مهرجان المسرح العربي..حُفنة* لا تتحمل أكثر من طاقتها/ بشرى عمور

أسدل الستار مؤخرا على فعاليات الدورة 13 لمهرجان المسرح العربي التي احتضنتها الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية، في الفترة الممتدة من 10 إلى 16 يناير 2023، الذي نظمته الهيئة العربية للمسرح بشراكة وتعاون مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل، وفق برنامج متنوع يضم إلى جانب العروض المسرحية مؤتمرا فكريا وندوات نقدية، ومؤتمرات صحفية، وحفل تقديم وتوقيع إصدارات مسرحية جديدة، وورشات تكوينية، ومناقشة بحوث محكمة وتكريمات ومعرض الكتب. لكن هل استطاعت الدورة أن تحقق الأهداف المسطرة من لدن الشريكين؟ هل حققت الهيئة رهان الديمومة في رسخ ثوابتها المسرحية؟….إذن لا بأس أن نناقش بعض الملاحظات لأخذها بعين الاعتبار كمقترحات وليس كقلم أحمر.

* / الحُفنة: بضم (الحاء) وسكون (الفاء): المقدار الذي لا يمكن للإنسان أن يحفنه بيده الواحدة)

 

هوية المهرجان:

إذ أخذ المهرجان على عاتقه تتويج الموسم المسرحي بالوطن العربي، فلماذا يستثني من شروطه عروض المونودراما و الطفل (مع أنه ينظم مسابقة نصوص موجهة للطفل)؟ وبما أن بعض عروضه ارتكنت لنوع من أنواعه كالعرض الراقص (ما حصل بالعرض المصري” ماذا افعل هنا بحق الجحيم؟”)، لماذا لا نجد باقي فرجات المسرحية كمسرح الشارع والبانتوميم….فتتويج موسم مسرحي يعني تتويج شامل كامل. أو تقوم الهيئة بتحديد هوية خاصة لمهرجانها من حيث طبيعة العروض المرشحة للمسابقة .

ولماذا تم تغيير منهج المهرجان، في هذه النسخة، الذي كان يفرض في مسابقته عرضين من البلد المنظم وعرضا لكل بلد؟؟ حيث تابعنا 4 من المغرب و 3 من كل تونس والعراق و1 للإمارات. أين باقي الدول؟ أمعقول وسط 203 عرضا ليس هناك عروضا سبق أن توجت في مهرجاناتها الوطنية/المحلية؟

بين الفصحى واللهجة تتلاطم العروض :

جاء في سادس توصيات لجنة التحكيم أنها:“ ترى ضرورة التأكيد على اختيار النصوص المسرحية المكتوبة باللغة العربية الفصحى وعدم الاعتماد على اللهجات المحلية التي ربما تقلل من تواصل الأخر معها.” وليست هذه اول مرة تذكر في توصيات بعض اللجن خلال الدورات السابقة. و بعودتنا إلى الشروط الأساسية التي تضعها الهيئة في استمارتها  هناك شرط يؤكد  على أن :” تعطى الأولوية والأفضلية في الاختيار للأعمال المسرحية التي يكون نصها المنطوق باللغة العربية الفصيحة في حال تعادل السوية الفنية”. بل تكرر ذلك  ضمن شروطها الخاصة :”تلتزم الفرق التي تتأهل بأعمال مسرحية ناطقة بالدارجة أو المحكية أن تقدم للجمهور ملخصات مكتوبة بالعربية الفصحى، تساهم في تسهيل تلقي العرض”.

إذن  أمام هذا الالتباس يجب على الهيئة أن تحدد بشكل قطعي اي لغة  تريد في مسابقتها، خصوصا أن المسرح فرجة مفتوحة وليس نخبوية، والمتفرج العربي العادي لا يتحدث الفصحى  ولا يفكر بها وتخلق تقاطع بينه وبينها. هنا ممكن المطالبة  بتطويع اللغة العربية لتكون لغة تواصل خصوصا لو هناك عروض تتبنى قضايا اجتماعية فمن الأجدر أن تعرض بلغتها المحكية/العامية حتى تصل إلى أكبر عدد من الجمهور. ولا أظن أن موضوع اللهجات صار عائقا مع ظهور مكثف للقنوات الفضائية ووسائل السوشيوميديا، كما لا ننسى ان المهرجان فرصة للتلاقي والانصهار والانفتاح على ثقافة ولغة الآخر. هذا ما يفرض استبعاد هذا الشرط من شروط المسابقة.

الندوات التطبيقية والمؤتمرات الصحفية/  تفاعل الجمهور:

نستهل بالمؤتمرات الصحفية، هذا التقليد الذي خلقته الهيئة ضمن أجندة مهرجانها الغاية منه التعريف بالفرقة ومسارها و يتحدث فيها عادة المخرج رفقة بعض صناع العرض عن الخطوات التي سلكوها في الاشتغال والاختيار ووو.. وتسن الهيئة قانونا خلال اللقاء بعدم فتح النقاش للحاضرين والاكتفاء باستماعهم فقط وهذا ما لم يستحسنه البعض وفضل الانسحاب، مما تسبب في العزوف والغياب الظاهر في الأيام الأخيرة. في هذه الحالة وجب استبدال هذه المؤتمرات بملخصات وسير ترفق بكتيب المهرجان.

بهذه الطريقة سيتضاعف عدد جمهور الندوات التطبيقية، التي بدورها تعاني من بعض الشوائب، من المعروف أن الهيئة ترسل أقراص أو روابط العروض للمتدخلين/ النقاد بعد الإعلان عن قائمة العروض المتنافسة عن جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي. لكن سمعنا وقرأنا واتفقنا على أن المسرح مشاهدة حية، فلماذا لا تأتي القراءة على ضوء المشاهدة الآنية، فمثلا هناك شخصيات تغيرت ومشاهد أضيفت أو حذفت في العروض، مما تجد أحيانا هناك بعض القراءات المشوشة ترجمة لضياع خيوط وملامح العرض المقدم.

المؤتمر الفكري: مرآة صانعي الفرجة

يستوجب على الجهة الشريكة/ البلد المحتضن هو من يختار موضوعها المتماشي مع توجهات مسرحييها وهي من يتحمل اختيار المشاركين,

واقتضت أعراف الندوات: المسير والمتحدث والمتدخل، وليس المحصل لأنه عادة المسير عند نهاية كل جلسة هو من يقوم بذلك، فاستحداث شخصية المحصل ما هي إلا التكرار والاجترار. وما معني المسائل؟ إذ كان هناك المتدخل/ المناقش. وما جدوى إعادة قراءة الخلاصات مادام هناك قراءة عامة للمقرر العام؟ وماذا أضافت القراءة الخاصة؟.

أجدها حالة لا تخدم الندوة ولا برنامجها، الذي خيم عليه حالة من الفتور والملل أحيانا والتوتر من بعض الذين كانوا متربصين للأخطاء لخلق الفتنة بين التيارات المسرحية وتجاربها.. أحيانا الاختزال يوفر كثيرا ارتكاب الهفوات. وعليه لابد من مراعاة زمن/ ايام الندوة بحيث لا يتعدى ثلاث أيام من عمر المهرجان..   ,

خلق مسار جديد لعروض المهرجان:

إضافة إلى المسار الأول ( الأعمال المسرحية الخاصة بمهرجان المسرح العربي) و المسار الثاني ( الأعمال المسرحية الخاصة بجائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، لأفضل عمل مسرحي عربي)، يضاف مسارا جديدا لعروض مأخوذة من جائزة النصوص المسرحية (موجهة للكبار)، النص الأول والثاني يفتح لهما ملف ترشيح للمشاريع الإخراجية توزع على ثلاث جهات جغرافية (شمال إفريقيا، بلاد الشام، والخليج العربي) لنحصل على ستة عروض لرؤيا مختلفة تتنافس فيما بينها على أربعة جوائز: (الإخراج، التشخيص، السينوغرافيا، والأداء الجماعي)، وتنهج الهيئة طريقتين: إما هي من تقوم بإنتاجها وهنا تسقط القيمة المالية للجائزة، أم الفرق أو وزاراتها الثقافية هي من تقوم بالانتاج وتحصل على قيمة الجائزة، بما ان دوارات المهرجان تنظم بشراكة هاته الأخيرة، وهنا تكون الهيئة استتثمرت مسابقة النصوص وحررتها من برودة الارشيف. خصوصا أن هذه التجربة سلكها البعض من المسرحيين العرب ولقيت تفاعلا إيجابيا. كالعرضين العراقيين:  “خلاف” للمخرج/ المؤلف: مهند هادي الذي سبق وتقدم بذات النص للجائزة سنة 2020 ولم يحظى بالفوز لكنه أصر على إخراجه ليكون عرضا جيدا حاز به عدة جوائز. وأيضا نص “أمكنة اسماعيل” للمؤلف العراقي (هوشنك الوزير) الفائزة بالجائزة سنة 2015 الذي قام بإخراجه العراقي: إبراهيم حنون.

ضرورة خلق لجنة تواصل  بين الهيئة والجهة المنظمة

بما أن المرجان أخذ على عاتقه التنقل من بلد إلى آخر، ويكون التنظيم شراكة بين الهيئة ووزارة الثقافة البلد المحتضن يستوجب خلق لجنة عربية تتجدد كل سنة تضاف للجنة العليا، دورها السهر على ضبط البرمجة والاستراتيجية بكل تفاصيلها ابتداء من فقرات حفل الافتتاح إلى حفل الختام، وفق أجندة  قابلة للتغيير وادخال التعديلات لتفادي اي ارتباكات  خارجة عن إرادة المنظمين. والتغلب على أي اكراهات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت