الأستاذ إسماعيل عبد الله: باقون على صهوات خيلنا…
كلمة الأمين العام إسماعيل عبد الله
في افتتاح الدورة 13 من
مهرجان المسرح العربي
“معالي وزير الشباب والثقافة والتواصل “مندوب صاحب الجلالة الملك محمد السادس” نصره الله.
أصحاب المعالي والمقامات العالية الذين شرفونا بحضورهم البهي في هذه الأمسية الغالية.
السيدات والسادة النبلاء من المسرحيين، صناع الجمال وآيات الخيال ومبدعو الحقيقة والنور حين يدلهم الخطب ويصعب المسير.
مساؤكم مسرح وفرح، مساؤكم مسيرة تعرف دربها، وتمضي واثقة بكم نحو أهدافها، مساؤكم هو فجر للغد الذي ينتظركم، وفجركم فجر أمة تنهض لتصنع غدها وتزهو معكم، وترسم مستقبلها ومستقبل أجيالها بالمسرح، فالمسرح رأس حربة الإبداع وسنامه.
اسمحوا لي بداية أن أرفع آيات الشكر والعرفان إلى مقام صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، الذي شمل برعايته السامية مهرجانكم هذا، الأمر الذي يضاعف فخرنا واعتزازنا، إذ يستظل مهرجانكم في حمى دوحتين ساميتين، فالمهرجان يمضي منذ انطلاقته برعاية سامية من لدن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد، حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، والذي تابع ويتابع تفاصيل المسيرة والإنجاز، مرشداً وراعياً، وساعياً نحو مسرح يكون مدرسة للأخلاق والحرية.
كما أتوجه بالشكر العميق لمعالي وزير اشباب والثقافة والتواصل محمد المهدي بنسعيد، الذي منح الاستعدادات لهذه الدورة طاقة إيجابية وحيوية جعلت الطموحات التي وضعناها لهذه الدورة ممكنة، وساهمت أي مساهمة في الانطلاق دون تردد نحو أهدافنا المشتركة، والشكر موصول إلى السيد محمد بنيعقوب مدير الفنون بوزارة الشباب والثقافة والتواصل، وإلى أعضاء اللجنة العليا، والمؤسسات والأطر الرسمية في ولاية الدار البيضاء سطات والسُلط المحلية التي وقفت وقفة رجل واحد من أجل النجاح.
هذه هيئتكم، الهيئة العربية للمسرح، التي لا تخلف لكم موعداً، والتي أرادها مؤسسها أن تكون بيتكم فكانت وستبقى كذلك، تكبر بكم، وبأفكاركم ومبادراتكم، وتزهو بأنكم صوتها وصورتها، من هنا استطاعت معكم أن تكون الفعل الذي يمضي إلى الأمام، برؤى استراتيجية واضحة من نيِّر أفكاركم وتجاربكم، خالية من الارتجال وردات الفعل، خالية من الهوى والنزعات الفردية، منحازة للإبداع والمبدعين بلا تردد، راسخة الخطى والأثر، واضحة الضمير واليقين.
وهذا يومكم العربي للمسرح، موعد يتجدد في العاشر من يناير كل عام، واليوم يجيء بحضور قامة عربية كبيرة، أرست وقدمت وما زالت تقدم الإبداع تلو الإبداع والرؤى الواضحة غير الملتبسة، اليوم في بلد أسود الأطلس، ينضم أسد مسرحي عربي من العراق لكوكبة مبدعين قالوا كلمتهم في اليوم العربي للمسرح، فكانت كاشفة، شافية، باعثة للهدى ومحفزة للهمم، اليوم نحتفي بخطاب رجل المسرح العراقي الدكتور جواد الأسدي.
وكعهد المهرجان وضمن أهم برامجه، يقع تكريم عشر قامات من المسرح المغربي، قامات أثرت في المشهد المغربي والعربي، وبهذه المناسبة نحيي وزارة الشباب والثقافة والتواصل شريكنا الأساسي والاستراتيجي على ترشيحها لهذه الكوكبة الكريمة، ونقول لهم بكل الاعتزاز، تكريمكم هو تكريم لنا ولمهرجاننا.
لقد أرادت الهيئة لمهرجان المسرح العربي أن يكون أكثر من مهرجان وأكبر، لذا فإن هذه الدورة تشهد إصدار اثني عشر كتاباً في أحوال المسرح المغربي، دستة من المعارف تقدمها الهيئة بأقلام الباحثين والمبدعين المغاربة، هدية الهيئة للمكتبة المسرحية المغربية والعربية، والتي ستزدان قريباً بخزانة ذاكرة المسرح المغربي التي توثق لهذه المسيرة المسرحية التي نعتز بها.
لقد حرصنا في كل مهرجاناتنا أن نؤثث المجال الفكري بمؤتمر فكري نعده بعناية فائقة، وفي هذه الدورة وضعنا برنامجه تحت عنوان “التجارب المسرحية المغربية – الامتداد والتجديد” حيث ستتم مساءلات علمية لهذه التجارب، يجتمع في هذا المؤتمر المبدعون في صناعة العروض والمبدعون في البحث العلمي والنقد والتنظير، ليكون هذا المؤتمر إضافة نوعية في سيرورة المسرح المغربي، الذي دأبت الهيئة على تنظيم الندوات الخاصة به بحثا ومساءلة منذ 2012 و2013 في ندوتين كبيرتين من سلسلة (نقد التجربة – همزة وصل) مروراً بالمؤتمر الفكري الموسع الذي نظمته في العام 2015 ضمن فعاليات الدورة السابعة من مهرجان المسرح العربي، ولا زال هناك الكثير مما يحتاج المساءلة والبحث في المسرح المغربي، وستكون لنا معه مواعيد قادمة بإذن الله، لتعزيز الإحاطة بمدياته الإبداعية الشاسعة.
ناتي اليوم إلى المغرب حاملين أحلامنا التي تشعل نارنا المقدسة، نتلو نشيد المسرحيين في كل حين “باقون على صهوات خيلنا ما دام المسرح فينا”، وسيظل المسرح فينا وسيظل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حادي الركب ومرشده. باقون على صهوات خيلنا فالمسرح ساح لا تهدأ، وليس فيها استراحة لفارس إلا على ركابه، المسرح نبض متواصل، متصاعد، متعاقب، متناسج، متوالد، مترادف، مشتبك، فعل يومي متفاعل، مشدود للمستقبل القادم بأوتار الحاضر المبدع، ساحباً معه إرثه الذي شكله مبدعون آثروا أن يسموا المسيرة بأسمائهم. باقون على صهوات خيلنا فالأسئلة سيوف ولا بد من السؤال يجيب السؤال، ولا بد من إجابات تولد من احتدام الأفكار والتحام الرؤى، ففي المسرح الرؤى تفل الرؤى والجديد لا يفله إلا الجديد والعتيد، هو الصراع النبيل، خيل ورماح ودروع ولا دماء، ساح وغى وكر وفر وحين ينقشع غبار الجولة تشتعل الحياة بأجمل ما فيها، ويحتفل النبلاء من المسرحيين، متصارعوا الأمس، محتفلوا اليوم، وفرسان الغد، من أجل هذا وأكثر نبقى على صهوات خيلنا صحواً وأملاً.
في المهرجان يرفع فرسان الفكر المسرحي بيض الصحائف يسائلون المصائر التراجيدية التي تحفل بها الحياة، صحائف أعمالٍ إبداعية، تليق بما يمور في حاضرنا وما نأمله في مستقبلنا، نعمره معاً، بالجمال والمعرفة المتجددة.
فيا أيها الكون الممتد من أول خطوة للإنسان على الأرض حتى بلوغه مستحيلات الفضاءِ، يا أيها التاريخ الذي قد من حجر وطار وتطور حتى صار إلكترونيا، نحن المسرحيون، رعاة السهول صيادو الوعول، نحن الباذرون الزارعون الحاصدون جناة الثمار، نحن الفقراء على باب المحبة، الملوك في باب العطاء، نحن السابلة المتصوفة الساعين إلى الوصل، نحن المرتلون آيات الجمال، المنشدون المقدَسُون المقدِسون للحق وللحرية، نحن صنو الجبال وإخوة الصعود إلى الذرى السامقات، نحن بحارة الصعاب نمخر عباب المجهول لنأتي بجوهر الحقيقة، نحن الحالمون الواقعيون المتسامون فوق نباح البشاعة، والمتجاوزن بالمحبة كل الصعاب، مناديل كل دمعة وصناع البسمة على شفاه تشققت عطشاً للفرح، نحن للخيال النوافذ والأجنحة وأرحب الأبواب، نحن المسرحيون فمن مثلنا تلاميذ لا يكفون عن السعي وأرباب علم يسطرون كل كتابِ.
الدورة الثالثة عشرة من مهرجان المسرح العربي، الموعد الأهم على خارطة المسرح العربي، ليست بكثرة العدد ولا بكثرة التبجيل، بل بمجدكم ومجيد مدادكم وإبداعتكم، ولأننا أردناه صاعداً دوماً نحو الوضوح ونحو الشفيف والشريف من النزال، ومهرجانكم محطة للحوار، نتوقف فيها لسبعة أيام، نزرع، نسقي، نجني زادنا من الجمال، ثم نمضي بعزيمة وأمل بالمزيد، ليكون المهرجان رأس القاطرة التي تصعد الدروب التي عَبَدَتْها أجيال تلاقت فأغنتها، ساعية إلى مسرح جديد ومتجدد.
في العاشر من يناير 2023 رسى المسرحيون بمراكبهم على شواطىء الدار البيضاء، على هدي نور “منارة العنق”، جاءوا إلى دار البهاء، تلك التي نهضت مثل العنقاء بعد أن دمرها البغاة وأعاد إعمارها السلطان محمد بن عبد الله ومن صدقوه من رجالها، يأتي المسرحيون إليها يعمرون أرواحهم بروحها ويعمرون مسارحها بأرواحهم، ويمضون في درب الفداء، يحدوهم الزًرْقْطُوني على دروب الحرية، حرية الإبداع، وصوت علي الحسيني الصقلي يصدح بالنداء العظيم:
إخوتي هيا للعُلى سعيا
نُشهِدُ الدنيا أنّا هنا نحيا“