مسرحية “الملك لير وساحرات مكبث”… طرازية الاداء وجمالية الفرجة/ بقلم : د.علي حسين حمدان
تأليف : وليم شكسبير
اخراج : كاميران رؤوف
قدمت ضمن فعاليات مهرجان اربيل الدولي للمسرح بدورته السابعة للمدة من 12إلى 18 نونبر 18/11/2022
**********************
تعد النصوص العالمية ولاسيما نصوص المؤلف الانكليزي الابرز وليم شكسبير مصادر الهام غنية ومفاتيح للشروع في تقديم عرض مسرحي يلبي حاجة تستحق الرصد والتأشير والتحليل لما لها من تأثير في الراهن الحالي وما يمكن ان تكون مصدر قلق على مستوى بناء وطن وبالتالي استقرار دولة هي ربما هواجس ارقت مخرج عرض مسرحية: (الملك لير وساحرات مكبث) (كاميران رؤوف) وانشغل بها , اذ يشرع الملك لير بتقسيم المملكة بين بناته الثلاث (كورديليا, ريغان , كونريل) تقسيم يهز ويربك اركان المملكة ويفتح الباب على مصراعيه لأثارة غريزة الطمع والجشع والتدخل في شؤون المملكة من قبل ازواج الشقيقتان الاكبر (غونريل ,ريغان) وبالتالي يكتشف الملك لير متأخرا هول وفداحة جحود وخيانة الشقيقتان الاكبر سنا ليصاب بالجنون ومن ثم الموت على اثر ذلك.
وبحسب القصة المعروفة لنص مسرحية الملك لير, وهو ما يجعل منها محاكاة سياسية وايدلوجية يمكن ان تكون انعكاس للراهن الحالي بأبعاده التقسيمية , اذ ينطلق (كاميران رؤوف) في مقترحه الاخراجي مستعيرا او مستحضرا ساحرات مكبث التي ترسم وتحضر وقائع ودوافع ذلك التقسيم والتي تبقى حاضرة في كل التحولات المشهدية بوصفها تضيئ ثريا العرض بحسب رولان بارت بعد ان يحقق (رؤوف) مقاربة فكرية يستلهمها من الفن التشكيلي, لوحة العشاء الاخير للفنان الايطالي ليوناردو دافنشي, والدور الذي يلعبه يهوذا الذي باع المسيح ب (30) قطعة فضة وتسببت خيانته في صلب المسيح في نهاية تراجيدية كمعادل موضوعي يتسق مع نهاية (الملك لير) التراجيدية , جاعلا من هذا الاجتماع مبررا دراميا تمهيديا لقرار (لير) بالتقسيم ,
في بناء سينوغرافي ديناميكي مفعلا خشبة المسرح بأكملها , موظفا البنائية الوظيفية واحدة من تكنيكات (ميرهولد) الاخراجية , اذ تعمل البنائية على تنظيم العلاقة بين حركة الممثل والديكور الذي تألف من ثمانية اعمدة طرازية كانت كافية لتوحي بالمكان ( قصر ملكي ) تربطها شبكة عنكبوت كناية عن وهن القصر وسهولة تفككه بما يتسق والبعد الفكري الدرامي لبنية المسرحية , لتكتمل الصورة جماليا في ذهن المتلقي مستعرضا ما يدور في غرف القصر من احداث ومخططات ومكائد الذي يمثل كل القصور والممالك والدول عبر التاريخ, والمشاهد التي تزاح فيها اعمدة القصر كليا لنجد لير والمهرج في العراء وسط فضاء طقسي سحري مفتوح تتجلى فيه الاسطورة وجماليتها , بحركة مشهدية تناغمت وسيرورة وتطور وتنوع المشاهد والذي تعاضد مع الاداء الطاقمي التمثيلي المنضبط والمتسق مع البعد الدرامي لكل شخصية وتحولاتها ونموها لاسيما الاداء العالي لشخصية (الملك لير) من قبل الفنان (كاميران رؤوف ) الذي تماها مع الدور محققا صدقا فنيا عاليا مكونا نصا بصريا موازيا ومعادلا لنص لير عبر تنقلاته الروحية والجسدية والصوتية والذي رفع من مستوى العرض بالتناغم مع بقية الشخصيات التي ادتها الممثلات الرائعات لكل من الشقيقات الثلاث (كورديليا, كونريل,ريغان ) بإجادة وانضباط واحساس دقيق ومحسوب وتمكن يكشف عن امكانات وطاقات ابداعية منتمية لحرفة الخشبة وجماليتها , فضلا عن شخصية المهرج الذي لعب دورا بارزا في العرض مما جعله علامة فارقة لها اثرها الفاعل والمؤثر , والهارموني اللوني للزي بطرازيته واناقته تكامل مع الصورة المشهدية , وتفاعل المؤثرات الصوتية والموسيقية مع الاحدات وتحولاتها نغمت العرض واعطته بعده الملحمي والتعبيري في تحقيق متعة فرجوية توهجت به خشبة المسرح .
تحية لفريق العمل الذي قدم عرضا مسرحيا بصدق وانتماء لأهداف المسرح السامية في خلق متعة فكرية وجمالية تحترم الجمهور وترتفع بذائقته .