بمناسبة اليوم العالمي للمسرح، نظمت جمعية الشعلة للتربية والثقافة/فرع مشرع بلقصيري ، وجمعية قدماء ثانوية الامير رشيد احتفالا ثقافيا فنيا مسرحيا احتفاء بالباحث الدكتور”محمد محبوب” ،والمبدعة المسرحية”امال بن حدو” على ضفاف وادي سبو، يوم التاسع عشر من مارس 2023 .
محاور القراءة:
المحور 1: الاحتفاء فن من فنون الحب .
المحور 2: علاقة الذات القارئة مع الذوات المحتفى بها.
المحور 3 : قد أكون مبدعا مسرحيا ولكني لست ناقدا.
المحور 4: خارجيات الكتاب وبلاغة التجلي.
المحور 5: ” التمسرح وتجلياته …” علامة المعرفة الموسوعية العالمة .
المحور 6 : الخطاب الاستنتاجي الاستشرافي للخاتمة .
الاستهلال : قال الشيخ الامام ” احمد زروق الفاسي ” رحمة الله عليه في معرض حديثه عن أصول المعاملات:
” معاملة الأكابر … بالتعظيم والاحترام “
هذا الاستهلال أخص به علما مسرحيا من الصفوة الكبار.
المحور 1: الاحتفاء فن من فنون الحب .
- الاحتفاء طقس احتفالي بجمالية الحب .
ليس عجيبا ان يقيم العشاق الأعراس احتفاء بالحب ، وليس عجيبا أن نمنح ابتسامة صادقة طاهرة لمن نحب ، والذي نهواه قد نهديه باقة ورد تعبر عن إحساس إنساني استثنائي قذفه الله في قلوبنا …انه الحب.
لذلك فالواجب ان نشكر من وهبنا الأفئدة لنحب..الرب .
- الكتابة حياة خالدة .
كل الكتابات تدونها سجلات التاريخ .. تحتفظ بها مسجلة…واذا كتب الراحل “حسن المنيعي” المسرح فن خالد فالكتابة حياة أبدية بلغة “سعد الله ونوس” .. الكتابة حياة خالدة.
معرفتنا بالكاتب مصدرها خلوده في الذاكرة ،فمن يكتب يبقى بيننا حيا ، والحياة هنا ليست وجودا أو خلودا ماديا .. انها بقاء معنوي دائم مستمر، ومصدر ديمومته واستمراريته القراء / نحن .
نحن نتذكر “اسخيلوس” و”سوفوكليس” و”يوريبديس” و”مارون النقاش” و الطيبين “العلج” و”الصديقي” وقد رحلوا عنا، بعدما خلدوا أسماءهم عبر الكتابة..ونحن القراء وهبنا الله قدرة الإحياء عبر القراءة.
“سعد الله ونوس” مات ، لكنه بيننا الان ، نحن نتذكره ، نعرفه ، نمنحه الحياة حينما نقرأ النص الذي كتبَ،فقراءة “سهرة مع ابي خليل القباني” او “الفيل يا ملك الزمان” او “الحياة ابدا ” تجعل “سعد الله ونوس ” بيننا ..القراءة تبعث الكاتب حيا رغما عن “رولان بارت” التي قتل المؤلف عمدا .
- الكتابة خلود والقراءة تخليد.. والمقروء له / المحتفى به استثناء .
يتنفس القراء الكلمات ، لذلك شرع لهم في أدبيات الاعتراف الاحتفاء بالكاتب والمكتوب.
الاحتفاء طقس تعبيري وتجل لسمو الذوات..الاحتفاء بوح وجداني لا سلطة فيه إلا للغة الأفئدة.
الاحتفاء رسم إنساني جميل و تغن بجمالية المنجَز و المنجز ..الاحتفاء مودة تتوشح بآيات التقدير والتبجيل.
الاحتفاء وله بمن نحب.
نحن نحتفي بالدكتور “محمد محبوب” والمبدعة “امال بن حدو ” ،اذن نحن نحب ونجيد فن الحب .
أ ليس الاحتفاء فنا من فنون الحب ؟ بلى
فاء احتفال تنبعث منه ايات التعظيم والاحترام ..ايات اكون الان سعيدا بتقديمها في حلة من التقدير وعظيم الشكر والامتنان إلى من اعد هذا اللقاء.
الاحتفاء مناسبة لنعبر عن الاعتزاز والفخر ببهاء التشريف الذي يمنح الينا لنقرا / نقدم كتابا ما لرجل منتج للمعرفة العالمة الموسوعية .
ايها السادة ،المناسبة ومعها مكان الاحتفاء تتزين بمعاني السعادة حينما يتجاور في نفس اللقاء احتفاء بغنى وتنوع التجربة المسرحية في المشرع ،حيث التجاور بين المعرفة العالمة في شخص الدكتور “محمد محبوب”وبين المنجز الابداعي الجمالي في شخص الفنانة المسرحية والأخت “امال بن حدو” .
و طبعا ، فالاحتفاء ما كان ليكتسب جاذبيته لولا ارتباطه بمؤسستين جمعويتين تمنحان الممارسة الجمعوية بالمشرع تميزها وبهاءها .. المؤسسة الاولى صرح جمعوي عريق، جمعية الشعلة للتربية والثقافة فرع مشرع بلقصيري والمؤسسة الثانية جمعية قدماء تلاميذ ثانوية الامير مولاي رشيد التي اختارت بوعي شمولي ان ترسم مسارها الجمعوي بألوان التميز .. والاحتفاء ايضا يصنع تأثيره علينا الان وهنا لأنه يتحقق في أحضان جمالية طقوسية تنبعث من سحر المكان سبو.
شكرا لكم جميعا لأنكم خلقتم لنا مساحة زمنية ومكانية من السحر الممتع ..سحر المحتفى بهما في حضرة العظيم سبو .
المحور 2 :علاقة الذات القارئة مع الذوات المحتفى بها:
- أحببت أن أكون لكما شبيها
1/ المحتفى به :
الدكتور “محمد محبوب” أستاذي ، فماذا يقول التلميذ امام مدرسه؟ لا يملك الا الصمت يلتزمه.. فالتزام الصمت في حضرة الكبار علامة على قدر عظيم من المحبة والاحترام والتقدير ..ولان المقام مقام كلامي فليسمح لي استاذي ببعض كلمات علها تكشف بعضا من الثأثير العميق الذي احدثه الاستاذ في تلميذه.
علاقتي بالأستاذ “محمد محبوب” علاقة تلميذ متمرد على نفسه بأستاذ عالم حكيم ..الرجل درسني بالسلك الثانوي اللغة العربية ، فضله كبير علي .. وهذا الفضل يتخذ بعدين:
الأول معرفي تكويني يرتبط بالكفايات التي اكتسبتها بتوجيه حكيم من المحتفى به داخل الحجرة الدراسية و بالخبرات التي اكتسبتها من طبيعة شخصية الاستاذ “محبوب” الذي رسخ عندي قناعة باني من الممكن جدا ان اصلح للغة العربية مدرسا.
وأما البعد الثاني فثقافي فني مسرحي، فالرجل كان له الفضل في تزويدي بنصوص مسرحية تشكلت معها معرفتي المسرحية وتقوى تواصلي مع الكتابة الدرامية ..الدكتور “محبوب” اول من زودني بنص مسرحي احتفالي، وانا وقتئذ لا اكاد اعرف من الاحتفالية الا اسم مؤسسها الدكتور المسرحي والمبدع الاستثنائي فيلسوف المسرح المغربي “عبد الكريم برشيد” ، والنص الدرامي هو “مدينة العميان” للاحتفالي “محمد الوادي” ، وقد قمت بالاشتغال عليه اخراجيا رفقة فرقة “طلاب المسرح بالثانوية”. وهنا لا انسى الفاعلية الكبرى للأستاذ “محبوب” في التوجيه الجمالي الذي كان يجود به على فرقتنا المسرحية المدرسية وقتئذ بمعية اساتذة اجلاء امثال القدير الاستاذ “عبد العزيز الربعي” الذي كان مشرفا على الفرقة حينذاك و الجليل الاستاذ “محمد الدحروش” وغيرهم ..وبالمناسبة فالشكر موصول اليهم جميعا .
“ من علمك حرفا حق لك ان تكون له شبيها “.
2/ المحتفى بها : امال بنحدو .. أفروديت المشرع
الشعلة المسرحية التي لن تنطفئ أبدا
- عشق التميز لتشكيل صرح الاستثناء :
كل الاشياء كانت ذات زمن غابر في المشرع مألوفة عادية ..أشياء لا تثير الدهشة ولا الغرابة..من رحم المعتاد والسكون والألفة يبدو لنا ان المخالف للسائد يكون دوما مثيرا ،وكل مثير يستجلب لنفسه التميز .. تلكم أيها السادة – بلسان طارق الذي لم يعبر – كانت الإرهاصات ،حيث فتاة في المشرع تداعب الكرة وتحمل الرقم الماردوني “10”، وكأنها كانت تخبر المشرعيين أنها حينذاك وفي القادم ستكون رقما متميزا في عالم الكرة وفي العوالم الفرجوية المسرحية أيضا، بعدما شاءت الاقدار ان تحط “امال بن حدو” الرحال بالمسرح المدرسي بثانوية الامير مولاي رشيد .
- دور الرجل وبداية الشعلة المسرحية المشرعية:
السنة 2001 و الفصل شتاء ..المكان ثانوية الامير مولاي رشيد بمشرع بلقصيري.
الحدث: الاستاذ الجليل “عبد العزيز الربعي” الذي كان حينها مشرفا على فرقة “طلاب المسرح” يخبر اعضاء الفرقة بان لجنة اقليمية ستحل بالثانوية لمشاهدة عرض مسرحي تحضره الفرقة للمشاركة في مهرجان اقليمي للمسرح المدرسي ، لكن المفاجأة التي لم تكن في الحسبان ان ممثلا اعلن انسحابه ويالها من ورطة/أزمة، فموعد تقديم العرض قريب جدا ولا ممثل اخر يعوض التلميذ المنسحب.
فكان ان مر احد اعضاء الفرقة بجوار مسكن تلك الفتاة العاشقة للكرة ..المشهد امامه فتاة سمراء ترتدي بذلة رياضية لفريق الرجاء الرياضي عليها الرقم 10 وتداعب الكرة بكفاءة عالية..دون تردد وجه عضو الفرقة السؤال للفتاة : عندنا في الثانوية فرقة مسرحية تتدرب على مسرحية سماها مؤلفها
” مشاهدات صعلوك في لندن” للمشاركة في مهرجان مسرحي اقليمي وقد انسحب منها ممثل، فهل تعوضينه علما ان الدور المسند اليه دور رجل ؟؟ ، دون تردد أشهرت “امال بن حدو” الموافقة ،فكانت الانطلاقة .
تدربت الفتاة ، فمنحت الفرقة أملا كبيرا في النجاح، بل أعطتها التميز الجمالي المطلوب حينما قدمت دور الرجل باقتدار حتى خالها المشاهد رجلا بالفعل .
استمر المسار فأنجزت “امال” رفقة الفرقة المسرحية المدرسية عروضا، غالبا ما كان يكتب نصوصها ويخرجها التلاميذ، والغاية منها المشاركة في المهرجان الاقليمي للمسرح المدرسي .
ربرتوار “امال بن حدو” باعتبارها ممثلة داخل فرقة طلاب المسرح بثانوية الامير مولاي رشيد زاخر بالأعمال المسرحية :
مشاهدات صعلوك في لندن
زمان العكس
حلم الكراكيز كابوس الذئاب ” قدم العرض المسرحي في المهرجان الاقليمي الاول للمسرح المدرسي وحصدت فيه “امال بن حدو” جائزة أحسن ممثلة” .
لقد زاوجت “امال بن حدو” وهي تنير الخشبة المسرحية لمشرع بلقصيري بين المسرح المدرسي ومسرح الهواة ، فشاركت رفقة عدد من الاندية والجمعيات في عدد من الفرجات المسرحية ، ولا غرابة في الامر مادامت “امال” وقتئذ الفتاة المشرعية الوحيد التي تتخذ المسرح مجالا ابداعيا .
منجز “امال” حينها تزين بمسرحية “طارق الذي لم يعبر” لنادي “الجيل الصاعد للمسرح” ، وتجمل بإبداعها في مسرحيتي “ليلة حامد” و “المتاهة” تحت لواء “محترف باناصا للمسرح” وهي الجمعية التي ستنال “امال” فيما بعد رئاستها وإدارتها الفنية وإخراج اعمالها المسرحية الاحترافية .
- السندباد المشرعي يمطر جمالا في كل الامكنة:
“امال بن حدو” سفيرة الجمال المسرحي .
المكان الاول : المعهد العالي للفن المسرحي والتشيط الثقافي .
التحقت “امال بن حدو” بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي سنة 2003 بعدما اجتازت المراحل الثلاث لامتحان الولوج ..انطلق مشوار التكوين وصار المشرع مألوفا عند الفاعل المسرحي الوطني بسبب طالبة متميزة الحضور بالمعهد ،ولا مبالغة في القول السالف ف”امال” تخرجت الاولى على دفعتها السابعة عشر ..وما أدراك ما الدفعة السابعة عشر ‼
المكان الثاني : كلية الاداب والعلوم الانسانية بالقنيطرة .
التحقت “امال بن حدو” بجامعة “ابن طفيل بالقنيطرة” طالبة بماستر الدراسات المسرحية، وتخرجت منه سنة 2010 ، و بالموازاة مع الدراسة الاكاديمية استمرت “امال” في الاشتغال المسرحي رفقة فرق مسرحية محترفة ، مثل فرقة “نحن نلعب للفنون” التي قدمت رفقتها “لفهاماتور” و “أمر” التي مرت بها الى عالم النجومية المسرحية من خلال نيلها جائزة أحسن ممثلة بالمهرجان الوطني للمسرح بمدينة مكناس .
- إشراقات أدائية لصناعة مجد مسرحي متميز:
لقد كانت “أمر” جسر العبور نحو تأكيد التميز الادائي التمثيلي ، حيث صارت “امال بن حدو” حديث المسرحيين والمسرحيات ، ومن صار حديث الناس العارفين بخبايا وشؤون المسرح في البلاد معلوم أنه يشكل حالة استثناء.
تعددت التجارب المسرحية الاحترافية لآمال فاشتغلت مع مسرح “الاكواريوم” بالرباط في تجارب متنوعة ورائدة على مستوى الخطاب الجمالي من قبيل مسرحية “ديالي”، ومسرحية”ليام الكحلة” وغيرها مع “مسرح المدينة الصغيرة” بشفشاون،و”صولو” مع “مسرح أكون” بالدار البيضاء الحائزة على الجائزة الكبرى في مهرجان المسرح العربي في دورته العاشرة بتونس ،والجائزة الكبرى في المهرجان الوطني للمسرح بتطوان في دورته التاسعة عشر، وقد نالت “امال” جائزة أحسن ممثلة عن دورها في مسرحية “صولو” في ايام قرطاج المسرحية بتونس ايضا.
جدير بالذكر كذلك ان المنجز المسرحي ل “امال بن حدو” يتسع ليشمل تجربتين في الاداء والاخراج المسرحي مع “محترف باناصا للفنون” ، حيث عملت مخرجة للعرض المسرحي “حبة رمل” وشاركت ممثلة في العرض المسرحي “انا هي انت”، وهما عرضان حاصلان على دعم الانتاج من لدن وزارة الثقافة المغربية.
بلاغة الاداء المسرحي عند “امال بن حدو” ترسم لنفسها حضورا متميزا في المشهد المسرحي الوطني، ولعل اشتغالها مع فرقة “تفسوين للمسرح الامازيغي بالحسيمة” في مسرحيتها “شاطارا” المتوجة بالجائزة الكبرى في مهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة يجسد ذاك التميز الاستثنائي ل “امال بن حدو”،وهو التميز الابداعي الفريد الذي منح لها تأشيرة نيل شرف التكريم خلال مارس السالف من لدن وزارة الشباب و الثقافة والتواصل بمناسبة اليوم العالمي للمسرح في احتفالية بهيجة .
ختاما..لا ينال شرف التكريم إلا الاستثنائيون المتميزون و”امال ” أيقونة الاستثناء والتميز المسرحي.
المحور 3 : قد اكون مبدعا مسرحيا ولكني لست ناقدا
- اعترافات لابد منها:
هل اصلح لتقديم قراءة في كتاب ؟
لا ازعم ذلك ، خاصة ان التوصيف الذي وضع في اعلان النشاط “قراءة نقدية” شكل بالنسبة الي ورطة جميلة ومحفزة لممارسة فعل القراءة العاشقة لهذا المنجز المسرحي دون ان يكون الطموح اعداد قراءة نقدية، لأنني ببساطة لا أمتلك ادوات اشتغالها ولا جرأة الاقدام عليها .
ربما انا قارئ يمتلك بعض الادوات القرائية الابداعية والجمالية ، لكني بالمقابل اعترف بافتقاري للكفاءة النقدية التي تؤهلني لممارسة النقد ،فالنقد له جهازه المفاهيمي وأدوات اشتغاله التي لن يتملكها إلا الراسخون فيه.
ليس كل من أمسك كمانا عازفا ،و ليس كل من يصعد الخشبة رجل مسرح ، وليس كل من يحاول قراءة كتاب قراءة نقدية ناقدا بالضرورة ..وانا من هؤلاء ..وهذا دليل براءتي اعلنه امامكم وقد وسوست لي نفسي ان اجرب نقد كتاب في حضرة العارفين .
ايها السادة أعترف ان تهمتي حقيقية، لكني رغم ذلك ضحية ..لذلك سأكون الان قاضيا ، فأعلن امامكم برائتي من تهمتي، لسبب بسيط هو ان ما ادعيه قراءة نقدية لن يعدو ان يكون مجرد قراءة تقديمية، تفتقر ادوات الاشتغال النقدي، دون ان تفتقد تقديرها لسحر المادة النصية المكتوبة بقلم رجل خط مشروعه الفكري والجمالي بتأن وروية .
- أسئلة لابد منها ايضا ؟
كيف يمكن قراءة مؤلف نقدي وبأي طريقة ممكنة ؟
فالكتاب يقول كل شيء عن موضوعه.. وبلغة الكاتب اقول : الكتاب احادي المنتج ومتعدد الخطاب ..شامل جامع .
ماذا يترك لك الكتاب لتقوله؟ فهو يقول كل شيء بالتدقيق والتفصيل وبخلفية معرفية عالمة وواعية بمرجعية اشتغالها وأدواتها ومنطلقاتها وأهدافها.
الدكتور”محمد محبوب” لم يترك امام القارئ اي بياض ليملأه.. يعرض لك الاجوبة الممكنة قبل ان تكون انت القارئ قادرا على تركيب الاسئلة، ومنطق الاحاطة الدقيقة والشاملة بكل شيء يتمظهر في المقدمة التي تكفي لوحدها لكي تستقل ككتاب بمحتويات تقول كل شيء، وهي نفس حال الخاتمة.
لذلك يبدو ان مجمل القراءات الممكنة لن تنزاح عن القراءة الاستنساخية بغرض استجلاء المواضيع وتقريبها من المتلقي نيابة عن صاحب “التمسرح وتجلياته في الظواهر الاحتفالية المغربية “.
المحور 4 : خارجيات الكتاب وبلاغة التجلي :
أ/ الدكتور “محبوب” والأفق المتجدد للخطاب المسرحي الاحتفالي
يتجلى اهتمام الدكتور “محمد محبوب” بالمسرح من خلال الارتباط الوثيق به عبر المشاهدة والدراسة ، الامر الذي قاده نحو السعي الدائم نحو ” ملامسة قضايا المسرح المغربي ،والانخراط في اشكالاته وهمومه وأسئلته “.
الكاتب اذن رجل مسرح ،و تاريخه الشخصي والأكاديمي يتحول الى علامة شاهدة على ذلك، وهو الذي انجز بحث الاجازة في موضوع يتناول بالدراسة الظواهر الفرجوية المغربية ،و كتابه موضوع قراءتنا يؤكد امتلاك الدكتور مشروعا فكريا نقديا يحمل رؤية مسرحية يدافع عنها باعتبارها مجالا لانتمائه الجمالي الى المسرح الاحتفالي، فالرجل عضو جماعة المسرح الاحتفالي في المغرب وجماعة الاحتفاليين العرب، وهو احد الموقعين على بيانات الاحتفالية وآخرها بيان سيدي قاسم للاحتفالية المتجددة/2019، بل انه اصدر بيانا بعنوان”بيان الاحتفالية في افقها المتجدد”، مما يمنحننا فرصة للقول دون مجازفة او مبالغة بان للاحتفالية فارسها الجديد الذي يمتلك الشجاعة العلمية الكافية والقادرة على جعل خطابها الابداعي خطابا متجددا .
الدكتور “محمد محبوب” يشيد خطابا تأصيليا للمسرح المغربي ولكن بنفس علمي جديدومتجدد ..خطاب تأصيلي يقوم على معتقد فكري وجمالي ينظر الى الظواهر الفرجوية المغربية باعتبارها ظواهر مسرحية توازي الجماليات المسرحية الغربية، وبالتالي فطابعها المسرحي يرفع عنا الحرج الوجودي المرتبط بسؤال هل عرف العرب مسرحا قبل “مارون النقاش” الذي استجلبه لنا – حسب اتجاهات جمالية أخرى – من البندقية الايطالية خلال النصف الاول من القرن التاسع عشر؟، لذلك نجد الكاتب يطمح الى بناء نظرية شعرية خاصة بهذه الظواهر، تكون امتدادا اخر للنظرية الاحتفالية من جهة وتكون حجة للإعلاء الجمالي لهذه الفرجات التي تحرص بعض التوجهات الى تحقيرها من جهة ثانية من خلال توصيفها بالأشكال ما قبل المسرحية ،وهذا التوصيف مرفوض من لدن الكاتب لنزعته العدائية مع هذه الظواهر الفرجوية التراثية المسرحية الاحتفالية المغربية .
ب/ طبيعة الكتاب:
“التمسرح وتجلياته في الظواهر الاحتفالية المغربية” للدكتور “محمد محبوب” الصادر عن الهيئة العربية للمسرح في طبعته الاولى سنة 2021 يقع في 306 صفحة، وهو دراسة/دراسات نقدية جمالية تبحث تجليات التمسرح في عدد من الظواهر الاحتفالية المغربية، وتحديدا الحلقة .
وهنا اشير الى ان الهيئة العربية للمسرح كانت تقف امام كتاب غني معرفيا ، لكنها نسخت منه خمسمائة نسخة ، وهذا العدد يدفعنا نحو صياغة سؤال يبدو مقلقا ” هذه النسخ تكفي من ؟” .
ج/ العنوان: جاء العنوان متسما بخصائص يطبعها التنوع والتكامل.
- الطابع الاختزالي والتوليدي:
فالعنوان يلخص الكتاب ويختصره ، وهوعنوان توليدي يحمل طابعا تحفيزيا للقارئ نحو صياغة سؤالين اثنين، تشكل الاجابة عنهما تعرفا وتمكنا من ضبط أطروحات النص/الكتاب.
السؤال الاول : ما معنى التمسرح وما تاريخه وما تجلياته في المسرح ؟
السؤال الثاني: اين يتجلى حضور التمسرح في الظواهر الاحتفالية المغربية ،خاصة الحلقة ؟
- قابلية الانشطار:
العنوان قابل للانشطار الى قسمين، قسم عام “التمسرح وتجلياته”، وعنوان فرعي يروم تحديد مجال الدراسة النقدية وهو “الظواهر الاحتفالية المغربية”، و هذا العنوان الفرعي يمكن تفكيكه الى جزأين، جزء مصرح به ” الظواهر الاحتفالية المغربية” وجزء اخر مضمر و متروك للقارئ سلطة ملء بياضاته، ليصبح العنوان الفرعي على النحو التالي ” تجليات التمسرح في الظواهر الاحتفالية المغربية”.
- العنوان تطابقي:
العنوان يتطابق من حيث بنيته الاختزالية مع المحتوى الداخلي للكتاب خاصة مع الخاتمة التي جاءت من حيث بنيتها مماثلة له، فهي الاخرى تنشطر الى صنفين من الخلاصات الخاصة والعامة، التي ترتبط بخلاصات حول التمسرح وتجلياته، وخلاصات حول تجليات التمسرح في الظواهر الاحتفالية المغربية.
ان محاولة قراءة المعجم العنواني تقودنا الى القول بان التمسرح يقصد به خصوصية المسرح ،انه مجموع المقومات والثوابت والشروط التي تجعل المسرح مسرحا.. التمسرح يقوم كجواب عن سؤال ما الذي يجعل من المسرح مسرحا ؟ و يحضر كمقابل للأدبية التي تكون جوابا عن سؤال ما الذي يجعل من الادب ادبا ؟ .. هنا لابد من الاشارة الى ان وجود “الادبية” يقترن بالنص الادبي فقط، على عكس التمسرح الذي يتعدى حضوره المسرح الى خطابات اخرى جمالية وغير جمالية .
وإذا كان التمسرح مفهوما حديثا وجديدا وظفه “رولان بارت” في خمسينيات القرن العشرين حينما درس مسرح بودلير،فان استعماله النقدي بالمغرب قد ورد في تسعينيات القرن العشرين عند الباحث المسرحي المغربي “حسن يوسفي” في اطروحته المعنونة ب” التمسرح من الاستعارة الى الخطاب”.
وفي الوقت الذي يكون التجلي تمظهرا قابلا للادراك من خلال جملة من المؤشرات الدالة، فان
ال” في ” تنحو نحو التشكل كمعنى محدد لمجال الاهتمام والاشتغال النقدي لمفهوم التمسرح داخل
مجموع التراث الفرجوي المغربي من حلقة وبساط وسيدي الكتفي وسلطان الطلبة..الخ،وفق مرجعية فكرية ورؤية مسرحية احتفالية باعتبار هذه الاخيرة مذهبا جماليا مسرحيا مغربي النشأة وعربي الامتداد وإنساني الابعاد .
د/ الغلاف :
يمكن تقسيم الغلاف الامامي تقسيما هرميا ،حيث تتربع “الهيئة العربية للمسرح” على قمة الهرم لكونها المؤسسة الطابعة للكتاب و الراعية لوجوده الورقي ،لذلك نجد الجزء العلوي من الغلاف مخصصا لرمزها/شعارها مع ذكر اسمها باللغتين العربية والانجليزية ، في حين ان الحيز المكاني الاكبر والذي ينهض بقوة تأثيرية جذابة بصريا هو المنطقة الوسطى من الغلاف، التي يقتسم الحضور فيها الكاتب من خلال صورته الفوتوغرافية الى جانب العنوان ، والأكيد ان المنطقة الاهم في كل كتاب هي منطقة الوسط حيث الروح ، روح الجسد/الكتاب ، ولعل اشتمال المنطقة السفلى على اسم الكاتب الدكتور “محمد محبوب” ينبئ بان القاعدة التي تأسس عليها هذا الهرم المعرفي ” التمسرح وتجلياته…” قد قامت على مجهود فكري وجمالي عميق لكاتب اختار ان يجعل المحتوى الغني لكتابه سفيرا يعرف القارئ العربي موسوعية الرجل ، الرجل الذي تعرفنا محياه المحبوب سلفا و كدنا ألا نتعرف اسمه الذي ذكر في المنطقة السفلى”قاعدة الهرم” من باب التواضع..تواضع السنابل طبعا .
وأما الغلاف الخلفي فيحضر كعلامة نصية تتحدد من خلالها دلالة المفهوم الرئيس في الكتاب “التمسرح” ،اذ اشتمل على نص قصير مقتطف من “ص 23” يعرف الكاتب فيه التمسرح باعتباره الاداة المفاهيمية الاجرائية التي من خلالها ينظر الكاتب الى الظواهر الفرجوية التراثية المغربية.
و/ بنية الكتاب و الخلفية المنهجية :
بالنظر الى البنية الهندسية للكتاب فهو مكون من مقدمة وخمسة فصول وخاتمة وقائمة المصادر والمراجع /البيبلوغرافيا وسيرة ذاتية للمؤلف وقائمة المحتويات، والملاحظ ان هذه العناصر المشكلة لبنية الكتاب تشتغل وفق نسق موضوعاتي تكاملي، يعكس الاطروحة التي يدافع عنها الكاتب بأبعادها الجمالية والإنسانية ، لذلك نجد الكاتب/الدكتور “محمد محبوب” يستند على جهاز مفاهيمي يستمد ادوات اشتغاله من النظرية الاحتفالية، لكون الرجل احتفالي الذوق المسرحي ،ولربما ان هذا الانتماء ه كان محفزا له نحو الاهتمام بالظواهر الفرجوية التراثية، لانها تشكل – وفق المنظور الاحتفالي – فرجات مسرحية احتفالية اساسا .
ولان الباحث يتوخى من تأليف الكتاب تجديد الخطاب المسرحي الدارس لهذه الظواهر وفق رؤية جديدة ومتجددة فانه يستند على النظرية السميولوجية، لقدرتها الاجرائية المتميزة في فك الشفرات والأنساق المسرحية داخل هذه الفرجات ، خاصة فرجة الحلقة التي اختارها الكاتب مجالا فرجويا لتأسيس شعريته حول التمسرح ، ربما لتلاشي الفرجات التراثية الاخرى، او ربما لان الحلقة ظلت قادرة على ضمان البقاء، وان كانت المتغيرات الحضارية تنبئ بموتها او على الاقل افراغها من محتواها الجمالي .
ثم ان هذه الخلفية المنهجية ترتكز من جهة اخرى على المزج التكاملي والمنسجم بين الخطاب النظري والخطاب التطبيقي، فالكاتب مثلا لا يدرس العلامة المسرحية في الحلقة الا بالاستناد على تجليات حضورها في المسرح وفي النظرية السيميولوجية ، وهو ايضا لا يحدد تجليات التمسرح في الحلقة الا بعدما يحدد مفهوم التمسرح عموما والتمسرح المسرحي خاصة ويعرض مقوماته وشروطه .
ان الدكتور “محبوب” يكتب وفق وعي منهجي يشكل دعامة لخطابه النقدي و يكتب بناء على تمكن شمولي من خلفياته وأدوات اشتغاله المسرحي.
المحور 5 : “التمسرح وتجلياته…” المعرفة الموسوعية العالمة
- خطاب المقدمة ووضوح الاطروحة.
يفتتح الكاتب مقدمة الكتاب بجرد اسباب وعوامل /محفزات اختيار البحث ، والمتجسدة اساسا في الارتباط بالفن المسرحي مشاهدة ودراسة، وهذا الارتباط اتخذ طابعا استكشافيا مقترنا بوعي جمالي بخصوصية التجربة المسرحية المغربية من خلال الاشكال المسرحية التراثية ،و ترجع بدايته الى سنة 1984 حيث انجز الطالب “محبوب” حينذاك بحثا لنيل شهادة الاجازة ضمنه دراسة للظواهر الاحتفالية المغربية “الحلقة/ البساط/ سلطان الطلبة /سيدي الكتفي/ عبيدات الرما/ بوجلود…الخ “.
وأما الاطروحة “الهدف الأعلى” التي يدافع عنها الكاتب، فهي القناعة بامتلاكنا لأشكال فرجوية مسرحية ذات فرادة جمالية تميزها عن المسرح الغربي ،وفي سياق جوابه عن السؤال /الاشكال الذي شغل بعض اقطاب الفكر المسرحي المغربي ” هل هذه الظواهر مسرح ام انها اشكال ما قبل مسرحية؟”، يجيب الكاتب انها اشكال مسرحية مغربية مادام لها تمسرحها الخاص الذي يميزها عن المسرح الغربي، وانها ايضا اشكال مسرحية احتفالية مادامت هذه الاشكال تراثية ، وطبعا فالتراث مقوم اساس من مقومات النظرية المسرحية الاحتفالية ، لذلك يرفض الكاتب الدعوات التي قامت على اعتبار هذه الظواهر شكلا فرجويا لا يرقى الى المسرح ،لأنها تمثل امتدادا للطروحات التقليدية التي أفضت الى وضعها ضمن ما يعرف ب”ماقبل المسرح”، وذلك في غياب مساءلة علمية ،ودون الاحتكام الى قواعد التمسرح وضوابطه.
بناء على ما سلف نجد “محبوب” يعيد النظر – من خلال معالجة ثورية كما سماها – في مفهوم التمسرح والياته، عبر دراسة الاشكال التعبيرية المسرحية التي تنزاح عن مقاييس المسرح الغربي الكلاسيكي، بناء على مبدأ الثراء الفني المسرحي القائم على قاعدة التعدد و التنوع الثقافي والجمالي لكل مجتمع إنساني ،وقد صاغ لهذه المعالجة الثورية مبررا تجسد في كون الغرب بدوره قد اعاد النظر في المسرح من خلال البحث عن افاق جمالية مغايرة له .
وفي معرض دفاعه عن اطروحته المرتبطة بإشكالية التمسرح يتساءل الكاتب عن امكانية الحديث عن المسرح والفرجة المسرحية خارج دائرة المرجعية والتاريخ المسرحي الغربي ؟ كما يتساءل عن مدى استجابة الظواهر الاحتفالية المغربية – خاصة الحلقة – لشروط التمسرح وخاصياته ؟ .
ان السؤالين السالفين سيشكلان المنطلق الذي سيدرس الكاتب من خلاله الاشكال المسرحية المغربية، بهدف اعادة الاعتبار لها، في افق وصلها علميا بالمسرح ، استنادا الى تصورات منهجية جديدة ونظرية ترمي الى التقاط ثوابت الممارسة المسرحية فيها واليات اشتغالها وخصوصية انساقها الجمالية والفنية ،بناء على المنظور السيميولوجي، وبناء على تصميم هندسي محكم قسم الكتاب الى خمسة فصول .
- الفصل الاول: التمسرح –محاولة تحديد للمفهوم
يقر الكاتب بصعوبة تحديد مفهوم دقيق للتمسرح لسببين اثنين:
- الخصوصية المسرحية لم تعد حكرا على المسرح
- تعدد وتنوع الاتجاهات والمدارس الجمالية المسرحية .
لكن رغم اقراره بهذه الصعوبة إلا انه يعرف التمسرح باعتباره مفهوما نقديا جاء للبحث عن الفرادة والخصوصية والثوابت التي تصنع تميز الفعل المسرحي ، وقد تبلور جاء في سياق نزوع الدرس النقدي الجديد نحو البحث عن اليات اشتغال العمل الادبي والبحث القوانين المتحكمة في انتاج هذا الخطاب بعيدا عن التحليلات الخارجية عن العمل ، وفي ذلك يقول “محبوب /ص 20” : “التمسرح يعني بالأساس تحديد ما يميز المسرح عن باقي الاجناس الادبية والفنية،وما يميزه ، من جهة ثانية،عن باقي فنون الفرجة…انه بحث في الثوابت العامة التي يقوم ويتأسس عليها الفعل المسرحي…للقبض على جوهر المسرح وخصوصيته “.
ان التمسرح يقع في مقابل الادبية ، لكن الادبية لا تحضر إلا في الانتاج الادبي على عكس التمسرح الذي يتجاوز المسرح الى الحضور في مختلف الانشطة الانسانية ، وهنا نجده يخلص الى ان التمسرح في الحياة اليومية يرتكز على مكونين:
- مكون الفضاء/ مجال التحقق الفرجوي ،فالفضاء العادي/اليومي يتحول من خلال عملية السميأة الى فضاء مسرحي.
- مكون الانسان منتج التمسرح ، فالتمسرح يحضر في كل الفضاءات الانسانية .
ان التمسرح ملازم للحياة اليومية ومرتبط بالاحتفال، لذلك سماه الكاتب التمسرح الاجتماعي، وقد صنفه الى نوعين/ ص 25 :
أ/ تمسرح عفوي غير قصدي مثل: التمسرح السياسي و التمسرح الادبي والفني.
ب/ تمسرح جمالي قصدي وهو ما سماه الكاتب بالتمسرح المسرحي.
وبعد تفصيل القول حول تاريخ استعمال المفهوم/التمسرح عند ” افرنوف” الذي ربط التمسرح المسرحي بالممثل ،و “رولان بارت” الذي قال بان التمسرح يتأسس على تعدد العلامات المسرحية في العرض، و “بافيس باتريس” الذي رفض مقولة ارتباط التمسرح بالنص، ينتقل الكاتب الى جرد ثوابت الفعل المسرحي وقواعد التمسرح ومعاييره الاساسية وقد حددها في ثلاثة عناصر اساسية:
1/ الممثل بوصفه حاملا للعلامات المسرحية ، ففعل التمسرح يقترن انتاجه بالممثل باعتباره عماد واساس التمسرح .
2/ اللعب لانه الخاصية الاساسية للتمسرح المسرحي .
3/ الفضاء : ذلك ان التمسرح هو تشغيل للفضاء الذي يخضع لفعل السميأة فيصبح فضاء تخييليا تمسرحيا.
وفي سياق توضيح علاقة التمسرح بالواقع ، يؤكد الباحث ان الرؤية حول طبيعة العلاقة بين التمسرح والواقع تتباين ، تبعا لاختلاف الاتجاهات والمذاهب الفنية، وبناء على ذلك فالعلاقة بين المسرح و الواقع تقتضي الوقوف عند اتجاهين: /ص 36
- الاتجاه الكلاسيكي القائم على النظرية الدرامية الارسطية/ المحاكاة.
- الاتجاه الحداثي القائم على رفض النموذج الارسطي، كما هو الحال مع بريشت و مايرخولد وارتو و رواد المسرح العبثي.
غير ان هذه العلاقة بين التمسرح والواقع تجعل فعل التمسرح يروم دوما خرق المواضعات والمعايير الاجتماعية في اطار ما يقتضيه فعل التمسرح، لان المسرح له قدرة على الانزياح والخرق للقواعد الاجتماعية ،وهذا ما يتجلى في الحلقة باعتبارها مظهرا فنيا مغربيا اصيلا يتميز بالشكل الهندسي الدائري الذي يتحلق حوله المتفرجون في الاسواق والساحات العامة وبعض الفضاءات الاخرى.
ومن هنا ينطلق الكاتب في تحديد جماليات الحلقة، اذ يراها تتأسس على خمسة عناصر جمالية: /” ص 46 ”
- الراوي/الرواة والمساعد / الراوي العادي
- الراوي المغني
- الحكايات الممزوجة بالدعابة والنكتة
- التوسل بالتشخيص والتمثيل
- توظيف التعبيرات الجسدية والرقص والأزياء والاكسوسورات… .
ثم يتحول الى التمييز بين انماط متعددة للحلقة:/ ” ص 47″
- الحلقة الحكائية
- الحلقة التشخيصية /اداء الادوار
- الحلقات التي تمزج التشخيص بالتطريب
و حلقات اخرى مثل حلقة مروضي الحيوانات …
وعبر هذا التمييز يستنتج الكاتب الى ان الحلقة فرجة تتسم بالتنوع والتعدد، لذلك يعتبرها مجالا للابداع الفني الشعبي، تخضع اغلب عروضها وفرجاتها لمقومات وشروط التمسرح ،ورغم ملاحظته بأنها تفتقر الى العناصر السينوغرافية ” الفقر السينوغرافي”، لكنها تبقى ممارسة تمسرحية تمتلك خصوصياتها وتستقل باصولها الخاصة ، وفي هذا الباب يؤكد الباحث ان اصل الحلقة شفوي ، بحيث نشأت في البداية عبر الارتباط بالمساجد، ثم بلغت مرحلة النضج ابان العصر المرابطي مع الفنون الاستعراضية ،لتتشكل بعدها
كممارسة تمسرحية خاضعة لثوابت وقواعد التمسرح الثلاث:
الممثل وعلاماته اللعب والجسد الفضاء وعلاماته
وتيسيرا لعملية الانتقال الى الفصول الاخرى يختم الباحث هذا الفصل بسؤال/مدخل لعبور نحوها : ماهي مظاهر وتجليات التمسرح وحدوده في الظواهر الاحتفالية المغربية وتحديدا في فرجة الحلقة ؟
- الفصل الثاني : الممثل في الحلقة كحامل للتمسرح
الممثل هو العنصر الاساس في الفعل التمسرحى، لأنه منتجه وحامله في ذات الوقت، لذلك فالباحث يرى ان الممثل مثلما يحمل اعباء المسرح فهو ايضا يحمل أعباء الحلقة ،فهو يشتغل كعلامة داخل منظومة الفرجة وجسده يشكل مركز الاحتفال في فضاء الحلقة ،ولان الامر على هذا النحو فالتمثيل في الحلقة يتطلب موهبة خاصة وقدرات كبيرة ومؤهلات ذاتية وحرفية عالية،والحرفية كما يقول/ص 55
” محبوب” لا يدركها الا الراسخون في الحلقة .
وفق هذا التصور فالممثل الحلايقي يحتاج الى أربع كفايات يرمز اليها اليها الحلايقية بأربعة حروف، و يعرضها الكاتب كما جاءت على لسان الحلايقي “محمد باريز” حينما استضافه الاديب والاعلامي “ياسين عدنان” في برنامجه الانيق “مشارف” :
1/ الجيم ..الجبهة/الجرأة
2/ التاء ..التبات اي ألا يسقط الحلايقي في الاستفزاز
3/ الميم: المركة ..انعدام الخجل
4/ القاف ..القباحة الوقاحة ..لا ممنوع في الحلقة.
ان تعدد وتنوع مميزات الممثل/ الحلايقي هي نتيجة لطبيعة وظائفه المتسمة فتتسم بالثراء والخصوبة، وهي كما حددها الباحث :
وظيفة العرض او التمرئي/النظر الى المرآة، فالحلايقي يريد تحقيق الذات وتحقيق الاعجاب والتقدير.
وظيفة التجسيد والتحول: فالحلايقي يمتلك القدرة على التحول ،مما يمكنه من اداء ادوار متعددة من خلال جدلية الاتصال والانفصال .
وظيفة استغوار الذات وإطلاق المكبوتات، والتي تتحقق من خلال اكتشاف الذات عبر التوحد مع العوالم الداخلية للشخصيات .
ان “محمد محبوب” ان الممثل لا يمكن ان ينتج التمسرح او يحقق الفرجة بدون هذ التعدد الوظائفي وبدون العلامات البصرية والعلامات السمعية ،لذلك نجده يؤكد ان الممثل يشتغل في الحلاقة كعلامة وهذه العلامات تنقسم الى:
- العلامات السمعية:
1/الكلام : الكلام هو جوهر الممارسة الفرجوية في الحلقة فهي كما يقول الكاتب تكاد تكون ممارسة كلامية/ “ص 104 “، الامر الذي يتطلب من الحلايقي التوفر على رصيد لغوي ومهارات كلامية ،فهو كما سماه “محبوب” مكتبة متنقلة ورصيد تراثي وخزانة حية مليئة بالعلوم والفنون”.
وفي اطار دراسته للكلام باعتباره علامة سمعية ،يقسم الباحث الكلام الى انماط وتجليات متعددة :
- الكلام الحكي المرتبط بالممثل الحاكي: / “ص 61 ” وهذا ما تسميه “ان اوبرسفيلد” بمسرح الحكاية، فهو نوع من المسرح ينهض على اساس الكلمة واستقطاب الجمهور المتعطش للذة الحكي.
- الكلام الحكمة المرتبط بالممثل الحكيم: /”ص 62 ” فرجل الحلقة ليس ممثلا او قاصا شعبيا فحسب ،بل انه رجل حكيم يصدر كلامه عن ذاكرة ترشح بالأمثال والحكم والمواعظ، لذلك يحرص على ربط هذا الكلام بمرجعية المقدس /الخطاب الوعظي .
- الكلام المتعة المرتبط بالممثل المغني: الموسيقى الشعبية.
لقد شهدت مرحلة الستينيات انغطافة نحو استخدام الغناء والموسيقى في الحلقات الشعبية /التطريب “نوع جديد من الحلقة يميل الى الجمع بين بلاغة السرد وجمالية التمثيل والتطريب..الحلقة الغنائية اساسها العيطة” ، ولأنها مثلث اساس التطريب في الحلقة فقد خصص الكاتب صفحات متعددة لتعريف العيطة وذكر وظائفها وأنماطها “ص 79” وهي التي وسمت الحلقة بحضور جمالي قوي الاثر الى جانب الطقطوقة الجبلية في الحلقة بالشمال المغربي و الاغنية الكناوية ،وكل هذا يؤكد تنوع وخصوبة الاشكال الغنائية والأنماط التطريبية في الحلقة .
وفي نفس السياق المرتبط بدراسة الكلام الغنائي في الحلقة ،ينتقل الكاتب الى ابراز خمس سمات وخصائص تميز الكلمة ضمن السياق التطريبي :
هيمنة المعجم الوجداني
يعبر عن المجتمع الزراعي والرعوي
استحضار اسماء الاولياء والمتصوفة واعداد كراماتهم
رصد اجواء اللهو والمجون
تزاوج المقدس بالمدنس
الكلام الساخر المرتبط بالممثل الكوميدي:الحلقة فضاء لإنتاج الفكاهة حيث يشحذ الممثل الحلايقي لغته الكوميدية بالفكاهة والتهكم والسخرية من اجل صناعة الكوميك
واما مقومات الكومديا في الحلقة ووظائفها حسب الباحث فينظر اليها كما يلي:
المقومات: الكوميديا نتاج شعبي يرسم الواقع بطريقة هزلية ساخرة ،وتخضع الكوميديا في الحلقة لشروط وضوابط المسرح :
أ/الشخصية التي هي عادة شخصيات نمطية تقوم على ثنائيات تتناقض من السمات والابعاد
ب/اللغة الكوميدية في الحلقة : المقصود عند الكاتب باللغة هو المعجم المستعمل في الاضحاك، فالحلقة توظف القاموس اللغوي الدارج الذي يروم توليد بلاغة فكاهية وضحكا هادفا يرتبط بالمجتمع.
وظائف الكوميديا في الحلقة:
1/ التسلية والترفيه/الطابع التنفسي العلاجي/النزوع التطهيري
2/ الخرق والانتهاك عبر المزج بين المقدس والمدنس.. المادي والروحي.. الديني والاجتماعي.. الجدي والهزلي ..المزج بين المفارقات مع تجاوز القيود المختلفة ،ويتضح ذلك من خلال الحضور الطاغي للموضوعات الجنسية/النزوع التدميري، فليس هناك طابو او ممنوع في الحلقة .
3/ النقد الاجتماعي /الوظيفة النقدية
- الكلام اللهجة المؤشر الى انتماء الممثل/الشخصية
بعد تحديد السمات الصوتية للكلام في الحلقة، يحاول الكاتب تحديد مفهوم اللهجة وبيان كيفية تشكلها وارتباطها بالمحيط وتأثيرها الجمالي على الحلقة، باعتبارها علامة دالة وأداة لإنتاج الفرجة، لان اللهجة كما يقول الكاتب/ “ص110 ” القاعدة التعبيرية للحلقة .
و بعد تصنيف اللهجات الى قسمين رئيسين هما : اللهجات الحضرية و اللهجات البدوية
ينتقل الكاتب ليؤكد فكرة اساسية تقول بان استعمال اللهجات في الحلقة جاء مطبوعا بخصوصيات الاداء اللغوي لكل منطقة من مناطق المغرب، مما جعل الكلام في هذه الفرجة موسوما بطابع الانتماء الجغرافي وكاشفا عن الابعاد الاجتماعية والثقافية للشخصيات داخل الفرجة.
- العلامات البصرية :
- الحركة:
الحركة حسب الكاتب شكل من اشكال التعبير الجسدي له اهميته في التمثيل، ويخضع تنظيمها في الحلقة لقواعد معينة تختلف عن قواعد واليات اشتعال الحركة في العرض المسرحي ،فالحركة في الحلقة تتسم بالعفوية والتدفق والابداعية لغياب الاعداد الحركي القبلي المرتبط بالممارسة الاخراجية ، اي انها تتجرد من القواعد والقوانين المسرحية.
وأما صيغ حضور الحركة في الحلقة فمتعددة والقاسم المشترك بينها هو طابعها ديناميكي، الامر الذي فسح المجال امام الناقد للوقوف عند دلالة الحركة وأبعادها في الحلقة ،فالحركة في الحلقة لا تخلو من القصدية والدلالة ،وهذه القصدية والدلالة تتحدد وفق صيغتين:
1/ حيث الحركة تحمل طابعا ايقونيا تتخذ فيه الحركة شكل علامة تحيل الى مرجع واقعي .
2/ الحركة التغريبية اي ان الحركة تصبح وسيلة لتأدية وظيفة النقد الاجتماعي .
- الممثل الحلايقي وحركة الوجه: حركة الوجه اسلوب تعبيري اساسي في الحلقة، وهي حركات واضحة لقرب الممثل من الجمهور، وهذا القرب هو الذي يتيح لها اداء وظائفها المختلفة على الوجه الاكمل.
- الممثل الحلايقي والإيماء :
يعرف الكاتب الايماء ويحدد دلالته في المسرح باعتباره حركة جسدية متحكم فيها من طرف الممثل، ثم يقترح نمذجة للسنن الايمائي المرتبط بالحلقة من خلال القراءة السيميولوجية، و يعتبر السنن الايمائي في الحلقة لا يخرج عن نوعين:
-ايماء طبيعي لا يرتبط توظيفه باي ممارسة جمالية.
-ايماء جمالي يتأسس على قاعدة المحاكاة ،ويتم بواسطته تشخيص شخصية متخيلة من خلال توظيف مجموعة من اليات البناء الايمائي ومنها الاسلبة والتضخيم والمبالغة والاستبدال ..الخ
وعبر هذا التحديد يخلص الباحث الى ان الايماء في الحلقة يندرج في اطار الايماء الجمالي، الذي يروم اداء وظائف متعددة في الحلقة . وهنا يقترح الكاتب تقسيم “باتريس بافيس” لوظائف الايماء وهي نفس الوظائف التي استلهمها “بافيس” من تقسيم “بيرس” للعلامة “الايقون/المؤشر/الرمز”، فتكون- تبعا لذلك – للإيماء ثلاث وظائف :
1/ الوظيفة الايقونية /البعد المحكاتي الايقوني ،حيث الايماءة تستهدف انتاج الايهام المرجعي وتكريس طابع التماهي بين المتفرج والشخصيات داخل الفرجة.
2 / الوظيفة الاشارية / الايماء التعييني بواسطة الاشارة .
3/ الوظيفة الرمزية فكل حركة ايمائية لها دلالة معينة .
- الفصل الثالث: اللعب كبعد تمسرحي في فرجة الحلقة
يفتتح الكاتب هذا الفصل بتحديد دلالة مفهوم اللعب وحصر خصائصه، مستندا في ذلك على التعريف الذي وضعه اللساني و السيميائي الفرنسي ” ايميل بنفنيست” الذي يرى اللعب نشاطا مقعدا تكمن غايته في ذاته ، نشاطا خاليا من المصلحة المادية، هدفه جعل المشارك ينخرط في نشوة اللعب ،ولما كان اللعب يتميز بالتلقائية والحرية فانه يقوم على تعليق القانون الذي يحكم الواقع لإقامة قانون مؤقت،هو قانون اللعبة ” .
واما خصائص الفعل اللعبي فقد حددها الناقد الادبي الفرنسي ” روجيه كايوا” في خمسة خصائص:
1/اللعب نشاط حر
2/نشاط منفصل اي يجري في حدود مكانية وزمنية محددة
3/نشاط غير منتج /الانتاجية المادية
4/نشاط مقعد
5/نشاط غير مؤكد / غير محدد النتائج بصفة مسبقة.
وعلى ضوء ذلك يستنتج الكاتب ان الممارسة اللعبية في الحلقة نشاط مادي /ممارسة جسدية تنحو منحى النشاط الفني الاحتفالي في خضوعها للجماليات المسرحية حيث التمثيل فيها لعبة جماعية يشارك فيها الحلايقي الى جانب الجمهور، ثم يحصر وظائف اللعب في ثلاث وظائف:
1/اللعب اداة لتنمية شخصية الفرد وتوسيع مداركه
2/ اللعب اداة للاندماج في المؤسسة الاجتماعية
3/ اللعب اداة لبناء شخصية الفرد
وبناء على تنوع هذه الوظائف وتعددها، يؤكد الباحث ان اللعب في الحلقة لا يخضع في شموليته للتسنين المسرحي، بحيث ان الحلقة تتضمن انواعا وأنماطا من اللعب لا تندرج في نطاق التمسرح، الحلقة وفق المعطى السالف تكون فضاء لتعدد اللعب وتنوعه :
1/ العاب التنافس في الحلقة قائمة على المواجهة و مبدأ المساواة ،واغلبها ينتمي الى مجال الرياضة، مما يجعل الحلقة مجالا لإنتاج الحكي و فضاء متعدد الانشطة اللعبية ، ولان هذه الالعاب التنافسية مهددة بالانقراض والتلاشي فان الحلايقية ينزعون الى توظيفها توظيفا فرجويا ” الملاكمة مثلا”، مما يجعل النشاط التنافسي يتحول الى ممارسة تمسرحية، فيصبح اللعب التنافسي خاضعا لمقومات وشروط التمسرح.
2/ العاب الحظ تتعلق بانتصار مسنود بالصدفة والقدر والاعتباطية” العاب القمار والميسر” ، والباحث يعتبر هذه الالعاب قد اساءت الى الحلقة لان شروط التمسرح تنتفي عنها.
3/ العاب المحاكاة والتمثيل/ اللعب التمسرحي، فالحلقة توظف العابا مختلفة تنتمي الى مجال المسرح وتحمل خصائصه وتخصع لجمالياته .
ومن هنا يخلص الى ان جوهر اللعب في فضاء الحلقة هو اللعب ذو الطبيعة التمثيلية/ ص156
ولان اللعب في الحلقة يقترن بالجسد، فقد قارب الكاتب مفهوم الجسد ، فنظر اليه ككيان مادي ومفهوم ثقافي له طابع وظيفي ، تتسم انتاجية بالخصوبة والتنوع، لأنها تلامس حقولا استعمالية متعددة ، وبالاستناد الى تحديدات “بارت” يحصر الكاتب اجرائيا ايضا اهم انواع الجسد:
1/ الجسد الانتربولوجي الذي يتحول عبر التاريخ.
2/ الجسد الاثنولوجي الذي يعرف تنوعا في طبيعته حسب المجتمعات.
3/ الجسد الديني الذي له صلة بالمقدس.
4/ الجسد الجمالي المرتبط بالفنون .
وبناء على هذه الاجراءات فالجسد – حسب الباحث – واقعة اجتماعية دالة ،مما يجعل له حضورا ثقافيا ورمزيا ، الامر الذي يتطلب تفكيك هذا الحضور من حيث اليات اشتغاله في فرجة الحلقة،فالجسد فيها يتراوح بين المحاكاة والعرض ،ورغم افتقار الجسد في الحلقة للمرجعية الجمالية فهو يمتلك خصوصيتة باعتباره جسدا احتفاليا/” ص 178 ” ينفلت من اسلوب اللعب الغربي، انه جسد مبدع متحرر من كل سلطة مسرحية، لأجل ذلك يقارب الكاتب العلاقة بين الجسد والتمسرح من خلال نموذج تمثيلي يتجسد في حلقة الممثل /الراوي محمد باريز ، فبعد التعريف بمحمد باريز وتحديد طبيعة ارتباطه بالحلقة التي تدخل في اطار المقدس ” باريز رأى في طفولته انه يمتلك خاتم الحكمة، فلما اداره في اصبعه اتاه عفريت فساله عن اسمه فاجاب انه من اولاد سيدي احمد بن ناصر فقال محمد باريز انه جائع فحمله العفريت بخفة وانزله في جامع الفنا وأعطاه خبزة” ،يعرج على فضاء حلقته التي شكلها الهندسي عبارة عن دائرة مخرومة ،بسيطة المكونات السينوغرافية “زربية صغيرة وكشكول وكتاب الف ليلة وليلة او احد كتب السيرة ولباس عبارة عن جلابية بيضاء وعمامة وبلغة صفراء وسيف من نحاس او عصا “.
تفتتح حلقة “باريز” برش الماء والصلاة والسلام على رسول الله، وأما التموضع والحركة فلا يخضعان للصدفة او الاعتباطية غير ان ما يميزها هو الاقتصاد.
وبحديثه عن الجسد واللعب في حلقة الراوي “محمد باريز” يخلص الى ان التمسرح عنده يتحقق من خلال المزج بين الجسدي/العضوي والمتخيل ،انه جسد يحتفي بالكلمة لكنه لا يلغي ابداعية الحركة ويخضع الاداء لمنطق الاحتفال القائم على الابداع والإشراك.
- الفصل الرابع: الفضاء كبعد تمسرحي في فرجة الحلقة
يحدد الكاتب في بداية هذا الفصل مفهوم الفضاء ودلالته في المسرح، اذ يعتبر ” محبوب” التمسرح في جوهره سيرورة لتشغيل الفضاء،و الفضاء المسرحي مفهوم واسع ومنفتح على انواع من الفضاءات الموسومة بالتعدد والتداخل “الفضاء الدرامي- الفضاء الركحي- الفضاء السينوغرافي-الفضاء اللعبي – الفضاء النصي – الفضاء الداخلي”.
ولان كل الفضاءات تحتمل التمسرح ،فالحلقة تتميز بكونها تندرج في سياق الفضاء المرتجل الذي يقوم على وجود الحلايقي الممثل، والفضاء فيها يعكس صورة القيم الاجتماعية ويحيل على المنظومة الثقافية المغربية، واهم سماته نبذ الشكل الفضائي الذي يفصل الخشبة عن الصالة، وهو كذلك فضاء تغيب فيه الكواليس ويحضر فيه الفعل وتطغى المشاركة .
وإذا كان الفضاء/الشكل الدائري للحلقة يستجيب للرؤية الثقافية المؤطرة بالسلطة الدينية وهيمنة المقدس /كل شيء عندنا دائري ، فانه ايضا ينتظم وفق اشكال وصيغ مختلفة، فمنها ما يروم توظيف بلاغة الحكي وجمالية التمثيل والاستعانة بعناصر التطريب، ومنها ما ينزع الى انشطة لعبية دون ان يلغي عن الحلقة ابعادها الاجتماعية والفنية ، فهي من جهة تعبر عن المجتمع، اذ تقوم على المساواة والتعاون والاتحاد ونبذ التراتيبة الاجتماعية ، وتكرس مبدأ ديمقراطية العرض من خلال تهييء امكانية مشاركة المتفرج في انجاز الفعل المسرحي، وهي من جهة ثانية تروم الانزياح عن مبدأ الايهام.
ان فضاء فرجة الحلقة يكاد يستقل بخصوصيات فنية وجمالية ،وفي هذا السياق اقترح الكاتب نمذجة للفضاء في الحلقة ترتكز على الانماط الفضائية التالية:
- الفضاء الركحي او فضاء الساحة: الفضاء الواقعي والملموس الذي يشاهده المتفرج
- الفضاء اللعبي يصنعه الممثل ويتاسس من خلال حضوره .
- الفضاء الداخلي : يتحقق عبر الاندماج الاحتفالي للمتفرج مع الفضاء الداخلي للحلقة.
وفي سياق مقارنته بين الفضاء المسرحي الغربي وفضاء الحلقة يخلص الكاتب الى النتائج التالية:
- فضاء الحلقة فضاء تمسرحي يمتلك خصوصياته الفنية التي تميزه عن الافضية المسرحية الغربية .
- فضاء الحلقة فضاء منفتح على عكس الفضاء المسرحي الذي يتسم بالانغلاق
- فضاء الحلقة فضاء للممارسة المسرحية ومكان للجمهور ايضا .
- فضاء ينهض على ثنائية الامتلاء والفراغ .
- فضاء الحلقة مرتبط بالمقدس
- فضاء الحلقة يشتغل كعلامة بصرية وسمعية :
- العلامات البصرية:
فضاء الحلقة يتأسس بالوجود الفعلي للممثل ، فالفضاء الفرجوي يشمل مجموعة من الادوات المسرحية التي تتميز بالقدرة على التحول، و الادوات المسرحية في الحلقة عبارة عن اكسوسوارات تستعمل في انتاج الفرجة، وتتسم هذه الادوات بالتنوع والاختلاف،انها ادوات بسيطة ونمطية لها دور ايحائي ” الكاتب هنا يدرس الوظيفة الايحائية للطربوش”
- العلامات السمعية: الموسيقى والأصوات الاصطناعية.
الموسيقى في الحلقة تأتي في الغالب للتطريب، لكن ذلك لا يمنعها من ان تشكل سندا ودعامة للفعل التمثيلي ،وتكون مكونا سمعيا يحيل على المناخ الاجتماعي والثقافي الشعبي “العيطة”
بما يسعفه في تحقيق المتعة الجمالية،خاصة وان هذا المكون السمعي يستخدم آلات موسيقية يطبعها التنوع والاختلاف، وقد صنفها الكاتب الى ثلاثة اصناف :
1/الالات الوترية
2/الالات الهوائية
3/الالات الايقاعية
وهذه الالات نفسها تستخدم لإنتاج اصوات تحاكي الاصوات الطبيعية فتنتج بلك الاصوات الاصطناعية كأصوات السيارات مثلا .
- الفصل الخامس:نحو شعرية للظواهر الاحتفالية المغربية الحلقة نموذجا
يعبر الكاتب عن اقتناعه بانتماء الظواهر الاحتفالية المغربية الى المجال الدرامي، لأنها تمتلك مقومات و شروط التمسرح ، ثم يتخذ من الحلقة نموذجا معبرا عن هذا الانتماء بغية “صياغة شعرية للظواهر المسرحية المغربية وإرساء نظرية تفسر كيفية اشتغال الفرجة الشعبية والقوانين المتحكمة في انساقها الداخلية وسيرورة انتاجها للدلالة”/ “ص 236 ” ، بناء على السيميولوجيا باعتبارها اداة لتفكيك الخطاب المسرحي والبحث عن شعرية تمسك بقوانين الفعل المسرحي من خلال دراسة العلامة المسرحية .
وبنظره في مفهوم العلامة وطبيعتها في المسرح، نجد الباحث يعتبر العلامة شيئا يقوم مقام شيئ اخر، ويقر بأنها تتشكل في سياق مواضعات يقررها المتلقي ، ثم ينتقل الى مقاربة مفهومها كما ورد عند “دوسوسير” و”شارل ساندرس بورس”، ليخلص الى ان الاختلاف الحاصل بينهما يتمحور بالأساس حول بنية العلامة، فاذا كان الاول يعتبرها ثنائية المبنى ذات طابع مزودج ” دال ومدلول”، فان الثاني يقر بوحدتها الثلاثية” دال / مدلول / مرجع”، ليقترح بلسان “ان اوبرسفيلد” توسيع المفهوم ليشمل اللغة المسرحية المتعددة العلامات والأنساق السمعية والبصرية والشمية والفرجوية رغم صعوبة عزل العلامة المسرحية ،فالعرض المسرحي يتأسس على مبدأ التوافق الدلالي، حيث كل العناصر الفرجوية تشتغل بشكل متزامن ومنسجم .
ان الباحث يعتقد ان العلامة المسرحية تتبنين وفق وحدة ثلاثية المبنى: الدال والمدلول والمرجع الخارجي ، فالدال المسرحي يتسم بالتنوع والخصوبة والدينامية والقابلية للتحول ” القصبة مثلا” / ص 251 ويمكن تصنيفه الى دوال عبارة عن انساق سمعية ودوال عبارة عن انساق بصرية .
واما المدلول فهو الصوة الذهنية او المفهوم، ومن خصائصه في التوظيف المسرحي التعدد بالنظر الى تعدد سياقات توظيف العلامات وطبيعة العلاقات التي تربطها داخل العرض المسرحي ،في حين ان المرجع في المسرح يقوم على وجود مزدوج، فهو مرجع لساني يحيل على النص الدرامي وهو كذلك مرجع بصري يتمثل في الانجاز الركحي .
بعد تعريف الوحدات العلاماتية الثلاث وسماتها المسرحية ،يحاول الكاتب تصنيف العلامات في الحلقة مستندا على تقسيم السيميائي البولندي” تاديوز كوزان” الذي قسم العلامات الى :
- العلامات الطبيعية التي تقوم على علاقة السبب بالنتيجة بين الدال والمدلول ” السعال الذي يدل على المرض”
- العلامات الاصطناعية التي يقصد بها التوظيف الجمالي للعلامات و تغيب عنها علاقة السبب بالنتيجة.
ويمكن التمييز بينهما بناء على معيار الارادية والقصدية
كما اكد الكاتب ان العلامات يمكن النظر اليها بناء على تصنيف اخر :
- العلامات المحفزة غير الاعتباطية وهي علامات خاضعة للتعليل
- العلامات الاعتباطية وهي من النوع الذي لا تربط فيه بين الدال والمدلول علة.
وعبر هذا التصنيف يخلص “محبوب” الى ان العلامة في الحلقة تتراوح بين الاعتباطي والمحفز. ومادام الكلام يمثل جوهر الممارسة الفرجوية في الحلقة فاغلب العلامات التي توظفها تندرج فيما يعرف بالعلامات الاعتباطية ،وبروز العلامات الاعتباطية لا يلغي وجود العلامات المحفزة التي تنتمي الى مجال العلامات الطبيعية ” السعال مثلا ”
- العلامات الاتفاقية في الحلقة لها حضور لافت مثل العلامات اللغوية والعلامات الايمائية والحركية .
ان العلامة في الحلقة تتميز بالخصائص التالية:
- وحدة العلامة وتعدد المرجع : فالعلامة في المسرح تتميز بطبيعتها المزدوجة فهي تنتمي الى الواقع وهي تنتمي ايضا الى مجال المتخيل، فهي تحيل على ذاتها وعلى مرجع متخيل. “مثلا استعمال الاداة المسرحية القصبة “
- احادية المنتج وازواجية المتلقي: التواصل المسرحي يتسم بخصوصيته فالمرسل والمنتج للعلامات يتميز بكونه متعددا ” الكاتب –المخرج – السينوغراف..الخ” ، اما الشفرة فهي متعددة ” لسانية وبصرية” والمتلقي مزدوج : متلقي داخل العرض وضمن مجال الركح واخر في الصالة /الجمهور “تعدد المبدعين المنتجين في المسرح لا ينطبق على الممارسة الفرجوية في الحلقة وهذا مكمن خصوصيتها وتميزها ..فالممثل سيد الحلقة / احادية المنتج والمتلقي متسم بالتعدد”.
- احادية المنتج وتعددية المعنى : المنتج في الحلقة هو الحلايقي، واحادية المنتج يقابلها تعدد على مستوى الدلالة، فرغم الاقتصاد في استعمال الدوال الا انها ذات قدرة توليدية ايحائية كبيرة،وهنا يدرس الباحث مقطعا للحلايقي “خليفة” في حديثه عن “الراقد” ليخلص الى ان المعنى الدلالي متعدد في الحلقة .
ومن خلال هذا التحديد المستفيض لخصائص ومميزات العلامة في الحلقة يخلص الباحث الى انها تتسم بالتعدد ،و تشتغل وفق نسق يعتمد الوحدة والتناغم ، من خصائصها ايضا:
- السميأة: الية تمكن من تحويل الاشياء والوقائع على الركح من طابعها الواقعي ووظيفتها النفعية والعملية الى وظيفة رمزية تخييلية / ” الطربوش”
- الدينامية والتحول: فالعلامة لها قدرة على التبدل والتحول .
- الطابع التخييلي فهي لا تحيل على واقع مباشر بقدر ما تحيل على مرجع متخيل .
- العلامة في الحلقة شفافة لأنها تحيل على مرجع متطابق مع مرجع المتفرج .
- الابانة والاظهار: تقوم العلامة على مبدأ العرض والمشابهة، غير ان العلامات ذات الطبيعة الابانية محدودة داخل العالم الفرجوي للحلقة .
المحور6: الخطاب الاستنتاجي الاستشرافي للخاتمة
تحضر خاتمة الكتاب على شكل خطاب تأكيدي لأطروحة الباحث، التي تنبني على مبدأ فكري وجمالي يعتبر ان قراءة الظواهر الاحتفالية المغربية من زاوية التمسرح قد فتح الابواب نحو صياغة شعرية خاصة بهذه الظواهر، بمبرر انتمائها الى المجال الدرامي .
وقد قامت الخاتمة على صنفين من خلاصات التي ترتبط فيما بينها وفق نسق تكاملي ينسجم مع المرجعيات الفكرية والجمالية للكاتب.
- الخلاصات ذات الطابع الخاصالتي اسنتجها الكاتب : “عشر خلاصات تشكل نتائج مباشرة للكتاب”
- التمسرح بحث في الثوابت التي يقوم عليها الفعل المسرحي
- التمسرح المسرحي يقوم على : الممثل واللعب والفضاء
- الجماليات المسرحية تتحدد بناء على طبيعة العلاقة بين التمسرح والواقع
- الحلايقي هو الدعامة الاساسية للتمسرح في الحلقة
- اللعب في الحلقة له خصوصيته وطابعه الخاص حيث اللعب في الحلقة يشمل انماطا مختلفة
- اللعب في الحلقة يتاسس على جدلية الاتصال والانفصال التمثيل واللاتمثيل
- الجسد االمسرحي في الحلقة جسد احتفالي
- الفضاء المسرحي له طريقة خاصة في التشكل وابعاده متنوعة
- المسرح ملتقى العلامات
- الحلقة تخضع لشروط التمسرح وتحتفظ بخصوصيتها وتميزها
- الخلاصات العامة” اربع توصيات” ذات خطاب كوني تعكس المنطلق المرجعي/الاحتفالي الذي يستند عليه الكاتب/ بيان احتفالي جديد .
- مبدأ التعدد داخل منظومة الممارسة المسرحية
- ضرورة تجاوز الرؤية المنهجية التقليدية في مقاربة الظواهر الفنية والاشكال الاحتفالية المسرحية
- تكريس مبدا التخلص من الهيمنة والتبعية للغرب واذكاء النفس التحرري
- التخلي عن منطق صراع الحضارات وتكريس مبدا التكامل الحضاري
وأما البعد الاستشرافي لخطاب الخاتمة فيحضر من خلال رصد عدد من الاسئلة التي يمكنها ان تقود الباحثين المسرحيين نحو مقاربة تراثنا الفرجوي مقاربات متععدة ومتنوعة.
على سبيل الختم:
ومادمنا في حضرة السؤال الذي يعبر بنا الى عوالم التفكير العلمي، فليسمح لي الاستاذ “محبوب” بطرح الاسئلة التالية :
أولا: لماذا لم يحضر الخطاب التأصيلي العربي في الفنون الجميلة المشهدية الاخرى باستثناء المسرح؟
فنحن لا نمتلك نظرية او شعرية في الرقص والتشكيل والسينما مثلا دون ان يشكل عدم التملك هذا حرجا للمشتغل العربي في هذه الحقول الجمالية .
ثانيا: اذا كانت النظرية المسرحية الغربية قد بنت لنفسها خطابا ثوريا لتجديد نفسها والبحث عن جماليات مسرحية مغايرة ، فهل النظرية الاحتفالية تصوغ خطابها التجديدي من داخل النموذج المسرحي الغربي ام خارجه ؟
ثالثا: لماذا تظل النظرية الاحتفالية مصرة على هذا النمط من التجدد ” الحضور الجمالي داخل العلبة الايطالية ” دون العودة الى الاشتغال المسرحي في الفضاءات التي كانت تبني فيها الظواهر الفرجوية المسرحية التراثية خطابها الجمالي، مما قد يشكل لها ثورة جمالية حقيقية في وجه النموذج المسرحي الغربي الذي سعى الخطاب التأصيلي الى التخلص من قيوده دون جدوى ؟
محسن قارورة