نص مسرحي: “اللعّنة عليك”/ تأليف: عقيل هاشم
الشخصيّات:
ـ الابن:
ـ الأم: المرأة الأربعينيّة
ـ الأب:
المشهد العام..
(إظلام تامّ.. ثمّ يبدأ العرض بقة ضوء على كنبة يجلس عليها الابن وأمه..تبدأ الظلمة بالتلاشي تدريجيّاً، ليتبيّن تفاصيل المكان.. المكان أشبه ببيت مهجور. يتبيّن ذلك من خلال الجدران المتّسخة والتي تقشّر طلاؤها في أكثر من موضع. حجارته رطبة..هنالك باب صدئة، يصدر عنها صرير حادّ ومزعج عند فتحها أو إغلاقها قريبا من الباب، نلمح كنبة تتسع لاثنين.. الأم وابنها..طرقات على الباب …)
الابن: (بصوت عال) من الطارق؟
فاعل خير: هذه رسالة لكم ..(يفضها الابن ويقرؤها)
الابن: (بفرح غامر) امي ..مفاجئة. ماذا لو عاد ابي من الموت..؟
الأم: (محدثة نفسها) وما أدراني بتفسير الأحلام أنا؟ لازلت تحلم كثيرا هذه الأيام. الابن: (بجدية) لم تجيبي على السؤال؟
الام: (بنفاد صبر) أوووه. ألم تسمعني؟ قلت لكَ. ألم تسمعني؟
الابن: (يقترب منها) ألا ترَيْنَ ذلك غريباً؟
الام:(باحتقار) سَئمت من هذه الاسطوانة المشروخة..لم أعد أتذكّر هذا الاب. لو ان ابي سيعود الليلة ..
الابن: ماذا؟ فلابد أنك ستتهمينني بالجنون.
الام :(بسخرية) كيف يمكن أن يعود.. بعد أن انتقل للدار الآخرة؟! خبر غير قابل للتصديق يصبح حقيقة..
الابن : (ساخرا) انه لم يمت بعد.. بل كان اسيرا..ماذا لو عاد من الاسر للحياة من جديد؟
الام :(تضحك بصوت عال)..ههههه ونحن من استخرجنا له من قبل شهادة وفاة، أصبحن نشعر بالحرج بفضل ما تلقيناه من تعويضات الحكومة، مستفيدون ومنتفعون من موته….ووووووو
(الابن وقف من جديد ينظر إلى الام التي ما زالت واقفة تتأمل كلامه)
(ولسان حالها يردد): لا حول ولا قوة إلا بالله، لم يعد في هذه الحياة ما لم يتوقعه المرء..
الابن : (يسير باتجاه الام) اقول لك الحقيقية..ابي لم يستشهد. وانما كان في الاسر
الام : (تصرخ) أووووه. إنني أختنق. افتح النافذة…تريد أن تجنني. تريد أن..
(ويعتم المسرح تماماً فيما يظل صراخها مستمرّاً..صمت..إضاءة على الابن)
الابن :(يتأفف) صحيح اني لم أجرّب الغربة بعد، الغربة بعيداً عن المكان المألوف موت. ربما ابي. ولسبب ما، يخيّل إليّ أن ذاك لن يكون أشد عليه الاشتياق..من يدري ربما أرسلته العناية الالهية
الام:ما الذي جاء به الليلة؟ (تردد الكلمات نفسها) معقولة..عاد زوجي الغائب (تقف امام المرآة) تضع المساحيق على وجهها؟ في الحلم ليلة امس كنت أرى صورته بين النجوم المتلألئة، وكنت أسمع صوته يدوي: انا قادم اليك..قادم..تنتابني الذكرى كما الحب المنسي يعود بين الفينة والأخرى (تستبدل ملابسها وبغنج) هكذا أنتِ..لازلت ِجميلة عندما يعود.. سيقول لي تعالي إلى أحضاني، فقد حانت الفرصة أن نستمتع بحبنا (تقوم وسط المسرح ترقص وتغني)…ام العيون السود ما اجوزن انه……الخ, سيأخذني من يدي ليجلسني قريبا منه وسيقول لي: سأنقذك من حياة الضجر، واقول له في سري: أخشى أن يرانا الرجل (زوجي الجديد)، فهو حاد البصر، ويغار عليّ ثم لماذا العجلة وأمامنا زمن طويل نعيشه معا,,,
الابن: (ساخرا) احححم نحن هنا..وماذا عن زوجك الجديد؟
الام 🙁تطقطق أصابعها بارتباك..ترفع يديها، تتوسل الله) يالهي كنتُ مُرغمة على الزواج ثانية، يشهد الله كنت خائفة من الضياع (تردد مع نفسها) الحرمان ايام الشتاء..قبل ثلاثين سنة، استشهد زوجي في الحرب الاولى..وكنت صغيرة خفت على نفسي من الغواية. النفس امارة بالسوء وانا فتاة جميلة، هناك من يجدني بحاجة الى رجل (تستدرك) زوجي الاخر يغار عليّ بجنون؟
الابن:(يتأفف) استغفري الله من قول مثل هذا الكلام يا امي، لعل الله كتب له النجاة
الام :(تسير وسط المسرح) فلماذا الكفر بنعمة الله. لابد أن له حكمة في ما يجري
الابن: (مقاطعا) الشهيد لم يهتمّ بجاهٍ أو مال، جعل نُصبَ عينيه محبّة الله تعالى وحده ونصرته، واختار درب الخلود طائعاً غير مجبر. أي روح قدسية تَمَلَّكَتْهُم في تلك اللحظة؟ يبذل الشهيد روحه طواعية..
الام : (بصوت منخفض) وهل سنقول ذلك للناس؟ ماذا سنقول لهم؟ ستكون سيرتنه على كل لسان (يتبادلان النظرات) دع هذا الأمر لي. وسترى. طيب..
الابن: (يخفت صوته) وماذا لو وصل الخبر إليهم؟
الام: (تتحدث بحروف مبعثرة) هااااااااوااااااا…..
الابن: (يذرع المكان جيئة وذهابا وهو في حالة قلق)لا فائدة.. النظام الجديد يعتبر .الذين قاتلوا واستشهدوا في زمن الحروب الماضية، سوف يعاملون معاملة العملاء, حتى الدرجة الرابعة (باحتجاج) امي.. هل فكرت في هذا الموضوع؟ آه. أجبيني. هل فكرّتي؟
الام 🙁تتحرك وتنظر من خلال النافذة كأنّها تنتظر شيئا)لا فائدة في تذكيري (بغضب) رأسي يتمزّق..حين يعود الاب سنداس تحت الاقدام..اليس مذلك!(مقاطعا) كنا نعلم ان القادم افضل
الابن: أيها العنيد. فكّر في حاضرك. دع عنك كلّ هذه الأوهام
الام: مللت سماع هذا الكلام..
الابن: نعم الحياة شيء جميل
الام: (بغضب) لم قدّر لأناس أن يحيوا في هذا البؤس؟
الابن: آه هل فكرتَ في هذا الامر؟
الام: (بصوت منخفض) نعم, أجمل أيام العمر لم نراها بعد.. فلتهدأ نفسك يا حبيبي (صمت)
الابن: أوّل مرّة أشعر فيها بالخوف والرّعب
الام: لا عليك. في اللّحظات الفاصلة سيكون هناك حل..لكنّنا لم نقترب من كف الموت بعد…ربما لم يأتي الغائب ..
الابن: (يقترب منها) أنا لم أتحمل الجوع ولسع البرد في السجن. ولكن, لعلهم سيأتون إلى بيتنا خلال دقائق، وسينقضون علينا كالكلاب المسعورة. حتّى وإن ظفروا بي وبك.
الام: (بصوت منخفض) يا ولدي. لا تعذب أمّك، لا تعذبها،لا تثقل رأسك بالهموم
الابن: (ينظر من خلال النافذة)…إنّهم قادمون (يتوارى خلف امه، يهمس إليها) قد يحرمني القدر لقاءك ثانية ولكني أعلم أنّك ستكونين قوية..
(تخفت الإضاءة)
الام: الم اقل لك.. دع هذا الأمر لي.
الابن: (يقاطعها) هااااااااااااااااا..
(تخفت الأصوات )ً
الابن : هاااااااااااااااااا هل تظنين أنهم سيصدقوا كل ما سوف نقوله لهم؟ :ربما شاهدوه في أعينهم
(على الكنبة الام وابنها يجلسان بتهالك)
الأم: لقد كان يوماً متعباً
الابن: (كمن تفاجأ) ألم نبالغ كثيراً يا امي؟
الأم: بلى والله كثيراً جداً.
الابن: (بسخرية مرّة) بل وصل بي الأمر إلى الخوف الشديد (يضحك)
الأم: (تنهض تشير الى مشجب الملابس) خذ بذلة الزفاف العائدة الى ابوك واذهب بها الى اللوندري لغسلها وكويها بسرعة ..
(يخرج الابن بعد لحظات يعود ثانية)
الام : (بصوت عال)..لماذا عدت مسرعا؟
الابن : (مترددا) ..انه مغلق
الام : (مقاطعته بتعجب) ماذا؟ (تذرع المكان)…اذن ما العمل؟
الابن: ما باليد حيلة؟
الام: (تبكي) وما ذنبنا لا نفرح به الليلة؟
الابن: (بعصبية) آسف، آسف يا امي، لو تكرمتي وسمحتي بأن تقفلي فمك، هل هذا ممكن؟
(طرقات على الباب)
الابن: (يركض الى النافذة وينظر..يروح ويجيء..ينظر الى الام بتمعن) ما بك يا امي؟ قولي شيئا؟
الام: كيف أردُّ وأقول وفمي مقفل..وماذا أقول؟
الابن: (بعصبية) أوه.. لا تقولي شيئاً، يبدو أنك في عالم آخر. هيا اذهبي إلى النوم (يروح ويجيء في المكان وينظر إلى ساعة الحائط)
الام: (بحنق)..اصمت
الابن: (مقاطعا) لا ترفعي صوتك. للحيطان آذان.
الام: (بهمس) قد يكون كل هذا مجرد حلم..(بريبة) ما بك؟ لماذا تنظر إليّ هكذا؟ ماذا تعني؟ إنك تشك فيَّ؟
الابن: لا، لا شيء
الام: اهدأ ، قد يكون الأمر تافهاً، أو سوء تفاهم.
الابن: سوء تفاهم؟ (يضحك بسخرية) حقاً؟ نعم، يحدث هذا كثيراً.
(يجلسان على الارض وينام الابن في حضنها..تضمه وتهدهده كطفل، تتلاشى الإضاءة وتسود العتمة)
الام: اهدأ يا وحيدي.. اهدأ..
(إضاءة بيضاء تبدأ باهتة في منتصف المسرح).
الابن: (يبدو الابن متردداً) المأساة.. (وهو ينتظر الرد من الام.. يصرخ بها) المأأأأأأساة قادمة…
الام:(تبتسم قليلاً) انا الذي دفنته بيدي..كيف يعود ثانية؟ (تلوح بيديها)هل تراني. هييييييييه هييه، هل ترى؟ هذا الجنون بعينه (تستدرك) هل هنا من يعلم انه عائد الينا
الابن:(يصرخ بها) لا أحدَ يعرفَ..اقول لك..ليس ثمةَ تسليةٌ، المأساةُ..قادمة
الام : (مقاطعة) لا تخف ولدي ..كل شيء له حل ..
الابن: (يبتسم )لا فائدة.. فيلوّح معتذرا. إنَّ المأساةَ قادمة بل هنالك اللعنات، آه يا أمي..ما أبعدَكِ عن صراخي، وما أقربَ صراخي إليك. نحن متورطٌان،آه يا امي، ما أقسى هذه المحنة (ينظر بتمعن الى صوره الاب المعلقة) أووه. أوه. وكأنك الوحيدُ الذي يطاردُنا،
الام : (تسترق السمع) أكاد لا اصدق ما أسمع (تخطو بضع خطوات باتجاه الباب) من أين جئت إلينا وجئت بالمصائب معك؟ وهل هناك مصيبة أكثر من هذه وأنا اتشوق حقا للمواجهة (تسير الى ابنها وتهمس بأذنه) لنتخلص منه ونقول اراد قتلك،أطلق عليه النار بهدف الدفاع عنك وعن النظام..اتوسل اليك هذا ما كأن سيفعله أي أنسأن آخر.
الابن: أكاد فعلا لا اصدق، لن أفعل
الام: في هذه الحالة لابد من الإسراع في تنفيذ الخطة الاخرى، أنني لا أحتمل أن أراه هات البندقية؟ لاستخدامها في قتله، أريد أن أقتله أنا
الابن: مستحيل! هذا لا يعقل (نظر لها بارتياب)
الام: (متشكّكة) اهداً وكفّ عن التململ،
الابن: (خائفاً) هم، لقد عادوا مجدداً.. لا أريد أن أذهب معهم.
الام: (بتثاقل وهدوء.. تهز رأسها بهدوء) ليسوا هم، لا أحد هناك
الابن: ألا تسمعين، إنهم يطرقون الباب، لمَ نحن بالذات، لمَ يلاحقوننا ؟ خبئيني عنهم (لا زال في خوفه) وهذا الطرق على الباب؟
الام: لا أحد هناك. إنك تزعجني بصراخك، أرجوك، كفّ عن هذه الكوابيس (تلتقط الرسالة من الارض تبدا بالضحك وتقرأها بصوت عال)هههههه. يا ملعون ..هذه الرسالة ارسلت لنا بتاريخ قديم جدا, ويبدو احدهم عثر عليها من الفرهود ,حين تجاسر اللصوص على الدوائر الحكومية واراد ان يعيدها الينا كذكرى ربما.وهو يرسل الينا السلام والشوق وبعض الهدايا (متبرمة) آه يا زوجي، لا تقلب عليّ المواجع. يكفيني أنني فقدت الأمل في كل شيء. أنا امرأة تحاول أن تنسى كل شيء مضى.
الابن: (بغضب، وهو يضع يديه على أذنيه) لا أريد أن أسمع
الام: ( وهي تصرخ) قلت لك إنسَ، كف عن هذا الكلام (تغلق فمه) اصمت، اصمت.. قلت لك إنس.. إنسَ
(المسرح إظلام تام، بقعة ضوئية على الزوج وهو يروي تفاصبل غيابه).
الزوج: (بحزن) أعلم أني كنت أثقل عليك، وأعلم قدر الألم الذي يسكن صدرك، والهموم التي ترهقك. لكن ما باليد حيلة.(بأسى) وتسألينني لماذا؟ كأنكِ لا تعرفين الحال
الام: (وهي مستغرقة في الثبات بقيضتها على فم ابنها كمن يهدهد طفلاً)
ستـــــــــــــــــار