نص مسرحي: “النفخ في رئة الغيم .. “ / تأليف: أثير الهاشمي

  • النظر إلى الأعلى خيرٌ لك من التمعّن إلى الأسفل ..
  • الحياة تبدأ من هنا .. (التفاؤل )

مسرحية من ستة مشاهد ..

المسرح: قاع مظلم/ مليء بالنفايات، رائحة كريهة، أصوات مزعجة، ضوضاء ..

 

المشهد الأول

سلوك العارفين/ غواية المحبطين

(أصوات أقدام.. بعيدة.. تقترب شيئا فشيئا.. يستمع المثقفان لتلك الأصوات بلهفة..تقترب الأصوات شيئا فشيئا ..)

المثقف المتفائل: (يتساءل بتعجب): هو ؟!!

المثقف المتشائم: مَنْ هو ؟ !!

المثقف المتفائل: (يُجيب بتعجب) نعم .. هو .. لقد جاء ..!!

المثقف المتشائم: (يسأل) مَنْ ؟ !!

المثقف المتفائل: الرجل الذي بيده الخلاص ..

المثقف المتشائم: مَن  الذي يأتي في ساعة متأخرة من الليل؟!

المثقف المتفائل: (يتحدث لصديقه المتشائم) للحياة منافذ، لابدّ من منفذ للخلاص!!

المثقف المتشائم: (ممتعظاً) وأين تلك المنافذ ؟! دلّني على منفذ ٍ يخرجنا من ذلك القاع المظلم؟!

المثقف المتفائل: سنحاول .. بالمحاولة تُصدق الأقوال .. وتختفي الأكاذيب! (تختفي أصوات الأقدام ..برهة من الوقت، يكمل) نحاول أن ْ نجترأ الخوف منّا، نمحيه عنا..

المثقف المتشائم: نحن نخاف .. الأصوات هنا مخيفة! (بصوت متشنج) والرياح .. حتى الرياح تعوي، مؤنسة نفسها كصوت الكلاب.. ونحن نخاف .. نحاول الهروب،  كنعاج بيض .. نهرب إلى أمكنتنا المنعزلة في طريق الخوف..

المثقف المتفائل: كُن غيمة..حاول أن ْ تشبه الغيم في تمرده..لا أن تكون متراجعاً، خائفاً..

المثقف المتشائم: لم نزل نرى أنفسنا تشبه ملامحنا البلهاء ..

المثقف المتفائل: كن كما أنت.. فالحياة مزحة حاول أن تستغلها ..

المثقف المتشائم: (يسخر) أنا مثل امرأة عاقر لا حول لديها إلا السكوت والطاعة

المثقف المتفائل: أنت رجل مفعم بالحياة ..

المثقف المتشائم: (يضحك بسخرية) نحن.. (يكرر) نحن..نحن مثل ضفائر عُلقت في متن المرايا، لا الحناء تُملئ فراغاتنا..ولا الأحلام تمشط خصائل مجاعاتنا..

المثقف المتفائل: انفخ في رئة الغيم، يا صديقي .. حاول نتنفّس الأشياء؟! ..

المثقف المتشائم: مَنْ ينفخ في رئة الغيم ؟ ! والغيم يدير وجهه عنّا  نحو أسماء الرياح .. ونحن لم نزل  هاربين من ذئاب الأرض الموحشة..

المثقف المتفائل: نحاول..أن نسكب أنفسنا مثل ماء بارد على أرواحنا..نبتلّ ربما..نرتجف.. من الخوف..ربما لكننا ننام ونحلم هكذا.. ننام ونحلم.. نحلم ..

المثقف المتشائم: لم تزل القلوب تؤرشف حكاياتنا.. لم نزل نقطن في هذا القاع منذ ألف عام..ولم نزل ننتظر ..

المثقف المتفائل: ربما يجيء.. لننتظر .. سيجيء حتما .. سينقذنا من هذا القاع المظلم..

المثقف المتشائم: (يضحك بسخرية)عافنا ودلّ نفسه على أحلامه، كيف نرغمه بالمجيء إلينا، وهو مشغول بما عانت به أحلامه..

المثقف المتفائل: أشجارنا الدفلى تقمط فراغاتنا.. أنا فراغ كبير، وأنت آخر كبير..سنحاول أن نمتلئ..

