اَلْمُدَنَّسَ وَالْمُقَدَّسِ فِي بَرْزَخِ مَا بَعْدَ اَلْمِخَدَّةِ / عَدِي اَلْمُخْتَارُ
كُلَّ اَلْوَسَائِدِ ( اَلْمِخَدَّاتُ ) مَحْكُومَةً بِالْهَوَاجِسِ وَمَرْهُونَةٌ بِالْأَحْلَامِ ، إِلَّا تِلْكَ اَلْوَسَائِدِ اَلْمَهْمُومَةِ بِالرُّؤُوسِ اَلْمَهْوُوسَةِ بِالرَّفْضِ وَالتَّمَرُّدِ عَلَى اَلْوَاقِعِ وَالْحُلْمِ مَعًا، فَإِنَّ لَيْلَهَا مُزْدَحِمٌ بِالْوَجَعِ وَالْأَحْلَامِ اَلْمَبْتُورَةِ وَالْكَوَابِيسِ اَلَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا. كُلٌّ وَاحِدٌ مِنَّا يَمْلِكُ وِسَادَتَهُ كَمَادَّةٍ جَامِدَةٍ فِي غُرْفَتِهِ وَيَمْلِكُ لَحْظَةَ اَلِاسْتِسْلَامِ لَهَا. لَكِنَّهُ لَا يَمْلِكُ زِمَامَ لَحْظَةِ مَا بَعْدَ اَلِاسْتِسْلَامِ، لِأَنَّهُ زَمَنٌ تَسْقُطُ فِيهِ مَرْحَلَةُ سُلْطَةِ اَلْفَرْدِ وَتَبْدَأُ مَعَهَا مَرْحَلَةَ سُلْطَةِ اَلصِّرَاعِ مَا بَيْنَ اَلْوَاقِعِ وَالْحُلْمِ، صِرَاعُ مَا بَيْنَ اَلرَّأْسِ بِكُلِّ مَا فِيهِ مِنْ هَوَاجِسَ وَإِرْهَاصَاتٍ وَتَمَنِّيَاتِ وَبَقَايَا ذِكْرَيَاتٍ خَاوِيَةٍ وَعُمَرْ يُهَرْوِلُ سَرِيعًا وَمَا بَيْنَ اَلْوِسَادَةِ وَإِنْ تَغَيَّرَتْ أَوْ تَعَدَّدَتْ فَهِيَ ذَاتُهَا اَلَّتِي تَنْتَظِرُ كُلَّ لَيْلَةِ دَوْرِهَا فِي اِسْتِنْطَاقِ أَوْ اِسْتِفْزَازِ اَلْمَوَاجِعِ فِينَا لِتُحِيلَ اَللَّيْلَ إِلَى مِسَاحَاتٍ أُمًّا إِلَى آهٍ عَمَّا فَاتَ، أَوْ كَشْفِ حِسَابٍ لِمَا قَدَّمْنَا أَوْ نَدَمٍ لِأَيَّامِ وَمَوَاقِفَ لَمْ نَكُنْ فِيهَا عَلَى قَدْرٍ عَالٍ مِنْ حُسْنِ اَلِاخْتِيَارِ، وَمِنْ هُنَا نَدْخُلُ إِلَى عَالَمِ مَسْرَحِيَّةٍ ( اَلْمِخَدَّةُ ) لِلْمُخْرِجِ مُنْتَظَرٍ سَعْدُونْ لَفْتَةً مِنْ مُحَافَظَةِ اَلدِّيوَانِيَّةِ والتي عرضت ضمن فعاليات مهرجان المسرح العراقي بدورته الخامسة في بغداد 2023.
• اَلْفِكْرَةُ وَالنَّصُّ
فِكْرَةَ اَلْعَمَلِ مُسْتَوْحًى مِنْ مَعْرِضِ اَلْمِخَدَّةِ لِلْفَنَّانِ اَلتَّشْكِيلِيِّ أَحْمَدْ اَلْبَحْرَانِيّ وَطَبْعًا اَلِاسْمَ يُحِيلُكَ لِنَصِّ اَلْمُونُودِرَامَا (اَلْمِخَدَّةُ ) لِلْكَاتِبِ اَلْكَبِيرِ اَلرَّاحِلِ سَعْدْ هُدَابيَ ( رَحِمَهُ اَللَّهُ )، إِلَّا أَنَّ اَلْفَارِقَ كَبِيرٌ مَا بَيْنَ اَلنَّصِّ وَالْعَرْضِ مِمَّا يَدْعُو إِلَى تَنْحِيَةِ اَلنَّصِّ جَانِبَا وَالْغَوْصِ بِمُدَوَّنَةِ نَصِّ اَلْعَرْضِ اَلَّتِي اِقْتَرَحَهَا اَلْمُخْرِجُ كَدَرَامَاتُورْجْ وَمَضَى فِيهَا حَتَّى اَلنِّهَايَةِ .
كُلُّ اَلْوَسَائِدِ مِنْ قُطْنِ أَوْ رِيشِ إِلَّا (مِخَدَّةٌ) مُنْتَظَرٍ سَعْدُونْ كَانَتْ عَالِمًا سِحْرِيًّا، مِثْلٌ أَحْلَامِنَا تَمَامًا تَغِيبُ فِيهَا (اَلزَّمَكَانِيَّةَ) وَتَحْضُرُ فِيهَا اَلشُّخُوصُ وَالْقِصَصُ لِهَذَا اِقْتَرَحَ اَلْمُخْرِجُ عَالَمَهُ اَلْمُفْتَرَضَ ( أَعْمَاقُ اَلْبَحْرِ ) حَيْثُ أَلَّا (اَلزَّمَكَانِيَّةَ)، فَنُغَطَّ فِي اَلنَّوْمِ وَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نَغْرَقُ كُلُّ يَوْمٍ وَمِنْ ثَمَّ نَغْرَقُ آلَافُ اَلْمَرَّاتِ، وَرَاحَ لَأُبْعِدَ مِنْ ذَلِكَ حِينَمَا خَلَقَ لِهَذَا اَلْعَالَمِ أَنَّ صَحَّ بِتَسْمِيَتِهِ ب (عَالَمُ مَا بَعْدَ اَلْمِخَدَّةِ) مَايِسْتِرُو يُوَلِّدُ مَعَ اَللَّحْظَةِ اَلْأُولَى لِلِاسْتِسْلَامِ مِنْ رحم أَجْمَلِ حَيَوَانٍ بَحْرِيٍّ أَلَّا وَهُوَ قِنْدِيلُ اَلْبَحْرِ وَحَتَّى في اِسْتِدْعَاءِ اَلرَّأْسِ وَصَاحِبِهِ جَاءَ مِنْ هَذَا اَلْحَيَوَانِ اَلرِّخْوِيِّ وَكَأَنَّهُ يَرُيد أَنْ يَرْبُطَ مَا بَيْنَ رَخُويَتَهْ وَرِخْوِيَّةِ رَّأْس الطفل اَلرَّضِيعِ ليبدأ معه رحلة البوح .
عَزْفُ مَايِسْتِرُو اَلْمِخَدَّةِ بِجَسَدِهِ سِيمْفُونِيَّةَ اَلْوَجَعِ اَلْمَسْكُوتِ عَنْهُ، فَالْمِخَدَّةُ اَلْحَاضِرَةَ اَلْغَائِيَّةَ هِيَ اَلَّتِي كَانَتْ تُهَيْمِنُ عَلَى اَلْعَرْضِ اَلَّذِي أَثَّثَ خَشَبَتَهُ اَلْمُخْرِجَ بِشَكْلٍ ذَكِيٍّ (صُورَةٌ / وَإِضَاءَةٌ / وَجُغْرَافِيًّا خَشَبَةً / وَدِيكُورًا / وَأَزْيَاءٌ / وَاكِسْسُورَاتْ) فَجَعَلَ مِنْهَا (أَيْ اَلْمِخَدَّةِ) اَلْعُنْصُرُ اَلْمُهَيْمِنُ عَلَى اَلْعَرْضِ فِي اَلْحُضُورِ أَوْ اَلْغِيَابِ فَهِيَ مِنْ اِفْتَتَحَتْ اَلْعَرْضَ بِالْوِلَادَةِ وَالِاسْتِدْعَاءِ وَهِيَ نَفْسُهَا مِنْ اِخْتَتَمَتْ كُلَّ شَيْءٍ حِينَمَا انتصرت للرأس ومَنَحَته فُرْصَةَ اَلْإِبْحَارِ مُجَدَّدًا إِلَى حَيْثُمَا يُرِيدَ .
اَلْعَمَلُ كَانَ جِلْدًا لِلذَّاتِ وَاجْتِرَارٍ لِلْمَوَاجِعِ فِي صِرَاعٍ اِفْتِرَاضِيٍّ مَا بَيْنَ ثُنَائِيَّةٍ اَلرَّأْسِ و(اَلْمِخَدَّةُ)، لَا بَلْ هُوَ فَاتُورَةُ حِسَابٍ مَفْتُوحَةٍ مَا بَيْنَ اَلرَّأْسِ وَوَسَائِدِ اَلْعُمْرِ بَدَأَ مِنْ اَلطُّفُولَةِ اَلْمَنْقُوصَةِ وَمُرُورًا بِالشَّبَابِ اَلْمُقَمعِ وَلَيْسَ اِنْتِهَاءٌ عِنْدَ وَسَائِدَ لَا نِهَايَةَ لَهَا، هِيَ حِسَابٌ عَسِيرٌ لِأَخْطَاءِ اَلنَّوَايَا أَوْ فَلْنَقُلْ لِخِيَانَتُنَا لِنَوَايَانَا اَلَّتِي رَاحَتْ تَصْطَفُّ تَارَةٌ مَعَ مُدَنَّسٍ خَانَنَا, وَتَارَة أُخْرَى مَعَ مُقَدَّسٍ بَاعَنَا (وَالْمُقَدَّسَ هُنَا) لَيْسَ اَللَّهُ وَمِنْ قَدَّسَهُ بالتأكيد بَلْ مِنْ لَبِسُوا لِبَأْسِ اَلْقَدَاسَةِ وَفْقَ رُؤْيَةِ اَلدُّكْتُورِ عَلِي شَرِيعَتِي أَوْ مِنْ صِنْفِتهِمْ بَعْضَ اَلْعُقُولِ بِالْخُطُوطِ اَلْحُمْرِ أَوْ تِيجَانْ اَلرَّأْسِ .
كَانَ اَلْعَرْضُ عِبَارَةً عَنْ دَعْوَةٍ لِلرَّفْضِ وَالتَّمَرُّدِ عَلَى اَلْمَسْكُوتِ عَلَيْهِ فِينَا أَوَّلاً. لِذَا جَاءَ اَلْعَرْضُ بَمْشَهْدِيَاتْ مُنْفَصِلَةً لَكِنْ يَرْبُطُهَا خَيْطٌ وَهْمِيٌّ غَيْرُ مَرْئِيٍّ أَلَّا وَهِيَ اَنَثِيَالَاتْ اَلرَّفْضِ وَالْقَبُولِ اَلْمُتَرَسِّبَةِ وَهَذَا بِاعْتِقَادِي مُلَخَّصَ مَا جَاءَ فِي فِكْرَةِ هَذَا اَلْعَرْضِ .
• اَلتَّمْثِيلُ :
بِدَايَةً لَا بُدَّ أَنْ نُحَدِّدَ مَلَّاحُ اَلْعَرْضِ وَاَلَّذِي يَتَّفِقُ اَلْجَمِيعُ عَلَى أَنَّهُ عَرْضٌ مَسْرَحِيٌّ طَغَتْ فِيهِ لُغَةُ اَلْجَسَدِ عَلَى اَلْحِوَارَاتِ اَلْمُقْتَرَحَةِ وَالصَّوْتِ اَلْمُتَدَاخِلِ مِنْ اَلْخَارِجِ عَبْرَ ثَلَاثِ شَخْصِيَّاتٍ مَثَّلَتْ :
1- اَلْأَدَاءُ اَلْجَسَدِيُّ لِلْمُمَثِّلِ ( نَوْفَلْ خَالِدْ )
2- اَلْأَدَاءُ اَلْحَوارَاتِ لِلْمُتَمَثِّلِ ( مُصْطَفَى اَلْهِلَالِي )
3- اَلْمَايِم اَلصَّوْتِيِّ
أَوَّلاً – اَلتَّمْثِيلُ
1- اَلْأَدَاءُ اَلْجَسَدِيُّ :
يَقُولَ مِيرْلُوبُونْتِي فِي كِتَابِهِ اَلْجَسَدِ فِي اَلْمَسْرَحِ ؛ لَعِبَهُ اَلْمَعْنَى وَالِامْتِدَادُ (أَنَّ اَلْجَسَدَ يُشَكِّلُ رُسُوخُنَا فِي اَلْعَالَمِ) وَوَفْقًا لِهَذَا اَلْمَدْخَلِ فَإِنَّ اَلْجَسَدَ فِي هَذَا اَلْعَرْضِ كَانَ بِكُلِّ إِيمَاءَاتِهِ وَحَرَكَاتِهِ هُوَ اِنْعِكَاسٌ لِلْوَاقِعِ بِمُخْتَلِفِ تَوَجُّهَاتِهِ فَيَشْحَذُ عَنَاصِرَ اَلتَّعْبِيرِ، وَيُذْكِي هَوَاجِسَ وَمُتَطَلَّبَاتِ اَلْفُرْجَةِ اَلْمَسْرَحِيَّةِ اَلَّتِي تَجْعَلُ اَلْجَسَدَ فِي بُؤْرَةِ اَلْحَبْكَةِ اَلْفَنِّيَّةِ، فَالْجَسَدُ كَانَ هُنَا هُوَ مِنْ حَدَّدَ خَارِطَةَ اَلْعَرْضِ وَمَعْنَاهُ وَمَحْمُولَاتٍ اَلْوَاقِعِ وَرَسْمِ مَلَامِحِهِ اَلْعَرِيضَةِ وَحَمَّلَ اَلْكَثِيرُ مِنْ اَلْمَدْلُولَاتِ وَأَحَالَنَا عَبَّرَ اَلْأَدَاءُ اَلْجَسَدِيُّ لِمِسَاحَاتٍ عَامِرَةٍ بِالتَّأْوِيلِ وَمُوغِلَةٍ بِالْوَجَعِ، وَعِبْءَ اَلْعَرْضِ وَكَذَلِكَ بَطَلُ اَلْعَمَلِ وَدَفْعٍ بِالْأَحْدَاثِ إِلَى أَمَامِ فَكَانَ اَلضِّدُّ اَلْخَفِيُّ اَلْمُسْتَفِزُّ لِلْعَقْلِ اَلْبَاطِنِ لَدَى اَلْبَطَلِ .
كَانَتْ اِنْطِلَاقَةُ اَلْعَرْضِ مُؤَثِّرَةً فِي اَلتَّغَلْغُلِ إِلَى أَعْمَاقِ وِجْدَانِ اَلْمُتَفَرِّجِ وَهِيَ تَطْرَحُ بَوْحًا جَمْعِيًّا عَبْرَ تَشَكُّلَاتٍ صُورِيَّةٍ وَأَدَاءِ جَسَدِيٍّ رَشِيقٍ وَصُوَرٍ بَصَرِيَّةٍ فَاعِلَةٍ تَبَادُلَ مَشْهَدِيَّةِ اَلِاسْتِهْلَالِ جَسَدًا خَفِيًّا خَلْفَ قِنْدِيلِ اَلْبَحْرِ جَسَدَهُ اَلْمُمَثِّلَ ( مُنْتَظَر فَرِيدٍ ) فِي حُضُورٍ غَيْرِ مَرْئِيٍّ لَكِنَّهُ وَاضِحٌ وَذَكِيٌّ فِي تَحْرِيكِ اَلْقِنْدِيلِ اَلْأَمْرِ اَلَّذِي أَعْطَى لِلِاسْتِهْلَالِ أَدَاء هَارْمُونِيًّا تَكَامُل مَعَ مَا يِسْتِرُو اَلْأَدَاءِ اَلْجَسَدِيِّ اَلظَّاهِرِ اَلْمُمَثِّلِ (نَوْفَلْ خَالِدْ) وَاَلَّذِي اِمْتَازَ أَدَاؤُهُ بِالتِّكْنِيك اَلْمُتْقَنِ فِي اَلْحَرَكَةِ وَالْإِحْسَاسِ اَلْعَالِي فِي اَلتَّجْسِيدِ فَكَانَ جَسَدُهُ اَلْعَازِفُ اَلْمُلْهَمُ . . . لَا آلَتِهِ اَلْمُوسِيقِيَّةِ .
وَلَكِنَّ, عَلَى اَلرَّغْمِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ اَلْإِتْقَانِ اَلْحَرَكِيِّ وَالصُّوَرِ اَلْجَمَالِيَّةِ إِلَّا أَنَّ تَزَاحُمَ اَلْأَدَاءِ اَلْجَسَدِيِّ وَالصُّورِيِّ بِشَكْلٍ مُفْرِطٍ نَوْعًا مَا خَلَقَ حَالَةً مِنْ اَلتُّخَمَةِ وَكَادَ أَنْ يَسْقُطَ إِيقَاعُ اَلْعَمَلِ بِالْمَلَلِ فِي نِصْفِهِ اَلْأُوَلَ لَوْلَا ذَكَاءُ اَلْمُخْرِجِ فِي تَحْدِيدِ اَلنِّهَايَاتِ بِالْوَقْتِ اَلْمُنَاسِبِ .
2- اَلْأَدَاءُ اَلْحِوَارِيُّ :
اِخْتَارَ اَلْمُخْرِجُ كَدَرَامَاتُورْجْ أَنْ تَكُونَ اَلْحِوَارَاتُ فِي اَلْعَرْضِ اَلْمَسْرَحِيِّ عَامِلاً مُسَاعِدًا فِي اَلْبَوْحِ اَلْمُكَمِّلِ لِلْجَسَدِ وَالْمُسْتَفِزِّ لِبَوْحِ اَلْآخَرِ أَيْ اَلْمُتَفَرِّجِ مُهَشَّمًا بِذَلِكَ جِدَارَاً رَابِعٍ آخَر أَلَّا وَهُوَ اِسْتِثَارَةُ اَلْمُتَلَقِّي وَإِجْبَارِهِ طَوَاعِيَةَ عَلَى اَلتَّنَاغُمِ مَعَ اَلْحِوَارَاتِ مُحَقِّقًا بِذَلِكَ تَشَارُكِيَّةٌ مَا بَيْنَ بَوْحِ صُنَّاعِ اَلْعَرْضِ وَالْبَوْحِ اَلدَّاخِلِيِّ لِلْمُتَفَرِّجِ اَلَّذِي وَجَدَ فِي اَلْحِوَارَاتِ بَوْحَهُ اَلْمَسْكُوتَ عَنْهُ، لَمْ يَكُنْ اَلْمُخْرِجُ يَنْتَظِرُ تَصْفِيقَ أَحَدٍ وَلَمْ يَسْتَجِدْ ظَاهِرَةً (اَللَّهُ) اَلْمُسْتَشْرِيَةُ بَلْ كَانَ يَسْعَى إِلَى منح الجمهور مساحة من التَأَمُّلِ بِمَا قَدَّمَ وَفِي مَدَى وُصُولِ رَسَائِلِ اَلْعَرْضِ لِلْمُتَفَرِّجِ .
أَنَّ اَلْحِوَارَاتِ جَاءَتْ هُنَا لَيْسَتْ بِوَصْفِهَا مُحَرِّكًا لِلصَّرْعِ بَلْ جَاءَتْ لِلْبَوْحِ وَالنَّقْلِ اَلْوَصْفِيِّ لِلْهَوَاجِسِ وَظَلَّ اَلصِّرَاعُ يَدُورُ بِطَرَفِ ثُنَائِيَّةٍ وَاحِدَةٍ حَاضِرَةٍ وَهُوَ اَلرَّأْسُ وَأُخْرَى غَائِبَةً حَاضِرَةً وَهُوَ اَلْمَايِمْ اَلصَّوْتِيَّ اَلَّذِي مَثَّلَ سُلْطَةَ اَلْمِخَدَّةِ عَلَيْهِ أَوْ صَوْتِ اَلْعَقْلِ اَلْبَاطِنِ اَلضِّدِّ فِيهِ، وَعَلَى اَلرَّغْمِ مِنْ اِجْتِهَادِ اَلْمُمَثِّلِ (مُصْطَفَى اَلْهِلَالِي) وَالْتِزَامِهِ بِوَصَايَا اَلْمُخْرِجِ فِي اَلْاَدَاءُ وبَذْلَهْ اَلْمَزِيدَ مِنْ اَلْجُهْدِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُسْعِفَ اَلْعَمَلُ بِالْإِحْسَاسِ اَلدَّاخِلِيِّ لِلشَّخْصِيَّةِ وَعَدَمِ اَلِاعْتِمَادِ عَلَى حُضُورِ اَلْأَدَاءِ اَللُّغَوِيِّ لِلْحِوَارَاتِ أَوْ اَلتَّعَكُّزِ عَلَى اَلْحِوَارَاتِ اَلْمُلْهَمَةِ لِكَسْبِ تَنَاغُمِ اَلْمُتَلَقِّي فَثَمَّةَ فِرَق كَبِيرٍ مَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُمَثَّلاً فِي عَرْضٍ أَوْ شَاعِرًا أَوْ خَطِيبًا فِيهِ، مَعَ اَلتَّوَقُّفِ كَثِيرًا عِنْدَ مَخَارِجِ اَلْحُرُوفِ وَالتَّقْطِيعِ اَلصَّوْتِيِّ لِإِسْعَافِ اَلنَّفْسِ كَيْ لَا تَضِيعُ اَلْكَثِيرَ مِنْ اَلْعِبَارَاتِ بِاللُّهَاثِ اَلْمُتَقَطِّعِ .
• سِينُوغْرَافْيَا اَلْعَرْضِ وُمُوثْرَاتَهْ اَلْبَصَرِيَّةَ وَالصَّوْتِيَّةِ
اَلسِّينُوغْرَافْيَا بِوَصْفِهَا مَفْسِيرْ دَلَالِي وَرَمْزِي وَكَاشِفٍ ضَوْئِيٍّ لِمَضْمُونِ وَأَهْدَافِ اَلْعَرْضِ اَلْمَسْرَحِيِّ فَإِنَّهَا هُنَا فِي هَذَا اَلْعَرْضِ كَانَتْ مُكَمِّلاً بَصَرِيًّا وَفَاعِلاً حَيَوِيًّا فِي رَسْمِ مَلَامِحَ مَشهَّدْيَاتْ اَلْعَمَلُ اَلْمَسْرَحِيُّ لِإِثَارَةِ عَوَاطِفِ اَلْمُتَلَقِّي وَمَدَارِكِهِ اَلْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْرِفِيَّةِ وَالذَّوْقِيَّةِ فَجَعَلَتْهُ فِي بَحْثٍ دَائِمٍ طِيلَةِ اَلْعَرْضِ لِتَفْسِيرِ تِلْكَ اَلْمَدْلُولَاتِ ورْمِزِيتْهَا، كَمَا وَأَدَّتْ اَلسِّينُوغْرَافْيَا وَظِيفَتَهَا اَلْأَسَاسِيَّةَ فِي تَنْسِيقِ اَلْفَضَاءِ اَلْمَسْرَحِيِّ وَالتَّحَكُّمِ فِي شَكْلِهِ بِهَدَفِ تَحْقِيقِ أَهْدَافِ اَلْعَرْضِ اَلْمَسْرَحِيِّ، اَلَّذِي يُشَكِّلُ إِطَارُهُ اَلَّذِي تَجْرِي فِيهِ اَلْأَحْدَاثُ، وَالْمُلَاحَظَ عَلَيْهَا أَنَّ كُلَّ لَوْنٍ كَانَ لَهُ دَلَالَاتِهِ وقَصَدِيتَهْ اَلنَّابِعَةَ مِنْ مَرْجِعِيَّةِ اَلْمُخْرِجِ اَلْأَكَادِيمِيَّةِ وَعَلَى اَلرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا فِي مَفَاصِلِ أُخْرَى مِنْ اَلْعَرْضِ كَانَتْ تَعْمَلُ وَفْقَ مَنْهَجِ اَلْمُكَمِّلِ لِلْعَرْضِ لَا اَلدَّالُ عَلَى مَرْمُوزَاتَهْ، فِيمَا شَكَّلَتْ اَلْمُؤَثِّرَاتُ اَلْبَصَرِيَّةُ وَالْمُوسِيقِيَّةُ اَلَّتِي تَمَّ اِخْتِيَارُهَا بِعِنَايَةٍ فَائِقَةٍ عَامِلاً مُسَاعِدًا وَمُهِمًّا فِي اَلدَّفْعِ بِالْعَمَلِ إِلَى اَلْأَمَامِ بِشَكْلِ أَنْسَيابِي دَعْمَ اَلصُّورَةِ اَلْإِيقَاعِيَّةِ لِلْعَرْضِ وَمَثَّلَتْ اَلْخِطَابَ اَلْغَيْرَ مَنْظَورَ فاِعْتَنَقتَ اَلنُّضُوجُ اَلْمَشْهَدِيُّ وَأَلْهَمَتْ اَلْفُرْجَةُ اَلْمَسْرَحِيَّةُ لِلْعَرْضِ.
• اَلْإِخْرَاجُ
قَدَّمَ لَنَا اَلْمُخْرِجُ مُنْتَظَرً سَعْدُونْ طَالَبَ اَلْمَاجِسْتِير فِي اَلْمَسْرَحِ عَرْضًا مَسْرَحِيًّا حَمْلَ لُغَةِ اَلْجَمَالِ اَلْبَصَرِيِّ وَالْأَدَاءِ اَلْمُتَبَايِنِ مَا بَيْنَ أَبْطَالِ عَمَلَهُ وَاقْتِرَاحَاتِ نَصِّيَّةً فَاعِلَةً، هَيمن اَلْأَدَاءُ اَلْجَسَدِيُّ عَلَى اَلْعَرْضِ في مُحَاوَلَةً مِنْهُ لابقاء اَلْعَمَلُ خَارِجَ سُلْطَةِ اَلرَّتَابَةِ وَالْمَلَلِ، اسْتَفَزَّ فِينَا كُلُّ شَيْءٍ وَاخْتَارَ زَاوِيَةً مُلْهِمَةً لِذَلِكَ أَلَّا وَهِيَ ( اَلْمِخَدَّةُ )، جَدَّ وَاجْتَهَدَ كَثِيرًا فِي رَسْمِ مَلَامِحِ اَلتَّشْكِيلِ اَلصُّورِيِّ وَالْعَلَامَاتِي وَالْجَسَدِيِّ عَبْرَ عَرْضٍ كَانَ كُلُّ شَيْءِ فِيهِ هُوَ بَاثْ لِمَدْلُولَاتِ وَمَرْمُوزَاتِ تَبْدَأ مِنْ اَلطُّفُولَةِ وَلَا تَنْتَهِي عِنْدَ اَلشَّبَابِ مسْتَفِزّا في العرض كُلُّ تِلْكَ اَلْمَوَاجِعِ بِشَكْلٍ رَشِيقٍ وَذَكِيٍّ اِنْتَصَرَ فِيهِ لِلُّغَةِ اَلْبَصَرِيَّةِ أَكْثَرَ وَرَمَى بِالْحِوَارَاتِ كَأَسْئِلَةِ مِجْمَرَةٍ فِي وِجْدَانِ اَلْمُتَفَرِّجِ تَبْحَثُ عَنْ أَجْوِبَةٍ، قَدَّمَ مَنْظُومَةَ عَرْضٍ مَسْرَحِيٍّ تَتَلَاءَمُ مَعَ اَلْعَرْضِ فِكْرَةً وَهَدَفًا، فَرَسَمَ كُلُّ شَيْءِ بَدْءًا مِنْ اَلنَّصِّ وَالْأَدَاءِ وَالسِّينُوغْرَافْيَا وَالْمُؤَثِّرَاتِ اَلْمُوسِيقِيَّةِ وَحَتَّى فِي اِسْتِعْمَالِهِ لِلْمَسْرَحِ اَلْأَسْوَدِ كَانَ يَسْعَى لِلْجَمَالِ اَلْبَصَرِيِّ بِرُوحِ اَلْمُثَابَرَةِ وَالتَّجَدُّدِ، مَا يَجِبُ عَلَى مُنْتَظَرٍ سَعْدُونْ فِعْلِهِ هُوَ إِعَادَةُ اَلنَّظَرِ كَثِيرَةً فِي الاداء الحواري وَاخْتِصَارَ اَلْأَدَاءِ اَلْجَسَدِيِّ أَكْثَرَ أَوْ تَوْظِيفِهِ بِشَكْلِ أَكْثَرِ فَاعِلِيَّةٍ دُونَ عَبَثٍ أَوْ إِطْنَابِ وَإِعَادَةِ اَلنَّظَرِ فِي رَسْمِ مَلَامِحِ اَلنَّصِّ اَلْحَارَاتِ لِيَكُونَ عَامِلَ مُسَاعِدٍ فِي دَفْعِ اَلصِّرَاعِ إِلَى اَلْأَمَامِ دُونَ اَللُّجُوءِ لِلْبَوْحِ لِمُجَرَّدِ اَلْبَوْحِ .
• اَلتَّلَقِّي
إِنَّ كَانَ اَلتَّلَقِّي فِي اَلْمَسْرَحِ لَا بُدَّ أَنْ يَخْضَعَ إِلَى ” اَلْقِرَاءَةِ اَلْأُفُقِيَّةِ ”، و” اَلْقِرَاءَةُ اَلْعَرَضِيَّةُ ” وَفْقَ مَفْهُومِ اَلْبَاحِثِ اَلْمَسْرَحِيِّ اَلْفَرَنْسِيِّ رِيشَارْدْ دُو مَارِسِي فِي كِتَابِهِ “ مَبَادِئَ سُوسْيُولُوجْيَا اَلْعَرْضِ”، فَإِنَّ هَذَا اَلْعَرْضِ حَقَّقَ اَلْقِرَاءَتَيْنِ بِفَاعِلِيَّةِ كَبِيرَةٍ، اَلْأُولَى حِينَمَا اَلْهَمِّ اَلْجُمْهُورِ بِالِانْتِظَارِ اَلْجِدِّيِّ وَالتَّأَمُّلِ اَلْحَقِيقِيِّ لِلْعَرْضِ حَتَّى اَلنِّهَايَةِ، دُونُ أَنْ يَتَسَرَّبَ لِلْقَاعَةِ أَيُّ حَدِيثٍ أَوْ يَتَسَرَّبُ مِنْهَا أَيَّ فَرْدٍ وَبَقِيَ اَلْمُتَفَرِّجُ يَحْتَفِظُ بِمَقْعَدِهِ اَلتَّأَمُّلِيِّ بِشَغَفِ حَتَّى اَلنِّهَايَةِ، وَالثَّانِيَةُ حِينَمَا أَحَالَ اَلْمُتَفَرِّجُ إِلَى مُتَفَرِّجٍ عُضْوِيٍّ فَاعِلٍ غَيْرِ مُنْسَاقٍ لِلْحِكَايَةِ بَلْ لَعِبَ دَوْرُ اَلنَّاقِدِ اَلْمُلَاحَظِ اَلَّذِي أَثَارَ اَلْعَرْضُ وَدَلَالَاتُهُ فِيهِ اَلْكَثِيرُ مِنْ اَلْأَسْئِلَةِ حَوْلَ مَاهِيَّةٍ، وَمَعْنَى اَلْعَرْضِ فَضْلاً عَنْ تَفْكِيكِ اَلْعَلَامَاتِ اَلْبَصَرِيَّةِ وَالسَّمْعِيَّةِ وَالرُّمُوزِ وَكُلِّ اَلْعَنَاصِرِ اَلدَّالَّةِ فِي اَلْعَرْضِ اَلْمَسْرَحِيِّ .
وَهَذَا مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ عَرْضٍ مَسْرَحِيٍّ وَبِالتَّأْكِيدِ هَذَا مَا حَقَّقَهُ عَرْضُ مَسْرَحِيَّةٍ ( مِخَدَّةٌ ) اَلَّذِي أَوْجَزَهُ صِنَاعَةً فَأَجِدُوا وَاخْتَصَرُوا فَالْهَمُّوا وَجَنَحُوا لِلتَّلْمِيحِ فَصَرَّحُوا بِعُمْقٍ .
خِتَامًا اَلْقَوْلَ اَلَّذِي لَابُد مِنْهُ أَنَّنَا كُنَّا أَمَامَ تَجْرِبَةِ مَسْرَحِيَّةٍ شَبَابِيَّةٍ مُخْتَلِفَةٍ وَمُهِمَّةٍ فِي اَلْهَمِّ وَالرُّؤْيَةِ وَالْإِيقَاعِ وَاللُّغَةِ وَالْخِطَابِ اَلشَّبَابِيِّ اَلْمُغَايِرِ اَلنَّاتِجِ عَنْ وَعْيٍ أَكَادِيمِيٍّ مَسْؤُولٍ كَانَ يعْتَمِرُ عُقُولَ صُنَّاعِ اَلْعَرْضِ، مِخَدَّةُ اَلْعَرْضِ لَمْ تَكُنْ دَعْوَةٌ لِلنَّوْمِ بَلْ كَانَتْ لِلصَّحْوِ وَالتَّنْبِيهِ، فَاحْرِصُوا عَلَى رُؤُوسِكُمْ لَانَ اَلْمِخَدَّةُ لَوْ حُلْمِ لَوْ لَغَمٍ .
• إِشَادَةُ
لَابُدٍّ أَنَّ نَشِيدَ بِجُهُودِ اَلْجُنُودِ اَلْمَجْهُولِينَ فِي اَلْعَرْضِ مُحَمَّدْ عَلِي وَمُنْتَظَرٍ فَرِيد وَحَسَنْ كَرِيمٍ فِي اَلتَّكْوِينَاتِ اَلْبَصَرِيَّةِ وَصَادَقَ حُسَيْنْ وَجَعْفَرْ بَشِيرْ فِي اَلْإِضَاءَةِ، وَمُعْتَصِمٌ عَبْدِ عَلِي فِي اَلتَّصْمِيمِ، وَمُحَمَّدْ عَبْدِ اَلْوَاحِدْ وَعَلَى سِتَارِ اَلْقَيْسِي فِي تَنْفِيذِ اَلدِّيكُورِ ، وَعَلِي سِتَارِ اَلْقَيْسِي فِي إِدَارَةِ اَلْمَسْرَحِ.