بالمغرب: لقاء في كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية بسطات/ ذ.سعيد مدكوري
برشيد: الاحتفالية دعوة قيم الجمال، والعدالة الديموقراطية والمحبة والتسامح .. ودعوة إلى الفرح
عقدت كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية، جامعة الحسن الأول بسطات يوم الثلاثاء 28 فبراير 2023، الساعة العاشرة صباحا بمجمع البحث والابتكار، وبحضور أساتذة وطلبة وباحثين في المسرح، وفاعلين ثقافيين ومهتمين بالمسرح المغربي لقاء علميا مفتوحا شارك فيه أساتذة المسرح الأكاديمي المغربي عبد الكريم برشيد والباحثين في المسرح الدكتور محمد الوادي والدكتور نور الدين الخديري. ونسق أشغاله الأستاذ أنس بن اشو (كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية سطات) الذي افتتح اللقاء بقوله: “يسعدني أن أكون منسق أشغال هذه الجلسة العلمية المخصصة للمسرح وأن أكون إلى جانب أكاديمين متخصصين في المسرح في هذا اللقاء العلمي، ونتشرف في كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية جامعة الحسن الأول بسطات أن نستضيف أستاذ المسرح المغربي الأول الأكاديمي عبد الكريم برشيد والأستاذين محمد الوادي ونور الدين الخديري”.
وأشار الأستاذ أنس بن اشو إلى ” أن المسرح والفنون باتت في الجامعات الدولية علماً يقوم على أسس وبرامج ومناهج تتطور يوما بعد يوم بالبحث الأكاديمي والتجديد التطبيقي في الممارسة وبتغيير التقنيات وأساليب التوصيل، وصار المسرح اليوم أحد أهم معايير حضارة الإنسان وتقدمه، وضمن هذا السياق والإطار يأتي هذا اللقاء العلمي الذي نريد يقول المنسق إفادة للطلبة والمهتمين بالمسرح”.
ونقل بعد ذلك الكلمة للسيد عميد كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية، د. عبد القادر سبيل ليقدم كلمة ترحيبية وافتتاحية لهذا اللقاء العلمي، جاء فيها: ” أود في البداية أن أرحب بعميد المسرح الأكاديمي والاحتفالي المغربي الأستاذ عبد الكريم برشيد، الذي أسدى خدمات جليلة وكثيرة لدراسة وتدريس المسرح والاهتمام به في المغرب والجامعة المغربية إلى جانب الرموز المؤسسة للمسرح المغربي تشخيصا وتلقيا وأرحب باسم الكلية؛ كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية بسطات، به وبالأستاذين القديرين الأستاذ محمد الوادي والأستاذ نور الدين الخديري، وأشكرهم على الاستجابة لدعوة الكلية والمختبر إلى هذا اللقاء العلمي الذي نريده ونعتبره فاتحة اللقاءات التي نريد منها أن تؤسس لمشروع كلية اللغات والفنون في دراسة الفنون وتدريسها، ونأمل باسمنا كعميد للكلية وباسم أساتذتها وفريقها الإداري أن تتوسع الشركات واللقاءات مع المهتمين بالمسرح العربي والإنساني للتأسيس لأفق جديد مجدد لمسرحنا المغربي ودراساته، تُؤسس لإستراتجية جديدة ستساهم بدون شك في التحول المنتظر من الجامعات العربية؛ من جامعات في شكلها التقليدي إلى جامعات تساير التحولات التي يعرفها العالم على كافة الأصعدة والمستويات، وإذ تسعدنا استضافة هذا الجمع العلمي والثقافي، فإننا نأمل في أن يساهم في تقدم هذا المشروع الذي نرجو منه الكثير وخاصة في منح الدرس الفني المسرحي الأكاديمي اهتماماً خاصاً وبالغا، إذ للفنون في عمومها دورٌ أساسي في تعزيز التربية والتعليم، وتفاعل الطلبة فيما بينهم، واكتسابهم قدرات ومهارات التعبير عن الذات والمعارف، وتساهم في بناء شخصياتهم وتكسبهم الثقة بالنفس، وتعزز عندهم روح الإبداع والتفكير النقدي. وختم السيد العميد كلمته بمتمنياته لأشغال اللقاء التوفيق والنجاح والإفادة”.
بعد كلمة السيد عميد كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية، الدكتور عبد القادر سبيل، قدم الباحث المسرحي الدكتور نور الدين الخديري كلمة شكر في حق الكلية واللجنة المنظمة، كما تناول بشكل موجز طبيعة اللقاء العلمي الذي اتخذ له شعارا راهنيا وهو المسرح العربي وتحديات العصر، مركزا على دور الاحتفالية في مواجهة كل التحولات التي طرأت على المشهد الثقافي والسياسي من خلال بحثها الدؤوب عن قيم الجمال والعدالة الاجتماعية والمدينة الديموقراطية. كما قدم الباحث سيرة ذاتية مقتضبة عن الدكتور عبد الكريم برشيد، ومساره الأكاديمي والفني المتعدد، سواء من خلال الإبداع أو النقد أو التنظير المسرحي.
لقد كان هذا اللقاء منفتحا على الدردشة والحوار الذي جعل عبد الكريم برشيد، يجيب عن الأسئلة بتلقائيته المعهودة، وبأسلوب شائق، وبلغة بليغة مزجت بين الفصحى والعامية، كما تخللتها بعض المستملحات، والطرائف التي عاشها هذا المبدع في مساره الإبداعي منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي إلى الامتداد.
هذا وقد تناوب الباحثان الدكتوران نور الدين الخديري ومحمد الوادي على طرح الأسئلة التي كانت وجيهة، ومستفزة على حدّ تعبير محمد الوادي بغية الاستزادة من معين عبد الكريم برشيد وذاكرته الواسعة، التي حلّقت بجموع الحاضرين في عوالم التراث الشعبي، كما جعلتنا نكتشف عن قرب، التراكم المعرفي والثقافة الموسوعية التي يتميز بها هذا المبدع الفذ.
وفي سؤال وجهه الدكتور محمد الوادي إلى برشيد، عن كيفية مواجهة المسرح الاحتفالي لخصومه، وعن السرّ في هذا الصمود الذي صار يشكّل عقدة في نفوس المعادين لهذا التيار الاحتفالي المشاكس، فكان جواب برشيد ضافيا، كون الاحتفالية جاءت برؤية مسرحية واضحة، لها امتداداتها الفكرية والفلسفية، ولها قناعاتها الأدبية والجمالية التي تجعل منها مسرحا يقف على أرضية صلبة، ولو كانت غير ذلك ما كان لها أن تمتد طوال هذه العقود.
وفي سؤال آخر من طرف الدكتور الخديري عن سرّ هذا الزخم الإبداعي والنقدي والتنظيري للمسرح، وعن سيولة التأليف في هذا المجال المتعدد، كان برشيد يجيب باعتزاز، وهو يستحضر دور زوجته المحوري في كلّ هذا النجاح الذي حققه بتفّهم ووعي كبير منها.
وفي أسئلة أخرى للدكتور الوادي انصبّت حول مدى قدرة المسرح المغربي والعربي على مواكبة التحولات التي عرفها العالم، فمنذ سنة 1976 والمسرح الاحتفالي يصدر بيانات تلو أخرى كان آخرها بيانات كازابلانكا، أو ما سمي ببيانات ما بعد الجائحة، متسائلا حول السرّ في إصرار الاحتفالية على إصدار كل هذه البيانات، في حين ورد سؤال آخر حول موقف عبد الكريم برشيد في دفاعه المستميت عن الاحتفالية ضد دعاة موت أو قتل المؤلف، جاء ردّ عبد الكريم برشيد بشكل تفصيلي يفسّر أهمية المسرح كخطاب ثقافي توعوي وشاهد على تحولات العصر، مبرزا أن الاحتفالية كانت وما تزال ذلك المسرح الذي يدعو إلى بث قيم الجمال ومحاولة تحقيق الأمن الروحي والجمالي عبر البيانات التي تؤطر لهذه الاحتفالية، ولعل هذه الاستمرارية في إخراج البيانات الاحتفالية خير دليل على حيويتها ومواكبتها لما يؤول إليه العصر من تحولات، فبيانات ما بعد الجائحة تترجم رد فعل الاحتفالية من الوباء وما خلفه في النفوس من هلع، وانعكاس كل ذلك على حرية الإنسان، فالاحتفالية – بطبيعتها-ضد القيد، وتضييق حرية الأفراد. وأردف برشيد بأن قتل المؤلف في حدّ ذاته دليل مع سبق الإصرار على الجريمة، والمسرح ينبذ بالتأكيد هذا الفعل، وبالتالي فالمؤلف باق ما بقي الإبداع.