المسرح العربي شبه تائه؟…/ نجيب طلال

هي الجائحة:
مبدئيا؛ فالبعد الخلفي لهاته الأوراق؛ محاولة خلق نقاش مسرحي؛ مختلف عما ساد في المهرجان العربي بدورته (13) بحيث كانت المحاباة والمجاملات؛ والآراء الفورية والحماسية؛ تجاه هذا دون ذاك، لأسباب ترتبط بالشللية والمصلحية؟ لهذا فكيف يمكن أن يستقيم حالنا؟ إلا بنقاش مسؤول وموضوعي وجريء وكذا منزاح عن النفعية المقيتة، والمصالح الضيقة التي تنتهي بانتهاء (المهرجان) لأن المهرجان/ صورة لنشاط يتحكم فيه الزمني؛ أمام فعل ينقضي. ومن ثمة فهو ليس وظيفة، ولا بقرة حلوب. وبالتالي لا خلاف بأن الجائحة الكوفيدية؛ التي أصابت المعمور؛ قد أوقفت عجلة الحياة بشكل شبه كلي؛ لكن في المجال الإبداعي والثقافي في العالم العَـربي (تحديدا) كان هنالك شلل تام رغم بعض المحاولات ذات الطابع الإفتراضي؛ في الأردن والجزائر ولبنان، لتفعيل الفعل الثقافي والمسرحي والسينمائي عن بعْـد وبالتالي فالفيروس بانتشاره الاستبدادي هل استطاع أن يسيطر على عقل المبدع ويجمد حركية الممثل؟ باعتبار أنَّ المسرح عمَـل عقلي/ فكري/انجازي؟
مما لاشك فيه ؛ أن أي جائحة أو كارثة، تخلف وستخلف مضاعفات وآثارا سلبية على الحياة الإقتصادية والإجتماعية؟ أما الفنية/ الإبداعية حتميا ستعطيها قـُوة الاندفاع نحو العَـودة للمشهد بحماسة؛ وفي نفس اللحظة تفرض ممارسة غمار البحث عن صيغ ومفاهيم إبداعية ونظريات فنية وأفكار متطورة بأساليب وأنماط بديلة؛ مواكبة ومتفاعلة إبداعيا بمخلفات الأضرار الشديدة التي تركها [الفيروس الكوفيدي] على عيش الناس وبحياتهم ونفسيتهم، وعلى الخلفيّات الاجتماعية والاقتصادية وكذا السياسية؟ ولقد حاولنا ممارسة التلميح في العَـديد من الدراسات؛ إبان الجائحة (1) من أجل توظيف وأدرمة المآسي التي عاشها المواطن العَـربي (تحـديدا)من ارتفاع نسبة الجرائم/ الأمراض النفسية/ الانتحار/ الجوع /القلق/ الكمامات/ الانعـزال/ القتل المجاني/الكساد/ قتل الأصول/ الاعتقالات التعسفية / حالة الطوارئ/…/ وأقرب حدث لمسرحته جماليا وفرجويا: وضعية “الفنان العربي” في ظل الجائحة؛ تجسيد لوقائع ولواقع مادي ملموس؛ مشحون ومتقاطع بالمتخيل بداهة لحياته ولعلائقه الأسرية والشللية، علما أن الجائحة ساهمت في خلق اغتراب للمواطن العربي؛ موازاة مع الرجة والاختراق الذي أحدثه العالم الرقمي جوانية الجائحة، التعليم عن بُعـد / الاجتماعات عن بعـد/المسرح عن بعْـد/ المحاكمات عن بعـدٍ/…./. وبناء عليه فتفعيل أغلب المآسي والأحداث ومحاولة مسرحتيها بمنظور جاد وبأساليب متطورة تقنيا وتصوريا، سيوقف إلى حد ما الرداءة والتفاهة التي أضحت تخترق المسرح؛ من لدن بعض التجار والسماسرة والتافهين؛ وبهذا يمكن أن يتلاحم الواقع الاجتماعي العربي بالعالمي؛ لردم التخلف الحاصل بين المسرح العربي والكونية. باعتبار أن الفن الرابع قبل الجائحة وحتى بعيد الجائحة! يعيش إكراهات وأعطاب شبه مزمنة وأزمات متوالية، تلك التي تـنخر مشهده جوانيته؟ سواء من الجوانب التمويلية أو الحصارية أو الصراعاتية أو الإقصائية؛ ناهينا عن الحروب الطائفية ومحاولة الهيمنة على كراسي سلطة؛ بحيث الخريطة العربية تحمل إلتباس الرؤية وتعيش ضبابية المشهد؛ والذي زاد في قتامته؛ انفجار الحرب (الروسية =الأوكرانية) ليتزعزع الاستقرار من جديد! وبالتالي هل المهرجانات المسرحية ما بعْـد “جائحة كورونا” بإمكانها أن تعيد للمسرح فعاليته وعافيته؟ وستقلل للحَـدّ من أعطابه ؟

المهرجانات: 
تأكيدا بأن أي نشاط وتظاهرة ثقافية/ فنية هي مكسب من المكاسب للفاعلين المسرحيين ورافد من أهم الروافد إجرائيا في تنمية الحراك والفعل الثقافي وتطوير الحياة المسرحية، قبل المحيط الاقتصادي والاجتماعي؛ وإن كانت وجهة نظر تختلف بين هذا وذاك تجاه مهرجان (ما) لكن أغرب ما أطلعت عليه؛ ويحتاج لنقاش جاد ومثمر: فمثلا بعد 35 سنة من الحركة المسرحية، لم يقدم مهرجان قرطاج للمسرح النتائج المرجوة ونفس الأمر ينطبق على مهرجان القاهرة الدولي للتجريب ومهرجان الهيئة العربية للمسرح.. كلها تظاهرات تسير دون استراتيجية لأنها مهرجانات تشتغل على الموجود. وهو وضع كارثي …(2) ربما سيبدو أن هذا القول فيه نوع من الخلفيات الشخصية؛ ولكنه كان مسؤولا عن مهرجان قرطاج لسنوات؛ وبالتالي ربما هي صحوة أمام ما آل إليه المسرح العَـربي الذي يعتبره مريضا وغير مواكب لتطلعات الفرد والمجتمعات؟ فمن زاوية المعاينة والمعايشة؛ فالمسرح العربي كانت له إشراقات متميزة؛ وتمظهر فعاليات لها قيمتها الفنية؛ وصاحبة تموقفات إبداعية/ سياسية؛ لكن بدخول الدخيل والسماسرة وتجار الأزمات في المشهد الإبداعي بشكل همجي وكتلوي مشكلا “لوبيات” تتصارع وتتشابك فيها المصالح الذاتية، بقناع المسرح؛ والذي أفـرز مشاهِـد غير مألوفة ومفاهيم غير دقيقة في النسيج المسرحي [ظاهرة الربيع العربي] التي خلخلت المفاهيم والثوابت والتصورات الثقافية والسياسية؛ وأنتجت واقعا عربيا معقدا ومساهما في استفحال مظاهر الانتهازية والاستغلالية، ناهينا عن المناخ الدولي السياسي/ الاقتصادي؛ الذي له تأثيره على الخريطة العربية؛ وهـذا ما نلمسه جوانية المهرجان العربي في دورته (13) بحيث يلاحظ بأن المـسرح العــربي شبه تـائـه؛ في مناخ يغلب عليه تبادل المجاملات، والنمطية في الإشتغال الفكري والأشغال التنظيمية؛ بحيث لم تشعر بأن هنالك تغيير في منظور المهرجان وأجوائه، بل هنالك ملل وتكريس بأننا نحن (العَـرب) ظاهرة صوتية؛ ولسنا ظاهرة إبداعية! لكن المثير في هاته الدورة الحضور الجماهيري بكثافة غير مسبوقة لمواكبة العُـروض المسرحية؛ حتى ضاقت أرجاء القاعات (الثلاث) التي كانت تحتضن العروض !وهذا لم يكن في الدورة السابعة (2015/الرباط)؟ هل مرد ذلك للتعطش وللجوع الذي عشناه إبداعيا جراء (الجائحة الكورونية)؟ أم مرده للدعاية الشفوية التي كانت تسبق العروض؟ هل كان هنالك تجنيد لجيش خفي؛ مستغلا آلية التدوين ووسائل التواصل الإجتماعي؛ لإعطاء صورة مقبولة للمهرجان؟ هل استضافة نحو أربعمئة مسرحي عربي من الوطن العربي وخارجه، هي السبب المباشر في ملء القاعات (الثلاث)؟ ولكن المطب تلك التصريحات القبلية التي لا يمكن تجاوزها؛ وتكشف عن خلل (ما) إما في الاستراتيجية العامة أو في عملية التفعيل الإجرائي للعروض المسرحية؛ ولنتأمل إن: الدورة الثالثة عشرة من المهرجان ستضم العروض المشاركة في المسابقة الرسمية….إضافة إلى برنامج تفعيل عروض المسرح المغـربي على امتداد جهة الدارالبيضاء- سطات(3) هذا لم يتم و(لا) وجود له على أرض الواقع؟ فمثلا دار الشباب ابن خلدون في مدينة “المحمدية” لا وجود حتى لملصق التظاهرة المهرجانية؛ علما أن هنالك جناح بالمؤسسة الشبابية مستغلة للتطبيب والتمريض؟ لكن هنالك إخبار أوسع منه يشير بالقول الصحفي: بحث المجتمع وجدولة العروض اليومية وسياستها ومواعيدها…إضافة إلى مقترحات برمجة العروض المغربية على امتداد التراب الوطني المغربي(4) فمثل هاته المعطيات ومقاربتها إمبريقيا؛ نستشف بأن الأغلب الأعم تائه (!) وليست العروض المسرحية وحدهـا؟ والمفارقة العجيبة؛ أن هنالك عرض بعنوان: (تائهون) من تونس الشقيقة! فأين يتجلى التيه في العروض المسرحية؟
مبدئيا هنالك تيه؛ ولن نقول ( خلل) في أغلب مكونات كل عرض وعرض؛ على مستوى الواقع والمتخيل وكيمائية التركيب للمكونات الدرامية التي ينهض عليها الفن المسرحي! وهنا سندرج أرضية أين يكمن التيه؛ على أمل استقراء كل العروض( لكن) وهذا نداء عملي؛ بعيد عن تسليم الأظرفة (المالية) فهل يحاول أو يستطيع الإخوة الذين ألصقت لهم صفة (ناقد) في المهرجان؛ واستلذوا بها ! أن يغنوا الساحة النقدية بتفكيك وتحليل تلك العروض المشاركة، أم بانتهاء المهرجان انتهى وجودهم لأنه: لابد من كتابات إعلامية ودراسات نقدية لا ترحم، تنجزها أقلام حرة مستقلة لا انتهازية تلهث وراء الربح والكسب المادي، لأن المجتمع في حاجة أكثر إلى أن يرتقي الفن بالذوق العام(5) فطبيعي أن كل عمل يحمل مجهوده ويمتلك تصوراته؛ ولا يمكن الانتقاص هذا من هذا؛ إن كانت هنالك موضوعية التحليل وتجديد الخطاب الاستقرائي؛ بعيدا عن الحسابات الشخصية والسياسوية؛ وبعجالة هنالك أعمال تفتقر لمفهوم المسرح الذي يتجلى عمليا في الفعل /الصراع؛ وهامت في السرد المطلق كأننا أمام تمثيلية إذاعية، وليس أمام عرض مسرحي/ ركحي؟ والغريب أن جل العروض استعملت (الميكروفون) كأننا في مراقص ليلية أوفي حفلات الأعياد الوطنية! والأغرب أن بعض العروض مارست العري الجسدي للممثل؛ بشكل مجاني وبعض الممثلين حفاة الأقدام؟ وأعمال سقطت في الرتابة؛ نتيجة تكـرار الحوار والصور، مِمّا فقدت بوصلة التصاعد الدرامي. والذي يزيدنا حيرة؛ أغلب العروض المشاركة، وظفت السجائر التدخين بشكل مكثف ومسترسل؛ إضافة لإستعمال البخور/ المواد الكيماوية كتقنية مشهدية؛ دون مراعاة لبعض المتلقين الذين هم مصابون بضيق التنفس(!) مقابل هذا بعـض العروض لم تراع حاسة السمع حينما وظفت الموسيقى الحية والمباشرة؛ والتي كانت أعلى إيقاعا من الحوار. ناهينا عن غياب اللغة العربية كبوتقة للتواصل الفعال في المهرجان العربي؛ بحيث هذا يطلق العنان للغة الفرنسية وهذا للغة الإنكليزية؛ وهذا للدارجة المحلية الضيقة …كل هذا باسم البحث عن حساسية إبداعية جديدة؛ أو توطيد المشروع الفني الذي في مخيلتهم؛ والبعض يحاول تفعيل وإنجاز ما بعـد الدراما؟ هل تحقق البعْـد الدرامي؛ في ذروة العرض؛ لتحقيق نفيه فيما بعد كحل من الحلول؟ وما نفهمه أن كل تجربة تختار شكلها الفني؛ بشكل منضبط إلى حد ما؛ وذو لمسات ترنو للانفتاح المقبول للخصوصية العربية ؛ ومجانبا قـَدر الإمكان التبعية أو الذوبان المستباح في منظومة (الآخر) وهنالك أصوات من قلب المهرجان؛ عبر عروضها تدعي أو تسعى لخلق عرض [ دراماتورجي] ؟ فهذا المفهوم الذي انغـرس في البيئة العربية في سياق المثقافة البئيسة؛ لازال يحتاج لتدقيق معرفي/ تطبيقي.
في تقديري أن أغلب العروض المشاركة تضليلية عما يقع في الساحة العربية من صراع ; وآهات؛ لأن المسرح البديل ينطلق أساسا من البحث عن المشترك الإنساني والكوني. وقبل هذا وذاك فالواقع العربي متخم بالقضايا والمواضيع وبالصراع الذي تفاقم بشكل ملفت للنظر ويعـيش “مباينية” بين الجماهير والشعب والشعب فيما بينه وبين السلطة والسلطة بين السلطة؛ وبين محتكري السلطة والطامعين فيها؛ إنه غـليان، من الاحداث السياسية/ الإجتماعية/ الثقافية، بحيث هذا الغليان والخراب والدمار واقع سوريالي الذي تعيشه بعض الأقطار؛ التي عادت بنيتها وذهنيتها للقرون الوسطى؛ فهل هذا الوضع العبثي/ اللامنطقي/المنحط/…/يسمح يا ترى بتحقيق ما بعـد الدراما! التي تعني تجاوز الحداثة (؟) وبتجاوز الحداثة عمليا سننخرط رهبة أو رغبة في عوالم الرقمنة؛ وبالتالي فالسؤال الجوهري من كل هذا هل العروض المشاركة لامست بشكل عرضي (حتى) هذا الوضع الثقافي/ الفني/ التقني/ البديل؟

سؤال للهيئة:
ما تسعى إليه الهيئة العربية للمسرح؛ من زاوية النهوض بالمسرح العربي؛ لأمر متميز ومائز ومطرب؛ ويتضح أنها تفكّر في الحلول عوض التركيز على الأزمة التي يشهدها “المسرح العربي” ولكن هل المهرجان الذي هو متنقل بطبيعته؛ إطاره وفعاليته لمن ؟ هل للمحترفين/ للمهنيين/ للمراهقين/للهواة/…؟ والذي لا يطرب أكثر ويفرض عـدة تساؤلات؛ في كل دورة تقريبا نفس الأسماء والوجوه تتكرر؛ وتجتر نفس الخطاب بشكل زئبقي وموارب مع الحالة المهرجانية، والفضاء المحتضن له؛ والجميل أن موقع “الهيئة” يوثق مجريات كل دورة(حجية وشهادة). مقابل هذا نفس الدول التي شاركت مؤخرا(الدورة13- المغرب2023) نفسها في (الدورة 12 – الأردن2020) وفي (الدورة 8- الكويت2016) على سبيل المثال، فأين هي العروض: القطرية/ سلطة عمان/ الجزر القمر/فلسطينية/اليمنيـة/الموريتانية /البحرينية/ الليبية/ السعـودية/…./ أليست منخرطة في الهيئة؟ أم لا تتوفر على عروض مسرحية تسمح لها بالمشاركة، مما نجد في كل دورة دولة عربية تشارك بثلاث أو أربع عروض/ فرق – مسرحية، وهل هذا الأمر يستقيم أمام مشروع عربي للنهوض بالحركة المسرحية العربية؛ لمواجهة التحديات الكثيرة التي تواجهنا اليوم وأمام هذه التغيرات التي يعرفها العالم؟ وبالتالي فما تصور الهيئة أمام هذا القول الآتي من فلسطين/ القدس:… فما هو الثمن الذي يجب أن تدفعه هذه الدول كي تكون المهرجانات المسرحية الوطنية تحت إمرة “الهيئة العربية للمسرح”؟ إنه ببساطة تدجين المسرح كفعل نقـدي طليعي وتهميش المسرحيّين الحقيقيّين والمثقّف الحقيقي والناقد الحر.(6)

 

الاستئناس:
(1): انظر في أفق تنظير للمسرح الكُوروني؟ لنجيب طلال صحيفة الحوار المتمدن عـدد[6863] بتاريخ (08/04/2021)
(2):  المهرجانات العـربية في حاجة إلى الاستقلالية والمسرح العربي مريض: حوار مع مدير المسرح الوطني التونسي فاضل جعايبي لـصحيفة “الشروق”أجراه العربي بن زيدان بتاريخ 2018/12/18
(3): مهرجان المسرح العربي في الدار البيضاء 10 يناير: صحيفة الخليج بتاريخ /03/ يوليو/ 2022
(4): اجتماع الهيئة العربية للمسرح باللجنة العليا المنظمة للدورة 13 من مهرجان المسرح العربي؛ جريدة بيان اليوم بتاريخ 23/10/2022
(5): حوار مع مدير المسرح الوطني التونسي فاضل جعايبي لـصحيفة “الشروق”[ الإستئناس -2] (6):هيئة تخريب المسرح العربي: لإسماعيل الدباغ (مخرج وممثل مسرحي فلسطيني من القدس،مؤسس “فرقة مسرح الرواة” المقدسية) صحيفة العـربي الجديد بتاريخ/ 25 / أكتوبر/ 2019

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت