قراءة في العرض المسرحي:”انتظار سي مبروك”/ عثمان بنحدوا عوالم

الإنسان بطبعه كائن عجول، يسعى للوصول الى النتائج دون أن يكلف نفسه التجرع من كأس التدرج وكلل الانتظار، وهناك قاعدة تصلح كمثال لهذا الأمر تقول: “تزبَّبَ قبل أن يتحصرم” ويقصد بها السعي للوصول الى مقصد ما دون أن يسلك طريقه خطوة خطوة، وفي هذا الصدد لا يمكننا أن نقدم قراءة لأي عرض مسرحي دون تفكيك عنوانه والوقوف عند أهم مفرداته، والعرض الذي سنخضعه لمختبر التحليل والنقد يحمل عنوان “انتظار سي مبروك”..، فالانتظار من الجانب اللغوي: هو المكوث والبقاء مدة من الزمن الى أن يتحقق ذلك الغرض الذي ثم انتظاره.

العرض يستعير موضوع الانتظار كتيمة أساسية له، كما تتفرع عنه مجموعة من الأحداث التي تعمد على تحقيق هذا الانتظار، وتعد مسرحية “في انتظار غودو”، لصاحبها الكاتب المسرحي صامويل بكيت -رائد المسرح العبثي-، هي المادة الدسمة التي أسس عنها المؤلف فكرة عرضه المسرحي هذا، أما من الجانب الروحاني فيمكننا القول أن الانتظار، له صلاحية إثارة نفسية المتلقي لما فيه من أبعاد فلسفية.

لا يتوفر وصف.

تحكي المسرحية قصة:

شخصيتان يبدو عليهما أثر التشرد الفعلي، وكذا الغربة والوحشة التي تسكن دواخلهما، أحدهما يدعى ݣرودن، والآخر هراندو، وهما ينتظران شخصا يدعى سي مبروك بغيت التبرك منه، وفي خضم هذا الانتظار تجرى حوارات وأحداث تجمع كل من هراندو وݣرودن، بالإضافة إلى مواقف تجمعهما بشخوص أخرى، ويبقى هذا الانتظار قائم دون تحقق نتيجته وهي حلول هذا الشخص الذي يتم انتظاره..إلخ

تعالج المسرحية بالأساس مجموعة من القضايا السياسية والإجتماعية الراهنة، بدء بحياة التشرد وما يترتب عنها من معاناة وإضطهاد وإدمان معاقرة المخدرات بشتى أنواعها..، كما إستطاع المخرج أن يكشف لنا ذلك الواقع السياسي الذي نعيشه بشكل موسمي، وهي تلك العلاقة التي تجمع المسؤول المنتخب بعموم الناس، حين يريد تحقيق مآربه الخاصة والتي تخص جمع الأصوات، وإستعطاف الناس ولو كان ذلك بمنحهم دريهمات، وكذا دغدغة النفوس بالوعود الكاذبة، والبرامج الإنتخابية المزعومة، وبعد تصدره نتائج الإنتخابات يصل إلى سدة المسؤولية فلا تسمع له بعدها همسا، وقد ضرب كل العهود والبرنامج الإنتخابي عرض الحائط، دون أن نتكلم عن بائعي أصواتهم، هنا يعيش الإنسان الذل والمهانة، بحيث شبه لنا المخرج هذه الصورة بالطريقة المعمول بها في الأزمنة الغابرة، ألا وهي علاقة السيد بالعبد المملوك، “المسؤول بإعتباره مالكا، وذلك الإنسان الذي صوت بعرض من الدنيا قليل، أو بوعد كاذب مع أنه يعلم بخيانة هذا المرشح، فيعتبر حينها عبدا مملوكا لمدة أربع سنوات، وبعدها يعيد الكرة..”، بل الأكثر من هذا قد تعدت الصورة “قضية العبد والمالك لتصل الى تلك السادية التي تجعل من العبد المملوك ذابة لمالكها”.وقد تتعدد المفاهيم والصورة واحدة ..

لا يتوفر وصف.

لقد قدم المخرج المسرحي (المصطفى بوعسية) عرضه هذا بشكل يغلب عليه الطابع البدوي، كما إعتمد على البساطة من حيث ترميم الفضاء بسينوغرافيا بسيطة متقشفة، قد تنتمي إلى المسرح الفقير لرائده ݣروطوفسكي، الذي يعتمد بالأساس على الممثل دون غيره من الوسائط الأخرى، إذ لا تزيد على قطعة قماش تتوسطها شجرة، بالإضافة إلى قطعة خشبية أو “فرشي”، لنكون أمام فضاء يوحي الى طريق سيارة، يجلس فوق هذه القطعة الخشبية هراندو بإعتبارها جزء من الرصيف وخلفه تلك الشجرة التي تعبر عن الجزء ليقصد به الكل “الغابة”، وقد تم توظيف الإضاءة بشكل يراه المخرج مناسبا للعرضه المسرحي، كما تم إستعمال أغاني أم غيثية أعطت للعرض جمالية سمعية كسرت تلك السيرورة التي كان يمر بها العرض (الملل-البياض)، وفي إعتقادنا أن العرض كان يطبعه شيء من البياض في مواطن مخصوصة، اللهم إلا إذا كانت متعمدة لجعل المتلقي يندمج مع العرض ويحس بشعور الانتظار، أما من الجانب اللعبي للممثلين فلنا في ذلك إنتقادات مخصوصة، وقبل الخوض فيها لا بد أن ننوه عن أداءهم الجميل الذي كان يبصم عن إحترافية عالية..

فأول ما يمكنني أن ننبه عنه؛ ظهور بعض التصنع من الممثل الجميل الذي أدى دور هراندو حين كان يحاول أن ينتزع الحذاء من قدمه.

ثانيا ملاحظة تخص الفنان حسن الشباني الذي أدى دور ݣرودن حين إقدامه على تغيير ديكور الشجرة والتعامل مع “مصباح الهاتف” إلا أن هذا الأمر أراه لا يقلل من شأن العمل، ما دام تقنيا.

ثالثا التعامل مع الأكسسوارات الغير الملموسة في لحظة سكب الشراب، أرجو أن يكون التعامل مع هذه الأكسسوارات بعقلانية كما لو أنها حقيقية..

رابعا أنوه على أداء الممثل والفنان الصاعد (الشباني “الصغير”)، إلا أنه كان يحتشم في ظهوره بشكل بارز، لو لم تكن حركة من الفنان حسن يطلب منه بها التقدم داخل الخشبة.

خامسا المشهد الإرتجالي الصادر من الفنان بوعسرية والجميل عبادة، عند نسيان الأكسسوار “السبسي” في الكواليس..

لا يتوفر وصف.

ختاما أقول؛ أن هذه القراءة مجرد تلويحات وإشارات قد يطالها الوهم منا، فنكون بذلك قد نبهنا عن أمور كانت مقصودة من لدن المخرج، كما أننا قد أغفلنا أمور لم نذكرها في هذه القراءة وذلك تقصيرا منا..نرجو أن تكون القراءة وافية بالغرض. …

 

*عثمان بنحدوا عوالم/ طالب مسرحي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت