتلك أهمية قصوى وضرورة ملحة للإنسان، وهو محل اهتمامهم، وبناء على ذلك فإن البحث عن الفن اصبح ضرورة من ضرورات الخياة اليومية المتداولة، ومن هنا شرع هذا الكتاب والموسوم ( فلسفة الفن  مدخل الى علم الجمال) للكاتب جوردون غراهام، ترجمة محمد يونس، وقد ابتدأ بمقدمة اثارت أسئلة جمة لكن في مقدمتها : ( ما هو الفن؟ )، ولم يمثل  قيمة بالنسبة للناس، وقد شرع المؤلف للحديث عن اهتمامات الفلاسفة بهكذا  موضوع، مؤكدا  بأنهم  _ اي الفلاسفة_  قد اجابوا  عليه منذ الفي عام، وقد اختلفت الاجابات وتطورت، بسبب الاستكشافات الحديثة التي انتهجت  عليها الحياة البشرية، ثم تطرق المؤلف حول الاهداف  التي يسعى لتحقيقها الكتاب، وقال: “لا يهدف  هذا الكتاب بتعريف دارسي الفلسفة، بالمعلومات  المتعلقة بهذا المجال وحثهم على الاهتمام  به فحسب، بل يهدف ايضا الى اثبات مدى اهمية فلسفة الفن وعلم الجمال، لتلبية  اهتمامات ومشاغل الطلاب المهتمين بتقييم ودراسة أعمال الفن”، ثم اشار المؤلف في مقدمته الى حقيقة، وهي ان الفلاسفة ليسوا وحدهم من طوروا لنظريات الفن ، بل شاركهم علماء الاجتماع والموسيقى ونقاد الادب والفن، والمؤلف يميل الى ما يقوله الفلاسفة  على نحو :”ان نظرية الفن وفلسفة الفن سرعان ما تتحول الى تبريرات فاقدة للحياة، ما لم تنطلق من الفنون  ذاتها “، ثم تطرق المؤلف الى السياقات المعرفية التس تناولها في بحثه،  حيث وضع استنتاجيين :

لا يتوفر وصف.

اولهما : ان من الافضل لفيلسوف الفن ان يستكشف قيمة  الفن، من ان يسعى للتوصل الى تعريف الفن،

وثانيهما : ان افضل تفسير لقيمة الفن، ويكمن في توضيح السبل التي يسهم بها في الادراك الانساني،

وقد انبرى المؤلف ايضا بالاشارة الى ان ثمة  اتجاهين من يرى بأن الفن بوصفه فنا، وضرب امثله في ارسطوا  وافلاطون، وبين من يرى ان الفن بوصفه ظاهرة اجتماعية، وهذا في الماركسية، على الرغم  بأن هذا المفهوم  الاخير، اخذ بالاتساع  في الافكار  والاهتمامات لماطرحتها البنيوية والتفكيكية من افكار لتوسعة تلك الطروحات، وهذا هو الاختلاف الجدلي بين النهج الفلسفي والنهج الاجتماعي، لكن الاستكشافات الحديثة حاولت من تقريب وجهات النظر، بعدها فصل المؤلف فيما تناوله خلال فصوله الثمانية، اذ يقول : “لكي نمهد للفصل الاول، فمن الضروري ان نجمع الى حد ما بين النهجين الفلسفي والاجتماعي”، ثم استطرد مفصلا في هذا المفهوم ، وهو يضع الأسئلة عن القيمة الفنية والاجابات معا المتساوقة مع الأسئلة، مؤكدا على اهم النظريات في هذا المجال، اما بقية الفصول التالية فقد درست نظريات اخرى غير النظريات المهتمة بالمعيارية في الفن، وتدرسها من حيث الشكل  وتاثيراته على المفهوم العام والمشترك، كما ان الفصول الاربعة المتبقة، فهي تعود لدراسة  ما يترتب لمختلف اشكال الفن، ثم العودة للقضايا الاكثر تحديدا _ كما يصفها المؤلف_  وصعوبة الاساس السليم  لعلم الجمال ولنظرية الفن …

العرض//

اولا : الفن مابين المتعة والجمال تارة ومابين اللعب والرياضة تارة اخرى..

ترائ لدى اغلب الباحثين في الشأن الفني، ومنهم الفلاسفة بأن قيمة الفن مرتبط بالمتعة، ودليلهم في ذلك هو تقييمهم للاعمال الفنية، بوصفها جيدة وممتعة وهكذا، ومن اشهر أولئك الفلاسفة  الذين يتبنون هذا الرأي هو الفيلسوف الاسكتلندي هيوم، الذي عاش في القرن الثامن عشر _ كما يشير المؤلف_  في حديثه عن هذا الموضوع في الفصل الاول، وخلاصة افكار هيوم ضمن هذه السياقات  الجمالية، فهو يعتبر الاراء الجيدة وغيرها ليست احكاما حقيقية مطلقة، لانها خارج اطر الاساسات الحقيقية، لذلك البحث عن الجمال الواقعي واللاواقعي لاطائل منه، شأن البحث عن الحلاوة والمرارة،  وهذه كلها بعيدا عن الذوق ليس الا، كذلك يشير هيوم أن الناس يختلفون في آراءهم حول هكذا اطلاقات جمالية، وان كانت غير محدودة، كما يؤكد هيوم  في رده على المفترضين “بان معيار الذوق  ينشأ من طبيعة الكائنات البشرية”، وهذا يعني انهم مشتركون في الطبائع، ويشير الكاتب في هذا  الجانب بأن نظرية هيوم واردة وافكار لا تتماشى، مع اتجاهات الفن والاذواق الفنية، وفي جانب اخر  ويشير  المؤلف بأن الرد  على هذا المنهج  في التفكير ، “فان ذلك قد يشعر البعض بأن يسعى لان يوجد فرقا بين المتعة الراقية والمتعة الهابطة”، وهذا يعني بأن الفن يوفر للمتلقي متعة أرقى، وبناءا على ذلك  فأن  هناك اعتراضات كثيرة ضمن هذا السياق …

اما كانط فاشار الى اننا يجب ان نبحث عن معنى اخر للمتعة كونها داخلة في السياقات الفنية، كما علينا ان نفرق بين الالفاظ لتسمية الجمال، مؤكدا على فكرة “متعة التأمل الجميل”، بوصفها فكرة قديمة ومألوفة، فالترابط بين الفن والجمال عند كانط انهما ذات قيمة لكل منهما لانهما متوقفان على الابداع، كما أن  الحكم الجمالي لدى كانط هو  بين الضروي والذاتي المحض، وقد اشار في كتابه ( نقد الحكم )، ان التعبير عن مثل هذا الحكم لا يكون الا ذاتيا، اي نابعا من الشعور بالاحسان، بمعنى أن  الجمال يمكن أن يعبر  ذاتيا وبقدر ايضا، فهو مجرد صفة تسجل بلا انفعال، كما يوضح مؤلف الكتاب، اما تصنيف  (جدامر) عن الفن بوصفه لعبا، فأنه يرى ان اللعب ليس للتسلية وانما هو جاد وهادف، وهو قريب الصلة بكانط ، وقد تحدث عن الابداع الفني والشعرية التي يؤكد عليها كانط، ثم يؤكد جدامر  على اللعب بوصفه نشاطا فنيا جماليا ، يستخدم من قبل البشر لتحصيل طبائع حسنة ومهارات مميزة، كما انه يعتقد بأن الفن نوع من اللعب وهو مشاركة بين الفنان والحمهور، والذي يمثله ويميزه هو التحدي بين طرفي المعادلة، كذلك اشار الى الرياضة كون لها قيمة اكبر من المتعة الناشئة من التسلية والترفيه، ومما تقدم يلخص المؤلف بعض الإشارات اهمها: ان الفن  وقيمته لا تكمن في المتعة لاسباب هي ان ارقى نافي المتعة يكمن في الخصول على تدريبات عالية للوصول الى الارقى  وثانيا : اذا كانت المتعة تكمن في قيمة الفن، فأن ذلك يجعل فيكم المستحيل، وثالثها : ان من الصعب  ان تتبين في الكيفية التي تعتمد فيها نظرية المتعة، وهذا بؤصل الحديث عن المتعة الارقى والمتعة الجمالية، كما ان جدامر اعطى تفسيرا اكثر تعقيدا من كانط حول الرؤية الجمالية للفن وعن تفسيرات المتع الجمالية، واكد على نوع المتعة فيها قائم على أساس  اللعب وهو أيضأ نوعا من انواع التسلية حتى وان كان مهنيا وجادا، واللعب هنا يفسرنا في الاستعادة من التجارب على حد.رأي (والتون)، ثم يشير غراهام في نهاية الفصل  “بان الفن ينقل لنا الانفعالات والمواقف وهو اصلا منبع لها”،

ثانيا// الفن  مابين الانفعالية والتعبيرية..

اشار  المؤلف في هذا  الصدد بأن الفن يتمخض عنه انفعالات متباينة، ويمكن ان يطلق عنها بالنزعة التعبيرية، وهذا ما يبرر من مشاعر واحاسيس لدى الفنانين في اعمالهم الفنية بمختلف الاتجاهات،  فالفن _ كما هو معروف _ نشاط انساني ينقل الى الاخرين خلال اشارات خارجية واعية، كما اشار تولستوي في كتابه  ( ماهو الفن)، صورة النشاط الفني، بمعنى ان الفنانين فيه اناس يستلهمون  تجربة الانفعال  العميقة، ويستخدمون مهاراتهم  في الكلام والرسم والموسيقى او النحت او الحركة الخ ..لتجسيد الانفعال في عمل فني… وفي كتاب ( مبادئ الفن) لكولونجوود….( ان معظم السمات التي تتميز بها النسخة المادية من التعبيرية)، بمعنى ان الفن ليس من وجهة نظره غير معني  بالانفعالات  على الإطلاق، …. وهذه اشارة الى ان  الفن يعبر عن التسلية، واثارة الانفعالات لتحقيق المتعة، كما يؤكد كولونجوود :  “بأن  التعبيرية الساذجة بجانبها الصواب ايضا، كما يشير في كتابة  الأخير  عن بعض المصطلحات كاالانطباعات والافكار بوصفها تجارب حسية ومحتوى غير حسي وهو خاضع للافعال.

من جانب اخر  يتنبئ تولستوي النزعة التعبيرية وهي قاصرة لانها تهمل اهمية الخيال، اما الفلسفة الجمالية  فن الخيال فيه  محوري، فيحول فيه الفنان من التعبير الفانض الى التعبير الواضح، ضمن بنية خيالية جمالية، وفي ( مبادئ الفن) هناك تغبير مقابل التعبيرية، وان هناك اضطراب نفسي غير محدد المعالم، ويمكن الاهتمام بذلك بقدر مائيتحقق من عمل، وفي الخلاصة وضح غراهام / المؤلف .. ئنسختين في قراءة القيمة الفنية تلك المتعلقة بالمتعة وأخرى باللعب والتسلية، وهناك الانفعال الذي يفضي الى تطوير الجانب الانفعالي للفن بوصفه تعبيرا عن المشاعر والعواطف واحاسيس الفن، وهي قراءة موضوعية للإرادات التي يعيشها الفنان عبر تلك التعبيرات القائمة على الانفعالات المتباينة.

ثالثا// علاقة الفن بالفهم..

في هذا الفصل تطرق المؤلف عن ما قام به في الفصلين الماضيين، استرجاعا لبعض المعلومات الاولية في الفن والجمال والمتعة واللعب، واكد غراهام .. على هدف هذا الفصل هو الاجابة  على التساؤل  (اذا كان من الممكن التعلم من الفن)، ثم شرع بتفكيك هذا  السؤال موضحا بأن المعلومات لا تمثل جزا  لا يتجزا من العمل الفني، بل وردت عرضا فيه، ولكن العلاقة الاكثر تكاملا هو البحث في (الفن والفهم )، لتحقق في الاعمال الفنية، خصوصا تلك التي تعبر عن الوعي الذاتي، وكذلك التميز  بين الاعمال الفنية التي تعرض المعلومات، او تؤكد عليها مزيد من الفهم، كما ان  الفهم احد مصادر  الفن، ومن جانب اخر

تطرق المؤلف الى (الفن والمعرفة)، وهذه النظرية ترى ان قيمة الفن تكمن فيما يتعلمه من اسم (النزعة المعرفية)، ويرى البعض ان التمسك بالنزعة المعرفية هو نوع من الاستسلام لراي متحيز على الفن ان يجانب الحقيقة، وبحسب دوجلاس مورجان، فإن السعي لتعبير على ان الفن مصدرا للفهم وهو ذات قيمة نسبية للمعرفة.. وقد طرقت أيضا في هذا الفصل النزعة المعرفية الجمالية، كون الفن الجاد يمثل لنا وسيلة للفهم البشري، ويجعلنا نفهم ونفسر مكانته الثقافية، انطلاقا من مفهوم التعلم الذي يطور العقل ويعزز الادراك، كما ان النزعة المعرفية يفيدنا في تفسير مجموعة كبيرة من المصطلحات النقدية التي تستخدم على نطاق واسع… كما يشير المؤلف ايضا عن دور الخيال والتجربة، وهي قراءة للطبيعة الخيالية للفن بوصف الخيال، اساس الفن في وضع إبداعاته واستكشافاته ….كما تطرق المؤلف ايضا عن كيفية اثراء الفن ومالذي يثيره، وكذلك الاشكاليات والصعوبات التي تواجهه في هذا الاطار، وقد اجاب المؤلف عبر قراءة موسعة لطبيعة الصور الفوتوغرافية والخرائط والعلاقة بينهما، بوصفها فنا، كذلك المؤلف عن المثالية في الفن واكد على وحدة الشكل والمضمون، كذلك اشار الى الفن والعالم والعلاقة التبادلية يينهما، واشار الى التطابق ولا تتقيد به والعلاقة على نحو ذلك مختلفة، فالفن هنا بوصفه على نحو مستقل، كوسيلة لرؤية الواقع من جديد.. وقد أجاد المؤلف في أن يضع خلاصة مفادها: أن النزعة المعرفية الجمالية تتمثل في أن الفن أكثر قيمة كلما كان مصدرا للفهم، وبهذا  فإن النظرية المعرفية الجمالية تفسر على نحو  اكثر نجاحا  من النظريات الاخرى، والسبب اننا نعطي للعمل الفني قيمة على الرغم من ان المتعة تستمد من الفنون الجمال كما يقول غراهام…

رابعا// الموسيقى وتمظهرات المعنى…

في فن الموسيقى اوضح عبره مؤلف الكتاب بانه مغاير عن الرسم والعمارة والدراما، واشار الى اهمية دراسة السمات التي تميز الاشكال بعضها عن الاخر، وبين اسباب البدء بالموسيقى، كذلك اوضح ان الفلاسفة تقيدهم الموسيقى المطلقة الخالية من الكلمات او الاغاني، كما اكد على المتعة في الموسيقى، وهي اصلا متعة الفعل، والهدف من هذا الفعل هو  اكتشاف الابعاد الثلاثة للموسيقى، كما تحدث غراهام ايضا عن الموسيقى والانفعالات… بعدها ذكر تفاصيل حول الافكار في البنية الموسيقية. وكيفية تفسير المحتوى الانفعالية على انه الغاية التي تشهد فنا في البنية الموسيقية،  كما تناول هذا الفصل على ان الموسيقى بوصفها لغة، وبين اهمية وقيمة الموسيقى كونها تنقل  رسالة ومعنى، وهذا ما يفهمه الدارسون بشكل جلي وواضح، كما يؤكد هذا الفصل ايضا بأن الموسيقى لغة من نوع ما، من جانب آخر اشار غراهام الى ان دلالة الموسيقى تكمن في قدرتها على التطور، ومن المؤكد ان الموسيقى لديها القدرة على ان تصور اصوات الاخرين ومنها الطيور والمعارك والعواصف والمواكب..الخ. وهذا نوع من التعبير او النسخ ، كما ان هناك اشارات الى مفردات الموسيقى  والنمو الموسيقي، وهي تعيد على نوع من الايحاءات او الايماءات الخاصة بالافكار، كما بين المؤلف الفرق بين الاصوات الطبيعية والاصوات الموسيقية، وكذلك اشارة الى الانجاز الكبير الذي تحقق بسبب الموسيقى ….

وخلاصة القول … فان الموسيقى هي تعبير عن مشاعر البشر العميقة، والمتعة هنا لا تصف عمق ودلالات الموسيقى، وكذلك الحال للانفعالات وهناك ما يعتبر المسألة بين الموسيقى  والنظرية المعرفية..

خامسا// من الرسم الى السينما ..

تحديدا هذا الفصل يستغرق غراهام في البحث عن العلاقة بين للتصوير والنسخ، واهمية البورتريهات والمناظر الطييعية التي تنقل الواقع بدقة، والتفكر على ان التصوير فنا وهذا المفهوم سائدا، وهذا الأساس الدقيق في نقل الاشياء المستلة من الواقع، كذلك الحديث جرى حول اكتشاف المنظور  وأهميتة  في هذا المجال وعلاقة التصوير بالقيمة الفنية، ثم عرج المؤلف للحديث حول الفن المرئي  والصور التجريدية واكد على السينما، وقدرتها على تجاوز محدودية الصورة الساكنة، واشار الى تجارب بعض المخرجين العالميين ومنهم ايزنشاين الذي له الاثر الكبير في المونتاج،وتتابع الصورة السينمائية، بعدها تطرق الى القصة والتصوير وعملية التوليف  واللقطات وانواعها، كما اشار الى ان قدرة الفلم على النسخ او النقل كوسيلة لتوجيه الانظار والاهتمام بالواقع، كذلك تناول المؤلف في السينما ووصل الحال الى نتيجة بان السينما صناعة ولها ( اهداف كثيرة ومنها التجارية )  ،

سادسا // الشعر واللغة  الشارحة ..

في هذا الفصل أنساق المؤلف للحديث عن الأدب وجمالياته التي تقود الى الفهم والادراك، وقد بدأ  الحديث عن الشعر والنثر  مستلا ما كتبه الشاعر الانكليزي (الكساندر  بوب بيتين) في الشعر .. بعدها تطرق المؤلف عن ما تميزت به الصورة الشعر ية، وما يجعل للشكل الشعري قيمة، بعدها استشهد براي الناقد جونسون  في بيان هدف الشعر  وقال بحسب راي الاخير : “بانهم ما يسر  الناس،ويعلمهم”، اما بوب فيرى بأن المتعة التي تستقي من الشعر  (محدودية الأهمية  والقيمة) ، اما ملاحظات جونسن _ كما يشير المؤلف_ فانها تنصب على الشعر الديني، ولكنها ايضا تنصب على الشعر الجاد  في عصره ، كما يقول بوب :

ضالة العلم مكمن الخطر

فلتشرب بعمق من نبع المعرفة والشعر

فجفاف الضحالة يسمم العقل

والارتواء، يعيده للصحو  …

فيذكر غراهام ان البيت الاول تلخيص مناسب للحقيقة من حقائق التجربة  البشرية ومصاغ كحكمة او مثل، وبهذا يعني ان ما يكتب يثير المعرفة والتعلم ويعطي مساحة واسعة للتأمل والتدبر والتفكر ، وبالنتيجة فانه يعطي الحكمة، وهذا ما انساق عليه الكثير من الشعراء ضمن هذا الاطار، وهذا ما ذكره لير في قصيدة  ( البومة والقطة ) اذ يقول :

ذهبت البومة والقط الى البحر

وركبا قاربا اخضرا جميلا

واخذا معهما عملا وكثيرا من النقود

ولقيا في ورقة من جنيهات الخمسة..

وهذه القصائد تحدد شكل ومضمون النتائج الشعري الذي يسهم في صياغة  النظم الشعري عبر الافكار  والصورة الجمالية المتداولة، والتي تحقق اهداف الجمال عند القارئ، ثم يستطرد المؤلف في الحديث عن اللغة التعبيرية والمجاز ، والتداخل الموسيقي  في الشعر  والأدوات  الشعرية  المستهدفة، واستشهد  بابيات مختلفة من شعراء كبار كبوب واليوت ولير  وغيرهم، ليكشف عن البنية اللغوية والطبقات وترتيب الصور ، والمقتضبات النحوية والخروج عن السياقات  اللفظية، والبحث عن المعنى عبر الاستدلالات داخل المنظومة الشعرية في انساق القصائد المتباينة.

ومما تقدم فان المؤلف في هذا الفصل حاول ان يبرز ثيمة الشكل والمضمون الشعري بوصفها انساق مركزية تميز المنتج الشعري من جهة وتعضد القيم الجمالية من جهة اخرى، كما وتمركز نطاق الفهم، عبر قراءة فاحصة لبنية التجربة الانسانية المختفية خلف قضبان القصائد، كما وان المؤلف بين قدرة الادب في اتساع  قيمته المعرفية والجمالية عبر منجزة الفني، وان هذه القدرة ايضا موجودة في الاشكال الفنية الاخرى…

سابعا// العمارة بوصفها  فنا..

انبرى المؤلف في هذا الفصل للحديث حول فن العمارة بوصفه فنا مميزا كائنا بذاته، كما انه يحظى بقيمة جمالية كبرى، ولهو خصوصية وهو ذات متعه له سمات ومن بينها الفائدة والمتعة معا، وبالتالي تحتاج الى نظر وتأمل مركز، وهناك جدلية بين جمالية العمارة وفائدتها وقد أوضح المؤلف في تفكيك هكذا اشتباك معرفي مهم، على اعتبار ان الجمالية شيء والفائدة شيء اخر، ربما تكون العمارة جميلة لكنها فاشلة من ناحية الهدف والرصانة والعكس صحيح، وقد ضرب المؤلف امثلة كثيرة في المعماريين العالميين، وبالتالي الغرض في المعمار  اساس في جمالياته.. وليس الزينة كهدف اوحد.. كما ان المؤلف ناقش ايضا الشكل والوظيفة المعمارية وكذلك النزعة، بوصفها  كبادئ معمارية اساسية  في عمل العمارة، على اعتبار انها تراعي الكيفية التي يبني بها المعماريون ابنيتهم .. وكذلك علاقة الشكل بالوظيفة وايهما يتبع الاخر .. ويبدوا ان الشكل يتبع الوظيفة او كلاهما  معا..كما تناول المؤلف المكان والتعبير والفهم في عمل المعمارية وتقييم ذلك، بوصفها  اسهاما في وعي  التجربة الانسانية، وما يصمم من عمارات هو تجسيد حي للفهم الانساني وما يعتقده وخلاصة ذلك  يرتبط بتغيير قيمة العمارة  في الشكل والوظيفية  وكيفية المبنى وعلاقتها  بالافكار والمعتقدات الانسانية ليشكلا جميعا وهذه مضمونية متكاملة، لتعطي انجازا معماريا موحدا، دون البحث في تفاصيل الانساق الاخرى، والمساهمة في الاستكشافات الانسانية، التي تعطي للأفكار والمباني المشيدة قيمة عليا، والتي ترتبط جميعا في مفهوم الجمال، كونه يعطي قيمة الفن وهذا هو الهدف  الاسمى الذي نبحث عنه..

ثامنا// نظريات الفن..

في هذا الفصل فتح المؤلف الباب على مصراعية، وهو يتحول من المناهج المعمارية لقراءة الفن  وقيمه الجمالية، باعتمادة على اليات المتعة واللعب والنزعة المعرفية والمعماريات الاخرى، كمنهج الاستدلال، ليتحول الى منهج اخر  وهو البحث عن نظريات الفن بوصفها مواكبة للعصر وقارئة للجمال الفلسفي الحديث، حيث بدا بتعريف الفن، ذاكرا كيف بيل بوصفه شخصية مؤثرة في علم الجمال وان لم يكن فيلسوفا، اذ يقول بيل “لو تمكنا من اكتشاف خاصية مشتركة ومميزة لكافة الموضوعات التي تقدم، فلسوف نحل مشكلة اعتقد انها المشكلة المحورية في علم الجمال، وسنكشف الخاصية التي تميز اعمال الفن في كافة الموضوعات الاخرى”،  وهذا ما يميز بيل في ان يبحث في مفهوم الفن وأهدافه والمشكلة المحورية في علم الجمال وفق هذه الصياغات المعرفية..ثم يشير المؤلف رأي  كاريب الفيلسوف البريطاني المتاثر بكروتشه، ذاكرا قوله: ” اذا ما وجدنا انفسنا عاجزين، عن قبوله، فاما ان نقول ان تفسير الجاد. لم يتم التشابه فيه او انه يفعل بالبديل “، وهذا افتراض لا يمكن الانسياق حوله، كونه نظرية الفن تعطي مناهج عديدة للفن بسماته المختلفة، وهو منهج علم الجمال الفلسفي، ثم عرج المؤلف للحديث عن الفن كمؤسسة، وهو وسيط ما بين الفلسفة والاجتماع او مثلما يعبرون عنها بلفت الانظار ، ويعد جورج  ديكي الفيلسوف الامريكي اشهر أبرز المدافعين عنها، وقد صاغ ديكي تعريفا مميزا  بقوله :”العمل الفني بالمعنى التصنيفي، هو قطعة فنية مجموعة من الجوانب تمنح  وضع المرشح للتذوق الفني من قبل شخص او اشخاص يعملون لصالح مؤسسة اجتماعية  معينة هي (عالم الفن)، ويحد اخرون ان هذا التعريف  ملتويا، وقد تخل عنه ديكي في وقت لاحق، والنظرية المؤسساتية في الفن هو ان تأخذ السياق الاجتماعي للفن، وان كانت هناك اعترافات كثيرة حول هذا المفهوم، اما النظرية الماركسية فهي مستندة على توسعة المفاهيم الماركسية واخذت حيزا كبيرا في الفن، وهذا ما يشير له التزوير بوصفه متبني للماركسية واحد اكبر منظريها، اذ يقول الاساس في معرفة حقيقة الفن العودة الى الماركسية والتعرف على اهم مبادئها، وقد اجاب التوسير على معظم الأسئلة الفنية وطبيعتها الخاصة، وعملية التاثير بالقيم الجمالية للفن. ..ثم خصص غراهام حديثه في النهاية عن المنهج البنيوي ومنظره شتراوس بوصفه مدرسة السنية مميزة، حيث بين ان اللغة انساق من العلامات الرمزية والاشارية والايقونية، كما وضح المنطوق واللامنطوق، وغير المسموع في اللغة التي تحددها البنية الدلالية، ثم تناول تفاصيل عمل العلامات المتشكلة ضمن الانساق الدلالية التي تقرها اللغة، وبين المنظومة العلاماتية التي اشار  إليها العالم السويدي دي سوسير، كما بين اهمية اللغة وما تخفي من نظم دلالية، تحتاج الى عملية استدعاء معرفي لها عبر البحث في القيم المتمظهرة عيانيا،، والتركيز على الاحالات العلاماتية التي تبثها اللغة ضمن نسق بنيوي دلالي داخل محورية اللغة وانساقها البنيوية، وهناك اشارات حول تاثير هذه النظريات بالعلوم الاخرى؛  كالانثربولجيا والسسيولوجيا، كما تحدث المؤلف عن بعض العلماء الانسنييون  كالفرنسي تودوروف، الذي اوجد نوع من التوازي بين الابنية النحوية والابنية الادبية والنظر  الى الشخصيات على انها صفات وهكذا..  ثم تطرق غراهام الى النظرية التفكيكية لجاك دريدا، وقد اعترض دريدا على البنيوية، معتقدا بانها نشأت عن انقطاع مهم في تاريخ الفكر  الانساني، وتعد انعكاسا له..ا ي انها قطيعة نهائية مع الافلاطونية…الافلاطونية تعتقد بان الكلمات والعلامات بديل عن المعاني المشار لها، اما البنيوية فترى ان الحقيقة الكامنة ليست عالما ثابتا بل انها بنية الفكرة واللغة ذاتها، وقد اوضح المؤلف رؤية دريدا في هذا الجانب وتقاطعه مع البنيويين، وركز على ما يسمى (بالتفكير الحر)، والبحث عن المعنى خارج السياقات اللفظية، بوصفه محور العملية الدلالية، او انها مركز المعرفة، بمعنى أنه يعطي حرية القراءة ضمن بنية دلالية مخفية المعنى، لكنها تحتاج الى تفكير وتفسير يفكك اركانها المتمظهرة نحويا، …ثم يختم المؤلف كتابة بالحديث عن النظرية المعيارية وهي التي تميز بين الفن واللافن، وفق معايير حددها في العمل الفني سواء كان وصفي او قيمي، ثم ختم بخلاصته حول تعريف الفن  برؤية علم الجمال الفلسفي وبين ان ثمة تعاريف مختلفة خاضعة للنزعة التعريفية التي تنطبق مع واقع الحال..

الاستنتاجات//

مما تقدم بيانه وعبر المراجعة الشاملة لكتاب مدخل الى فلسفة الفن ( علم الجمال) يمكن ان نضع بعض المؤشرات الاستنتاجية التي افرزتها محاور الكتاب  وهذا الجهد الكبير الذي قدمه  جوردون غراهام وهي على النحو الاتي…

أولا/ بحث الكتاب في الاشتغالات الجمالية وفقا لمفاهيم فلسفية مستلة من اراء وافكار أهم فلاسفة الجمال وبعناوين مركزة ومعنية وبشكل مهني وسلس

ثانيا/ ناقش الكتاب اهم النظريات الجمالية وبين اهميتها واهدافها وأساليبها المتبعة والعلاقة بينها وايجاد والعمل على ايجاد مشتركات معرفية تربطها جماليا..

ثالثا/  أجاب الكتاب عن الكثير من التساؤلات الجمالية وفي مقدمتها (ما هو الفن؟)، واعطى تعريفات متعددة بحسب الحاجة والاهمية..

رابعا/ وضع الكتاب عناوين جمالية وناقشها بحرفية عالية بحسب آراء هيوم وكانط .

خامسا/ تناول الكتاب علاقة الفن بالمعرفة  وبيان القيم الجمالية للفن ومعرفة مستويات الفهم من خلال الفن.

سادسا/ بين الكتاب اختلاف المعايير الفنية بين الفنون كالموسيقى والعمارة والرسم والدراما وهكذا..

سابعا/ اكد الكتاب على قراءة الجمال في مجال الادب واخذ يناقش تفاصيلا مهمة في الشعر والنثر وعلاقة ذلك بالجمال ..

ثامنا/ تناول  الكتاب ولأول مرة الفن بوصفه مؤسسة موضحا ان ذلك تعد وساطة بين الفلسفة والاجتماع..

تاسعا/ قرءه الكتاب اهم المناهج الالسنية وبين علاقتها في الفن وعلم الجمال وهي معيارية حديثه تحتاج الى دراسة مستفيضة ومعمقة لبيان التمركزات الجماليات في هكذا مناهج ..

عاشرا/عالج الكتاب الجمالية من وجهة نظر الفكر البشري الحديث..كذلك اهمية التذوق الفني وتاثيره في تاصيل الجمالية عند الفنان..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت