*(ميِّت مات)* ما هو أبعدُ من الانتظار / السِّر السيَّد
ضمن عروض مهرجان المسرح العربي في دورته ال 13 الذي تقيمه الهيئة العربية للمسرح بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة والتواصل المغربية، والذي نظَّمته هذا العام في مدينة الدار البيضاء بالمملكة المغربية، في الفترة من 10 إلى 16 يناير 2023، عرضت على خشبة المركب الثقافى محمدالزفزاف فى امسية 13 يناير، المسرحية العراقية (ميِّت مات)، وهي من تأليف وإخراج ودراماتورج على عبدالنبي الزيدي، ومن تمثيل محسن خزعل ومخلد جاسم وتحسين داحس، إضافة إلى المذيع _ الذي نسمع صوته ولا نراه _ ومن إنتاج مشغل دنيا للإنتاج السينمائي والمسرحي.
ثمَّة ملاحظات أرى من الضروري إبداءَها قبل الدخول في مقاربة تفاصيل العرض. والملاحظة الأولى، هي ما يمكن أن أصفه بتحرُّر العرض من التضخم “السينوغرافي”، والذي بات يُشكِّل سمة غالبة في العروض المسرحية العربية؛ خاصة في المهرجانات المسرحية؛ للدرجة التي جعلت البعض يعتقد أنَّ العرض الذي يحتلُّ فيه الكلام حيِّزاً معقولاً، ليس عرضاً مسرحياً من دون الوقوف حتى على ما يؤدِّيه هذا التضخُّم فى بعض الاحيان من تشويش للرسالة الكلية للعرض؛ إذ إنَّه وفي الكثير من العروض، نجد الصورة وكأنَّها مقصودة لذاتها أكثر من أنَّها حاملة لقيمة جمالية وفكرية؛ هذا إضافة إلى ما يشبه التناسل لهذا التضخُّم من عرض إلى عرض آخر، حتى بتنا وكأنَّنا نشاهد عرضاً واحداً مع وجود اختلافات هنا وهناك. هذا التحدي للتضخُّم “السينوغرافي”، مثَّل في حد ذاته تحدِّياً لتقليد مسرحي فرضته المهرجانات المسرحية، حتى بات في حكم الرسوخ؛ الأمر الذي يجعل ما قام به الزيدي مغامرة تستحق التأمُّل والاحترام. والملاحظة الثانية تتمثَّل في أنَّ العرض طرح قضية انتظار المخلِّص، وهي قضية تجد تعيُّنها وحضورها في منجز الحضارة الإسلامية في الفلسفة والتصوُّف وعلم العقائد، تلك الحضارة التي تشكَّلت خلال سيرورتها من أمشاج شتى، منها ما هو إسلامي وما هو مسيحي، وما هو غير ذلك من أديان وفلسفات الملل والمجتمعات الأخرى التي جاورت أو عاشت وتعايشت داخل ما يُعرف بالمجتمعات الإسلامية؛ ممَّا يعني أنَّ العرض لم يَبنِ مقولته على ما أفرزته الحضارة الغربية عبر سيرورتها في فلسفاتها وفنونها كما قد يتراءى للبعض، وإن كنت لا أنفي هذا المصدر أو هذا الأثر الغربي بشكل نهائي كالفلسفة الوجودية وكمسرح العبث تحديداً؛ مع الوضع في الاعتبار أنَّ عرض “ميِّت مات”، وبرغم اشتراكه مع مسرحية “في انتظار غودو” في ثيمة الانتظار، إلَّا أنَّ ثمة اختلافات تتبدَّى عند إمعان النظر في النصَّيين كموقع اللغة ودورها واختلاف المرجعيات الثقافية بين الكاتبين. أمَّا ملاحظتنا الثالثة، فهي على صلة بعمل “الدراماتورج” وتحديداً اشتغاله في “الجمهور” بحسبانه واحداً من أهمِّ عناصر العملية المسرحية، وما أعنيه بعمل الدرماتورج هنا، هو ما سمَّاه الكاتب المسرحي التونسي يوسف البحري “بإدراة فن التلقِّي” في دراسته القيمة (عزلة العمل المسرحي من زاوية النظر الدراماتورجية) المنشورة في مجلة الفرجة الإلكترونية، فقد لمست على المستوى الشخصي، هذا الاشتغال الدراماتورجي للمخرج في مشاهدتي الأولى للعرض في مهرجان بغداد الدولي للمسرح، في دورته الأخيرة، وقد كانت مشاهدة حية مباشرة، ثم في مشاهدتي للعرض عن طريق الفديو ولنسخة غير التى قدمت فى المهرجان المذكور ومشاهدتى الثالثة للعرض الآن –مادة هذه القراءة فى المركب الثقافى محمد زفزاف. لمست هذا الاشتغال الدراماتورجي والتي يرى البحري أنَّه يبدأ من “وجود الجمهور منذ مرحلة كتابة النص ومرحلة كتابة العرض باعتباره تقنيات في الكتابة تسمِّيها الدراماتورجية الأسس الدرامية، وهي التي تضمن مشاركة المتفرِّج من داخل العمل المسرحي قبل أن يتحقَّق ذلك داخل الصالة المسرحية”. لمسته وفي الثلاثة نسخ في ذلك الإصغاء الذي يصل إلى حد الريبة، وفي القهقهة الصاخبة، وفي التصفيق الحار مع اختلاف زمان ومكان وجمهور العروض أمَّا كيف تحقق هذا، فيبدو لي عبر ما يمكن أن أسمِّيه بسعي العرض المعلن والمضمَر في تهشيم السُّلَط “جمع سلطة” كسلطة اللغة وسلطة المقدَّس ببُعدَيها الديني والسياسي كما تمظهرا في العرض؛ مع ملاحظة أنَّ لسلطة المقدَّس تمظهرات أخرى. هذا التهشيم للسُّلَط، تمَّ توزيعه دراماتورجياً بطريقة تجعل من تدخُّل الجمهور عاملاً مساعداً في تنامي العرض وتطوُّره خاصة وأنَّ العرض في الأساس يقوم على الكلام؛ بمعنى أنَّ رهانه الأساس على العلامات اللسانية، حتى لكأنَّك تحسُّ أنَّ تدخُّل الجمهور كان محسوباً مثله مثل أداء الممثِّلين. أمَّا كيف تمَّ تهشيم تلك السُّلَط، فهذا ما سنتوقَّف عنده في ثنايا هذه المداخلة النقدية.
ينهض العرض أو على الأقل هذا ما يتبدَّى للوهلة الأولى على سردية إنسانية كبرى هي “انتظار المنقذ الذي يأتي ليهزم الشر ويملأ الارض عدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجورا”. ولدعم هذه السردية، يقوم العرض على كلمات وجمل مفتاحية تتشكَّل منها أنساقاً تُمثِّل هذه السردية الكبرى وما يُحايثها. ومن الكلمات المفتاحية:(منتظر بكسر الظاء ومنتظر بفتح الظاء/ الحياة/جثث/ حبيب/معشوق/حروب/ خبز/ دماء/ ثورة/ غودو/ مولاى/ كارثة / مهزلة/ فوضى/ استعباد/ عدالة/ خوف/هوية/ متديِّن/ روح/ البشرية. ومن الجمل المفتاحية: (سيف طويل بحجم هذا الكون /هويَّة الأحوال المدنية/ هل أنت متديِّن؟ أنا سجين في زنزانة عدالتك الموعودة يا سيدي/ ستظل روحه يابسة/ كيف منقذاً؟ والمنقذ ينتظر منقذاً أصلاً؟ / تحوَّلت إلى مسطبة/ كنت اراك فيَّ، كأنك الله/ وكنت أعتقدك الله).
ينهض العرض أو على الأقل هذا ما يتبدَّى للوهلة الأولى على سردية إنسانية كبرى هي “انتظار المنقذ الذي يأتي ليهزم الشر ويملأ الارض عدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجورا”. ولدعم هذه السردية، يقوم العرض على كلمات وجمل مفتاحية تتشكَّل منها أنساقاً تُمثِّل هذه السردية الكبرى وما يُحايثها. ومن الكلمات المفتاحية:(منتظر بكسر الظاء ومنتظر بفتح الظاء/ الحياة/جثث/ حبيب/معشوق/حروب/ خبز/ دماء/ ثورة/ غودو/ مولاى/ كارثة / مهزلة/ فوضى/ استعباد/ عدالة/ خوف/هوية/ متديِّن/ روح/ البشرية. ومن الجمل المفتاحية: (سيف طويل بحجم هذا الكون /هويَّة الأحوال المدنية/ هل أنت متديِّن؟ أنا سجين في زنزانة عدالتك الموعودة يا سيدي/ ستظل روحه يابسة/ كيف منقذاً؟ والمنقذ ينتظر منقذاً أصلاً؟ / تحوَّلت إلى مسطبة/ كنت اراك فيَّ، كأنك الله/ وكنت أعتقدك الله).
تُفتح الستارة، فنرى رجلين هما هو 1 وهو 2 جالسين على مسطبتين خشبيتين وراء كل مسطبة مايُشبه الحائط والذي بدأ وكأنه مقبرة او ضريح، ولا نرى اشتغالاً يُذكر ببقية عناصر العرض المسرحي كالإضاءة والموسيقى والمؤثِّرات الصوتية والأزياء وحركة الممثِّلين والإكسسوار. إنَّنا نرى مشهدية صمَّمها السينوغرافي لتشير إلى كل ما من شأنه أن يفيد ويُحيل إلى الثبات والسكون والترقب والتكرار، بل أنَّ شئت الموت. فالإضاءة لم تتعدَّ تسليط الضوء على الشخصيتين الجالستين والملابس لم تتعدَّ إشارتها إلى أكثر ممَّا يُفيد مرور الوقت، هذا مع استثناء ملابس الشخصية الثالثة “عامل المتحف”، فقد كانت أزياؤه حديثة تُفيد اللحظة الراهنة، أمَّا الموسيقى فكانت داعمة للمناخ العام للعرض وصانعة للتوتُّر، خاصة لحظة عدم تمكن الشخصيَّتين من الوقوف وسقوطهما عقب كل محاولة للوقوف، وفي ملحقات الشخصية نرى حقيبة لكل شخصية فيها الهوية المدنية، ونجد كذلك أدوية منتهية الصلاحية وخبزاً يابساً. إذن، يمكنني القول إنَّ العرض قد صُمِّم وبُني على رؤية يكون فيها الممثِّل هو العنصر الأساس وباشتغال أكبر على أدائه الصوتي؛ حيث لم يكن لحركة الممثِّل الجسمانية حضور يذكر. الرهان على الأداء الصوتي للممثل، بجانب أنَّه كشف عن القدرات الاستثنائية للممثِّلين، وما خُفي من جماليَّات النص شكَّل بُعداً إضافياً للسينوغرافيا فقد منحنا إحساساً بالمكان من حيث الضيق والاتساع؛ لدرجة الشعور في بعض الأحيان وكأنَّنا نتنفَّس في الاختناق، ومنحنا إحساساً بالزمن من حيث الماضي والحاضر والمستقبل، بل منحنا الكثير من مشاعر الخوف والترقُّب والسكون والموت، ولعلَّ هذا بعض ما حاولت أن تجسده لنا السينوغرافيا كما أشرت آنفاً. والسؤال: كيف تجسَّد هذا الأداء الصوتي، وكيف تمَّت هذه الإدارة الخلَّاقة للأصوات الطالعة من الممثِّلين؟ الإجابة عندي ودونما إغفال لقدرات الممثِّلين، قد تعود إلى تملُّك المخرج للنص معرفياً، وإلى ادراكه لموضوع النص وحكايته. ولعل هذا هو ما دلَّه إلى أن يستخدم عدداً من التقنيات في توظيف الأصوات لعرض يقوم بالأساس على الكلام الذي يتأسس بدوره على جمل قصيرة تراوح في الزمن بسلاسة، وتُكرِّر وبدقة محسوبة الكثيرَ من جمله، وينهض على حمولات فلسفية وصوفية عالية التعقيد، ويقوم على لغة شاعرية شفيفة. هذه التقنيات تمثَّلت في توظيف الأصوات في الكلام بالطريقة العادية المألوفة، وفي تنغيم بعض الجمل وبعض الكلمات، وفي ما يشبه الترتيل أو الإنشاد لبعضها، وفي السُّعال المتكرر من حين لآخر، وفي الغناء وفي الضحك والقهقهة، بل وفي الصمت الذي يأتي في فترات معينة.
أتوقَّف ومستصحباً معي ما أشرت له من كلمات مفتاحية وجمل مفتاحية زعمت أنَّ أنساقاً تتشكَّل منها تمثِّل “سردية انتظار المنقذ وما يُحايثها”، أتوقَّف عند فرضيَّتين أشرت لهما في موضع من هذه المداخلة، الأولى قولي إنَّ العرض وعبر اشتغال دراماتورجي في الجمهور، سعى علناً أو بطريقة مضمرة لتهشيم السُّلَط كسلطة اللغة وسلطة المقدَّس ببُعدَيها الديني والسياسي. فعلى مستوى اللغة، استخدم العرض، وفي مواضع بعينها ومحسوبة، بعضَ المفردات من العامِّية العراقية، كما أنَّه زاوج في مواضع كثيرة بين اللغة الشاعرية، كثيفة الدلالة ولغة الحياة اليومية، في تفرُّد بليغ يصل حد التمويه بسبب الجمع بين الإنصات لصوت الذات “المونولوج” والإنصات لصوت الآخر “الديالوج”؛ حتى لكأنَّ المتفرِّج يحسُّ أنَّ هو 1 هو هو 2 وأنَّ كلام هو 1 كان يمكن أن يقوله هو 2، وأيضاً تكرار الكثير من الجمل بطريقة تكاد أن تجعل من التكرار سمة أساسية من سمات العرض، فهو إضافة إلى إيحاءاته الصوتية بجمالياتها وبعدها الزماني والمكاني، يوسِّع من دائرة دلالات المفردات.
هو2: وأنت…… من تنتظر؟
هو1: لا تعرفه.
هو2: مجرَّد فضول منِّي.
هو1: رجل مهمٌّ جداً
أو:
هو1: (ل هو2 دون أن يلتفت)
كنت أريد أن أسألك منذ ألف عام وأكثر!
هو2: (ل هو1 دون أن يلتفت)
أنا أيضاً كنت….أريد سؤالك منذ ألف عام وأكثر!
هو1: فأنسى
هو2: وأنسى كذلك.
أو:
هو2: ومن فرط شوقي إليك، تمنَّيتك وريداً في قلبي لكي تكون أقرب إليَّ من حبل الوريد.
أمَّا تهشيم سلطة المقدَّس ببعدها الديني والسياسي فقد جسَّدته الكثير من الحوارات:
هو2: (يخرج من جيبه صورة)
كنت أقول كيف لفيض وجودك أن تحتويه صورة؟!
هو1: صورة من؟
هو2: صورة من أنتظر.
هو1: الله؟
هو2: فيك…
هو1: في….؟
هو2: صورتك!
هو1: صورتي؟! (يخرج من جيبه صورة)
وكنت أقول كيف لعطر كلِّك أن تحتويه صورة
أو:
هو2: الله؟! هو كُلُّ كلِّنا ودونه لا كلَّ لنا، فكيف أكون هو؟
او:
هو2: خلقتني السلطة مثل ما خلقتك كما يبدو من أجل أن نتحوَّل إلى حقنة مخدِّرة لن ينتهي مفعولها، من أجل أن يموت الصوت ويعيش الصمت في البيوت والشوارع.
أو:
هو2: أيُّ سلطة بشعة هذه التي صنعت الانتظار؟
أمَّا الفرضية الثانية، فهي زعمي أنَّ العرض لا يكمُن قوله الأخير في ثيمة (الانتظار) وإن كان هذا ما يتبدَّى للوهلة الأولى، أكان هذا الانتظار لمولاى أو لغودو، فأنا أرى واستناداً على شواهد كثيرة من العرض، أنَّ ثيمة (الانتظار) هذه لم تكن إلَّا حيلة درامية يتمُّ عبرها طرح أسئلة وجودية واجتماعية وسياسية واجهت الفرد والمجتمع الإنساني منذ فجر التاريخ ولا زالت تواجهه. فكأن الانتظار في هذا العرض مرايا نرى من خلالها الظلم والقهر والاستعباد والحروب وغياب العدالة، وبمعنى أدقَّ ما يشبه المهزلة. وبالمقابل، نرى عجز الإنسان وبؤسه وأشواقه للحرية والعدالة. هذه الحيلة الدرامية يتحدَّد موقعها في العرض من خلال البعد الفنتازي في العرض والمتمثِّل أوَّلاً في الشخصيتين الرئيسيتين هو1 وهو 2، فهما منتظران وفي نفس الوقت منتظران “بفتح الظاء”، وهما جثَّتان، وفي نفس الوقت يُقرِّران الموت والواحد منهما غودو وفي نفس الوقت مولاي، وهما يعيشان اللحظة الراهنة، وفي نفس الوقت يتمدَّدان في الزمان لآلاف السنين والمتمثِّل ثانياً في اللغة، ونعني” تعدِّيها للوظيفة الاتصالية إلى كونها تجسيراً للهوَّة الفاصلة بين الإنسان والوجود، وثالثاً في محو المسافة بين الذات والآخر، بين الكوني واليومي، بين الوجودي والاجتماعي؛ وحيث هنا أقول: إن فرادة عرض (ميِّت مات) تكمُن في انبنائه بهذه الطريقة المركَّبة المتداخلة حتى يبدو وكأنَّه مسرحية داخل المسرحية ‘الأولى تُمثِّل انتظار المخلِّص والثانية تُمثِّل ما هو أبعد من الانتظار. ولعلَّ ممَّا ساعد في بناء هذه التركيبة المتداخلة للعرض، ما قامت به الشخصية الثالثة “عامل المتحف” من ترتيب للزمن ومن كسر للإيهام. هذه الفرادة للعرض هي ما جعلتني أصف العرض بأنَّه يستعصى ان يحال الى مسرح العبث ولا لمسرحية “في انتظار جودو”، وإنَّما ينتمى وبجدارة إلى التصوف الإسلامي خاصة في اتجاهاته “الثورية” التي قادت تحوُّلاً نوعياً في مقاربة ماهية الوجود، وماهية الخير والشر، وماهية الإنسان، وماهية التاريخ، وماهية اللغة كما عند ابن عربي والحلاج والنفَّري.
يقول ابن عربي: (ولو لا سريان الحق في الموجودات بالصورة، ما كان للعالم وجود).
ويقول النفَّري في موقف قلوب العارفين: (وقال لي قُلْ للعارفين كونوا من وراء الأقدار، فإن لم تستطيعوا، فمن وراء الأفكار).
فالعرض الذي ترد فيه عبارات من نوع: (كنت أراك فيَّ كأنك الله) أو (وكنت أعتقدك الله) أو (الله؟! هو كلُّ كلِّنا ودونه لا كلَّ لنا، فكيف أكون هو؟!) أو (أي سلطة بشعة هذه التي صنعت الانتظار؟)؛ إنَّما يسلك نفس مسار المتصوِّفة ولكن على طريقته في البحث عن تفسير لما حدث ويحدث للبشر تاريخياً وكونياً وفي مساره هذا لا يقدِّم إجابات. إنَّه فقط، وعبر حيله وتقنياته التي أشرنا لها، يُحفِّزنا لنتساءل عن ماهية التاريخ، بل عن معنى الكون كله. أمَّا ما يحدث الآن من حروب وقهر واستبداد وإفساد للبيئة، فهو مسؤولية من يقع عليهم في كل زمان ومكان، انتظروا أم لم يكونوا من المنتظرين؟ أو أوليسوا هم من ضمن نظام الكون؟
أمَّا المنتظر، والذي هو منتظَر “بكسر الظاء”؛ فما هو إلَّا حقيقة كونية وتاريخية تنتظر الإفراج عنها.
وتأتى اشارتى الاخيرة، وهى لماذا كل شخوص العرض من الرجال مع ان موضوع العرض يحمل قابلية ان تكون احدى شخصياته امرأة!!؟؟؟ مجرد تساؤل.
* السِّر السيَّد / باحث مسرحي سُّوداني