المثقف المتشائم: أنا كنت فلاح خوف، احاول احتطاب المنايا.. لكنني الآن تعبت..صرت لا أفقه معنى الأرض ..

المثقف المتفائل:  أنا صياد مرايا، لكنني أرى وجهي خطاؤون نحن..نحو الغيب نفصّل الأحلام توابون نحن .. من الأحلام نبرئ ذمة الكون

المثقف المتشائم: بل خوّافون نحن..من عفة الكون نفتك أعراض الغيم منانون نحن..من دكة الغيم .. نغرز رائحة المطر غرائبيون نحن..نسفك رائحة المطر.. أنوفا عاطلة عن الذم ..

المثقف المتفائل: لكننا..للآن..نشم رائحة أنفسنا..على مرأى من قرنفل القلق..ننام مثل أي طفل.. يحلم بلعبة بريئة..

 

المشهد الثاني

مرايا الروح

 (المسرح: جهة أخرى من القاع المظلم)

المثقف المتشائم: (يخاطب نفسه) تلاشت مرايا الروح..وتنبأتُ بفراغ يفضي بالهذيان.. مائلة تطير روحي مثل سلحفاة الصبر..أعوّد نفسي أن أكون..أربح النهايات من دول ملل..(برهة من الوقت) الحياة بطيئة جداً الحياة بطيئة..بطيئة..لكنها تعاد على مرأى من رائحة الشط العتيق حائرة روحي..لكنها تسيّر قيامتي..تنصت لي..أكلمها وتكلمني عن ظهر حياة كل يوم..(صمت .. ثم بهدوء) مثل أرنب حكاياتي لم يزل جزر الخيبات يأكلني أنا كلب أليف..وتلك الحياة وديعة.. لكنها حزينة مثلي..تشبهني ربما..

(برهة من الوقت .. يدخل المفكر وهو يحمل في يده عكاز)

المفكر: نحن نحرس أصوات الأمكنة..تجرنا..تجبرنا رغم اتساع الكون..

المثقف المتشائم: أمكنتنا فراغات كبيرة..ونحن لم نزل نتمرغ بها..نحاول أن يكون غموضنا أكثر وضوحاً ..نحاول أن يكون تشاؤمنا أكثر تفائلاً ..

المفكر: (يضحك) تلك الأمكنة تؤرقنا..(يؤكد) ونحن المتيمين بالحراسة..من جنود المارة.. من قطّاع الطرق.. من هفوات المذنبين ..

المثقف المتشائم: (يرفض) لكن ..تحتاج أوقاتنا أن تكون أكثر مزحة..أكثر فرحاً..أكثر عاقبة للمحبطين من الحياة.. لكننا لا نستطيع أن نشبه الوقت..الوقت يمرّ مسرعاً..

المفكر: (يعترض) نحن نفكر، إذن نحن على قيد الحياة..أليست تلك مقولة ديكارت (أنت تفكّر إذن أنت موجود ) ..

المثقف المتشائم: (يسأل بسخرية) ونحن..هل نفكر؟!

المفكر: (يُجيب) من المفترض أن نكون موجودين .

المثقف المتشائم: (يكمل اسئلته) والتفكير؟!

المفكر: (يجيب) من المفترض أن نفكر

المثقف المتشائم: (يلح بالسؤال) والوجود ؟!

المفكر: سنحاول التفكير..وبعدها سنكون موجودين على شفا تلك الحياة

المثقف المتشائم : لكننا لا نريد الوجود في قاع مظلم

المفكر: سنحاول الخروج ..

المثقف المتشائم: كيف ؟

المفكر: سنعتلي درج العافية

المثقف المتشائم: (بسخرية) وأين هو درج العافية

المفكر: الأمل ..

المثقف المتشائم: قصدك الألم

المفكر: بل الأمل ..

المثقف المتشائم: لا فرق .. مادام الواقع يتشعب أكثر!!

المفكر: لابدّ من حل..سنحاول الخروج من تلك الحياة أقصد من ذلك القاع

المثقف المتشائم: وهل ثمة حل

المفكر: بل ثمة حلول

المثقف المتشائم: لم نزل نقطن في هذا القاع منذ ألف عام..ولم نزل برهة من الوقت لم نزل عالقين من دون نجاة..الحياة هنا مظلمة.. القاع عميق..لا أحد يسمعنا..لا أحد يبصرنا نحن علب من النوم معلقين في زاوية من الظلام

المفكر: لا تكن عاطفيا

المثقف المتشائم: يضحك وهل ثمة عقل ؟!

المفكر: نعم .. العقل دراية الأولين والآخرين .. إنه مرايا الروح

المثقف المتشائم: يسخر أكثر لم يتبق غير الروح العقل بات منهكا من التفكير، فكرنا بما فيه الكفاية لا فائدة

المفكر: فكر جيدا

المثقف المتشائم: العقل متعب !

المفكر: خذ قسطا من الراحة

المثقف المتشائم: لا نستطيع تعبنا بما فيه الكفاية

المفكر: خذ قسطا من الأمل

المثقف المتشائم: أخذنا حتى صار الأمل مملّا ً

المفكر: اترك الملل

المثقف المتشائم: الملل صار صديقنا المقرب

المفكر: كن صديق نفسك

المثقف المتشائم: النفس باتت مقيدة

المفكر: فكّ قيودك وكن حُراً

المثقف المتشائم: الحُرية انعدمت في ظل الموت

المفكر: حاول أن تحيا

المثقف المتشائم: الحياة تشبه الموت لدينا ..فنحن غرقى في الظلام

المفكر: أضئ حياتك بما ينيرها من تفاؤل

المثقف المتشائم: التفاؤل نصف الألم

المفكر: لا تتألم إن كنت سعيدا

المثقف المتشائم: السعادة غاية صعبة المنال

المفكر : بل تحتاج إلى عقل

المثقف المتشائم: (بسخرية) عقولنا تعطلت منذ زمن بعيد في الوطن (يكرر بسخرية أكثر)تعطلت منذ زمن بعيد في هذا الوطن السعيد (ظلّ يكرر) منذ زمن بعيد في هذا الوطن السعيد، زمن بعيد في هذا الوطن السعيد، بعيد في هذا الوطن السعيد، في هذا الوطن السعيد، هذا الوطن السعيد، الوطن السعيد السعيد !!

 

المشهد الثالث

منطق الغيم

( حافة من حافات القاع (الوطن) ثمة مسحوق غسيل فوق غسالة عاطلة عن العمل ..

الزوجة تحاول غسل الملابس (بطشت) صغير وماء ملوث ربما تتسخ الملابس منه ولا تتنظف ..

يدخل الزوج .. إليها متكأ بعكاز ..)

الزوج: ما الذي تفعلينه يا سيدتي

الزوجة: أغسل قذارتنا !! أقصد أوساخ ثيابنا

الزوج: لكن الماء ملوث؟ نحتاج إلى ماء نظيف

الزوجة: (تضحك)..اذهب واخبر محطة الماء عن ذلك

الزوج: الماء ملوث

الزوجة: كل شيء بات ملوثا في هذا القاع ..

الزوج: لكن هذا الماء لا يصلح لغسل الملابس

الزوجة بسخرية لا يصلح للشرب .. ولا للغسل

الزوج: وما الحل؟

الزوجة : لا حل.. فالشط بات يابسا..الأنهار جفت.. لا مطر ولا غيوم..حتى الغيم بات عقيما..

الزوج: سننتظر المطر للشتاء القادم

الزوجة : (تضحك) سننتظر صيفاً كاملاً، وخريفاً تاماً حتى يأتي المطر ..

الزوج: ليس لدينا خياراً آخر سوى الانتظار

الزوجة: كلّ شيء يدعو إلى الانتظار (راحت تعدد) نحن ننتظر الماء.. والماء ينتظر الغيم.. والغيم ينتظر المطر (تعدد مرة أخرى) (ماء .. غيم .. مطر) كلّ هذا في سبيل أن نغسل ملابسنا..

الزوج: ملابسنا جفت قبل أن تُغسل .. يا لحظنا

الزوجة: نحن كسالى..نتكأ على الأمل..إنْ كان كاذباً أو صادقاً..

الزوج: خصالنا متشابهة هنا..لم نزل نقبع تحت قاع أثيم ..

الزوجة: ليس لدينا حلول ..

الزوج: ليس لدينا إلّا الدعاء !!

الزوجة: ربما لا يُستجاب

الزوج: نحاول الدعاء

الزوجة: نحتاج عملاً مع الدعاء

الزوج: ما العمل

الزوجة: أن نكون صادقين مع أنفسنا قبل الدعاء

الزوج: كيف؟

الزوجة: أن نغسل ذنوبنا قبل ملابسنا

الزوج: نحن خرقة من الذنوب

الزوجة: لذلك علينا أن نغسل تلك الخرقة من الذنوب

الزوج: بماذا نغسلها والماء ملوث؟

الزوجة: نحتاج ماءً للروح.. للذنوب..نحتاج مطرا صادقاً ..

الزوج: تحرره السماء إلينا

الزوجة: لا نحتاج غير ماء السماء ..

الزوج: لننتظر إذن.. لننتظر..

الزوجة: مللنا الانتظار..قبل الانتظار علينا السعي..

الزوج : سنحاول .. نحاول .. حاول .. أول .. ول .. ل

 

المشهد الرابع

هاملت عربياً

 “أن تكون أو لا تكون : هذا هو السؤال” (شكسبير)

المثقف المتفائل: (يصوّر صورة مشرقة عن الحياة على الرغم من البؤس، يستحضر شخصيات عالمية، راح يُعدّد أسماء الشخصيات؛ ليختار شخصية مناسبة يمكن أن يؤدي دورها أو يتحدث عنها، ركض وهو يصرخ) هاملت..(يُجيب نفسه)لا لا لا أوفيليا..(يُجيب نفسه) لا لا لا (برهة) سأختار شخصيات من الواقع (يؤكد) نعم من الواقع ..

(يُضيء الجانب الآخر من المسرح..المسرح أشبه بالقصر .. يقع في القاع المظلم أيضا.. (مسرح داخل مسرح)

الشخصيات المُتخيلة من الواقع..(هاملت يسمع أوفيليا .. تتحدث مع الببغاء)

أوفيليا للبغاء : كُن عذباً يا طيري المفضّل

الببغاء: (يكرّر بعدها ، لكنه يلفظ حرف الراء غينا) كُن عذبا ً يا طيغي المفضل ..

أوفيليا(تضحك وبتعجب) طيغي !!

الببغاء: (يضحك، مُكرّراً) طيغي !!

أوفيليا: طيري وليس طيغي ؟ !!

الببغاء : (يكرر) طيغي وليس طيغي !!

أوفيليا: (بتعجب أكثر) ربّما لا تلفظ الراء ؟!!

الببغاء: غبما لا تلفظ الغاء !!

أوفيليا: (تفرح) جميل من دون حرف الراء !!

الببغاء: جميل من دون حغف الغاء !!

هاملت(يدخل بعدما سمع حديثها مع الببغاء) مرحبا يا حبيبتي

الببغاء: مغحبا يا حبيبتي

أوفيليا: (تضحك) أنرت يا حبيبي

هاملت: هل أعجبك الببغاء

أوفيليا: جمل جدا .. هو لا يلفظ حرف الراء

هاملت: لنبتعد عن الببغاء ..

يذهبان إلى مكان آخر ..

هاملت: الحياة هنا غير مطمئنة ..

أوليفيا: لنحاول الانتقال إلى مكان آخر ..

هاملت: سنحاول المضي نحو زمان آخر ..

أوليفيا: نحتاج بيئة تُرمّم هفواتنا ..

هاملت: نحتاج أن نعيش بلا إبتلاءات .. بلا هفوات

أوليفيا: سندوّن ماضينا في دفاترنا الزرقاء..ندوّن أحلامنا الطائشة في مرايا الغيم؛ علها تمطر أملاً ..

هاملت: النظر إلى الأعلى يُبلغنا المضي إلى الأمام..لننظر إلى الأمام ..

أوليفيا: لكن الحياة سيئة .. بكل حالاتها

هاملت: الحياة مزحة جميلة ..

أوليفيا: بل سيئة

هاملت: سنحاول الطيران من دون أجنحة .. عاليا ً ..

أوليفيا: إلى أين ..؟

هاملت: إلى سماوات لا نفقه معناها..إلى اسمائنا الأخرى..إلى مأذنة القديسين الأولين ..

أوليفيا: لكن الواقع يحكي غير ذلك ..

هاملت: (بتعجب) الواقع ؟!!

أوليفيا: الواقع غير الخيال ..

هاملت: لنحاول تغيير الزمن ..

أوفيليا: (تضحك بتعجب) تغيير الزمن ؟!! (تسأل) ماذا يعني ؟

هاملت: ننتقل إلى زمان آخر.. ليكن الماضي مثلاً (برهة) أو المستقبل .. نعم المستقبل ..

أوفيليا: (تعترض) كيف نُغيّر الزمن ؟!

هاملت: لنحاول الانتقال إلى زمن آخر ..

أوفيليا: كيف ؟

هاملت: سنعود إلى الماضي ..

أوفيليا: (تسخر) العودة إلى الماضي ..

هاملت: بل سنعود إلى تاريخ هجين ..نأوي إليه ..

أوفيليا: ما هذا التاريخ ؟!

هاملت: بلا ذنوب .. بلا خطايا

أوفيليا: وأين يكون ؟ ! وأول عذابات البشرية عنوانها القتل ..

هاملت: بل قبل هابيل وقابيل

أوفيليا: (تضحك) سنصعد إلى السماء إذن؟!

هاملت: الجنة ؟ !

أوفيليا: وهل تفكر بالجنة ؟

هاملت: نعم لأنها بلا خطايا ..

أوفيليا: وشجرة التفاح .. ؟ أليست خطيئة أبليس ؟!

هاملت: الخطايا هناك غير الخطايا هنا  ..

أوفيليا: كيف ؟!

هاملت: سنحاول العيش بعيداً عن شجرة التفاح !

أوفيليا: وإنْ غرّنا الشيطان ؟!

هاملت : (يضحك) لا شيطان في الجنة ..

أوفيليا: سأكون شيطانتك في الجنة ؟!

هاملت(يسخر) سيعاقبك الربّ.. سينزلك إلى الأرض ..

 أوفيليا: كُن ْ بعيداً عن شجرة التفاح ؟

هاملت: أنا لا أحب التفاح ..

أوفيليا: (تتلاطف معه) وأنا ألست تفاحتك ؟!

هاملت: أنتِ خيمتي التي ألوذ تحتها

أوفيليا: لنحاول العبور إلى الجنة ..

هاملت: نحتاج الذهاب إلى أرض غير أرضنا

أوفيليا: ولكن ؟ كيف؟!

هاملت: نحتاج أن نتخيل الذهاب إلى الجنة ..

أوفيليا: وإلى متى سنظلّ نتخيل الصعود إلى الجنة ؟!

هاملت: التخيل في واقع بريء خير من العيش في واقع مليء بالخطايا والذنوب ..

أوفيليا: لكن العيش في خيال كالعيش بلا أمل ..

هاملت : نحاول صناعة جنة صغيرة تليق بنا

أوفيليا: سنظل مرتبكين إلى أن نهزّ شجرة الحياة فيتساقط الثمر شهيا

هاملت: سنلوذ بأنفسنا ..

أوفيليا: أنت لا غيرك ..

هاملت : أنتِ لا غيرك

أوفيليا: أنت

هاملت: أنتِ ..

(إظلام .. موسيقى هادئة )

المشهد الخامس

العودة إلى القاع

المثقف المتفائل: (يحاول إيجاد فكرة مناسبة للخروج).. يحاول إشعال شمعة في الظلام ..يرى خياله..يتحرك أينما يذهب..)

المثقف المتشائم: خيالاتنا واسعة، والظلّ في الخيال غير متسع..

المثقف المتفائل: خيال الظل قد يتسع لإحجامنا الكبيرة..

المثقف المتشائم: أحجامنا صغيرة وهي تنتعش في ظلّ نتانة القاع

المثقف المتفائل: الظلّ يعكس الصور بحقيقتها ..

المثقف المتشائم: سنقف على ظلّنا علّنا نرى كروشنا (يحاول إبراز كرشه أمام الشمعة المضيئة وسط الظلام)..(برهة من الوقت..يكمل بسخرية) وربما تظهر أنوفنا الكبيرة عندما تختفي وجوهنا خلف الضوء (يحاول أن يدير وجهه جانبا؛ ليبرز أنفه.. يضحك أكثر وبسخرية) وربما تبرز (يخجل) لتكون أكبر منا جميعا (يحاول إبراز جسده؛ بصورة ملفتة للنظر ).

المثقف المتفائل: إنها ابتلاءات غير مُجدية يا صديقي .. علّنا نقف مُتخمين من دون سوء..

المثقف المتشائم: ولكن .. كيف لنا أن نكون على مسافة واحدة من الخلاص ..

المثقف المتفائل: الوعي يا صديقي..لنفكّر..العقل يا صديقي .. فهو مفتاح لكلّ خلاص..

المثقف المتشائم: عقولنا مُتخمة بالآلام .. عقولنا تنبض بالغياب .. بالضياع .. بالتشاؤم ..

المثقف المتفائل: لا يا صديقي .. عقولنا مُتخمة باليأس ليس إلّا (برهة من الوقت)صدقني. اليأس يقفل موانئ عقولنا .. نحتاج أن نبحر من دون اللجوء إلى حدود اليأس..

المثقف المتشائم: لكن أحلامنا تركض وراءنا .. ونحن ننحب في واد غير ذي أمل .. واد مليء بالمجهول ..

المثقف المتفائل: أحلامنا مُبهمة؛ لأننا غير صادقين مع أنفسنا.. ذواتنا تحتاج صدقا ً.. نحن نحتاج أملاً ,, نحتاج مرايا تعرف وجوهنا .. نحتاج حياة صالحة ..غير مشوّهة..

المثقف المتشائم: (بسخرية )للآن لا نعي موانئ غربتنا .. الغربة يا صديقي بحر كبير..الغربة يا صديقي قاع أليم .. لا يشبهنا .. بل يشبه ابتلاءاتنا ..

المثقف المتفائل: فكرة القاع.. الظلام .. تشبه إلى حد ما الظلام في روايات مبهمة .. المشكلة نحن أبطالها ..

المثقف المتشائم: (يعترض) بل نحن كومبارسها .. نعم كومبارس (برهة من الوقت) كومبارس مُدجّجين بالموت واليأس والأحلام الضائعة..نحن لم نزل نردد ما قاله الأولون من القدماء.. ننتظر الخلاص.. ننتظر نحبنا ليس إلّا ..

المثقف المتفائل: الوقت لا يتّسع لأحلامنا.. الوقت يأكل الأمل المُتجلي بنا..ليس لنا إلّا الإصرار .. الخلاص من القاع ..

المثقف المتشائم: كيف؟ (برهة من الوقت)كيف لنا الخلاص من واقع مظلم ..  واقع يسوده الخراب .. عالمنا خربة .. نعم خربة ..(برهة من الوقت) أرأيت وطناً يعبث فيه الغرباء ؟!!..(برهة من الوقت) أرأيت وطناً ينبذ أبناءه ؟!!

المثقف المتفائل: ليس ذنب الوطن !!(برهة من الوقت) كلّ ما حصل، ويحصل من خطايا الناس وذنوبهم التي لا تُغتفر..نعم لا تُغتفر؛ لأن الحرب عنوان بلادنا .. للأسف طبعا ..

المثقف المتشائم: وكيف لنا الخلاص من الحروب ؟ !

المثقف المتفائل:الخلاص..أن تنظر إلى البلاد التي حرّرت عقولها ونبذت كل الحروب..(برهة من الوقت) أرأيت بلاداً صدقت الحروب إلّا وكذّب القتل في محياها..أرأيت بلاداً قبّلت الحروب ؟! إلّا وصارت قِبلة للموت والخراب ؟! (يتحدث بألم) أرأيت بلاداً لها قمعت حرية اللسان إلّا وسُلّط عليها حَرّ الجحيم..

المثقف المتشائم: ما الحلّ إذن ؟ !

المثقف المتفائل(يضحك) عُدنا إلى السؤال الأول..ما الحل ؟! كيف الخلاص ؟! نحتاج .. عقلاً .. وعيا ً .. صبراً .. علماً نحتاج أن نكون آدميين من دون سوء ..

(موسيقى إظلام)

 

المشهد السادس

مشهد مُتخيل

 

الزوجة: (مخاطبة زوجها الشهيد .. تتخيله ليس ميتا .. لكنه بعيدا عنها)تعال.. فثمة أمل وطوق وحزيران .. إذ كلّما أتى المطر  إلينا هربنا إليه (برهة من الوقت) تعال إليّ، أو أجي ء إليك..تعال إلى جنتي..عرضها الحياة والموت، بل الحزن واللوعات (برهة من الوقت) هي الروح جنة تأوينا, تعال؛  لنمحِ صور الغابرين عنا، (تؤكد) تعال، كي نُمسّد ذكرياتنا على حائط الخوف..(تحاول الصراخ) تعال .. لنعيش مثل طائرين في عشّ من الصلوات، نقيم فيه، نتوضأ، نصلي على خشوع من الحُبّ، لا نفضي أسئلة الماضي إلّا لنا..(تخفض صوتها) نحن حكايتان  من الألم ، وأرجوحتان من اللاندم ، دمي دمك المملوء بالحسرات والآهات والعتب ..

هاجس زوجها: كيف اللجوء إليكِ.. متى يغدو الحب غيمة يهطل باللقاء والمواويل العذبة وأسماؤنا  اللائي توهمنا  ذات يوم بها (برهة من الوقت) اسمكِ  المنحوت في ذاكرة الطير واسمي المحنط في طير الذاكرة، لا فرق بيني وبيني إلّا نقطة اسمك المنزوع من النقاط سوى ثلاثة جروح في قلبي لم يمحيها خريف الذكريات..

الزوجة: (بفرح) تعال إذن، نسكب أرواحنا في كوب العافية؛ لنصمت مثل أي تفاحتين لذيذتين يأكلنا الغياب .. أنا سأدوّن الأسماء والآمال والمرايا في غرفة أحلامنا ..

هاجس الزوج: ثمة خوف وجرح وأحلام تائهة خلف صلوات الغيب، نرقص على موت أمنياتنا، ونقيم صلواتنا خلف ضوء الحياة (برهة من الوقت) الآمال ليست بأيدينا..نحن مررنا على ذواتنا, نقطف تيه العافية، كنتِ أنتِ وكنتُ أنا..أنا ونفسي .. مثل طفلين جائعين .. يفتشان عن روح يختبئان بها ..

الزوجة:  أنا .. (تخفق في إكمال حديثها) أنا مثل طفلة صغيرة .. اتشبث برئة الحياة..أحاول النفخ فيها..لأكون .. أنا (برهة من الوقت) نحن نقطن في قاع أليم ..يشبه إلى حد ّ ما معدة الوقت ..

(هاجس الزوج): مضينا نسوق الغيم، نبصره نهارا وعشاء.. لم يزل صامتا، ننصت إلى صمته..

الزوجة: ونحن ننتظرك..نراقبك..(برهة) ولم نزل  نراقب الحوت يخرج من القمر، ألم يكن الحوت مختبئا هناك .. خلف مرايا القمر.. ونحن نصرخ هاتفين: “توتة يا توتة ..الحوت أكل الحتوتة..راح ورانا..يمشي معانا..غاب .. لا .. غاب .. نعم ..”هكذا نحن ..  نخاف الحوت مُذ كنا صغارا .. لم نراه .. لكننا نتخيله .. باقة سوداء في بياض القمر .. فراغ يملئ الضوء .. فتملأه  عيوننا حدّ النظر ..

هاجس الزوج: هكذا نحن..مخابئ من الفراغات.. نملأ بعضنا بعضا..بالحروف  والأقوال ..

الزوجة: ونحن لم نزل ننام، نمشي، نركض، نخاف، نبصر حالنا متشابها كل يوم.. لا جديد سوى النهار يبدأ..والليل ينتهي..ننام..ببطئ مثل طائر حزين. (برهة) نحن مراجيح معبأة  بالياسمين لكنها حائلة.. تنتظر من يهزها .. لكي نطير عاليا .. ونرجع .. نطير ونرجع .. انتظرك تهزّ مرجوحتي؛ لأطير عاليا (تكرر)

انتظرك تهزّ مرجوحتي؛ لأطير عاليا ..

انتظرك تهزّ مرجوحتي؛ لأطير

انتظرك تهزّ مرجوحتي؛

انتظرك تهزّ ..

انتظرك ..

(موسيقى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت