العرض المسرحي “شهاب وسر الكتاب” استطاع أن يجذب اهتمام الأطفال / صادق مرزوق
ضمن عروض مهرجان الحسيني الصغير بنسخته السابعة قدمت فرقة المسرح الجوال عرض مسرحية “شهاب وسر الكتاب” للمخرج حسين علي صالح .. الخبرة قد تكون إرثا ثقيلا على صاحبها أحيانا ، وقد تجعل من منجزه الإبداعي عملا إحترافيا منسجما ومتوازنا من ناحية أخرى، وفي الشق الثاني يتبلور التكوين الفني للعمل الإبداعي بذلك الإنسجام بين أركان العرض للخبير المتمرس في صناعة المشهد، وكذلك التوازن بين عمليتي الإرسال والتلقي. وأهم معوقات الإنسجام عندما يكون التباين كبيرا وجليا، بين الطرفين ( المرسل # المتلقي)، بسبب الفارق الكبير من حيث الفئة العمرية بين صانع العرض وعامة الجمهور، كما هو الحال في مسرح الطفل ، حيث يضعف التوافق أو الإنسجام في الكثير من الصفات ومقومات النجاح في المهام الإبداعية في أغلب عروض الطفل بسبب تلك الفاروقات في حسابات العمر، والمستوى العقلي..
ولكن الخبير بمسرح الطفل يعمل على ردم تلك الهوة بينه وبين عالم الأطفال حينما يعرف المرتكز الرئيس لمسرح الطفل، والمتمثل بالفهم الجلي لوظيفة هذا الشكل المسرحي.. المخرج حسين علي صالح بخبرته المعهودة في هذا المجال انطلق من الفكرة الأساس التي أسس عليها العرض المسرحي، وكلما كانت الفكرة واضحة لامس العرض عقل المتلقي، وفي الغالب ينطلق الباحث أو الناقد من مشكلة ليؤسس عليها معالجات ونتائج، وهنا تكون الكتابة مبنية على أساس رصين، ويتنامى تدريجيا،
أما مع غياب المشكلة في عرض “شهاب وسر الكتابة” تكون الكتابة عصية، ولا تستهوي الناقد إلا في حال أن يتخذ الناقد من هذا العرض إنموذجا لمسرح الطفل، من حيث التوازن والاستقرار والانسجام والتركيز على الوظيفة الأساس لهذا النوع المسرحي والمتمثل بالفكرة ومدى قوتها ومن ثم التأكيد على بقية أركان العرض من الحكاية وغوايتها لسحب الطفل لقبول تلك الفكرة وقبول الشخصيات ايضا، وقرب تفكيرها من عقل الطفل ومزاجه، وهذا ماحدث فعلا مع عرض شهاب بشخصياته المحببة والمقربة للأطفال ابتداء من المدونة (النص) وانتهاء بالشكل الفرجوي الذي رسمه المخرج لكل شخصية والتوافق بين مجموع الشخصيات،
من (شهاب وشخصية والكتاب وشخصية الجهل كذلك)، وإن إختلفت تلك الشخصيات بالمضامين ولكنها شكلت ذلك الاستقرار في التكوين الفني الذي دعى له الكسندر دين (تأليفا وإخراجا)، ونحن هنا نسجل إضافة كاتب متمرس لمسرح الطفل وإن لم يطرح نفسه كاتبا لكن الفكرة وتوازنها والشخصيات وإنسجامها والتأكيد على الرسائل الموجه للطفل تؤكد أننا أمام نص إكتملت أركانه الإبداعية بالإضافة لما حققه العرض من نجاح إخراجا وأداء،
وكما هو متعارف عليه أن إختبار العرض يكمن في التلقي والتفاعل وخصوصا في عروض مسرح الطفل لتكون العملية الإبداعية مقرونة بطرفي الإبداع ( الإرسال والتلقي) والتأكيد على أن التلقي ما هو إلا عملية إبداعية تقترن بجهود المرسل ( صانع العرض) ولا يمكن أن يكون التلقي مشاركا فاعلاً ، إلا حين يختبر العرض بمدى تفاعل الجمهور مع مجريات الحدث المسرحي وتدخله ذهنيا في تنامي عقدة العرض وصولا لحل تلك العقدة، ولم تكن تلك الشراكة ملفقة كما هو الحال في بقية العروض بل هي شراكة قصدية فاعلة لجر الطفل لمساحة العرض لإيصال رسالة مفادها (نحن الآن هنا) كما هو الحال في عروض الفرجة،
وما يؤكد أن العرض حقق رسالته في جذب الطفل للقراءة وجدنا الكثير من الأطفال وعوائلهم وبعد خروجهم من قاعة العرض تزاحموا أما مكتبة الطفل في مدخل القاعة من أجل إقتناء المجلات والقصص الخاصة بالطفل لتكون مسرحية “شهاب وسر الكتاب” ثورة ضد الجهل باتجاه القراءة وما تؤسس له من بناء جيل يقرأ ليكون منتجا وفاعلا وطموحا لمستقبل أفضل..
وأخيرا لابد من الإشارة والإشادة ببقية صناع العرض من ممثلين ( سعد شعبان) وخفته واسترخائه الجميل ، و(أحمد شوقي) وتجسيده الرصين لشخصية الكتاب بصوته الراكز والقريب من أذن المتلقي، و(عدي الكرخي) قرين الشيطان وغوايته. كذلك الإشارة للسينوغراف (سهيل البياتي) ولوحته الماتعة، وانسجامها مع جمال الصوت وهندسته بالرغم من إعتماد (هشام الركابي) على جهوزية أغنية (أقرأ) في ختام العرض ومألوفيتها ، ولم تكن منسجمة تماما مع المستوى العالي في المشغل الصوتي لهذا العرض الإحترافي بامتياز.