النمذجة وراهانات المؤلف في مجموعة (رحلة انيس) للكاتب د.حبيب ظاهر حبيب/ د. ايمان الكبيسي

عرفت النمذجة على انها استراتيجيات تربوية منظوية تحت يافطة نظرية التعلم المعرفي المعتمدة على الملاحظة والتقليد لأسلوب المدرب في تنفيذ واتقان السلوك وتوظيفه في المواقف الحياتية المناظرة، وهذه الاستراتيجية تعتمد ابراز الخطوات والسلوكيات المرغوب بها، وتعمل على نقل الخبرات من فرد لاخر او لمجموعة عبر محاكاة للقدوة، ولان مسرح الطفل وسيلة تربوية تعليمة هادفة الى نشر القيم والمعارف والسلوكيات عبر نوافذ جمالية وتربوية، نجد الكاتب في مجموعة (رحلة انيس ) المسرحية قد انزاح الى استراتيجية تعليمية استعيرت من نظرية التعلم المعرفي الاجتماعي للمدرسة السلوكية وهي من النظريات الانتقالية التوفيقية التي شكلت حلقة وصل بين النظريات المعرفية والسلوكية مستندة الى ان شخصية الفرد تتشكل عبر التفاعل بين العوامل البيئية والنفسية، وقد اكد على ذلك العالمان (البرت باندوراوولترز) مصرحان ان عملية التعلم تتم عبر تفاعل مكونات اساسية ثلاث هي السلوك والمحددات المرتبطة بالفرد والبيئة، وعلى وفق هذه المعادلة يتمثل السلوك من خلال وظيفة المحددات المكتسبة مسبقا والتي يتم اكتسابها لاحقا على وفق طابع معرفي يربط التعلم بالملاحظة والمحاكاة، أي ان انماط السلوك لدى الاطفال مكتسبة تتكون نتيجة استجابة اجرائية، ولأجل ان تكون تلك الاستجابة اجتماعية يتوجب وجود شخص تصدر عنه الاستجابة وهو ما ينطبق عليه ما يقوم به الاطفال ضمن لعب الادوار او اللعب الايهامي. أي ان البيئة الخارجية تقدم للطفل نماذج متنوعة من السلوك يقوم فيما بعد بتمثيلها او تقمص شخصياتها.

ويبدو ان الكاتب انتهج هذا النهج عبر اعتماده على التقليد والمحاكاة في اغلب نصوصه فتارة يوظف تلك الاستراتيجية ضمن الحدث وتارة اخرى من خلال الشخصيات التي خلقت بشكل محايث لواقع الطفل سواء على المستوى المباشر المتمثل في تقديم النصح والارشاد عبر شخصية القدوة التي استحضرها الكاتب في معظم نصوصه -ان لم تكن جميعها- مع مغايرة ذكية في الابعاد والصفات العامة المشكلة لتلك الشخصيات، فنجده قد وظف الشخصيات البشرية والمؤنسنة سواء كانت (حيوانية او نباتية او حتى فنتازية) ضمن انسنة مدروسة ومحببة في مسرح الطفل للوصول الى مبتغيات قصدية والاقتراب من مديات ومجالات الطفل الفكرية والبيئية، ورغم اتساع مساحة المتبنيات الوعظية المباشرة التي اعتمدها الكاتب في نصوصه والتي ربما كان له تبريرا في مباشرتها كونه يكتب في مجال يستهدف مرحلة عمرية توجب تضمين النصح والارشاد ضمن متبنياتها التي يفترض ان تكون مغلفة وغير مباشرة.

لكننا نجد حضور مميز للمؤلف المخرج في جميع النصوص عبر دقة تفصيلية وملاحظات اخراجية واعية وضعها الكاتب ضمن ثنايا النص تنم عن دراية تامة بعملية انتاج الصورة المسرحية لمسرح الطفل، فنجده ينتخب باحترافية من بين تقنيات العرض المسرحي ما يتماهى وطبيعة الحدث وخصوصيته مثمثلة بـ(خيال الظل ، الداتاشو، توظيف الدمى القفازية واحيانا دمى الممثل، الموسيقى والاغاني، الكوميديا) فضلا عن تنويعه في استعارة الشخصيات ما بين (الشخصية التاريخية، الشخصية الكارتونية، الشخصية المؤنسنة، الشخصية الواقعية) والتي البسها الكاتب ثوب القدوة او الانموذج، ففي (رحلة انيس) اتخذ من تقنية خيال الظل بوابة لاستدعاء (الام والاب والمعلم، الشيخ المعلم) بوصفها شخصيات قدوة مستعارة من واقع الطفل، ولم يكتفي بذلك بل انزاح الى استعارة الشخصية الكارتونية متمثلة (بالسندباد وياسمينة ) وما تمثله هذه الشخصيات من جذور موغلة في الوعي الثقافي الجمعي، كما ذهب الى حدثنة الاحداث من خلال توظيف التقنية الحديثة عبر شخصية (الروبوت) فضلا عن الشخصيات الحيوانية والنباتية المؤنسنة (النخلة ، الصبار، الحمار ، الفراشة، النحلة) التي تشكل ركنا اساس في الكتابة المسرحية للطفل .

وفي  مسرحية (لعب + مزاح) التي تستهدف الفئة العمرية (6-9) فكانت شخصيات القدوة التي تتبنى الوعظ شخصيات حيوانية مؤنسنة (الكلب الكبير، القط الصغير) في استعارة الى شخصية الاخ او الصديق الاكبر ضمن محاكاة ليوميات مدرسية معيشة للطفل، اذ ظهرت متبنيات الارشاد والنصح بشكل مباشر على لسان شخصيتي القدوة، اما في مسرحية “قرية السعادة” فقد انزاح الكاتب الى التاريخ في انتخاب شخصية القدوة المتمثلة بشخصية (بهلول) بتوظيف مغاير لباقي الشخصيات جعل منها شخصية تعتمد احالة الشخصية المحورية الى كائنات اخرى عبر اضفاء اجزاء معينة من جسد المحال اليه للمحال، كما انه استعار شخصيات بشرية تمثلت بـ(عامل النظافة، الطبيب، رئيس القرية)

اما في مسرحية “موهوب وصورة الزعيم” التي شكلت تميزا في اسلوب المؤلف عبر توظيفه للفتنازيا بأسلوب درامي ممتع عبر الانتقال المشهدي من حدث الى حدث اخر محايث، فضلا عن الشخصيات التي قُسمت بشكل متوازن بين طرفي الصراع لتقود الحدث بمنطقية نحو الذروة ومن ثم الحل، ولان للكاتب اسلوبه المميز في انتخاب شخصية (ام موهوب، معلمة الرسم، الببغاء) بوصفها شخصيات نموذجية ناصحة مغايرة لشخصيات النصوص الاخرى عبر اسلوبها غير المباشر في تقديم المعرفة والنصح، اما النص الاخير في المجموعة الموسوم (الدجاجة في الزجاجة) الذي كان للعنوان فيه ثقل خاص اضفى على النص تشويقا واثارة من خلال غرائبية الصورة المتخيلة التي يوفرها العنوان، وعبر حدث يبدأ بلغز تطرحه المعلمة بوصفها شخصية النمذجة ذات الخطاب الارشادي غير المباشر وصولا الى التعقيد الذي يودي بالتلامذة الى حالة من الياس في الوصول الى الحل الذي يتم التوصل اليه عبر عصف ذهني تقوم به المعلمة لحصاد استجابات التلامذة وتقديم المعرفة مغلفة بالوان زاهية من الجمال والمتعة المسرحية.

وبهذا يمكن ومن خلال ما تم استعراضه يمكن استخلاص الاتي:

ـ للكاتب اسلوبه المميز في خلق واستعارة شخصية القدوة الموجهة للنمذجة.

ـ تنوع معالجات الكاتب في تقديمه للارشاد والنص بين المباشر وغير المباشر.

ـ تعدد مصادر وتقنيات انتاج الصورة البصرية بتماهي مع طبيعة الحدث وضروراته.

ـ كسر المؤلف لسمة السردية في النص المسرحي عبر تضمينه ارشادات ومقترحات اخراجية غاية في التفصيل .

ـ حضور الاغنية والنشيد ضمن ضروراته في النص المسرحي الموجه للطفل.

ـ اعتماد الكاتب في بناءه لنصوصه على الية اللعب المسرحي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت