نص مسرحي:“ السيكيوباتي”/ تأليف: توفيق قادربوه
المشهد الأول
(يفتح الستار على ركح خالٍ حيث يجلس في أقصى يساره شخص على كرسي وهو يضع قدماً على أخرى في خيلاء وينظر إلى بؤرة ضوء في يمين المسرح حيث تتضح أيادي تقوم بتجميع كرسي مدولب وصوت)
الرجل: (يصاحب موسيقى جامحة حيث يقول نثرا) فاطرك أنا أيها الفَرِهٌ (يقف وهو يستطرد)) قطّعتُ الشجرةَ العظيمةَ بصبري كي أصلَ أطرافك (يبدأ في حالة الكسح حتى يزحف كالمقعدين ويقول) ) نُشارَةُ الخشبِ تحت أظافري لم تزلْ.. كان الجذع بريئاً لكن سُدَّةُ الشرِ الآن بُتِرْتَ وأفشت تشابكِ الفَرْعِ بأقرانه عن نَسَبِ التراب (يستمر في الزحف والترتيل) في قلبي دمُ فكرةِ دقّ القدمينِ بالظهر، نكرةً كنتَ وأنا من وهبَكَ هذه الهيبة، ثبّتُ بعضَك ببعضِك بخيطِ وهمِ المكانة، (يصل الكرسي ويحاول الجلوس عليه ويردد) ومن صلابتي خلعتُ عليك هذا الصَلَف، وجعلتك ما أنتَ عليه، حلماً لكلِ مغامرٍ، ومجنونٍ، وسفاك.
(مع أخر الكلمات يصل الكرسي المدولب في تعب ويجلس عليه منهكاً ويبدأ دفعه حتى يخرج من الركح ) ..
إظـــــــــــلام .
المشهد الثاني :
(الركح خالٍ تماماً تنعكس عليه إضاءة مترددة وتتردد في جنباته موسيقى هادئة بعض الشيء، يدخل من يمين الركح نفس الشخص (يرتدي خواتم وساعات فارهة في يديه بينما ملابسه بالية ) على كرسيه الدوار يقوم بلف عجلاته في عجز محدثاً حركة دائرية حول المسرح، وعيناه تتفحصان المكان قبل أن يتوقف في منتصفه يضع رجلاً على أخرى وهو يقابل الجمهور قائلاً في تعالٍ )
الرجل: هذا هو المكان.. يجب أن يكون كذلك فقد تعبت من هذا المجد اللا منتهي..ومن تنعمك بعظمتي أيها الدولاب المقرف (وهو ينظر للكرسي بازدراء)، ثم يتقدم به خطوة للأمام قائلاً) اختزلتنا بسموك!! جعلتنا سلعاً متاحة لأحلام الثوار والإمعات (يتوقف..ثم يستطرد ) هنا يمكنني أن أكفر عن خطيئتي، وأقتص منك لأجلي ولأجل ملايين الأجّلاء .
(يضرب مقبضي الكرسي بقبضتي يديه ثم يسقط كأن الكرسي رماه ) – موسيقى مناسبة – يتحول الكرسي إلى شخص قبيح الشكل يحمل على أكتافه مجموعة من الأكياس ويقول)
الرجل: بل أنت اختزلتَ المسافة بيننا حتى وصلنا حافة الموت. (المُقعد وهو يزحف بجسمه نحو يمين الركح مبتعداً عن الكرسي في فزع بينما يلتف وجهه للخلف ناحية الشخص الكرسي) من أنت ؟
الشخص الكرسي : أنا قربان عجزك للقدر
المُقعد: (المفزوع يحاول الاعتدال في جلسته بصعوبة ويقول) ابتعد عني .. لا تقترب .. فأنت سبب ما أنا فيه .
الشخص الكرسي : سبب ماذا ؟
المُقعد متقرفصً : سبب جبني وانكساري ؟
الشخص الكرسي: (في غضب) وكيف ذلك ؟
المُقعد: (ورأسه بين قدميه) أنت توهمني فقط أنني أعيش.. ترائي الناس بمعونتي وأنت لا تعرف سوى منع الماعون .. فلماذا ؟
الشخص الكرسي: (يمشي ويديه خلف ظهره مخاطباً السماء في خيلاء) لأنني أفضل منك..أنسيت كم مرة خاب مسعاك وأنت تحاول النهوض من دوني دون جدوى ..أنسيت كم مرة قطعت أنفاسي حين جثت مؤخرتك النتنة على عنقي .. أنسيت أنك لم تستطع أن تجد لي بديلاً منذ أكثر من خمس سنين.. بينما أنا استطيع استبدالك متى شئت.. مجحف أنت في حقي أيها الكليل كان الأجدى لك أن تشكرني.
المُقعد: (يرفع رأسه في عصبية ويقول في حالة هستيرية) أشكرك على ماذا؟ على غربة قدمّي داخل جسدي ؟ أم على انحطاط قدري بين العامة؟ أو ربما على سخرية من هم دوني علي؟ أعلى هذا أشكرك .
الشخص الكرسي: انت من اخترت خوض المعمعة بغرورك .. ويجب عليك تحمل النتائج .
المقعد : ولكنك شجعتني على خوض غمارها فلماذا تناكفني الآن ؟
الشخص الكرسي: (وقد انحني بجسمه في وضع تحية صينية) لا تخلط بين نهاية رحلتك وولادتي..أو بين ولادتك وانتهائي..كان على أحدنا أن يموت ليعيش الأخر، واعتقد أنك استسلمت .
المُقعد: (ينظر إلى الشخص الكرسي ثم يصرخ وهو يحاول النهوض) اخرس .. اخرس أيها الجماد النكرة .. أنا من صنعتك بيدي هاتين ( يسقط )
الشخص الكرسي: (يقهقه) يداك غير قادرتين علي حملك .. غير قادرتين حتى على دفعي مثل بقية البائسين .. أتعرف لماذا ؟ لأنك نمط مكرر .. تميل دوماً للخنوع والاطمئنان والخوف .. فكيف لمن هم مثلك أن يصنعوا عود ثقاب ؟
المُقعد: (يتحسس يده في وجع ثم يقترب ليشعل عود ثقاب من إحدى الأكياس
المعلقة بـالشخص الكرسي ويقول) معك حق، لقد اغتصبني الفقد حقاً ودب اليأس في أوصالي مذ فقدت حبيبتّي (يربت على رجليه في حب).
الشخص الكرسي: (يتحرك قائلاً في حنق) وماذا كنت لتفعل بهما ؟
المُقعد: (في لهفة وهو يتأمل قدميه بحب) كنت سأخلع ثوب كفلي.. والقي اجنحتي للريح.. امتطيها لأعانق حدود الحرية .. فأجوبَ الكونَ الفسيحَ مسابقاً سروب الحمام (يمثل دور عصفور) كنت بهما أعود طفلاً فأحبو حتى تتمزق ركبتي .
(تخفت الإضاءة من على المُقعد وتتحول إلى الشخص الكرسي)
الشخص الكرسي: (يقهقه ثم يقول) نعم .. نعم .. أعرف لماذا تود العودة لصغرك .. فهناك مزقت الكثير من الرِياش والملابس .. هههههههه .
(موسيقى صاخبة.. إضاءة مترددة.. صوت صياح البطل الذي يظهر كطفل صغير خائف .. بينما (الشخص الكرسي) يتقمص دور الجار الذي يقترب من الطفل في شغف .. تخفت الموسيقى ويبدأ الطفل العودة للخلف)
الطفل : أنا خائف .. أخبرتني أمي أن لا ألعب مع من هم أكبر مني سناً .
الجار : ولكنني جاركم وصديق أبيك يا فتي .
الطفل : لماذا لا تلعب مع من هم في سنك .. العب مع أبي لو شئت .
الجار : ههههه..لم يعد أبيك يجيد اللعب..كنت ألعب معه ونحن صغار..ولكنه كبر ويلعب مع أمك الآن .
الطفل : حسناً .. سأنادي لك أمي لتلعب معك .
الجار : لا أحب اللعب مع النساء ( يحاول الإمساك بالطفل فيفلت منه راكضاً نحو عمق الركح)
الطفل : وأنا كذلك لا أحب اللعب مع الرجال .. وخصوصاً أنت .
الجار: (وهو يقترب) ولماذا يا حبيبي .
الطفل : أنت تعدني في كل مرة تلعب فيها معي بأن تعطيني الحلوى.. ولكنك ترحل دون أن تفي بوعودك .
الجار : ولكنني اليوم سأعطيك .. فقط اقترب .
الطفل : أقسم لي بشرفك .
الجار : أقسم لك فأنا كلي شرف .
(يقوم باحتضان الطفل .. تعلو الموسيقى من جديد .. إضاءة مترددة تبين بعض الإيحاءات ..)
إظــــــــــــلام
(يضاء المسرح على الكرسي الذي يعود حالته الأولى)
الشخص الكرسي: (وهو يقهقه قائلاً ) وماذا كنت لتفعل بحبيبتيك أيضاً يا فتى .
المقعد : كنت لأصعد الدرج نحو السطح فأرميك مبتسماً منتشيً بصوت تحطمك إلى قطع صغيرة أيها الديّان القذر .(يضرب الركح بيديه بقوة)
الشخص الكرسي: (يقترب منه بحركة سريعة و يقول باستهزاء) يا لأحلامك الجميلة، ولكن للأسف أضغاث، فأنا مركز كونك ولن تخرج من عالمي ما حييت بل أن صورتي ستظل محفورة في رأس كل من يعرفك حتى بعد موتك .
المُقعد: (يبصق عليه ويصيح) أفضل الموت الأن على التعايش معك لبقية عمري.
الشخص الكرسي: يمكنك أن تصلني بالكهرباء فأصبح كرسيً للإعدام ويمكنك الموت عندي متى شئت (يتوجه نحو عمق الركح.. مستطردًا) أرأيت .. لدي الكثير من الفوائد أما أنت فلا فائدة منك ولا نفع .
المقعد: (يزحف المُقعد نحوه وهو يقول بغل) أنت أوهمتني بالدعةِ والترف .. أجبرتني على التضحية ببُرئِي من أجل ديمومتك وثبورك .. انتظر حتى أصل إليك وأنكل بك .
الشخص الكرسي: (يبتعد قليلاً ويقول)يا لسخرية القدر.. تريد أن تقتص مني وأنت تزحف كالبزاق..أفق يا هذا، فأنا قوقعة سنينك الغابرات .
المقعد: (يصل إلى منتصف الركح فيجلس وهو يقول لاهثاً ) ليس بعد الإسار إلا القتل .
الشخص الكرسي : كن سيد ظروفك لا عبداً لها.. ولكن عليك أولاً أن تتسيد على نفسك .. كما فعلت أنا تماماً، حتى صرت فينيقاً.
المُقعد: (في ضيق) وماذا قدمت لأشجار النخيل التي احتضنتك أيها الفينيق الخالد ؟ لقد حرصت أن تعيش دوراتك الخمسمائة لنفسك فقط .. أما آن لك أن تكّف عني ؟
الشخص الكرسي: (يدور نحوه قائلاً بحزم ) أنا جَنَبُ ذُنَبِكَ الذي لا يفنى .. لا خلاص لك مني سواي .
المُقعد : سيكيوباتيٌ لعين .
الشخص الكرسي : ههههههه انظر من يتكلم .. أنسيت .
(تخفت الإضاءة .. موسيقى جاز .. يظلم المسرح تدريجياً ليظهر عند الإضاءة المقعد (الشخص الكرسي) كصديقين يستلقيان في حالة سكر يتبادلان أطراف النبيذأأ وهما يتحاوران )
المقعد – الشاب : يجب أن أحصل على أصوات الفريق كاملة
الشخص الكرسي – الصديق : ولكنهم لا يحبونك .. فكيف سيدلون لك بأصواتهم .
الشاب : وما هو الحب ؟
الصديق : هو نقيض البغض دون شك .
الشاب : وماذا أيضاً ؟
الصديق : هو الاحتياج الدائم للشيء .
الشاب : وأنا أملك شيئاً لا يبغضه أحد ولا يستغني عنه أحد .
الصديق : و ما هذا الترياق العجيب .
الشاب : إنه المال .. المال يا عزيزي .
الصديق : ولكن منبت مالك غير شرعي .
الشاب : الشرعية لكم المال لا لأصله فكلما ازدادت أموالك ازدادت شرعيتك .
الصديق : لقد أزهقت الكثير من الأرواح لتحصل على نقودك .. تاجرت في الخمر والممنوعات..وضعت سمعة مئات العذارى في الوحل..فمن سينتخبك ؟
الشاب : أولن تفعل ؟
الصديق: (صمت) .
الشاب : أجب ؟ ألن تمنحني ثقتك ؟
الصديق : ومن سيفعل ؟
الشاب : هناك كثر ممن سأكون لهم شنً ويكونون لي طبقة ولكنني أحتاج لأصوات من هم مثلك .
الصديق : لم يعد لي ما أملك سوى هذا الصوت .. ولن يكون لك .
الشاب : ولمن ستعطيه .
الصديق : لأي شخصٍ يمكن أن يسمعه..لأي شخصٍ يمكن أن يقدره..لأي شخصٍ أخر .. إلا أنت .
الشاب : سآخذه رغماً عنك .. إما صوتك وإما روحك .
الصديق : خذ روحي ولكن بشرف .
الشاب : لك ذلك .. فأنا كلي شرف (يقوم بتصفيته بالرصاص فيسقط ميتا.. تعلو الموسيقى مع إظلام جزئي للركح)
الشخص الكرسي: (ما أن تعود الإضاءة حتى نراه يصرخ على المقعد فيغضب) من السيكيوباتي الآن .. أوليس أنت ؟
المقعد : أنا وأنت سيان .. لا غنى لنا عن بعضنا .
الشخص الكرسي: من قال ذلك؟ أنا فقط من لا غنى عنه..فقد رافقت قبلك قوماً وسأرافق بعدك قوماً أخرين .
المقعد : ولكن لا أحد منهم في ذكائي وحنكتي .
الشخص الكرسي: (مقهقهاً ) أنت لا تهتم سوى بملذاتك النتنة .. تعتقد فعلاً أنك مركز هذا الكون!
المقعد : أولست كذلك ؟
الشخص الكرسي : موهوم أنت حقاً أيها المتعجرف.. قل لي ماذا فعلت؟ ماذا فعلت سوى احتراقك كل يوم في عيون المدقعين..ماذا فعلت سوى انكسار النخب والحالمين عند بابك كل صباح..عثت فساداً في أجساد المنهكين حتى أطبقت صدورهم من الترح والوجوم..حريٌ بهم أن يستحيلوا رصاصاً علهم يفقؤون عين الشمس المكسوفة كل يوم .
المقعد: (مبتسماً ) ارحمنا من ترهاتك يا هذا فأنت زنيمٌ أخرق .
الشخص الكرسي : ولكنني انعكاسك في المرآة .
المُقعد : كيف ذلك ؟
الشخص الكرسي: كلكم آشرة.. تدعون القسط وتظلمون.. وتنشدون الصلاح وتفسدون.. وتقتلون كل ما حرم الله أن يقتل دون وجه حق .
( تخفت الإضاءة مع صوت أذان – وفور عودة الإضاءة يتضح جلوس المقعد وقد لف رأسه بعمامة سوداء كأنه أحد الإرهابيين أمام (الشخص الكرسي) الذي يرتدي معرقة سوداء ويمثل دور شيخ ناصح )
الإرهابي: (يقبل يده ويقول) بركاتك يا شيخ .
الشيخ : لا أسمع عليك خيراً يا عبد الله .
الإرهابي : حاشا لله يا مولاي .. ماذا فعلت ؟
الشيخ : يقولون بأنك اخترت الشذوذ عن الجماعة ؟
الإرهابي : وهل تعيش الأسماك بمفردها خارج السرب يا مولاي ؟
الشيخ : ولكن خياشيمك أطاعتك لتتنفس دون إذن منا .
الإرهابي : ولكنني أفعل كل ما تأمرونني به ؟
الشيخ: (ممتعضاً ) الأمر لله من قبل ومن بعد .
الإرهابي : لقد اختلست لكم كامل المبلغ الذي طلبتموه مني .
الشيخ: (بحدة) استغفر الله العظيم..ماذا تقول؟ نحن لا نختلس الأموال..لا ننتهك الحرمات (بهدوء وخبث) هذه أموالنا وردت إلينا.
الإرهابي: (تعلو وجهه ابتسامة فهم) أدامكم الله ذخراً لهذه الأمة .
الشيخ: (مستفهماً ) وماذا عن السبايا الجدد ؟
الإرهابي: (بفخر ) لقد أقمنا الحد على عشرة منهن .
الشيخ: (بغضب) أغبياء .. أولم يتناهى لمسامعكم المريضة أن رفقاُ بالقوارير .
الإرهابي: (مصدوماً ) وماذا كنا لنفعل بهن .. لقد فسقن يا مولاي .
الشيخ: (بحنان) قربوا مرابطهن مني .. حولوا جميع السبايا الجدد إلي مولاكم فأنا أجيد التصرف معهن .
الإرهابي : لك ذلك يا سيدي ولكنني أود إخبارك أن الإعلام تجاسر علينا .
الشيخ : وماذا يقول هؤلاء الكفرة .
الإرهابي : يصفوننا بالإرهابيين .
الشيخ : الله أكبر .. ذلك القول الحق .. وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل .
الإرهابي : أدام الله عليك رجاحة العقل وفصاحة اللسان يا مولاي .. ولكنني أود أن أعرف ماذا سمعت عني حتى تجهم وجهك علي إلى هذه الدرجة .
الشيخ : يقولون أنك تخدم لمصالحك الشخصية تحت اسم الجماعة .
الإرهابي : لعمري إن في ذلك مكيدة .. فأنا أكثر جنودكم خوف عليكم .
الشيخ : أتعي حقاً أنك ما كنت لتصل إلى ما أنت فيه دون بركتنا ؟
الإرهابي : ولا أشك في ذلك هُنَيْهة .
الشيخ : فلماذا لم تعد تخدم مصالحنا من مكانك الذي وضعناك فيه كما كنت تفعل سابقاً .
الإرهابي: (يضحك) قطعت أنفاسي يا شيخ.. ألهذا استدعيتني؟ والله ما تأخرت عنكم إلا لأمر أعظم وأجل .
الشيخ : وما هو ذلك ؟
الإرهابي : ستسمع ما يسرك قريباً بعون الله .
(صوت انفجار .. إظلام )
الشخص الكرسي: (ترجع الإضاءة عليه يصيح في المقعد في انفعال) ادعيتم عون الله فيما لم يؤمر الله فيه بالمعونة .. فجرتم المساجد والكنائس ودور العبادة.. لم تراعوا صرخات الأرواح المكلومة على من تحب.. فقدت أنت ومن معك أدميتكم ..فسدتم، وأوشك العالم أن يفسد بكم.. لولا أنا وباقي الكراسي الراسخة في وجه الضباب.. أجبني.. ألست واحدا من هؤلاء الطامعين؟
المُقعد: (على مضض) الفرق بيني وبينك أنني أعي فشلي وعجزي وأقر بهما .. أما أنت فادعيت النزاهة وصدقتها حتى زركشت المسابح مقبضيك .
الشخص الكرسي : أولم تقل بأنك خالقي .. فأعد خلقي من جديد .
المقعد: (في ضيق) اقترب مني إذاً .
الشخص الكرسي: (يدور وظهره للمقعد) كلا .
المقعد : لماذا؟ .
الشخص الكرسي : يجب أن تقول أسف .
المقعد : على ماذا .
الشخص الكرسي : على تطاولك على سادتك .
المقعد : أنا أسف .. اقترب الآن .
الشخص الكرسي : كلا .
المقعد : ماذا بعد ؟
الشخص الكرسي : اعتذارك لم يعجبني .
المقعد : ماذا تريد؟ .
الشخص الكرسي : قل سيدي .
المقعد : هيهات .
الشخص الكرسي : إذاً لن أتي .
المقعد : حسناً .. أسف .. تعال .
الشخص الكرسي : قل سيدي .
المقعد : أسف يا سيدي .. اقترب .
الشخص الكرسي : أنت دائم الخنوع أيها الهزيل (يتحول الشخص الكرسي مرة أخرى إلى الكرسي المدولب وحال وصوله إلى المُقعد يمسكه بغضب ويقوم بدفعه خارج الركح إلى الجمهور صائحاً بعصبية ووجهه للكرسي الملقى خارج الركح وهو يزحف نحوه ) ارحل .. مت أيها المتحذلق .. أيها الكرسي المدولب الوقح .. أنا من اجتباك وأنا من ينهي اليوم حياتك .. فأنا رب هذا المكان ولست أنت.. هذا المكان الذي احتوى خيبات أملي .. ولم يذكرني بجرمي كما فعلت أنت (ثم يخاطب الجمهور) ولا كما فعلتم أنتم .. أنتم من زرع المأساة وتبرأ من قطف ثمارها.. فنظراتكم الدائمة بالحيرة والعجز خلدت في فكرننا أننا قادرون .. نعم أنتم ..أنتم من اعتقدت عقولكم أننا في محنة بجلوسنا على هذه الكراسي البائسة أو بجلوسها علينا.. أنتم من لم يكشف الستار عن صدوع الروح حتى انهار القلب على أنقاض وطن (يبدأ الزحف بسرعة نحو يمين المسرح حتى يصل الدرج فينزله زاحفاً على بطنه بسرعه وهو يصرخ) أنتم السبب .. نعم أنتم السبب .. انتم العاجزون لا نحن (يصل الكرسي فيقول في حيرة) ماذا بعد .. أسنظل في هذه المتاهة طويلاً .. كف عن التجمل لو سمحت.. فلولا عجلاتك واشتداد ساعدّي معاً ما سرنا ولو ربع خطوة للأمام (يجلس على الكرسي ويبدأ دفعه سائراً بين الجمهور وهو يشدو لنزار قباني ) :
أنا مقتنع أن الشعرَ رغيفٌ
يُخبزُ للجمهورْ
وأنا مقتنعٌ – منذُ بدأتُ –
بأنَّ الأحرفَ أسماكٌ
وبأنَّ الماءَ هوَ الجمهورْ
أتجوَّلُ ليسَ معي إلا دفترْ
يُرسلني المخفرُ للمخفرْ
يرميني العسكرُ للعسكرْ
وأنا لا أحملُ في جيبي إلا عصفورْ
لكنَّ الضابطَ يوقفني
ويريدُ جوازاً للعصفورْ
تحتاجُ الكلمةُ في وطني
لجوازِ مرورْ
أبقى ملحوشاً ساعاتٍ
منتظراً فرمانَ المأمورْ
أتأمّلُ في أكياسِ الرملِ
ودمعي في عينيَّ بحورْ
وأمامي كانتْ لافتةٌ
تتحدّثُ عن وطنٍ واحدْ
تتحدّثُ عن شعبٍ واحدْ
وأنا كالجُرذِ هنا قاعدْ
أتقيأُ أحزاني
وأدوسُ جميعَ شعاراتِ الطبشورْ
وأظلُّ على بابِ بلادي
مرميّاً
كالقدحِ المكسورْ
( مع أخر الكلمات يخرج من باب المسرح الرئيسي .. إظلام .. انتهى )