مسرحية : ” الحّاوية” / تأليف: عقيل هاشم
الشخصيات :
ــ ديوجين الكلبي
ـ الشاب: شهيد تشريني
ـ ماسح الاحذية
ـ مسؤول البلدية
المشهــد العــام
(قبر لشاب تشريني ..بيت من صفيح لماسح الاحذية ..حاويات الازبال منتشرة على الأرض وبأحجام مختلفة, في احداها يسكن ديوجين , أشياء مهملة مرمية على الأرض، بقايا قناني مياه فارغة وعلب طعام وما إلى ذلك)
صوت كلب : عووووووو
(الظلام يعم المكان وهناك اضاءة تنفتح على حاويات للأزبال المتهالكة)
مسؤول البلدية : بقف على الحاويات ..(يصرخ هازئا) خرائبُ خرائب.. من هناك..الشهيد والمجنون وماسح الاحذية
ديوجين: ( يخرج من الحاوية وكانه متسوّلاً، يرتدي عباءة قذرة، ومسلّحاً بعصا يلوّح بها على كل من اقترب منه، يظهر واقفاً يحمل مصباحاً في يده بلحية طويلة وصلعة واضحة، يرتدي خرقة تكشف عن كتفيه وركبتيه وكلبُه إلى جانبه…بهدوء وثقة.. ) أنا ديوجين الكلبي…
مسؤول البلدية: (مستغربا اقترب منه قائلاً) أراك محتاجاً إلى أمور كثيرة و,,,, يسرّني مساعدتك، إسألني، سأعطيك كلَّ ما تريد.
ديوجين: ( بسخرية.. أجاب ) نعم، كل ما اريده قف بعيداً عن شمسي
(الشاب يخرج من قبره حاملا حقيبة على ظهره , وبيده حقيبة لا رتوب معه)
مسؤول البلدية : ( مخاطبا ماسح الاحذية بصوت عال… بصوت أقرب إلى الصراخ) هيه.. ألم تقرأ التعليمات على الجدران ؟ وبخطّ كبير ممنوع تواجد المتجاوزين
ماسح الاحذية : (بسخرية) بلى.. قرأتها (مخاطباً المسؤول ) وراءنا عمل متى ستنتهي قوانينكم؟ بله (وجة حازمة)
مسؤول البلدية: (يتّجه إلى الحاويات فيضع إحداهما قرب الاخرى، ويعود ..مقاطعا) معك حقّ، عملكم صعب والله ماسح الاحذية نحن نعرف ونقدر …انت لا تهدأ ولا تستقرّ لكن الى اين نذهب..في الوطن نحن غرباء
ديوجين: ( يخاطب ماسح الاحذية مستغربا ) تخيّل أن تظلّ هنا اوهناك ماذا يمكن أن يحدث ؟ .. المهمّ.. البعض يستمتعون بعذاباتكم، ولا يريدون لها أن تنتهي
الشاب : (مستهزء) الأمر ليس مسلّياً أبداً ولكن ماذا بأيدينا لنفعل؟
مسؤول البلدية : يبقى النظام هو النظام.. لا يوجد لدينا وقت..(يتابع بملل) ديوجين
ماسح الاحذية : لا حول ولا قوة إلا بال وماذا عن قرب الشهيد الشاب …ايضا ستردمونه هذا شهيد…قبر الشهيد ماله حوبه ماذا تريدون؟.. على هذه الحال لن ننهي اليوم،على سلامة ( وقف امام الشاب سأله ) ما رأيك؟
الشاب : وما أدراني أنا؟ الله أنا محتار.. لنرى (يقلّب سجلاته…تعاطفا)
مسؤول البلدية : اختصاراً للوقت لا يبدو الاقناع، يأتي بالفائدة معكم .. لذلك لا اتردّد، ان اخذ الجباية منكم..
ماسح الاحذية: ( في حالة ذهول) يا الله.. ما هذه المصائب اليوم؟ (موجّهاً كلامه إلى الشاب) ها.. قل لي.. كم ستدفع عن قبرك؟ واذا لم تدفع سيطردونني ويطردونك مثل كلبين
الشاب : (يصرخ) فعلاً.. توقّعت منهم كلّ شيء إلا هذا.. طيّب..حتى قبور الشهداء (صمت.. يتبادلان النظرات)
ماسح الاحذية : الله يرحمك.. هذا نصيب شهداء بلادي.. ماذا بأيدينا لنفعله؟ ( ينخراط في النحيب)
(يأخذ المشهد بالإظلام شيئاً )
مسؤول البلدية: (يتوجه الى حاوية ديوجين) هناك قرارات ازالة المتجاوزين.. قبر الشاب ..وبيت ماسح الاحذية وماذا عنك؟
ديوجين :هذا المكان يخصني ” مكان فيه معلم اثاري” .. فأنا في المكان المناسب، لن تطالني قراراتكم.. (يضحك عاليا هازئا)
مسؤول البلدية : إن المدينة لم تعد تملك السيطرة على اثارها. ولم يبق هنا غير الأشباح،
ديوجين: (صمت)..
الشاب: (يستدرك) إلى أين سنذهب في لجّة الفوضى؟ هذه البلاد منذ أن صحونا على أقدارنا والموت والطرد يطاردنا أجيال تجيء وأخرى تذهب ،ونحن الغرباء وكلما يمر الوقت أجيال ضاقت بهم القبور فسكنت الغربة… عواء الكلب من بعيد …عووووووو)) يسير باتجاه الحاويات …يتحدث الى ديوجين بألم بالغ وهدوء مستسلم) عفو سيدي.. في غمرة استغراقي الشديد لم أنتبه إليك (يستدرك سريعا)
ديوجين: تمهّل واستمع إليّ، كم بهرتني طلتك كما رأيتك في حلم الأمس، صريع الساحات,, (مستدركا)ا
الشاب : ياسيدي : من الذي اتي بك الينا بعد كل هذه السنين من يدري قد تكون شاهدا علينا وعلى تاريخنا لقد أصبحنا نهبا للأوهام أجل، قد يأخذنا الموت على حين غرّة بسبب الأخرين ،نموت نحن.. فتموت ذكرنا. وأحيانا نعود، ولا احد يؤنسك …انها الوحدة في الحياة والقبر ايضا يمكن للحزن أن يتّخذ أشكالاً مختلفة. أحياناً يبدو الأمر كما لو أنك قد دلفتَ إلى قبر غائرا؛ كلّما تقدّمتَ كلّما أصبح الضوءُ أقلَّ لترى طريقَك. وفي نهاية المطاف، تبلغ نقطةَ الظلام
ديوحين: (مقاطعا) طيب انت تسلب عني.. أنا مجرد فكرة قد تحمل السعادة إلى هذا العالم وربما سيبقى هذا العالم غارقا في حزنه. ؟ والغريب لا تجد فكرة سعيدة واحدة ..كل شيء قاتل ومقتول بالشكوك.. والاتهامات……محاطا
ماسح الاحذية : (يسير للشاب) ما هذا القلق، بل القرف لماذا لا أستطيع السكوت؟ هذا ما خطر لي، أريد أن أشترى راحة البال.. اريد بيت..اريد وطن. أنا في غاية الأرق ماذا أفعل الآن؟ ينبغي أنْ أحلم …. كيف لإنسان أن لايرى حُلما سعيدا ولو مرة واحدة؟
الشاب : أنا مستمع إليك، احك… هل أنت جاد؟ أحببت الفكرة، حلم سعيد. مر وقتٌ طويلٌ ولم ألمسْ هذه السعادة
ديوحين: أنه أمر مضحك أرجوك.. كفى أتوسل إليك.. كفى من المفترضِ أن تكونَ هذه الحياةُ المؤقتةُ جميلة، الشيءُ القصيرُ يأتي لذيذاً، الليلة باردة سأشعلُ النار، سأتدفَأُ قليلاً،
الشاب: سأنزل الى القبرَ…النزهةِ الأبدية
ماسح الاحذية : (يسير للشاب ) لا لا لا.. ما هذا! أيّ جنون! ما الذي كنَا سنفعله اذن ؟ يحاول… ينتشلنا من هذه المتاهة… .أووه.. لاشك أننا بحاجة لمن يحاول ويخرجنا من هذا الجحيم الذي علقنا فيه
(صوت كلب عووووووووو)
ديوحين: (يخرج رأسه من الحاوية وينظر إلى الأمام بابتسامة...ينهض ويسير ذهابا وإيابا وكأنه يفكر. لكن خطواته ثقيلة بعض الشيئ) أننا في الحقيقة وحدنا.. نحن وحيدون.. وحيدون حد اللعنة. الطواغيت ليسوا بحاجة إلى الشجاعة. إنهم يتربصون بكم في كل زاوية لكن تذكروا ان السعادة.. لاتكون بلا ثمن
(أصوات كلاب تنبح .. رشقات رصاص ووميض متقطع ودوي مدافع….)
مسؤول البلدية: ( يرتدي ملابس جندي.. وخوذة.. يحمل بيديه بندقية ..ويختبئ بالحاوية )
( صوت كلب عووووووووووووو)