نص مسرحي: ” حكاية شابّ عشرينيّ”/ تأليف: عبد الصاحب إ أميري
شخوص المسرحيّة:
ـ المؤلّف: رجل في السّتين من عمره، وقور
ـ عدي: شابّ عشرينيّ
ـ المجموعة، خمسة شبّان بعمر عدي
المشـــهد الأوّل
المنظر: (ساعة متأخّرة من منتصف اللّيل، إنارة مصباح المطالعة تنير جزءا من خشبة المسرح، شبح رجل ستّينيّ (المؤلّف) ، يتحرّك في المكان، يبدو عليه عدم الاستقرار، قطرات المطر تخلق جوّا من الرّهبة، وهي تداعب زجاج النّافذة المطلّة على الطّريق العامّ، أصوات تبادل إطلاق ناري، خارج خشبة المسرح يسرع الرّجل السّتينيّ إلى النّافذة، والقلق يساوره أصوات تبادل النّيران، مستمرّة )
المؤلّف: لا. هذا المشهد لن يتركني بأمان..بات حديث المقاومة، وأنا لا زلت أداعب مسرحيّتي، لا أجيد طريقة طرحها (يصرخ دون شعور، بأعلى صوته) بوركت يا بطل صهيل من الرّصاص، يهشّم زجاج النّافذة، يرمي نفسه على الأرض، خشية إصابته، يبصر قصاصة من أوراقه المرميّة على أرض المكتب المؤلّف-مسرحيّة حكاية شابّ عشرينيّ (يتمتم العنوان) لا شكّ.. سيكون عرضاَ يليق ببطل المقاومة،
(عدي يزحف، نحو مكان آمن.. يلهث مرهقاَ، والعرق يسيل من وجهه، يمسحها بكمّ ثيّابه.. يجلس مرهقاَ.. يجلس خلف مكتبه المتواضع، يحاول جاهدا، جمع الأوراق والقصاصات)
المؤلّف: أشعر بداخلي إني وجدت مفتاح المسرحيّة..
(لا شيء في المكان يدلّ على الاستقرار والتّنظيم، أوراق متأثّرة، وسلّة المهملات مليئة بأوراق الباطل وكأنّها تحكي محاولات المؤلّف الفاشلة لكتابة مسرحيته.. يمدّ يده لسلّة المهملات، يخرج قصاصات من الورق، كتبها بخطّ يده)
المؤلّف: حيّرني هذا الشّاب، لا أعرف كيف أبدأ معه، كما حيّر قوات رجال الاحتلال
(يقوم من كرسيّه.. يحرّك المصباح باتّجاه جدار الغرفة، نلاحظ صورا متعدّدة لحالات مختلفة، لشّاب عشرينيّ، وسيم الطّلعة، الإبتسامة لا تفارق ثغره.. حلق شعر رأسه بالكامل، فبانت قشرة رأسه، كما يلحظ حالة استشهاده)
المؤلّف: لأوّل مرّة.. اقرأ عجزي في قلمي وتفكيري، مع أن مادة الكتابة متوفّرة عنك يا عدي، وحكايتك أصبحت أنشودة في غزّة، وشعفاط خاصّة، قل بالله عليك.. يا أسد من تكون؟ ماذا فعلت ؟ جعلت أغلب الشّباب، يحلقون رؤوسهم مثلك، يردّدون اسمك حين تسألهم من تكونوا ؟
(أصوات من وراء الكواليس )
المجموعة:عدي التّميميّ
المؤلّف : تسمع؟ يردّدون اسمك.. تعلّمت المقاومة منك، يا عدي سأعيد الحياة لك، من جديد بأناملي، لتكون عنوان ثورة..عنوان صرخة صدى..
(صوت عدي يدوي في المكان)
صوت عدي: لم لا تتركني بحالي.. الثّورة لا يخطّط لها.. الثّورة في الوجود الثّورة شعلة.. الثّورة نور.. الثّورة دماء لابدّ أن تجري الثّورة.. حقّ يؤخذ من خطّط لي؟ لا أحد
المؤلّف : (يجنّ جنونه ، يلتفت يمينا ويسارا، يبحث عن منبع، الصّوت) أنت تلعب معي، كما لعبت بالمحتل هذا أنت يا عدي؟
صوت عدي: ومن أكون غير عدي؟
المؤلّف: أنت لازلت حيّا. يا عدي؟
صوت عدي: وهل الشّهيد يموت، يا رفيق القضية؟
المؤلّف: (مرتبكاَ)، يموت!!؟ كلاّ.. لا يموت،،، (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ) أسمح لي أن أقول لك أمرا.. عندما أغور في شخصيّتك ، يغلبني الشّك
عدي : نعم
المؤلّف: هل حقّا، أنت. ولدتك أمّك.. كما ولدتني أمي؟؟
(الصّوت، يظهر كشبح يتحرّك في المكان)
عدي: أطمئن.. كما ولدتك أمّك لا تراني، سيّدي المؤلّف لا تتعب نفسك أنا أراك، طرقت بابي، أيّاما، تريد أن تكتب عن المقاومة لا بدّ أن ألبي طلبك
المؤلّف: أنت عدي..؟
عدي: أنا روح عدي.. لبيك أنا طوع أناملك
المؤلّف: أسمع يا أبن القدس، وهذه التّسميّة، لست أنا قائلها فعلك، انشدها (يتصفّح من كتاب بخطّ يده عنوانه حكاية شاب عشرينيّ) سادتي الحضور هكذا سيبدأ العرض.. حكاية شابّ عشرينيّ
(الإنارة، تتغيّر وكأنّنا على خشبة مسرح خمسة شبّان كمنّ، إنّهم نسخة متشابهة، شكلا و لباساَ، وروحاَ بشخصيّة عدي، بحركة من الرأس، ينظر واحدهم للآخر)
المجموعة: كلّنا عدي التّميميّ
المؤلف: كلهم عدي حتّى المشاهد القابع بالصالة هو الآخر.. هكذا تنتصر القضيّة (ينشد السّلام) عليك أيُّها المُطارِد.. منذ ولدتك، أمّك
المجموعة: يا صاحب الثّأر المقدّس .. عدي
المؤلّف : السّلام عليك أيُّها الثّائر المغوار
المجموعة: عدي السّلام على روحك التي أدّت أمانة الدّفاع عن الوطن.. عدي
المؤلّف: لله درُّك يا بطل..يا خير الأبطال سلِمتْ يمينُك يا أسد القدس وفلسطين
المجموعة: عدي
المؤلّف: طبْتَ وطاب مجدُك للأقصى نورًا يُضيء سماء القدس يضيء فلسطين
المجموعة : يا أبن القدس..عدي
ظـــــــــــلام
المشـــــهد الثانـــي
المنـــظر: (نفس المشهد الأوّل ساعة متأخّرة من منتصف اللّيل مكتب المؤلّف)
المؤلّف: (يبدو منشغلا بقوّة في كتابة نّصّ مسرحيّته “حكاية شابّ عشرينيّ“) في فلسطين ألف حكاية وحكاية، تلد الأمّهات حكايات
عدي: نعم، النّسوة الفلسطينيّات يلدن حكاية..حكاية خلف حكاية.. ولكلّ حكاية مذاق أنت أيّها الفلسطينيّ حكاية أنا حكاية من حكايات فلسطينيّة، ولدتها أمّ فلسطينية عانت عهود من الاحتلال من الظّلم من الجور من المذلّة من الموت الّذي في كلّ لحظة ممكن أن يعود من تريد أن يكون ووليدها؟ سوى عزام.. وسليمان..وأنا عدي..وجدت نفسي..دون أن أدري مناضلاَ، أحمل قضيّتي، عاشقا للقدس مدافعاَ للحقّ وأضع الموت في كفّي من أجل التّحرّر من أجل بيت المقدس لو كنت مكاني.. ماذا تفعل؟ كبرت وطوّق الحديد في رقبتي.. ألا يجب منه أن تتخلّص؟ أجبني؟ أنا لم أفعل شيئا..سوى واجبي واجبك قد يكون، إن كنت مكاني.
المؤلّف: (على جانب من خشبة المسرح، يبدو منشغلاَ بالكتابة، يردّد آخر جملة عدي) واجبك قد يكون، إن كنت مكاني ها أنا مكانك يا عدي بقلمي أحارب أعداءك. هم أعدائي قرّرت ذات ليلة، أن انقل رسالة رسالة عدي رسالتك فجلست أكتب، أكتب حكاية حكاية شابّ عشرينيّ…حكايتك جمعت فريقا من شعفاط، تطوّعوا بحبّ، لتقديم الحكاية هتفوا..كلّنا عدي كلّهم فلسطين كلّهم وضعوا الموت في أكفّهم من أجل التّحرير وذات ليلة ….
(حركة موضوعيّة في الإنارة، تدل، على مرور الزّمن)
المؤلّف:(يواجه الجمهور) النّصّ اكتمل..ها انتم ترون بدأت التّمارين اختلفنا على النّهاية، أنا أرى النّهاية بشكل وعدي بشكل آخر..عدي بات حكاية، بات أسطورة عدي ذات ليلة زلزال هزّ سقف مكتبي، حين كنت أكتب قصّتي، كاد السّقف ينهار على رأسي تناثرت نصوصي، تطايرت مكتبتي، باتت ساحة معركة شخوص قصّتي، تفرّقوا أغلبهم كانوا من رجال المقاومة، من غزّة…رسمتهم بأناملي بدقّة، كمن أعرفهم شعروا للوهلة الأولى، إنّها من المحتلّ، اتّخذوا مواضعهم صرخ أحدهم . يطلب نجدة
(بحركة نورية نعود إلى مكتب المؤلّف..المجموعة، اتّخذوا حالة المواجهة)
الأوّل: آه.. أصبت في ساقي.. أنا أنزف
الثّاني: (يزحف نحو الأوّل، يتفحّص ساقه.. مهدئا) لا تخف، جروح بسيطة (مخاطباَ المؤلّف) عليك بالفاعل
المؤلّف: الفاعل..!
الثّالث: لا تجعلها من أحداث المسرحيّة، حدث طارئ..!
الرّابع: إنّها من فعل عدي
عدي: (صوته من خارج الكادر يصرخ معترضاَ) أنا لا أترك غزّة..أ تسمعني؟ أنا لن أترك غزة أنت من تكون.. أيّها المؤلّف؟ تأمر المقاومة بالهروب.. بترك ساحة الحرب! نصّك يا سيّدي باسم المقاومة مرفوض
ظــــــــــلام
(مواجهة بين المؤلّف وعدي)
المؤلّف: إنّه مجرّد اقتراح قابل للنّقاش أنا حين طلبت منك الاختفاء أو الرّحيل.. لسلامتك، لأنّنا بحاجة إلى أمثالك وها أنا أستمع إليك ماذا تقول..؟
عدي: صمود المقاومة.. انتصار الهروب من ساحة القتال عار وابتذال.. هربنا..عقودا… نبحث عن وطن لا وطن لنا سوى فلسطين وضعونا في السّجون انتشرنا في الخيّام، ماذا حصل؟
المجموعة : القضيّة بقت على الرّفوف.. بكوا من أجلنا و جفّت الدّموع لابدّ من المقاومة لابدّ من تقديم القرابين، لابدّ من انهار الدّماء.. دمي ودمك و دم كلّ فلسطيني ابي لتعود يوماَ لنا فلسطين.. كما كانت.. زهرة حبّا نحصد الزّيتون
ستـــــــــــــــــار