الرحلة السحرية…لنص مسرحية “رحلة انيس” لكاتبه حبيب ظاهر حبيب / صادق مرزوق السعيدي
هذا الهدوء المعتاد للكاتب حبيب ظاهر خارج الورق يفضي برحلة تضح بالمعارف والجماليات، نحن هنا أمام نص مسرحي يستعير أشكالا مختلفة منها مسرح الدمى وخيال الظل بالإضافة للمسرح التقليدي، وحتى صناعة الدمى لبطل المسرحية أنيس كأنها ورشة غير معلنة لكيفية أنسنة الدمية على الخشبة، رحلة أنيس السحرية كما تجلت في إصداره الأخير ( رحلة أنيس ومسرحيات أخرى للأطفال) منذ الإنطلاقة الأولى لمرافتي تلك الرحلة وجدت ان هذا النص يشتغل على عده توجهات تقترب من المذاهب الفنيه والادبيه العالميه، فهو يؤسس لمسرح واقعي خيالي كما جاء في اشتغالات فاختنكوف، ايضا هو يسير باتجاه ثنائية (المسرح وهم المسرح لعبه) للمخرج إخلوبكوف ، وتركيبية تايروف في إستعاراته لفنون الرقص والغناء واللعب، ثم يغوص في تجارب بيراندلو المسرح داخل مسرح وبالرغم من أن هذه التوجهات تؤسس لمسرح الكبار، إلا أن المؤلف هنا جعل منها مقتربات لإثراء هذا النص بمحتوياته الادبيه ليبدو للقارئ وكانه مجسد على خشبه المسرح، لما لهذا النص من وعي بالخبرات المعهودة في هذا المجال الصعب، وكما يصرح الدكتور حسين علي هارف في مقدمتة لهذا الإصدار: “الكتابة لمسرح الطفل مغامرة كبرى”.
إن هذا النص خلاصة لخبرات فنان اكاديمي وكاتب إحترافي يطوع الكلمات ويؤسس لعوالم يتماهى فيها الواقع مع الخيال، نص ينسحب الواقع فيه الى سمات المتخيل حيث (الاب, الأم) بواقعيتهما المعهودة يتجسدان من خلال تقنية خيال الظل، بالمقابل نرى الشخصيات الخيالية (السندباء , ياسمينه وغيرها) يتحولون الى واقع يتجسد في فضاء النص.. وهنا يحيل كاتب النص مخيلة الطفل المتلقي وذهنيته ليمارس مهامه التفاعلية مع الحدث من خلال تفعيل مهمتي اللعب والإيهام .. إستدعاء كل هذه الشخصيات سواء كانت آدمية بشقيها الواقعي والمتخيل، وكذلك الحيوانات والجمادات أثرت هذا النص بواقعيته السحرية لما يمتلكه المؤلف من فهم عميق ومعرفة رصينة لمقتربات مسرح الطفل.
كذلك إعتمد على أنسة الأشياء من جمادات ونباتات وعموم الكائنات الحية غير الإنسان، كما هو الحال بالنسبة إلى الصبار والنخلة والنخلة والفراشة والحمار والزهور، بالمقابل شيئا الإنسان وحوله الى صبار وإلى روبوت ليبعث في الجمادات روح، وفي الإنسان منطقا صفريا ينطلق منه ليتعلم المبادئ البكر في (إحترام الوالدين/ العدل في الحكم والمساواة في ترتيب الأحكام/تحديد الهدف قبل الشروع بالعمل/ الجد والإجتهاد للوصول إلى الهدف..)
حبيب ظاهر حبيب
وإلى جانب جماليات النص وقيمه التعليمية لم يغفل الدكتور حبيب أن يضفي على النص مساحة للكوميديا الخفيفة تجسدت بشخصية الحمار وبعض المفارقات داخل النص، هذا النص كتب بعناية فائقة ويمثل درسا في كتابة نص لمسرح الطفل في الشكل وكذلك مضامينه المعرفية والتربوية ليضع المؤلف هنا فضاء رحبا للمخرجين في تجسيد هذه الرحلة السحرية.